Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"لؤلؤة" شتاينبك من بريق السينما إلى شحوب اليأس

رواية عن الثروة التي تسحق السعادة وخواء الأمنيات ما إن يجود القدر بتحقيقها

مشهد من فيلم مقتبس عن "اللؤلؤة" (موقع الفيلم)

ملخص

رواية "اللؤلؤة" للكاتب الأميركيجون شتاينبك تضمن إغراءات كثيرة للشاشة تتأتى من أسلوب مؤلفها البصري والموسيقي، ولغته المتأثرة أصلاً بأساليب الفن السابع

إذا كانت السينما قد أحبت بصورة عامة روايات الكاتب الأميركي جون شتاينبك وأفلمت معظم رواياته كما فعل المسرح حين اقتبسها، فإن شغفاً سينمائياً بادي الخصوصية كان من نصيب رواية "اللؤلؤة" التي يمكن اعتبارها أقصر رواية كتبها، كما أشهر رواياته وأكثرها شعبية. وهي بالتالي كانت وتبقى الرواية التي اقتبستها السينما أكثر من أية رواية أميركية أخرى، حتى وإن كان اقتباسان فقط يحملان اسم شتاينبك كمؤلف بكل وضوح، فيما ثمة ما لا يقل عن نصف دزينة أخرى من اقتباسات غفلة في بلدان عديدة منها اقتباس في السينما اللبنانية حقق قبل أكثر من 50 عاماً بعنوان "القدر" نسي صانعوه أن يذكروا اسمه كمؤلف للرواية فوضعوا مكانه اسم مخرج الفيلم كمؤلف. ولا شك أن شتاينبك لو شاهد هذا الفيلم لسره أن يتم تجاهل اسمه فيه تجاهلاً تاماً.

ومهما يكن من أمر هذا التجاهل فإن ما لا بد لنا من الإشارة إليه هو أن ثمة في "اللؤلؤة" إغراءات كثيرة للشاشة تتأتى من أسلوب شتاينبك البصري والموسيقي، ولغته المتأثرة أصلاً بأساليب الفن السابع.

ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أن هذا التوصيف ينطبق إلى حد ما على مجمل روايات هذا الكاتب الذي يبدو منسياً اليوم، وإن ضمن حدود، ومنها بالتأكيد تحفته "عناقيد الغضب" التي حازت أوسكارات مستحقة حين حولها جون فورد في عز زمن الركود الاقتصادي إلى ذلك الفيلم الأميركي الكبير، وباتت بالتالي على كل شفة ولسان حين ذكرت أكثر من أية رواية أخرى للكاتب في حيثيات منحه جائزة نوبل للآداب. وطبعاً لا يمكننا أن نزعم هنا أن لرواية "اللؤلؤة" قوة "عناقيد الغضب" ومكانتها، لكن لها في الأدب الأميركي شعبية لا تُضاهى بالتأكيد. ويخيل إلينا أن ما من أميركي لم يقرأها ولو مرة في حياته، بل إن كثراً خارج أميركا قرأوها أو شاهدوا اقتباساتها على الشاشات، بلغات متنوعة. فحازت مكانتها الكبرى على رغم بساطتها وربما خطبتها الوعظية.

ومع ذلك لا بد من القول منذ الآن إن شتاينبك لم يخترع هذه الرواية، بل إنه اقتبسها من الحكايات الشعبية لدى سكان أميركا الأصليين من الهنود الحمر الذين، دون أن يؤكدوا أن الأحداث التي ترويها قد وقعت حقاً، دائماً ما تبنوا حكاية الرواية، وحكوها في سهراتهم في المناطق التي يعيشون فيها قرب بحر خليج المكسيك.

فما الحكاية التي ترويها "اللؤلؤة"؟

الأقدار والحظ السيئ

هي حكاية تبدو للوهلة الأولى شديدة العادية عن الحياة الصعبة والبائسة في قرية لصيادي السمك بالكاد يمن البحر فيها على الفقراء بما يقيهم الجوع والبؤس، فكيف إن تجاوزت أحوالهم الملحة هذين العدوين الشرسين وتحديداً كما حدث للصياد كينو الذي كان من عادته أن يتقبل مصيره كما هو بقلب وروح منفتحين، حيث لا يقابلنا إلا مبتسماً مغنياً مموسقاً حتى ساعات الجوع البسيط. فهو في نهاية الأمر قانع بما يرزقه على قلته مطمئناً على الدوام زوجته الصابرة وابنه الطفل الذي يعتبره متعة هذه الحياة الدنيا، بأن كل شيء سيكون على ما يرام، في وقت لا يتوقف فيه عن الحلم بالعثور في غياهب البحر على لؤلؤة أسطورية ستنتشله من كل ما يعانيه. ويتكثف حلمه حين يصاب الطفل بمرض تحتاج مداواته منه إلى مبلغ لا يستهان به. وفي هذه اللحظة يحدث لكينو أن يعثر على اللؤلؤة - أكبر لؤلؤة في العالم - ويتمكن من انتشالها من حيث ترقد في الأعماق. ويشعر كينو أن حياته ستتغير بعدما يصحب طفله إلى المدينة حيث يتوخى بيع اللؤلؤة ومداواة الطفل والبحث عن عيش لا بؤس فيه.

لكن الأمور لا تسير على ذلك النحو، بل سيصاحب كينو منذ تلك اللحظة، سوء الحظ وأطماع الآخرين والكوارث تباعاً وهو مدهوش مما يحصل له. وما يحصل له سيكون موت طفله، ولكن أيضاً جملة من ضروب سوء حظ أخرى، تنتهي به إلى العودة إلى قريته وقد دفن الصغير في المدينة، ليرمي هذه المرة اللؤلؤة في البحر من جديد وقد تيقن أنها السبب في ما أصابه بدلاً من أن تكون طريقه إلى السعادة المرجوة.

سيرة كاتب كبير

ولد جون شتاينبك عام 1900 في بلدة صغيرة تُدعى سليناس بولاية كاليفورنيا كان من عادة رعاية البقر أن يقيموا فيها عروضاً لركوب الحصان (روديو). كانت من أول ما تفتحت عليه عيناه منذ طفولته وترسخت في ذاكرته إلى درجة أننا سنراها ماثلة لاحقاً في عديد من نصوصه الروائية والقصصية.

وعلى عادة معظم المشاهير الأميركيين نرى في سيرته أنه عاش في طفولته وشبابه حياة صهرته فعمل خادماً في مزرعة قبل أن يلتحق بجامعة ستانفورد التي ما لبث أن تركها ليتوجه باحثاً عن حظوظه في نيويورك، ومنها إلى باناما قبل عودته إلى كاليفورنيا.

وهو خلال تنقلاته عمل في البناء وبدأ يكتب للصحف المحلية قبل أن يلتحق كحارس أمني في فيلا بعض الأثرياء في سييرا نيفادا. والحقيقة أن هذه التنقلات هي التي كانت مدرسته الحقيقية والفضاء الذي استعار منه تلك الشخصيات التي تملأ حكاياته. وهو بدأ كتابة تلك الحكايات حقاً حين كان يمضي أياماً طويلة في وحدته كحارس في سييرا نيفادا. وكانت بدايته الأهم مع قصة "الكأس الذهبية" التي استقاها من الحياة الغريبة التي عاشها في باناما. وكانت أول قصة تنشر له، مع أنه سيتحدث لاحقاً عن تجارب قصصية سابقة أخرى لم تجد طريقها في ذلك الحين للنشر. وكانت "الكأس الذهبية" فاتحة تفاعل جمهور ما معه، إذ لم يلبث أن نشر واحدة من روايات طويلة له ستعرف طريقها للنشر، وهي "حقول الفردوس" التي حققت نجاحاً كبيراً مكَّنه على التوالي من نشر روايتين تاليتين له باتتا بالتالي من كلاسيكيات الأدب الأميركي، وهما "نحو إله مجهول" ولا سيما "تورتيلا فلات" التي جعلت الجمهور العريض والنقاد معاً يعتبرونه من أبرز كتاب جيله إلى اعتباره كاتب المهمشين، "صوت الذين لا صوت لهم"، في أدب يطرح أسئلته بقوة على ما تبقى من الحلم الأميركي، في سنوات الركود الاقتصادي في الثلاثينيات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

السينما وعناقيد الغضب

ولعله كان من الطبيعي أن تقود كل تلك الإرهاصات كاتبنا إلى روايته الكبرى، والتي ستتوج تفاعله من ناحية مع الحلم الأميركي الشهير، ومن ناحية أخرى مع انكشاف ذلك الحلم من جراء الانهيار الاقتصادي... ونتحدث طبعاً هنا عن "عناقيد الغضب" تلك الرواية التي فتحت في وجه شتاينبك كما أشرنا أول هذا الكلام، الأبواب واسعة لوصوله إلى العالمية وحصوله على جائزة نوبل الأدبية من جهة، ووصوله من جهة ثانية إلى الاهتمام الهوليوودي من خلال أفلمة تلك الرواية وحصول الفيلم على أوسكارات عديدة شرفت هوليوود بأكثر مما تشرفت بها.

ونعرف طبعاً أن جون شتاينبك (1902 - 1968) لم يتوقف عن التعامل مع هوليوود التي راحت تمعن أفلمة لرواياته، بل حتى تكلفه بين الحين والآخر كتابة سيناريوهات عن نصوص لكتاب آخرين - كما حدث حين كلف بكتابة سيناريو فيلم "أرض الفراعنة" من إخراج هاوارد هاوكس، والذي صور في مصر بحضور شتاينبك بين هوليووديين آخرين.

ولئن كان شتاينبك قد ضجر يوماً من العمل السينمائي ابتعد عن هوليوود غاضباً، فإن هوليوود من ناحيتها لم تضجر منه فواصلت اقتباس نصوصه أفلاماً مضمونة النجاح، ولا تزال تفعل حتى اليوم، فيما واصل هو كتابة القصص والروايات بنجاحات متفاوتة، ومن بينها طبعاً "اللؤلؤة" التي إن لم تكن أقوى قصصه فإنها تبقى أشهرها إلى جانب "عناقيد الغضب" بالتأكيد، و"عن الرجال والفئران" روايته التي تبقى المفضلة بالنسبة إلى النقاد والباحثين الأكثر جدية.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة