ملخص
الجيش السوداني يكثف هجماته الجوية ويحرر موقعاً جديداً في كردفان والمخاوف من اقتراب "الدعم السريع" تدفع بحركة النزوح من مدن بشمال السودان.
أكدت مصادر عسكرية سودانية أن قوات الجيش وحلفاءه تمكنا أمس السبت من استعادة منطقة رهيد النوبة على طريق الصادرات الغربي الرابط بين العاصمة السودانية وإقليم كردفان ومنها إلى دارفور، في وقت يكثف فيه الطيران الحربي والمسير التابع للجيش طلعاته الجوية في جبهات شمال وغرب كردفان ومحور الصحراء الشمالي.
تقدم وخسارة
اعتبرت المصادر أن التقدم الجديد الذي أحرزه الجيش على هذا الطريق الحيوي يعزز تحركه نحو محاور شمال وغرب كردفان والطرق الأخرى المؤدية إلى مدن بابنوسة في غرب كردفان والدبيبات جنوبها، ويمثل في الوقت نفسه خسارة كبيرة للميليشيات بحرمانها من إحدى نقاط إمداداتها.
وتقع منطقة رهيد النوبة على مشارف منطقة جبرة الشيخ وطريق الصادرات القومي الرابط بين مدينتي أم درمان بولاية الخرطوم وبارا شمال كردفان، وهو أحد أهم الطرق القومية بين وسط البلاد وغربها.
تصعيد جوي
وكشفت المصادر عن أن المقاتلات الحربية للجيش سددت ضربات جوية قوية ضد قوات "الدعم السريع" التي بدأت تتجمع بمنطقة كرب التوم وما حولها على محور الصحراء داخل حدود الولاية الشمالية، وذلك بعد تحركها من المثلث الحدودي بين السودان وليبيا ومصر.
كما نفذت طائرات مسيرة للجيش وفق المصادر نفسها ضربات عدة استهدفت تجمعاً لإخلاء جرحى عناصر وقيادات الميليشيات في مدينة المجلد غرب كردفان، مما أدى إلى سقوط عدد كبير من القتلى وتدمير عربات قتالية كانت تتولى عملية التأمين، وذلك عقب المواجهات الأخيرة في مدينة بابنوسة في الولاية ذاتها.
اتهامات للجيش
واتهمت غرف الطوارئ في غرب كردفان الجيش السوداني بشن غارة جوية على مستشفى المجلد المرجعي عصر أمس السبت، ووصفت الحادثة بأنها اعتداء على مرفق مدني حيوي يمثل شريان حياة لمواطني الولاية.
وكشف بيان للغرف أن الغارة أسفرت عن مقتل 41 مدنياً وإصابة العشرات من مرضى وكوادر عاملة، مطالباً المنظمات الدولية والحقوقية والأمم المتحدة، بالتحرك العاجل لإدانة الحادثة ومحاسبة مرتكبيها وتوفير الحماية للمدنيين والبنية التحتية الإنسانية في البلاد.
وأعلن الجيش السوداني قبل يومين صد هجوم واسع شنته قوات "الدعم السريع" على الفرقة 22 في مدينة بابنوسة.
وتشهد المدينة مواجهات متواصلة منذ أشهر عدة بين الجيش و"الدعم السريع"، في محاولة من الأخيرة للسيطرة على مقر قيادة الفرقة والمدينة.
نزوح في الولاية الشمالية
وفي الولاية الشمالية ترتفع وتيرة المخاوف وسط المواطنين من تقدم محتمل لقوات "الدعم السريع" من موقعها في منطقة كرب التوم، وهي على بعد نحو 550 كيلومتراً غرب مدن مهمة بالولاية، وتسببت الإشاعات في بدء حركة نزوح من مناطق شمال العاصمة الولائية وغرب النيل.
ودفعت موجة القلق والتوترات سلطات الولاية الشمالية إلى إصدار بيان لطمأنة المواطنين بأن قوات هيئة العمليات التابعة للجيش وكتائب المستنفرين ينتشرون في وضع الاستعداد التام بكل أرجاء الولاية، وأن "التمرد لا قوات كبيرة له في تلك المناطق تستطيع الاستعانة بها للهجوم على مدن الولاية".
قلق وتطمينات
كما شهدت منطقة السكوت في محلية وادي حلفا أقصى شمال الولاية إخلاء مجموعات من السكان منازلهم، عقب إعلان قوات "الدعم السريع" سيطرتها على منطقتي المثلث وكرب التوم المجاورتين.
وأصدر المجلس الأعلى لتطوير منطقة السكوت، بياناً طمأن فيه السكان، وأكد أن الأوضاع تحت السيطرة وستعود إلى طبيعتها قريباً.
أشار المجلس إلى وجود تحركات لجهات "مشبوهة تشجع المواطنين على ترك منازلهم من أجل تسهيل عمليات السرقة والسطو، إضافة إلى خلايا تنشط في سوق الخناق ومناطق التعدين بهدف ترهيب التجار ودفعهم إلى المغادرة".
ولفت البيان إلى أن مخاوف المواطنين لا تتعلق فقط بتهديدات "الدعم السريع"، لكنها تفاقمت نتيجة لبعض التصرفات الفردية السلبية من عناصر تابعة لقوات أخرى موجودة في المنطقة، مما أثار الذعر وزاد من شعور السكان بعدم الأمان.
استئناف الإسقاط
في شمال دارفور أعلن وزير الصحة المكلف، إبراهيم خاطر، عن انفراج وشيك في حدة أزمة الحصار المفروض على مدينة الفاشر باستئناف عملية الإسقاط الجوي للشحنات الحيوية.
أوضح خاطر، لدى اجتماعه مع مسؤولي القطاع الصحي بمستشفيات المدينة، أن هناك تدابير أخرى من شأنها فك الحصار عن الفاشر من دون الخوض في تفاصيلها.
كما أعلن الوزير المكلف أن الحصار واستمرار القصف المدفعي تسببا في شح الأدوية والمستلزمات الطبية والمواد الغذائية، مما أدى إلى هجرة أعداد كبيرة من المواطنين بمن فيهم الكوادر الطبية والصحية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
معاناة وموعد
ومنذ أكثر من عام تعاني مدينة الفاشر حصاراً خانقاً تفرضه عليها قوات "الدعم السريع"، تسبب في انعدام السلع الأساسية وارتفاع جنوني في أسعار المتاح منها، وبات المواطنون على حافة المجاعة مع انهيار النظام الصحي وانعدام الأدوية، بخاصة بعد توقف عمليات الإسقاط الجوي للسلع والمواد الحيوية، التي تشمل الدواء والغذاء، منذ حادثة سقوط طائرة الشحن العسكرية بسماء المدينة في أبريل (نيسان) الماضي.
في تلميح إلى تطور ميداني مرتقب في معارك الفاشر، كتب قائد فيلق البراء بن مالك، المصباح أبو زيد طلحة، في تدوينة موجزة عبر منصات التواصل الاجتماعي، أن المدينة على موعد مع فرحة كبيرة خلال الأيام المقبلة.
ومنتصف هذا الشهر أحبط الجيش والقوات المشتركة هجوماً واسعاً لقوات "الدعم السريع" على المدينة، وسط تصاعد دعوات المدنيين بضرورة الإسراع في فك الحصار عنها واستعادة حياتهم الطبيعية.
مخاوف التهجير
وإزاء الإجراءات التي اتخذتها السلطات في ولاية الجزيرة تجاه إزالة السكن العشوائي، أطلقت مركزية الكنابي مناشدة عاجلة إلى المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان، للتحرك الفوري إزاء ما وصفته بمخطط للتهجير القسري يستهدف سكان الكنابي (تجمعات سكانية معظمها من غرب السودان) في ولايتي الجزيرة والخرطوم.
وشكا بيان للمركزية من تعرض سكان الكنابي لحملات ممنهجة من الترهيب والمداهمات والاعتقالات العشوائية، تمهيداً لإخلاء مناطقهم قسراً، ما اعتبرته خرقاً واضحاً للقوانين الدولية والمواثيق الإنسانية.
أوضح البيان أن هذه السياسات تشكل خطراً مباشراً على مئات الأسر، وتهدد النسيج الاجتماعي في مناطق ظلت عقوداً تحتضن مزيجاً من المجتمعات الزراعية والعمالية.
وكانت السلطات في ولاية الجزيرة قد أعلنت عن انطلاق حملة موسعة في جميع المحليات لتنظيم التخطيط العمراني والحد من التعديات على الأراضي الحكومية والخاصة، وأمهلت المخالفين ثلاثة أيام لتوفيق أوضاعهم وإخلاء المواقع غير القانونية.
عمليات وكوليرا
وفي شمال كردفان التي لا تزال تشهد عمليات عسكرية نشطة في جبهات قتالية عدة، أكدت وزارة الصحة استقرار الأوضاع الصحية في الولاية بعد تفشي وباء الكوليرا الذي شهدته خلال الأسابيع الماضية، بسبب توقف محطات المياه عن العمل نتيجة انقطاع الكهرباء.
أشارت الوزارة إلى تسجيل 82 إصابة جديدة بالكوليرا خلال اليومين الماضيين، وارتفاع الإصابات التراكمية إلى 6075 حالة، مع وجود 275 حالة تحت العلاج بمراكز العزل، بينما بلغ عدد المتعافين 5326 حالة و457 وفاة منذ بدء تفشي المرض.
وتشهد أجزاء واسعة من البلاد تفشياً متمدداً لوباء الكوليرا، في ولايات سودانية عدة، من بينها الخرطوم وسنار والجزيرة وشمال كردفان وجنوب دارفور.
لجوء ونزوح
في الأثناء وصل آلاف النازحين الفارين من إقليم كردفان إلى شمال أوغندا هرباً من المعارك العسكرية وتدهور الوضعين الأمني والإنساني، مستخدمين الطرق البرية عبر جنوب السودان، ويواجهون تعقيدات إنسانية بسبب نقص التمويل الدولي.
ويقدر عاملون في مجال الإغاثة الإنسانية عدد الفارين إلى أوغندا بنحو 500 عائلة، فرت من المعارك العسكرية بكردفان عقب سيطرة قوات "الدعم السريع" على مدن النهود والحمادي والخوي والدبيبات في مايو (أيار) الماضي في جنوب وغرب كردفان، فضلاً عن موجات كبيرة من النزوح الداخلي نحو مدن شمال كردفان.
اتصالات مع الأطراف
سياسياً أكد رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، لدى لقائه في جوهانسبورغ وفد التحالف الثوري للقوى المدنية الديمقراطية "صمود"، برئاسة عبدالله حمدوك، أنهم على اتصال مع الأطراف المتحاربة وسيدخلون مع الجهات المعنية السودانية والإقليمية والدولية لتأكيد الحاجة الملحة إلى وقف الحرب في السودان.
وأوضح القيادي في "صمود"، ياسر عرمان، أن اللقاء تناول بعمق قضية إنهاء الحروب في السودان وحماية المدنيين والتوصل إلى وقف إنساني لإطلاق النار وبناء سودان جديد، إلى جانب الدور المهم الذي يمكن أن تلعبه جنوب أفريقيا، في حشد الجهود داخل مجلس الأمن والسلم الأفريقي ومجلس الأمن الدولي، بالنظر إلى ثقلها في القارة ومكانتها الدولية.
أعرب رامافوزا، بحسب عرمان، عن أسفه العميق لما يشهده السودان من تدمير للشعب والمؤسسات والبنية التحتية.
عالقو الحدود
حذرت منظمة الهجرة الدولية من وجود آلاف النازحين واللاجئين والعائدين عالقين في الحدود بين السودان وجنوب السودان، بعد تقليص المنظمة خدمات النقل بسبب شح التمويل.
وأعربت مديرة المنظمة الأممية، إيمي بوب، في تصريحات صحافية بجنيف، عن بالغ قلقها تجاه تعليق خدمات النقل التي تقدمها لآلاف النازحين واللاجئين العالقين على الحدود بين السودان وجنوب السودان، بسبب نقص التمويل، في ظل استمرار فرار المدنيين من العنف المتصاعد في السودان.
أوضحت بوب أن الواصلين إلى جنوب السودان يعانون صدمات لا تصدق، ومن غير المعقول تركهم بعد كل هذا الصمود عالقين على الحدود من دون الوصول إلى بر الأمان، في وقت كانت فيه خدمات النقل المتوقفة تمثل شريان حياة بالنسبة إليهم.
تقليص النقل
نوهت المنظمة بأن نفاد التمويل أجبر المنظمة على تقليص عمليات النقل منذ بداية الشهر الجاري، مما فاقم الضغط على المجتمعات المستضيفة ورفع من خطر تفشي الأمراض وزاد من صعوبة الوصول إلى الخدمات الأساسية، كالمياه والرعاية الصحية والأراضي وسبل العيش.
وكانت منظمة الهجرة الدولية تقوم بتشغيل خدمات النقل عبر شبكة تشمل الحافلات والنقل النهري والجوي، في رحلات قد يستغرق بعضها أكثر من خمسة أيام من المناطق الحدودية إلى مدن جوبا وأو وبانتيو.
حافة الهاوية
دعت بوب إلى تحرك دولي فوري ومنسق للمساعدة في تخفيف المعاناة الإنسانية التي وصفتها بـ"الهائلة" الناجمة عن الصراع، ومنع تفاقم عدم الاستقرار في المنطقة، بعدما دفعت الحرب السودان إلى حافة الهاوية، وتسببت في أكبر أزمة نزوح في العالم وإحدى أشد حالات الطوارئ الإنسانية خطورة.
وتشير إحصاءات منظمة الهجرة الدولية إلى وجود أكثر من 11.3 مليون نازح داخل السودان، وعبور 3.9 مليون آخرين الحدود إلى دول الجوار خلال العامين الماضيين، بينما يجد كثير من النازحين الذين يحاولون العودة إلى ديارهم في ظل استمرار العنف أنفسهم وسط حال من الدمار الشامل.