ملخص
أثار التفجير الانتحاري في كنيسة بدمشق جدلاً حول مسؤولية الجماعة التي تقف وراءه، ففي الساعات الأولى، وبحسب تحقيقاتها الأولية، اتهمت الحكومة تنظيم "داعش" بالوقوف وراء العملية، في حين خرجت جماعة "سرايا أنصار السنة" لتتبنى العملية.
لم يعر فصيل "سرايا أنصار السنة" أي بال للإدانات المحلية والعالمية الواسعة للتفجير الانتحاري الذي طال كنيسة مار إلياس في حي دويلعة المسيحي الدمشقي، الأحد الماضي، الذي خلف نحو 25 قتيلاً وعشرات الجرحى من المصلين أمام مذبح الكنيسة في ساعات المساء، ليخرج الفصيل ببيان في ساعات فجر أمس الثلاثاء، معلناً تبنيه العملية ومسمياً المنفذ بـ"محمد زين العابدين أبوعثمان".
تبني "سرايا أنصار السنة" أثار كثيراً من التساؤلات لدى المراقبين للشأن السوري، خصوصاً وأن الحكومة السورية، وعلى لسان المتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا، قد صرحت في مؤتمر صحافي بعد ساعات قليلة من الهجوم على الكنيسة بأن تنظيم "داعش" يقف وراء العملية، بحسب تحقيقاتهم الأولية.
الكاتب والباحث السوري سركيس قصارجيان وصف اتهام الحكومة السورية لـ"داعش" بالسياسي والمستعجل، من دون أن ينفي إمكانية وقوف التنظيم وراء التفجير، مشيراً إلى أن سرعة اتهام الحكومة للتنظيم، وفي مدة قصيرة من دون تحقيقات، وضعت مصداقيتها على المحك، وفق تعبيره. وأضاف "إما أنه اتهام سياسي، للقول إن داعش هي من تحارب هذه السلطة، وبالتالي تكسب السلطة نقاطاً من هذا الاتهام على المستوى العام، أو أن السلطة، إذا كانت على علم مسبق بوجود مثل هذا المخطط، فلماذا لم تتدخل لمنع وقوع مثل هذه الكارثة؟".
وعلى رغم من إعلان الحكومة السورية التزامها محاربة تنظيم "داعش"، فإن المراقبين يجدون صعوبة في وضع المعايير للجماعات التي تحمل "الفكر التكفيري"، وفق ما يقول قصارجيان، مشيراً إلى أن صدور بيان "سرايا أنصار السنة" يطرح التساؤل "حول كيفية التمييز من خلاله بين داعش ونهجها وعملها عن الفصائل الأخرى التي لا تختلف في الأيديولوجيا والعقيدة، ولا في مستوى الخطاب، ولا تظهر فرقاً عن طروحات داعش، سواء أكانت (أنصار السنة) أو (غرباء الشام) أو (الحزب الإسلامي التركستاني)، وكل هذه الفصائل المتطرفة التي كانت سابقاً ضمن جبهة النصرة"، موضحاً أن الصراع الحقيقي بينها ينصب على النفوذ والسلطة والمكاسب، وفق تعبيره.
وبحسب المعلومات، فإن فصيل "سرايا أنصار السنة" هو تنظيم لا مركزي، أسسه عنصر سابق في "هيئة تحرير الشام" يدعى أبوعائشة الشامي، مع عناصر آخرين من التنظيم نفسه ومن فصائل مختلفة، في فبراير (شباط) الماضي. وقد شارك في أحداث الساحل السوري وتبنى حرائق الغابات في تلك المنطقة، كما أنه يكفر الأقليات، في حين يقول الفصيل إنه لا يعمل لمصلحة تنظيم "داعش".
"داعش" وراء الهجوم مجدداً
في مؤتمر صحافي عقده المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، نور الدين البابا، مساء الثلاثاء، حول العملية الأمنية التي قامت بها قوى الأمن السوري في محيط العاصمة دمشق، باستهداف خلية تقف وراء الهجوم على الكنيسة في حي دويلعة ومستجداتها، قال البابا إن النتائج الأولية للتحقيقات بينت أن الخلية تتبع رسمياً لتنظيم "داعش"، كما أعلنت الوزارة منذ اليوم الأول، بناء على المعطيات والتحقيقات الأولية، وليس لها علاقة بأي جهة دعوية، في إشارة إلى بيان "سرايا أنصار السنة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف أن الخلية التي ألقي القبض عليها يتزعمها شخص سوري الجنسية يدعى محمد عبدالإله الجميلي، ولقبه "أبوعماد الجميلي"، وهو من سكان منطقة الحجر الأسود في دمشق، وكان يعرف بـ"والي الصحراء" في تنظيم "داعش"، وقد "تعرض اعترافاته المصورة لاحقاً حال الانتهاء من التحقيق معه".
وأضاف المتحدث باسم الوزارة أن قواتهم استطاعت خلال عملية أمس تحييد أحد المتورطين في "التفجير الغادر" بكنيسة مار إلياس، وإلقاء القبض على انتحاري آخر كان في طريقه لتنفيذ عملية في مقام السيدة زينب قرب العاصمة دمشق، ومصادرة دراجة نارية معدة للتفجير في أحد التجمعات المدنية ضمن العاصمة، موضحاً أن الانتحاريين قدما إلى دمشق من مخيم الهول، عبر البادية السورية، "وتسللا بعد تحرير العاصمة، بمساعدة المدعو أبوعماد الجميلي، مستغلين حال الفراغ الأمني بداية التحرير، وهما غير سوريين".
أثارت حادثة التفجير الانتحاري داخل الكنيسة موجة كبيرة من الاستنكار والتنديد من الأطراف السورية المختلفة وكذلك الدولية في حين حذرت سفارة الولايات المتحدة الأميركية رعاياها بشدة من السفر إلى سوريا مع ضرورة مغادرة البلاد عبر دول الجوار، مرفقة التحذير بإجراءات كيفية المغادرة عبر المعابر البرية في وقت لا يزال المجال الجوي السوري مغلقاً أمام الطيران المدني.
تأثير التفجير
أثارت حادثة التفجير الانتحاري داخل الكنيسة موجة كبيرة من الاستنكار والتنديد من الأطراف السورية المختلفة، وكذلك الدولية، في حين حذرت سفارة الولايات المتحدة رعاياها بشدة من السفر إلى سوريا، مع ضرورة مغادرة البلاد عبر دول الجوار، مرفقة التحذير بإجراءات توضح كيفية المغادرة عبر المعابر البرية، في وقت لا يزال المجال الجوي السوري مغلقاً أمام الطيران المدني.
من جهته، لفت الكاتب والباحث السوري قصارجيان النظر إلى أن لمثل هذه العمليات تأثيراً على السلطة، التي تتلقى جزءاً كبيراً من دعمها الإقليمي والدولي على أساس تأمين الاستقرار والأمن في البلاد، "والاعتقاد بأن وجود هذه السلطة ضمانة لعدم انجرار البلاد إلى مستنقع دم يبدأ بمجازر ضد الأقليات وينتهي بمجازر بين الفصائل الراديكالية فيما بينها". ومن ثم، عندما يهتز هذا الاستقرار داخل سوريا، فإن السلطة تفقد رصيداً مهماً جداً من استمرار هذا الدعم الإقليمي والدولي، على حد تعبيره.
في حين أن الجانب الاقتصادي، بحسب قصارجيان، لا يشهد أي استثمار طويل الأجل أو مشاريع استثمارية كبرى، "لأن الأمور في سوريا لا تزال غير واضحة".