ملخص
تعتمد إسرائيل على قدرات سيبرانية ودعائية عالية ومتقدمة للغاية، فهي تستثمر مبالغ طائلة وتخصص وحدات خاصة، مثل الوحدة 8200، بهدف خوض حرب معلوماتية تستهدف التأثير في الرأيين العامين الإقليمي والعالمي.
في وقت تتصاعد فيه الضربات بين إسرائيل وإيران، يدفع الطرفان بمواجهة من نوع آخر مسرحها منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، حيث تسعى تل أبيب وطهران إلى استعراض نتائج قصفهما على ما يبدو لاستمالة شعوب المنطقة التي وجدت نفسها أمام معسكرين.
وتبث منصات مثل "إيران بالعربية" أو "إسرائيل تتكلم بالعربية" على مواقع التواصل الاجتماعي أخباراً جرى التحري فيها من قبل منصات متخصصة، وجرى التأكيد أنها كانت أخباراً مضللة مما يكشف عن حرب أخرى تتمثل في الترويج لسردية محددة للمواجهة بين الطرفين.
على سبيل المثال، بثت "إيران بالعربية" مقطع فيديو وخبراً مفاده بأن الدفاعات الإيرانية أسقطت طائرة من طراز "أف 35" إسرائيلية، لكن منصة "صحيح مصر" تحرت فيه وأثبتت أنه خبر كاذب.
حرب معلوماتية
وليست "إيران بالعربية" الوحيدة التي تضلل الجمهور العربي حول مجريات الأحداث بين طهران وتل أبيب، فمنصة "إسرائيل تتكلم بالعربية" حاولت هي الأخرى الترويج لأخبار كاذبة، من بينها أن "الجيش الإسرائيلي استهدف قادة عسكريين في ضرباته الأولى" بينما كان مدنيون من بين ضحايا القصف الإسرائيلي الذي طاول طهران بحسب منصة "ما تصدقش" المصرية المتخصصة في التحري في الأخبار الزائفة.
وعد الباحث في علوم الإعلام والاتصال، علي أحمد، أن "الحرب المعلوماتية بين إيران وإسرائيل تتجلى بصورة واضحة وملموسة عبر المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما من خلال صفحات مثل ’إسرائيل بالعربية‘ و’إيران بالعربية‘، مع فارق أن ’إسرائيل بالعربية‘ رسمية أما ’إيران بالعربية‘ فهي ليست منصة رسمية ولا يتبناها الإيرانيون كمنصة رسمية".
وأردف أحمد في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن "هذه المنصات تمثل ميداناً مفتوحاً للصراع الإدراكي المستمر بين الطرفين، حيث تعتمد إسرائيل على قدرات سيبرانية ودعائية عالية ومتقدمة للغاية، فهي تستثمر مبالغ طائلة وتخصص وحدات خاصة، مثل الوحدة 8200، بهدف خوض حرب معلوماتية تستهدف التأثير في الرأيين العامين الإقليمي والعالمي".
وتابع "لا تقتصر إسرائيل على مخاطبة الجمهور العربي فحسب، بل تدير أيضاً حملة تضليل مركزة باللغة الفارسية، سواء من خلال منصات رقمية إسرائيلية ناطقة بالفارسية بصورة مباشرة، أو عبر تقديم الدعم والتوجيه لمنصات معارضة إيرانية بهدف اختراق المجتمع الإيراني والتأثير في الوعي الجماهيري وإثارة اضطرابات داخلية وإضعاف شرعية النظام السياسي".
استراتيجية مضادة
وأدت عمليات القصف المتبادلة بين إسرائيل وإيران إلى مقتل مئات المدنيين والعسكريين وسط مخاوف من تحول الصراع إلى حرب إقليمية واسعة النطاق، فيما يسعى كل طرف إلى الترويج لسياساته وأحقيته بالتحرك.
وقال أحمد إن "إيران تعتمد استراتيجية إعلامية ومعلوماتية مضادة، ترتكز على مواجهة السردية الإسرائيلية وكشف التناقضات بين ما تروج له تل أبيب إعلامياً وواقع سياساتها العدوانية على الأرض"، لافتاً إلى أن "إيران نجحت إلى حد ما في استغلال حال التناقض الداخلي في الخطاب الإسرائيلي من خلال إظهار جرائم تل أبيب والانتهاكات المتواصلة في حق الفلسطينيين والتوسع الاستيطاني، مقابل تقديم نموذج المقاومة كخيار أخلاقي وسياسي مشروع وفعال في مواجهة هذه السياسات. هذا ما يجعل السردية الإيرانية أكثر تماساً وانسجاماً مع المشاعر والتوجهات السائدة لدى شعوب المنطقة".
وأكد أن "على مستوى الأهداف الاستراتيجية، تسعى إسرائيل من خلال قدراتها السيبرانية العالية إلى خلق حال من البلبلة والتضليل في أوساط الجمهور الإيراني وتعزيز الشرخ الداخلي وإضعاف الثقة الشعبية بالنظام السياسي الإيراني. أما إيران فهي من خلال حربها المضادة تسعى إلى إظهار تماسكها الداخلي وقدرتها على الصمود والرد على كل صور ما تصفه بـ’العدوان‘، معتمدة في ذلك على خطاب إعلامي متماسك ومنسجم مع مبادئ الثورة الإسلامية واستراتيجيات محور المقاومة".
سلاح أساسي وجمهور مختلف
وعلى رغم ظهور جهات صحافية قادرة على التحري والتحقق من الأخبار التي يجري بثها سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام التقليدية، فإنه في مثل هذه الحروب يحدث ما يشبه "الانفلات" حيث يصبو كل طرف إلى بث أقصى ما يمكن من أخبار لضرب معنويات الخصم.
ومن بين الأخبار التي شدت الجمهور العربي في شأن الأحداث الجارية بالشرق الأوسط، تلك التي نشرتها حسابات إيرانية يتابعها الآلاف، وزعمت مقتل المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، وهو أمر نفته وسائل إعلام في تل أبيب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتقد الصحافي والباحث السياسي الفلسطيني، محمود أكرم بامية، أن "التضليل الإعلامي في الحرب الإسرائيلية - الإيرانية يعد سلاحاً أساساً بيد الطرفين، إذ يستخدم كل منهما وسائل الإعلام والتواصل لنشر روايات تخدم مصالحه، سواء عبر تضخيم الإنجازات أو التلاعب بالحقائق".
وبين بامية في تصريح خاص أن "إسرائيل تعتمد على خطاب موجه للرأي الغربي، فيما تروج إيران لسردية المقاومة عبر قنواتها وأذرعها الإعلامية، في هذا الصراع لا تقل معركة العقول أهمية عن المعركة على الأرض".
ويرى الباحث السياسي أن "إيران تقوم بهذه الدعاية متوجهة إلى العرب وحلفائها بهدف إعادة مكانتها الطبيعية خصوصاً بعد عدم الثقة الذي حصل بعد سقوط ’حزب الله‘ والنظام السوري بقيادة بشار الأسد".