Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"مهمة مستحيلة" يرونها ممكنة... ماذا عن المجرب "توم كروز"؟

قد يكون فيلم "توب غان: مافريك" بالأسطورة التي رسمها عن استهداف "فوردو" يفسر الرعب الأميركي-الإسرائيلي من ترجمة العمل السينمائي إلى "عسكري مجنون"

عدد من الأعمال الفنية في هوليوود والغرب وحتى المنطقة العربية ليست معزولة عن الوقائع السياسية (ملف الفيلم)

ملخص

قال مصمم الإنتاج جيريمي هيندل إن استخدام طائرة "أف-14 توم كات" في الفيلم كان تحدياً كبيراً، نظراً إلى خروج هذه الطائرة من الخدمة في الولايات المتحدة وتعطُّل جميع محركاتها، مما جعل من المستحيل الاعتماد على أية طائرة جاهزة للطيران. ولا سيما في إيران، وهي الدولة الوحيدة الأخرى التي تمتلك هذا الطراز، بسبب العقوبات المفروضة عليها.

 

عندما عرضت صالات السينما السعودية بعد منتصف عام 2022، "توب غان: مافريك"، من بطولة النجم الأميركي توم كروز، وتزاحم الرواد في القاعات الوثيرة شمال العاصمة الرياض، لم نكُن ندري أننا على وشك أن تتحول المشاهد السينمائية لرجل "المهمة المستحيلة"، إلى وقائع تصبح مستحيلة حقاً ضمن عناوين الأخبار في منطقة الشرق الأوسط والخليج.

صحيح أن عدداً من الأعمال الفنية في هوليوود والغرب وحتى المنطقة العربية ليست معزولة عن الوقائع السياسية (أم هارون مثلاً فيلم جاء قبل "اتفاقات أبرهام")، إلا أننا لم نتوقع أن يكون التقاطع بهذا الشبه والقرب.

ما إن ضجت الأخبار بمنشأة "فوردو" الحصينة التي لا تملك إسرائيل سلاحاً كافياً لاستهدافها في الحرب الدائرة مع إيران، حتى نظر المتحلقون حول الشاشة إلى بعضهم "هل تذكرون فيلم ’توب غان‘؟ هل كان هذا ما يعني؟ إنها معجزة. وهل يعجز السلاح الأميركي شيء؟ إن الجيش الأميركي دعم الفيلم، ليس من قبيل الصدفة"، وسواها من أسئلة الأصدقاء وأجوبتهم الغارقة في السياسة بعد أن كانت حين مشاهدة الفيلم لا تهتم بأكثر من مشاهد الإثارة التي تحبس الأنفاس.

مغزى "أف- 14" لم يلفت الأنظار

هذا النقاش، أحوجني للعودة للمراجعات التي كتبت عن الفيلم في ذلك الوقت مع الاستعانة بالذكاء الاصطناعي الذي كان غائباً في ذلك الوقت أيضاً، فجاءت الإجابات مفاجئة هي الأخرى، إذ كان أكثر المراجعات فني بحت. حتى الجانب المتعلق منه بالسياسة اليوم، جاء عرضاً من دون مغزى، حين تناولت التقارير صعوبة الحصول على مشاهد واقعية لطائرات "أف- 14" التي كانت جزءاً محورياً في القصة.

 وقال مصمم الإنتاج جيريمي هيندل إن استخدام طائرة "أف-14 توم كات" في الفيلم كان تحدياً كبيراً، نظراً إلى خروج هذه الطائرة من الخدمة في الولايات المتحدة وتعطُّل جميع محركاتها، مما جعل من المستحيل الاعتماد على أية طائرة جاهزة للطيران. وأضاف أن الفريق لم يتمكن أيضاً من استخدام الطائرات النشطة في إيران، وهي الدولة الوحيدة الأخرى التي تمتلك هذا الطراز، بسبب العقوبات المفروضة عليها.

 وكانت الولايات المتحدة قامت سابقاً بتعطيل أو إغراق أسطولها من طائرات "أف-14" عند إحالته للتقاعد، منعاً لتسرب قطع الغيار بصورة غير قانونية. وبمساعدة البحرية الأميركية، تمكن فريق الإنتاج من الحصول على طائرة "أف-14 أي" من متحف سان دييغو للطيران والفضاء في كاليفورنيا، ليبدأ بعدها تحدٍّ آخر تمثل في تفكيك أجزاء الطائرة وشحنها والعمل على جعلها قابلة للاستخدام قدر الإمكان، على رغم أنها ظلت بلا محركات.

الغفلة السابقة عن الجانب السياسي، ساعدت الفيلم في تحقيق انتشار سينمائي على المستوى العالمي. لكن ما بدا كفيلم حركة تقليدي يركز على الطيران العسكري، تحول بعد ثلاثة أعوام إلى نقطة نقاش جيوسياسي مع تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران في يونيو (حزيران) الجاري.

 وأثار الفيلم الجدل لاحقاً  بسبب قصته التي تحاكي هجوماً على منشأة نووية مدفونة تشبه منشأة "فوردو" الإيرانية التي عادت إلى صدارة الأحداث مع الهجمات الإسرائيلية الأخيرة.

 

 

في "توب غان: مافريك"، يقود الكابتن بيت "مافريك" ميتشل الذي يؤدي دوره توم كروز، فريقاً من نخبة الطيارين الأميركيين في مهمة عالية الخطر لتدمير منشأة نووية تحت الأرض تابعة لدولة معادية لم تُسمَّ صراحة. وتدمير المنشأة، المحصنة داخل جبل ومحمية بأنظمة دفاع جوي متطورة، يتطلب تنفيذ ضربة جوية دقيقة باستخدام طائرات مقاتلة تتحرك بسرعة فائقة عبر وادٍ ضيق.

 ويبرز الفيلم التحديات التقنية والعسكرية لتدمير هدف مدفون بعمق، مع إشارات ضمنية إلى أن المنشأة تستخدم لتطوير أسلحة نووية تهدد الأمن العالمي. والقصة تجمع بين الإثارة والشجاعة الفردية، والتكنولوجيا العسكرية المتقدمة، مما جعلها جذابة للجمهور، قبل أن تثير لاحقاً دلالة سياسية.

التشابه مصادفة أم استباق للأحداث؟

على رغم أن الفيلم لم يحدد هوية الدولة "المارقة"، فإن وصف المنشأة النووية المحصنة تحت جبل، والمجهزة بتقنيات متقدمة وتقع في منطقة جغرافية حساسة، يتوافق بصورة لافتة مع منشأة "فوردو" الإيرانية، إذ تقع فوردو قرب مدينة قم، على عمق 80-90 متراً تحت الأرض وفق تقديرات غير رسمية، مما يجعلها عصية على الهجمات التقليدية.

 واكتشفت المنشأة عام 2009 بعدما عملت إيران عليها سراً، وتعد حالياً محوراً أساساً في برنامجها النووي بفضل أجهزة الطرد المركزي المتطورة القادرة على تخصيب اليورانيوم إلى مستويات قريبة من الدرجة العسكرية. وعام 2023، أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية وجود يورانيوم مخصب بنسبة 83.7 في المئة في فوردو، مما عزز المخاوف من اقتراب إيران من إنتاج سلاح نووي.

 هذا التشابه أثار تكهنات بأن الفيلم استلهم سيناريوهات عسكرية حقيقية، بخاصة في ظل توقيت عرضه بعد انهيار مفاوضات إحياء الاتفاق النووي مع إيران عام 2021، مما جعل بعضهم يتكهن أيضاً بأن الفيلم قد يكون بين أسباب عدة دفعت إسرائيل وأميركا إلى تهيب استهداف "فوردو" حتى كتابة هذه السطور بالضربة القاضية التي ربما تساعد على تقصير أمد الحرب التي يخشى العالم من خروجها عن السيطرة، والتمدد إلى أجزاء واسعة من المنطقة شديدة التوتر.

  دعاية عسكرية أم خيال سينمائي؟

مع قلة الاهتمام بالشق السياسي من العمل، إلا أن صحفاً مثل "واشنطن بوست" في سياق مراجعتها أقرت بأن المشاهد "خارقة، تحطم القلوب"، لافتة إلى أن هذا الجزء من السلسلة حفل بمشاهد من التنافس والإغواء والحسابات الشخصية، مع "اختبارات طيران متزايدة الصعوبة ومعارك جوية (...) حقيقية مذهلة تحاكي الواقع". وربما هذا ما دفع مجلة "نيويوركر" اللاذعة إلى اعتبار توم كروز في نسخته تلك أخذ الإثارة الفارغة إلى آفاق جديدة، وأنه لم ينتج جزءاً ثانياً من سلسلته وإنما ابتكر شيئاً آخر "يمزج الدراما التي دارت عام 1986 حول القتال الجوي مع سياسات اليوم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأعاد الحديث حول "توب غان: مافريك" تسليط الضوء على دور السينما في تشكيل التصورات العامة تجاه الصراعات الدولية. وينظر إلى الفيلم الآن على أنه جزء من سردية أوسع تبرز التهديد الإيراني، مما قد يؤثر في قبول الجمهور الغربي لتدخلات عسكرية مستقبلية ضد إيران. ومن بين أوائل من انتقدوا هذا الدور للسينما الأميركية بعمق المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد، في كتابه المحوري "الاستشراق" الذي كان حمل فيه على أخطار هذا التوظيف للفن ضد القيم الإنسانية.

أحد المؤشرات على أن هذا الفيلم ليس معزولاً عن السياسة، ما وثقته صحف أميركية بأن الجيش الأميركي، ممثلاً بوزارة الدفاع والبحرية الأميركية، قام بدور محوري في دعم الفيلم من خلال تقديم تسهيلات لوجستية وفنية تهدف إلى إظهار الجيش بصورة إيجابية تعزز من مكانته في الوعي العام. ولم يقتصر الدعم على الإشراف والمشاركة التقنية، بل تجاوزه إلى حملات تجنيد موازية، إذ عرضت القوات الجوية الأميركية إعلانات تجنيد قبل عروض الفيلم. وهذا التداخل الوثيق بين الإنتاج السينمائي والمؤسسة العسكرية دفع بعض النقاد إلى وصف الفيلم بأنه أداة دعائية، تستخدم لتلميع صورة الجيش وتحفيز الشباب على الانضمام إليه، في وقت تواجه القوات المسلحة الأميركية تحديات في استقطاب الجنود وإقناعهم بالبقاء فترة أطول.

ما سيحدث وما حدث بالفعل!

إذا ما تأملنا الطريقة التي نظرت بها صحيفة "ذا غارديان" إلى الفيلم خلال مراجعته قبل ثلاثة أعوام، فربما نجدها متطابقة مع ما يدور في غرف العمليات العسكرية واسعة النطاق التي تتدارس حول العالم أخطار استهداف "فوردو" وبأية طريقة يمكن ذلك عسكرياً، لتقول الصحيفة "في هذا الجزء، يُستدعى الطيار المخضرم مافريك مجدداً إلى برنامج ’توب غان‘، لكن هذه المرة ليس كمقاتل، بل لتدريب نخبة من الطيارين الشباب على تنفيذ مهمة مستحيلة، كانت تدمير منشأة لتخصيب اليورانيوم تتطلب ’معجزتين متتاليتين‘ (إصابة الهدف والنجاة)".

 

 

وتضيف "بينما يواجه انتقادات من أدميرال يروج للطائرات المسيّرة ويعتبر أن ’نوع مافريك من الطيارين في طريقه للانقراض‘"، يتمسك مافريك بروحه المتمردة ويصرّ على أن ’الشيء الوحيد المهم هو اختبار الحدود الممكنة‘. وكما هو متوقع، يلقي ’كتاب القواعد‘ جانباً (حرفياً)، ويشرع في تدريب فريقه على طريقته الخاصة،  مزيج من التحدي والخبرة والجرأة".

لا ندري كيف تجري النقاشات عملياً وما سيحدث في نهاية المطاف، لكن من واقع سجالات اليوم حول المنشأة وتهيّب المهمة من جهة التنفيذ والآثار بعد ذلك، قد يفهم المتابعون أن أي تنفيذ حدث أو سيحدث بالفعل، يستدعي أيضاً "مهمة مستحيلة" وطيارين بارعين في الواقع كما في الفيلم.

في العمل تبدأ المغامرة بانطلاق أربع طائرات "أف أي-18" من حاملة الطائرات "يو أس أس ثيودور روزفلت" بقيادة مافريك وطلابه. تدمر صواريخ "توماهوك" المطلقة من الطراد "يو أس أس ليتي غولف" قاعدة جوية قريبة لمنع تدخل المقاتلات المعادية.

وينجح الفريق في تدمير المنشأة بدقة، لكنه يواجه هجوماً عنيفاً من صواريخ أرض-جو ومقاتلات "أس يو-57" أثناء محاولة الفرار. ويضحي مافريك بنفسه لحماية أحد تلاميذه (روستر)، فتصاب طائرته ويجبر على الهبوط، بينما يفترض أنه قتل، مما يدفع تلميذه الطيار "روستر" إلى العودة لإنقاذه، ليصاب هو الآخر ويهبط اضطرارياً.

في ذروة الأحداث، يتحد مافريك و"روستر" على الأرض، ويتمكنان من سرقة طائرة "أف- 14" قديمة من قاعدة العدو المدمرة. ويواجهان مقاتلتي "أس يو- 57" في مواجهة جوية مثيرة، فينجح مافريك في تدمير واحدة باستخدام مدفع الطائرة، لكن الثانية تشكل تهديداً قاتلاً. وفي اللحظة الحاسمة، يصل الطيار "هانغمان" الذي كان في الاحتياط ويسقط المقاتلة المعادية، مما يتيح لمافريك و"روستر" العودة بأمان للحاملة. وتنتهي المهمة المستحيلة بنجاح كسائر أبطال الشاشة.

 بينما للميدان تعقيداته التي لطالما خرجت كثيراً عن النص، فيما يراقب العالم فصول المشهد بقلق وتوتر، وليس بإثارة وإعجاب كما هو حال الفرجة لأفلام صاحب "المهمة المستحيلة".

 
 

المزيد من تقارير