ملخص
قدرة إسرائيل على إسقاط مسيرات إيران لها ثمن، فالصواريخ الاعتراضية كبيرة الحجم تكلف ملايين الدولارات للصاروخ الواحد، وحتى صواريخ "تامير" الاعتراضية الأصغر حجماً التي أطلقتها القبة الحديدية تكلف نحو 40 ألف دولار للصاروخ الواحد.
أعلن الجيش الإسرائيلي قبل يومين أنه اعترض أكثر من 95 في المئة من الطائرات من دون طيار الإيرانية التي استهدفت إسرائيل، مقدراً أن قواته تمكنت من إسقاط المئات من هذه المسيرات قبل وصولها إلى أهدافها.
تظهر بعض مقاطع الفيديو لقطات لطائرات مروحية إسرائيلية من طراز "أي أتش-64 أباتشي" وهي تسقط طائرات هجومية إيرانية من دون طيار. وفي هذه المقاطع تطارد الطائرات المروحية المتطورة، المزودة من الولايات المتحدة، المسيرات ذات المراوح وتدمرها برشقات من مدفعها عيار 30 مليمتراً.
ولا شك أن لجوء إسرائيل إلى هذه الاستراتيجية العسكرية مرده إلى أن المسيرات تتخطى صواريخ الاعتراض الإسرائيلية عالية المستوى، ويجب إيقافها من مسافة قريبة. ويبدو أن إسرائيل مقتنعة بأنه في أية حرب طويلة، قد تصبح المروحيات في مواجهة الطائرات من دون طيار عاملاً حاسماً في حماية المدنيين.
"القبة الحديدية" مكلفة
تمتلك إسرائيل نظام دفاع جوي صاروخي متعدد الطبقات يشمل صواريخ "آرو" بعيدة المدى و"مقلاع داود" متوسطة المدى، ومنظومة "ثاد" الأميركية و"القبة الحديدية" قصيرة المدى. وهذه الأنظمة قادرة على التصدي لجميع أنواع الصواريخ من الباليستية التي تطلق من إيران إلى صواريخ "قسام" محلية الصنع التي تطلق من غزة.
وتدعم هذه المنظومات شبكة معقدة من الرادار وأجهزة الاستشعار الأخرى، أثبتت فعاليتها الفائقة في إحباط الهجمات الصاروخية في الجو. وعندما هاجمت إيران إسرائيل عام 2024 بوابل من أكثر من 300 صاروخ ومسيرة، أسقطت المنظومات التي ذكرناها نحو 95 في المئة منها بنجاح.
لكن هذه القدرة لها ثمن، فالصواريخ الاعتراضية كبيرة الحجم تكلف ملايين الدولارات للصاروخ الواحد، وحتى صواريخ "تامير" الاعتراضية الأصغر حجماً التي أطلقتها القبة الحديدية تكلف نحو 40 ألف دولار للصاروخ الواحد. وبينما تمتلك إسرائيل مخزوناً من آلاف هذه الصواريخ، فإن الإمدادات محدودة، ولا يمكن تجديدها بسرعة.
وكما رأينا في أوكرانيا، تستخدم روسيا آلاف المسيرات الإيرانية لاستنزاف الدفاعات الصاروخية، مما يقلل من مخزون الصواريخ الاعتراضية اللازمة لإسقاط الباليستية منها. وطورت أوكرانيا منظومة متكاملة من الأسلحة لإسقاط طائرات "شاهد"، بما في ذلك مئات وحدات الدفاع الجوي المتنقلة المزودة برشاشات مزودة بأجهزة تصوير حراري. وتستخدم كييف الطائرات المروحية الحربية لاعتراض المسيرات وإسقاطها بنيران المدافع الآلية، وهو نفس التكتيك الذي نشهده الآن في إسرائيل.
"الأباتشي" ضد "شاهد"
تشغل إسرائيل حالياً نسخة محدثة من مروحيات "أي أتش-64 دي أباتشي" الهجومية، تعرف باسم "سراف" أو "الثعبان" بالعربية. وتبلغ سرعتها القصوى نحو 322 كيلومتراً في الساعة، مقارنة بسرعة "شاهد" التي تبلغ 193 كيلومتراً في الساعة، وهي مجهزة بصواريخ ومدفع رشاش عيار 30 مليمتراً، يطلق 10 طلقات في الثانية. ويصوب المدفع من هذه المروحية بمجرد النظر إلى الهدف إذ يدير نظام الرؤية المتكامل للخوذة والشاشة المدفع تلقائياً، ويمكنه تحديد الأهداف المتحركة.
صمم مدفع مروحية "الأباتشي" في الأصل للاستخدام ضد الأهداف الأرضية مثل الأفراد والمركبات الخفيفة، لكن البرنامج الإسرائيلي المحسن يمكنه أيضاً مهاجمة الأهداف الجوية، بالتالي فإن الطائرات من دون طيار مثل "شاهد" التي تحلق في خط مستقيم من دون أية محاولة للهرب، تعد هدفاً سهلاً له.
تكلف رشقة تطلقها المروحيات مكونة من 20 قذيفة شديدة الانفجار ثنائية الغرض عيار 30 مليمتر الجيش الإسرائيلي نحو 4 آلاف دولار. ومع ذلك، تشير بعض المعطيات من أرض المعركة إلى أن عمليات المطاردة هذه قد تستغرق نصف ساعة لإسقاط طائرة مسيرة.
تحديات ممكنة
هذه الاستراتيجية الجديدة الناجحة لا تخلو من التحديات، إذ يمكن لإيران اتباع تكتيكات مغايرة أو الاعتماد على تكنولوجيا تصنعها دولة صديقة لإرهاق المروحيات، خصوصاً أن بعض المسيرات روسية الصنع مزودة الآن بنظام التهرب التلقائي المعروف باسم "أوخيليانت"، والذي يجري مناورات مراوغة عند اكتشاف طائرة أخرى قريبة ويصعب إسقاط المسيرات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هناك أيضاً خطر كبير من النيران الصديقة، فالمروحيات التي تحلق بنفس سرعة وارتفاع المسيرات المهاجمة يمكن أن تصاب بسهولة بنيران دفاعية من الأرض، ويتطلب منع ذلك مستوى عالياً من التنسيق والانضباط بين المدافعين. وغني عن القول، إن خسارة مروحية بقيمة 50 مليون دولار أثناء مطاردة مسيرة بقيمة 30 ألف دولار ستكون كارثة حتى لو لم تسفر عن خسائر في الأرواح.
واستعرضت إيران سابقاً نسخة نفاثة من طائرة "شاهد" تعرف باسم "شاهد- 238"، والتي تتجاوز سرعتها 480 كيلومتراً في الساعة، وهي أسرع من أن تتمكن المروحيات من اللحاق بها. وقد تبدأ هذه المسيرات بالظهور قريباً في مسرح العمليات العسكرية.
حرب استنزاف منهكة
لا توجد حالياً أية تقديرات دقيقة لكم من الوقت ستدوم هذه الحرب المحتدمة بين إيران وإسرائيل، وإذا طالت الحرب فمن المرجح أن تستمر هجمات المسيرات الإيرانية على المدن الإسرائيلية بزخم كبير.
وإذا ما ألقينا نظرة على سيناريوهات مشابهة، فسنجد أن روسيا قصفت أوكرانيا بصورة متواصلة بمسيرات، وصلت خلال الأسابيع الأخيرة إلى 472 طائرة في ليلة واحدة، في محاولة لاستنزاف دفاعاتها. وبالعودة إلى مسرح الحرب الحالية تستطيع إسرائيل التعامل مع هذه الأعداد على المدى القصير، ولكن بعد فترة ستبدأ مخازن الذخيرة بالنفاد.
على عكس أوكرانيا، قد تتمكن إسرائيل من شن غارات جوية لتدمير مواقع إنتاج وتخزين وإطلاق المسيرات الإيرانية. ولكن إلى أن يحدث ذلك، قد يكون هناك عدد كبير من المسيرات تحلق فوق أجوائها، وسيكون إيقافها على عاتق طواقم المروحيات. ومثل أوكرانيا، قد تلجأ إسرائيل إلى تشغيل طائرات اعتراضية من دون طيار، على رغم أن تطويرها ونشرها سيستغرق شهوراً.