Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من غزة إلى إيران... كيف نفهم طبيعة سلاح الاغتيالات الإسرائيلي؟

معوقات تقنية وحسابات نتنياهو السياسية جعلتا الأمر يبدو عشوائياً في القطاع بينما الدقة في الاستهداف في إيران بسبب اتساع المساحة والمكونات الإثنية والتدهور الاقتصادي

صور جنرالات عسكريين وعلماء نوويين إيرانيين قُتلوا في هجوم الـ13 من يونيو - طهران (أ ف ب)

ملخص

أظهرت إسرائيل تفاوتاً في استخدامها سلاح الاغتيالات بين غزة وطهران. ففي غزة واجه هذا السلاح معوقات، خصوصاً في المراحل الأولى من الحرب، بينما في إيران بدا الأمر سهلاً وممهداً ومخططاً ومدروساً... فما سر التباين؟

مع اتساع رقعة الصراع في الشرق الأوسط، لجأت إسرائيل إلى استخدام الاغتيالات جزءاً من عملياتها، لكن بنمط تنفيذ مختلف بين قطاع غزة والساحة الإيرانية. ووفقاً لمراقبين في غزة، نفذت إسرائيل خلال العمليات التي انطلقت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، سلسلة اغتيالات ضمن ضربات واسعة النطاق، اتسمت بشدة القصف واتساع رقعة العمليات، مما أدى إلى سقوط عدد كبير من المدنيين.

في المقابل، شنّت إسرائيل منذ الـ13 من يونيو (حزيران) الجاري سلسلة اغتيالات دقيقة في طهران، استهدفت قادة عسكريين وعلماء داخل مواقع يُفترض أنها محصنة، مما طرح تساؤلات حول أسباب العشوائية التي رافقت استهدافات غزة مقارنة بالدقة في العمليات الإيرانية.

الاحتماء بالأنفاق

يقول وكيل الاستخبارات المصرية السابق، اللواء محمد رشاد لـ"اندبندنت عربية"، إن قادة "حماس" الذين اغتيلوا "كانوا جميعاً خارج شبكة الأنفاق، مما جعلهم في مرمى الرصد والاستهداف"، لافتاً إلى أن عمليات الاغتيال في غزة وطهران "اعتمدت على اختراقات من عناصر بشرية مجندة".

بينما رأى رشاد، الذي تولّى سابقاً رئاسة ملف الشؤون العسكرية الإسرائيلية في جهاز الاستخبارات المصرية، أن استهداف القادة الإيرانيين ارتبط بضعف تدابيرهم الأمنية، إذ تابعتهم الاستخبارات الإسرائيلية فترات طويلة، قبل تنفيذ عمليات دقيقة في توقيت محسوب.

وأكمل رشاد "الحدود بين إيران وعدد من دول الجوار لا تخضع لرقابة أمنية محكمة، مما يسهم في سهولة عبور عناصر مجندة إلى الداخل الإيراني لتنفيذ المهمات"، معتبراً أن هذا النوع من الاختراقات يتطلب قاعدة بيانات وبعض القيادات الإيرانية واصلت نمط حياة اعتيادياً من دون إجراءات حماية كافية، مما جعلهم أكثر عرضة للاستهداف.

ومنذ الـ13 من يونيو الجاري صعّدت إسرائيل من عملياتها الأمنية داخل إيران، مستهدفة قيادات عسكرية واستخباراتية بارزة في الحرس الثوري، في اختراق واسع للمنظومة الأمنية. وطاولت الاغتيالات شخصيات من الصف الأول، بينهم القائد العام للحرس الثوري اللواء حسين سلامي، وقائد القوة الجوفضائية العميد أمير زاده، ونائب رئيس جهاز الاستخبارات في الحرس الثوري محمد حسن محققي، ورئيس هيئة الأركان العامة للقوات الإيرانية محمد حسين باقري.

كذلك شملت الضربات قائد فيلق فلسطين في الحرس الثوري سعيد إيزادي، ورئيس جهاز استخبارات الحرس الثوري العميد محمد كاظمي، وقائد سلاح المسيّرات في سلاح الجو أمين حودخي، إلى جانب نائب رئيس جهاز استخبارات فيلق القدس أبو الفضل نيكائي.

وبحسب متخصص الأمن الإقليمي والإرهاب الدولي أحمد سلطان، أظهرت إسرائيل تفاوتاً في استخدامها سلاح الاغتيالات بين غزة وطهران. ففي غزة، واجه هذا السلاح معوقات، خصوصاً في المراحل الأولى من الحرب، بسبب الطبيعة السرية لتحركات قادة "حماس"، الذين يعتمدون التخفي في شبكات من الأنفاق، وتجنّب التواصل المباشر مع أسرهم أثناء التصعيد، كجزء من إجراءات أمنية.

واستشهد سلطان أن محمد الضيف، على سبيل المثال، اكتسب اسمه الحركي بسبب تنقله المتواصل، وتجنبه الإقامة في مكان ثابت، وعلى رغم التزامه الطويل قواعد التخفي، خالف إجراءات التأمين الشخصي خلال زيارة لأسرته، مما جعله عرضة للرصد والاغتيال.

وبعض عمليات الاغتيال نُفذت لاحقاً نتيجة سلوكيات علنية لعناصر ميدانية جرى تصعيدهم خلال الحرب، من دون امتلاكهم الخبرة الكافية في العمل السري. ويضيف سلطان مفسراً تصاعد عمليات الاغتيال ضد قادة "حماس" أخيراً مقارنة بالفترة الأولى من القتال "القادة الجدد يفتقرون إلى الانضباط الأمني الذي ميّز قادة الصف الأول في 'حماس'، وخبراتهم الأمنية والتنظيمية التي تراكمت خلال عقود لا تقارن بعناصر صعدت تحت الضغط الميداني".

ومن أبرز قادة "حماس" الذين استهدفتهم إسرائيل بالاغتيال، سواء داخل قطاع غزة أو خارجه، إسماعيل هنية ويحيى السنوار ومحمد الضيف ومروان عيسى ورافع سلامة وصالح العاروري، وفق ما أعلنته إسرائيل أو نعته الحركة في بياناتها الرسمية.

ويضيف سلطان، "غالبية من ظهروا في مشاهد تسليم الأسرى قُتلوا لاحقاً، بسبب ميلهم إلى الاستعراض ونقص خبرتهم في العمل الأمني، إذ تلقوا تدريباً محدوداً على تكتيكات حرب العصابات والمبادئ الأساسية للتأمين الشخصي، مما جعلهم أهدافاً مكشوفة".

اختراق البيئة الإيرانية

وفي شأن طبيعة العمليات العسكرية في طهران أوضح أن "الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل هناك جاءت نتيجة اختراق واسع للبنية الاستخباراتية الإيرانية، ونفذت فرق إسرائيلية عمليات على الأرض بأريحية، بالاستناد إلى مصادر معلومات بشرية وتقنية دقيقة".

ومنذ الـ13 من يونيو الجاري دخلت إسرائيل وإيران في مواجهة جوية مباشرة أوقعت قتلى وجرحى من الجانبين. وبينما بررت إسرائيل الهجوم بوجود معلومات تشير إلى اقتراب طهران من تطوير سلاح نووي، نفت إيران ذلك، مؤكدة أن برنامجها النووي مخصص للأغراض السلمية فقط. وعلى رغم التحذيرات الدولية، فلم تُفلح الوساطات الغربية في كبح التصعيد.

وحول ظروف الاستهدافات المتكررة للقادة الإيرانيين، يعد سلطان أن بعضهم لم يلتزم الحد الأدنى من قواعد التأمين الشخصي، فاستمروا في استخدام هواتفهم الخاصة، وأقاموا في مواقع معلومة حتى في أوقات التوتر الأمني. مضيفاً أن عدداً من هؤلاء القادة لم يتبعوا الإجراءات الأمنية الأساسية، مثل تغيير أماكن الإقامة بصورة دورية، مما سهّل مهمة رصدهم وتعقبهم.

ولا يتغافل أيضاً حديثه أن البيئة الإيرانية أكثر قابلية للاختراق مقارنة بغزة، بسبب اتساع المساحة الجغرافية، وتعدد المكونات الإثنية، وتدهور الوضع الاقتصادي، مما جعل عمليات التجنيد أسهل، بخاصة مع استعجال طهران في إرسال عناصرها إلى ساحات كالعراق وسوريا من دون تدقيق أمني كاف.

وتعتمد "حماس" مساراً تنظيمياً يستغرق أعواماً، يبدأ من الانخراط داخل بيئة إخوانية ومراقبة دقيقة للسلوك والاتصالات وعلى رغم ذلك، وقعت كثير من الاختراقات. بينما أضاف سلطان أن طهران تواجه نشاطاً استخباراتياً مكثفاً في محيطها، خصوصاً في أذربيجان وكردستان العراق، حيث جرى تجنيد مقاتلين شاركوا في تنفيذ عمليات اغتيال دقيقة، بينما لا تولي الولايات المتحدة وبريطانيا اختراق "حماس" أولوية مماثلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل رأى رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية سمير غطاس أن إسرائيل تمكنت من الوصول إلى معظم قادة "حزب الله" ونفذت عمليات اغتيال دقيقة في طهران على رغم اتساع الجغرافيا الإيرانية مقارنة بضيق مساحة قطاع غزة.

وبرر غطاس تلك الأسباب في حديثه إلى "اندبندنت عربية" بقوله إن إسرائيل تتعامل مع غزة باعتبارها كياناً يمكن التعايش مع وجوده فترة طويلة، إذ تضع ضمن أهدافها تهجير السكان ودفعهم إلى الخروج من القطاع بينما ترى في إيران تهديداً وجودياً مباشراً، ولا تسعى إلى استهداف المدنيين أو ترحيلهم أو إطالة أمد الحرب.

وبدا أن وصول إسرائيل إلى قادة "حماس" واجه تحديات ميدانية، وفق غطاس، لا سيما أن معظمهم يتحصّنون داخل شبكة أنفاق معقدة ويتجنبون الظهور العلني، والتواصل بين الصف القيادي الأول والصفوف الأدنى جرى بوسائل بدائية يصعب تعقبها بخلاف ما جرى في لبنان أو طهران، حيث كشفت أجهزة الاتصال الحديثة تحركات قادة "حزب الله" أو المسؤولين الإيرانيين فيما تعتمد "حماس" على نقل الرسائل يدوياً تحت الأرض.

واستدرك قائلاً إن صعوبة الاغتيالات في غزة لا ترتبط فقط بمعوقات تقنية بل بحسابات سياسية تتعلق برغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في إطالة أمد الحرب بهدف كسب الوقت، وتسجيل نصر سياسي يعزز موقعه الداخلي، بخاصة في ظل قضايا الفساد التي تلاحقه.

ليست عشوائية

ويعتقد غطاس أن استهداف المدنيين بشكل عشوائي يندرج في إطار سياسة تهدف إلى تقليص عدد سكان القطاع تماشياً مع مشروع سياسي وخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتحويل غزة إلى منطقة اقتصادية وسياحية، التي ما زالت قائمة بحسب تقديرات غطاس مما يدفع باتجاه تفريغها من سكانها.

وعلى رغم شبكة الأنفاق التي تعتمد عليها "حماس" يعد غطاس أن غالبية قادة "حماس" جرى اغتيالهم بينما من تبقى لا يملكون خبرة أمنية كافية ويلجأون للاختباء إما في الأنفاق أو وسط التجمعات السكانية وبعد فترة من الحرب القيادة المركزية في كتائب القسام باتت شبه غائبة، ولم يتبق من قيادات الصف الأول سوى عز الدين الحداد المسؤول عن القطاع الشمالي، وأضاف أن العمليات الحالية تنفذها مجموعات صغيرة في مناطق محدودة.

وبالنظر إلى الدقة الفائقة التي أظهرتها إسرائيل في طهران شدد رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية على أن اختراق إيران استخباراتياً كان أعمق وجرت في حالات اليقظة والاسترخاء للثغرات الأمنية الناجمة عن تعدد القوميات داخل إيران وطبيعة النظام الأمني الصارم الذي يولد خصوماً محتملين قد يتعاونون مع جهات خارجية، وخلص إلى أن إسرائيل تمتلك بنية استخباراتية واسعة النطاق في محيط إيران تسمح لها بتنفيذ هذه العمليات بدقة.

ويتفق المتخصص في الأمن القومي اللواء محمد عبدالواحد أن الضربات في غزة ليست عشوائية بل تأتي ضمن خطة لإبادة ونسف مناطق سكانية بالكامل، ويقول إن الهدف ليس تنفيذ اغتيالات وحسب بل الاستيلاء على غزة في إطار خطة أميركية تؤدي إلى إخلاء القطاع والقضاء على أكبر عدد ممكن من السكان عبر اتباع سياسة القضم العسكري وتقسيم غزة إلى مربعات وصولاً إلى فرض التهجير.

وتقدر حصيلة القتلى الفلسطينيين منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة بما يزيد على 55 ألفاً، بينما تجاوز عدد المصابين 130 ألفاً وذلك وفق بيانات وزارة الصحة في غزة التي تديرها حركة "حماس".

ويعد عبدالواحد أن الاغتيالات الإسرائيلية تنفذ وفق أولوية الأهداف وقرار سياسي وليست منفصلة عن السياق العسكري الأوسع.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير