Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هكذا انتقل النفوذ في دول الساحل من الغرب إلى روسيا والصين

عرفت المنطقة نحو 40 تدخلاً عسكرياً فرنسياً منذ 1960 إلى 2014 ونشرت موسكو بين 1000 و2000 جندي في جميع أنحاء مالي

التراجع الغربي في أفريقيا كان على مستويات عدة سياسية وعلمية واقتصادية وليست عسكرية فقط (اندبندنت عربية)

ملخص

يبدو أن موسكو لا تريد تضييع الفرص التي تتوالى منذ طرد القوت الفرنسية والأميركية، إذ ذكرت وكالة "بلومبيرغ" أن شركة الطاقة النووية الروسية المملوكة للدولة "روساتوم" تستهدف الحصول على أصول اليورانيوم التي تمتلكها شركة "أورانو" الفرنسية في النيجر، إضافة إلى توقيع الشركة الروسية على اتفاق مع بوركينافاسو في شأن التعاون النووي وبناء محطة للطاقة النووية.

بعدما كانت منطقة نفوذ للدول الغربية بقيادة فرنسا بامتياز ومن دون ضجيج تحولت منطقة الساحل إلى ساحة مفضلة للكتلة الشرقية مثل روسيا والصين وتركيا، ففي حين طردت المجالس العسكرية في مالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد قوى الغرب، تحت ذريعة رفض التدخل الأجنبي رحبت بحضور الشرق واستنجدت به للتصدي للجماعات الإرهابية والتمردات، مما فتح أبواب الاستفهامات حول التناقض والازدواجية في التعامل مع هذا الملف.

الزحف الروسي والصيني

تحظى موسكو بمكانة رفيعة عسكرياً في الساحل الصحراوي وصلت إليها بصورة مفاجئة إثر طرد باريس وواشنطن من دون سابق إنذار، مما جعل المنطقة نقطة تقاطع بين مصالح القوى الدولية والإقليمية، على اعتبار أن تقليص حجم الوجود الفرنسي والأميركي وبعض الدول الأوروبية، حفز عديداً من القوى الدولية الأخرى لاقتناص الفرصة والتمدد في المنطقة، مثل الصين وتركيا.

وتمكن الزحف الروسي والصيني على أفريقيا من إحداث اختلالات داخل مناطق نفوذ فرنسية وأميركية، إذ استطاعت الصين إقامة قاعدة عسكرية لها في جيبوتي بـ10 آلاف جندي صيني تبعد بعض الكيلومترات عن القاعدتين العسكريتين الأميركية والفرنسية هناك، كما تمكنت روسيا من أن تصبح أحد الفواعل الرئيسة في رسم خريطة توازنات القوة في إطار الاستراتيجية العسكرية في غرب أفريقيا، بعدما وقعت اتفاقات تعاون عدة مع مالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد، تسمح بموجبها لموسكو بالحضور عسكرياً عبر الفيلق الأفريقي بعد قوات "فاغنر".


حلفاء منافسون للغرب

في السياق يقول المتخصص في العلاقات الدولية سفيان معيوف لـ"اندبندنت عربية" إن سلسلة من التحولات على صعيد النخب الحاكمة جراء انقلابات عسكرية بصورة أساسية في إقليم الساحل الأفريقي أفضت إلى سلسلة من الانسحابات العسكرية للقوات الفرنسية والأميركية من مالي وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر، وفي وقت غادرت فيه تلك القوات المنطقة، حلت قوات روسية محلها لتقوم بمهام التأمين ومكافحة الإرهاب وحركات التمرد هناك، وفق ما تذكر بيانات وتصريحات المجالس العسكرية لدول الساحل، بالتالي خرجت قوات أجنبية وخلفتها أخرى أجنبية، ما يشير إلى أن الأمر يتعلق بمعركة المصالح.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويواصل معيوف، "في حين ينظر صناع القرار في واشنطن وباريس إلى المنطقة من خلال عدسة مكافحة جماعات الإرهاب والمنافسة الجيوسياسية مع روسيا والصين، فإن عديداً من السكان المحليين ينظرون إلى الوجود الغربي باعتباره دفاعاً عن أنظمة سياسية غير خاضعة للمساءلة، كما أن فشل القوى الغربية، وبمقدمتها فرنسا، في مواجهة الإرهاب والحركات الانفصالية وشبكات الجريمة المنظمة، غذى ديناميكية تكرس عدم شرعية الحكومات المحلية بفعل اعتمادها الأمني والاقتصادي على الدول الغربية، مما دفع الحكام الجدد إلى المراوغة بالاعتماد على حلفاء منافسين للغرب تجنباً لغضب شعوب المنطقة الباحثين عن التغيير، وقد أثبت هذا فاعليته ومنح المجالس العسكرية درجة من الدعم الشعبي".

40 تدخلاً عسكرياً فرنسياً منذ 1960

شكل التدخل العسكري أحد أهم أشكال حضور فرنسا في مستعمراتها السابقة بأفريقيا، وذلك منذ عهد الجنرال "ديغول"، إذ عرفت منطقة الساحل نحو 40 تدخلاً عسكرياً فرنسياً منذ 1960، آخرهما عمليتا "سرفال" في مالي، يناير (كانون الثاني) 2013، و"برخان" في أغسطس (آب) 2014، لكن هذا الوجود المستمر أتى بنتائج عكسية، وبدلاً من أن تعزز باريس من دعمها لأصدقائها الأفارقة فإنها زرعت مزيداً من بذور الشك والتمرد في صفوف شعوب المنطقة وحتى حلفائها الافتراضيين المحليين، لتبدأ في 2020 أحجار "الدومينو" تتساقط في منطقة الساحل عبر انقلابات أطاحت القادة الموالين في مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

يفسر الباحث في الشأن الأفريقي أحمد ولد محمد المصطفى تراجع النفوذ الفرنسي في أفريقيا بصورة عامة، وغرب أفريقيا بصورة خاصة، بعوامل متضافرة عدة، أبرزها وعي شعبي شبابي متزايد بحجم التحكم الفرنسي في دولهم التي كانت مستعمرة من قبل فرنسا، قائلاً إن "هذا الوعي أخذ طابعاً نضالياً مناهضاً للوجود الفرنسي، وتركز أساساً في المجال الاقتصادي والسياسي، كما أسهمت ثورة وسائل التواصل الاجتماعي في مستوى تنسيق القوى الشبابية الأفريقية المناهضة لفرنسا، وللهيمنة الغربية بصورة عامة".

وأضاف المصطفى أن "التراجع الفرنسي في أفريقيا كان على مستويات عدة سياسية وعلمية واقتصادية. والزمن الفرنسي في غرب أفريقيا يطوى بصورة متسارعة، سواء على شكل قطيعة وأزمة مستحكمة، كما حدث في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، أو بصورة دبلوماسية، أو بصورة أقل حدة كما حدث في تشاد، أو بصورة سياسية ودبلوماسية كما يجري الآن في السنغال وساحل العاج وغيرهما".

 

وأشار إلى أن "رغبة الشعوب في استعادة قرارها، والتخلص من هيمنة المستعمر الذي جثم على صدورها لعقود، التقت مع مخاوف الحكام من مستوى صراع وتنافس القوى الكبرى في المنطقة، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى"، موضحاً أن هذه العوامل أسهمت في الوضع الذي تعرفه علاقات فرنسا مع بلدان القارة السمراء، ومرجحاً أن تتسع دائرة الرفض الأفريقي للوجود العسكري الفرنسي خلال 2025، مقابل البحث عن تموقع في خريطة المنطقة والعالم الآخذة في التشكل من جديد.

أرقام

لدى روسيا ما بين 1000 و2000 جندي ينشطون في جميع أنحاء مالي، لدعم المجلس العسكري في باماكو ضد إرهابيي "داعش" و"القاعدة" والمتمردين الانفصاليين من الطوارق، ونشر "الفيلق الأفريقي" الروسي دفعات من 100 جندي في كل من بوركينافاسو والنيجر بداية 2024.

في السياق نفسه وقع نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكوروف اتفاق تعاون متعدد القطاعات مع مسؤولين نيجريين، خلال زيارته البلاد مطلع يونيو (حزيران) 2024. كما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن بلاده سترسل مزيداً من الإمدادات العسكرية والمدربين إلى بوركينافاسو.

ووفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة "راند" فقد زادت مبيعات الأسلحة الروسية إلى أفريقيا من نحو 500 مليون دولار إلى أكثر من ملياري دولار سنوياً خلال السنوات الأخيرة.

اغتنام الفرص

لا يتعلق الحضور الروسي في الساحل بالمجال العسكري فقط، بل يتعداه إلى تعزيز المشاركة الاقتصادية في مختلف القطاعات للتخفيف من تأثير التوترات مع الغرب من خلال توظيف مصادر الإيرادات الجديدة وأسواق التصدير، وقد استكشف الوفدان الروسيان اللذان زارا شمال أفريقيا ومنطقة الساحل خلال الفترة من الـ30 من مايو (أيار) وحتى الخامس من يونيو (حزيران) الجاري، إمكان التعاون بصورة أكبر في البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية.

ويبدو أن موسكو لا تريد تضييع الفرص التي تتوالى منذ طرد القوت الفرنسية والأميركية، إذ ذكرت وكالة "بلومبيرغ" أن شركة الطاقة النووية الروسية المملوكة للدولة "روساتوم" تستهدف الحصول على أصول اليورانيوم التي تمتلكها شركة "أورانو" الفرنسية في النيجر، إضافة إلى توقيع الشركة الروسية على اتفاق مع بوركينافاسو في شأن التعاون النووي وبناء محطة للطاقة النووية.

 

ويواجه النفوذ الروسي في منطقة الساحل ديناميكيات مشابهة لتلك التي أفضت إلى إخراج فرنسا والولايات المتحدة من هناك، على اعتبار أن المساعدة الأمنية لا تزال موجهة في المقام الأول نحو أمن الأنظمة الجديدة، ولا تعالج انعدام الأمن الذي يواجهه عديد من الشركاء الأفارقة، مما يعرض موسكو لانتقادات مماثلة لتلك التي واجهها الغرب بسبب فشله في حل مشكلات الإرهاب، على عكس الصين التي تسللت إلى منطقة الساحل تحت مظلة التعاون الاقتصادي والتنمية، وبصورة أقل الشراكات الأمنية المحدودة.

تنافس على حصص أميركا وفرنسا

يرى المتخصص في علم الاجتماع السياسي مصطفى راجعي أن الصين تسعى إلى توسيع نفوذها الأمني والاقتصادي في القارة الأفريقية، بينما تركز روسيا على النفوذ الأمني من خلال الشركات الأمنية الخاصة، مشيراً إلى أن القارة السمراء، ومعها منطقة الساحل، تشهد تنافسا دولياً بين بكين وموسكو من أجل الاستيلاء على حصص أميركا وفرنسا داخل مناطق نفوذهما التاريخي. وقال إن الولايات المتحدة تعد الصين تهديداً حقيقياً لها، بينما تنظر إلى روسيا كمصدر تحديات.

وتابع راجعي أن "النفوذ الأميركي في أفريقيا يتناقص منذ قدوم الإدارة الجديدة للرئيس دونالد ترمب، والتي تركز على قضايا الداخل والمصالح التجارية، لا سيما مع تخفيضها موارد وكالة التنمية الدولية بصورة درامية، بخاصة في برامج الصحة الموجهة لأفريقيا، مما يفسح المجال أمام الصين وروسيا لملء الفراغ في مجالات التنمية". وأضاف أن "منطقة الساحل عليها أن تدرك المصير المشترك لدولها وعليها أن تفكر كمنطقة واحدة في مصالحها لمواجهة تهديدات نفوذ الصين وروسيا التي بالتأكيد لا تخدم مصالح أفريقيا، على اعتبار أن الأولى تسعى إلى الاستيلاء على البنى التحتية بعد تعذر الدول عن تسديد القروض، أما الثانية فهي تتصرف كشركات أمنية تبيع خدمات حماية لعسكريين انقلابيين في الساحل وما وراء الساحل".

وواصل الباحث في علم الاجتماع السياسي أن "مصير منطقة الساحل مرتبط بشمال أفريقيا، إذ في حال بقائها معزولة فإنها ستتحول إلى مجرد منطقة نفوذ صيني وروسي، مما لا يخدم شعوب المنطقة، وإنما الطبقات الحاكمة المتنفذة". وأكد أن "المنطقة مهددة أن تتحول إلى مصدر عدم أمان وقلاقل متزايدة في ظل تزايد النفوذ الصيني والروسي".

المزيد من تقارير