ملخص
من نجم كرة قدم واعد تألق مع سبارتاك موسكو وأياكس، إلى فار من العدالة الهولندية، تنحدر قصة كوينسي بروميس في دراما متقلبة تنتهي بترحيله وسجنه بتهم الاعتداء وتهريب المخدرات، وسط صراع قضائي دولي وعلاقات معقدة بين الرياضة والجريمة.
كثيراً ما كان كوينسي بروميس ضمن قوائم المراقبة. فقد كان اسمه شائعاً في عمود الإشاعات حول الانتقالات في الدوري الإنجليزي الممتاز، إذ ورد أن أندية مثل ليفربول ومانشستر يونايتد وأرسنال أبدت اهتماماً بضم لاعب الوسط الهجومي المتألق قبل نحو عقد من الزمن، بعدما لفت الأنظار وأثبت نفسه كـ"موهبة واعدة" خلال فترة تألقه مع سبارتاك موسكو.
وقد قضى الهولندي الجزء الأكبر من مسيرته في العاصمة الروسية، حيث لعب هناك سبعة أعوام على فترتين. كانت الفترة الأولى بين عامي 2014 و2018 هي الأبرز في مسيرته. فبروميس كان ينتمي إلى نمط من اللاعبين كان رائجاً حينها، إذ كان لاعب وسط سريعاً ومتفجراً وقادراً على اللعب في العمق وعلى الأجنحة أيضاً. وبسجل مميز بلغ 66 هدفاً و34 تمريرة حاسمة في 135 مباراة مع سبارتاك، لم يكن مستغرباً أن تسعى كبرى الأندية الأوروبية لضمه.
لكن مع الانتقال إلى عقد العشرينيات من القرن الحالي، كان بروميس، وقد قارب الـ30 من عمره، لا يزال هدفاً، ولكن هذه المرة من قبل الشرطة الهولندية، فقد تحول من لاعب كرة قدم إلى هارب من العدالة، وملاحق من سلطات بلاده بتهم الاعتداء الجسيم وتهريب المخدرات. وقد استغرق الأمر أعواماً من المطاردة حتى تم أخيراً تسليمه ليبدأ تنفيذ حكمه الذي طال انتظاره.
كان بروميس قد عاد إلى وطنه في 2020، حين انضم إلى عملاق كرة القدم الهولندية أياكس، عندما بدأت تفاصيل حياته الخاصة المروعة تتكشف أمام الرأي العام، فازدادت شهرته خارج الملعب بصورة مذهلة. فقد وجهت إليه تهمة طعن ابن عمه خلال حفلة عائلية في يوليو (تموز) من ذلك العام، وهي جريمة أقرب إلى أحداث المسلسلات الدرامية، أثارت دهشة وذهول عالم كرة القدم بأسره. وقد تم احتجازه في ديسمبر (كانون الأول)، ثم أطلق سراحه بعد وقت قصير بانتظار التحقيق، وخلال تلك الفترة أصر بروميس على براءته. ولكن في غضون شهرين فقط من وضعه رهن الاحتجاز، غادر لاعب الوسط الأراضي الهولندية نهائياً، مفضلاً العودة إلى صفوف سبارتاك، في وقت كانت حريته مهددة بصورة جدية.
ومع عودته إلى موسكو، وجه المدعون إليه تهمة الشروع في القتل، التي خفضت لاحقاً إلى تهمة الاعتداء الجسيم. لكن عندما حان موعد محاكمته في مارس (آذار) 2023، لم يظهر له أي أثر. إذ بقي في روسيا، متجاهلاً أمر المحكمة، ولم تستطع هولندا فعل شيء حيال ذلك بسبب غياب اتفاقية تسليم المطلوبين مع روسيا، في ظل التوترات الناجمة عن الحرب في أوكرانيا.
وأصدرت المحكمة الهولندية حكماً غيابياً بسجن بروميس لمدة 18 شهراً، مما يعني أن زنزانة كانت بانتظاره في حال قرر العودة إلى وطنه، لكن ذلك لم يبدُ أنه أقلقه، إذ واصل لعبه مع سبارتاك وكأن شيئاً لم يكن، وهي فترة ثانية في موسكو سجل خلالها 48 هدفاً في 100 مباراة، ليصبح سادس أفضل هداف في تاريخ النادي.
ومع ذلك فإن حكم الإدانة في قضية الاعتداء لم يكن سوى قمة جبل الجليد في سجله الإجرامي. فالأخطر بكثير كان اتهامه بالمشاركة في تهريب كمية مهولة من الكوكايين، تحديداً 1362 كيلوغراماً، عبر ميناء أنتويرب البلجيكي، وهي كمية تقدر قيمتها في السوق بعشرات الملايين من اليوروهات.
وقد جادل الادعاء بأن بروميس لم يكن مجرد ترس صغير في آلة التهريب، بل كان عنصراً محورياً في العملية.
ومرة أخرى أنكر اللاعب التهم الموجهة إليه، لكن النيابة أكدت أن الشرطة الهولندية كانت تتنصت على هاتفه منذ 2018، وجمعت أدلة تشير إلى تواصله حول عمليات تهريب مخدرات واسعة النطاق من خلال منصات رسائل مشفرة.
وجاءت هذه القضية في ظل تصاعد الروابط بين كرة القدم والجريمة المنظمة في هولندا، الدولة التي باتت تواجه موجة متزايدة من الجرائم المرتبطة بتحولها إلى مركز عالمي لعمليات تهريب المخدرات.
وقد استحوذت هذه الفضيحة التي طاولت بروميس، اللاعب الذي مثل منتخب بلاده في 50 مباراة وشارك في "يورو 2020"، على اهتمام الرأي العام الهولندي بشدة.
بلغت المحاكمة ذروتها في مطلع 2024، وتميزت مرة أخرى بغياب بروميس عن الحضور. وقال المدعي العام خلال الجلسة "يبدو أنه يظن نفسه بمنأى عن المساءلة في روسيا أو خارجها".
وقد دين بروميس وصدر بحقه حكم بالسجن ستة أعوام غيابياً، وهو حكم استأنفه اللاعب عبر محاميه، من دون جدوى، وسرعان ما أعقب ذلك نشرة عاجلة أصدرتها هولندا عبر الإنتربول لتنبيه الدول الأخرى إلى وضعه كمطلوب فار من العدالة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في ذلك الوقت، كان بروميس في دبي ضمن معسكر تدريبي مع فريق سبارتاك. وبما أنه لم يعد داخل الحدود الروسية التي كانت توفر له الحماية، فقد التزمت دولة الإمارات بالإشعار الأحمر الصادر عن الإنتربول واحتجزت بروميس، حيث تم توقيفه من قبل سلطات الحدود في مطار دبي الدولي بينما كان يعتزم مغادرة البلاد. ومع ذلك جاءت تصريحات الشرطة الإماراتية مبهمة، مشيرة إلى تورطه المزعوم في حادثة اصطدام وفرار باعتباره السبب الرئيس لاعتقاله، بينما بدا أن الإشعار الأحمر كان عاملاً ثانوياً في العملية.
وفي نهاية المطاف، قررت الإمارات الإفراج عن بروميس، وسط تقارير تفيد بتعرضها لضغوط شديدة من مسؤولين روس، وذلك بانتظار محاكمته في قضية المرور الأخيرة، بدلاً من ترحيله الفوري إلى هولندا، وهو أمر يصعب تنفيذه بطبيعة الحال، مما يعني أن الدولة الخليجية لم تنفذ بعد اتفاقية تسليم المطلوبين الموقعة مع هولندا 2021. ومع استمرار التحقيقات في حادثة الاصطدام والفرار، اضطر بروميس للبقاء في الشرق الأوسط، حيث واصل استعراض حياته الفارهة رغم كونه مفرجاً عنه بكفالة.
مع ذلك فإن عدم قدرة بروميس على مغادرة الإمارات أدى في نهاية المطاف إلى استبعاده من صفوف سبارتاك خلال الصيف، بعدما غاب عن كامل النصف الثاني من موسم الدوري الروسي الممتاز.
ويبدو أن الدائرة كانت تضيق أخيراً عليه، فقد بات مطلوباً بشدة في هولندا، وصدر بحقه حكمان خطران، وأصبح الآن بلا ملاذ آمن في موسكو.
ومع ذلك فإن وضعه كمطلوب دولي لم يمنعه من إيجاد ناد جديد. ففي سبتمبر (أيلول) 2024، انضم إلى نادي يونايتد في دبي بعقد لمدة عام واحد، سجل خلاله 13 هدفاً في 19 مباراة. وقد شكلت هذه الخطوة بداية الفصل الأخير من حياته كهارب من العدالة، وبانتهاء عقده هذا الشهر، وبعد أن لم يعد مفيداً للنادي الإماراتي، تقدم بروميس بنداء أخير استثنائي إلى السلطات الهولندية في محاولة لإنقاذ نفسه.
وقال في مقابلة مع برنامج "آر تي أل بوليفارد"، "لن أكذب، أنا أفتقد هولندا كثيراً وأرغب في العودة"، معرباً عن استعداده أخيراً للتعاون وحضور المحاكمة. لكن العقبة؟ رغبته في تجنب السجن فور عودته، على أمل مواصلة مسيرته الكروية أثناء النظر في طلب الاستئناف.
وأضاف بروميس، "كثير من الناس قالوا إنني هارب، لكنني كنت أحاول التواصل مع وزارة العدل منذ فترة لحل الأمر. أريد أن أتحمل المسؤولية في هولندا وأواصل مسيرتي. وأن أتمكن من السفر ذهاباً وإياباً إلى هولندا عند استدعائي، ثم أعود لمواصلة لعب كرة القدم. هذا ما أريده".
وكان الادعاء الهولندي قد رفض في السابق هذا الطلب، نظراً إلى عدم وجود أي سابقة قانونية مماثلة، مما يعني أن منحه هذا الامتياز سيكون بمثابة معاملة تفضيلية.
وقد تقدم محاميه الحالي جيم بولات، بطلب مماثل مجدداً، من دون جدوى. وفي الأسبوع الماضي، وبعد فترة قصيرة من المقابلة، نفدت أخيراً حظوظ بروميس، إذ تم اعتقال بروميس في دبي بناء على طلب من الشرطة الهولندية، وتم ترحيله الجمعة الماضي إلى وطنه، كما أكدت النيابة العامة في هولندا، حيث سيقضي حكماً بالسجن مدته سبعة أعوام ونصف العام، بعد إدانته في القضيتين معاً.
ولا تزال إجراءات استئناف الحكم في كلا الملفين قائمة، مما قد يؤدي إلى تشديد العقوبة، إذ أوصى الادعاء بأن يقضي تسعة أعوام خلف القضبان.
لكن ومع استمرار هذه العملية، فلن يكون هناك أي مجال للحرية لنجم أياكس السابق. فبروميس الذي كان يوماً ما من أبرز صادرات البلاد الكروية، شكل سقوطه الحتمي إلى غياهب السجن نهاية محتومة لقصة إحدى "بيضات الفساد" في عالم كرة القدم، وهذه قصة تحذيرية تدفع للتأمل في الكيفية التي قد ينحدر بها لاعب ناجح إلى هذا العمق في عالم الجريمة.
وقد تواصلت "اندبندنت" مع النيابة العامة الهولندية والفريق القانوني لبروميس للتعليق.
© The Independent