ملخص
أدرج اسم محمد الشعار ضمن قوائم العقوبات الغربية والعربية منذ منتصف عام 2011 إذ صدرت عقوبات أوروبية في التاسع من مايو قائمة تضم 12 مسؤولاً في نظام الأسد، وفي الـ18 من مايو صدرت قائمة عقوبات أميركية وتضمنت اسمه أيضاً، ويوجد اسمه في الترتيب 74 ضمن العقوبات البريطانية، و82 في ترتيب العقوبات الأوروبية، والسابع في ترتيب العقوبات الكندية.
ليس خافياً على السوريين كيف حكمت بلادهم طوال ما يزيد على نصف قرن، تاريخ سطرته قبضات شخصيات أمنية واستخباراتية تفننت بتقييد الحريات وقمع الآراء، ولعل أسماء كثيرة مرت ضمن الدائرة الضيقة في دوائر صناع القرار في سوريا أوغلت بالعنف الممارس على أبناء البلد وقهرهم، ومن بين تلك الأسماء الأمنية وزير الداخلية الذي أدار الوزارة منذ اندلاع الثورة واستمر لثمانية أعوام، إنه محمد الشعار الملقب بـ"سفاح صيدنايا" و"جزار طرابلس" اللبنانية.
في الرابع من فبراير (شباط) الماضي سلم وزير الداخلية السابق في نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد نفسه إلى السلطات الجديدة بعد تمكنها من السيطرة على دمشق في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024 إثر عملية عسكرية خاطفة سميت "ردع العدوان"، وظهر في عدة مقاطع مصورة منها بصحبة شخصين وصفهم بالأصدقاء في طريقه لتسليم نفسه، بينما أطل بمقطع ثان يشرح فيه المعاملة الجيدة التي حظي بها لإجراء تسوية، خصوصاً أنه وحتى لحظة سقوط النظام كان في منصب سياسي غير فاعل.
ومحمد الشعار، البالغ 75 سنة، ينحدر من منطقة الحفة في ريف محافظة اللاذقية، غرب سوريا انتسب إلى الجيش السوري والقوات المسلحة في عام 1970، وتدرج بالرتب حتى وصوله رتبة "لواء"، وسلك حقيبة الداخلية في حكومة عادل سفر مع اندلاع الحراك الشعبي الذي واجهه نظام الأسد بالقمع.
وإن ظن رجل الاستخبارات وصاحب السجل الحافل بالأعمال الأمنية داخل وخارج البلاد بأن الأمر انتهى عبر تسليم نفسه وخروجه حراً طليقاً فإن الشبكة السورية لحقوق الإنسان قلبت الطاولة، وأصدرت تقريراً حديثاً عما وصفته بـ"السجل الأسود" لوزير الداخلية في عهد نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد أشارت فيه إلى انتهاكات وجرائم ضد الإنسانية ومسؤولية قانونية لا تسقط بالتقادم، وعن مسؤولية الوزارة بعهده عن ربع مليون انتهاك.
وجاء في تقرير الشبكة "أدت الوزارة في عهده دوراً أساسياً في تنفيذ قرارات المحاكم الاستثنائية مثل محكمة الكيدان العسكرية ومحكمة قضايا الإرهاب مما أسفر عن مصادرة ممتلكات المعارضين، وإصدار قرارات منع السفر، والتلاعب بسجلات المختفين قسرياً في دوائر السجل المدني، إلى جانب ذلك تورطت الوزارة في قمع حالات التمرد داخل السجون المدنية باستخدام الرصاص الحي، وحرمان المعتقلين المحتجزين فيها من أبسط حقوقهم الأساسية، فضلاً عن عرقلة حصول آلاف المشردين قسراً على الوثائق الرسمية وابتزازهم مالياً".
وبرز اسم الشعار في لبنان أثناء فترة وجود الجيش السوري حيث تقلد مناصب من أبرزها المسؤول الأمني في مدينة طرابلس اللبنانية، وعمل تحت قيادة غازي كنعان، التي ارتكبت قوات النظام وقتها مجزرة باب التبانة في طرابلس في ديسمبر 1986 واستمرت المجزرة أكثر من 36 ساعة راح ضحيتها 700 مدني من أهالي المدينة بينهم نساء وأطفال، وأطلق عليه لقب "سفاح طرابلس" بعد تعاونه مع ميليشيات علوية من جبل محسن اقتحمت منازل ونفذت اغتيالات واعتقالات، بغية تصفية معارضين لنظام حافظ الأسد منهم الفلسطيني خليل عكاوي.
وحين عودته إلى سوريا عمل في شعبة الاستخبارات العسكرية في قسم يطلق عليه "الأمن العسكري" حيث شغل رئيس قسم تحقيق في طرطوس، غرب سوريا، ومن ثم رئيساً لفروع الشعبة في عدة محافظات منها طرطوس وحماة وحلب ومن ثم تسلم فرع المنطقة وهو الفرع 227 المركزي في العاصمة دمشق في عام 2006 قبل تسلمه إدارة الشرطة العسكرية في سوريا.
يروي مسؤول أمني سابق لـ"اندبندنت عربية" فضل عدم كشف هويته عن شخصية الشعار كرجل استخبارات امتلك كثيراً من الملفات المعقدة ونجح بها مما أهله للاقتراب من الأسد الأب والابن، ومن أبرزها ملف الجهاديين بعد دخول الولايات المتحدة العراق.
وأفصح المصدر عن قدرة الشعار على زرع شخصيات بحجة أنها جهادية لمعرفة ما يدور في خفايا هذه المنظمات إضافة إلى قدرته على مد جسور تواصل مع شخصيات وصناعة صداقات وطيدة مثل محمود غول آغاسي الملقب بـ"أبوالقعقاع" الذي قتل بكاتم صوت أمام جامع الإيمان في حي سكني غربي مدينة حلب بعد ما ترك تأثيراً جهادياً بين أوساط الشباب، والسماح له بإنشاء مراكز ومعسكرات تدريب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشي المعلومات الواردة عن ثعلب الاستخبارات السوري عن تعمده تجميع البريد العدي اليومي وتراكمه، ويتأخر بإصدار الأوامر إلا العاجلة منها كنوع من البيروقراطية المفرطة، في المقابل كان قاد عمليات ضد تنظيمات متشددة في الشمال السوري أثناء وجود في جهاز الاستخبارات العسكرية.
لقد اشتهر في ذلك الوقت بتورطه بمجزرة سجن صيدنايا بعد استعصاء معتقلين داخل السجن في يوليو (تموز) 2008 راح ضحيتها في ذاك الوقت 25 سجيناً، ومع انطلاق الثورة السورية في عام 2011 تسلم منصب وزير الداخلية، وبقي في هذا المنصب حتى إقالته في الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2018 وسلمه بشار الأسد منصباً سياسياً نائباً للجبهة الوطنية التقدمية (تحالف سياسي أُنشئ في عهد حافظ الأسد يضم الأحزاب الاشتراكية بقيادة حزب البعث الحاكم للبلاد على مدى عقود طويلة).
أدرج اسم الشعار ضمن قوائم العقوبات الغربية والعربية منذ منتصف عام 2011، إذ صدرت عقوبات أوروبية في التاسع من مايو (أيار) قائمة تضم 12 مسؤولاً في نظام الأسد، وفي الـ18 من مايو صدرت قائمة عقوبات أميركية وتضمنت اسمه أيضاً، ويوجد اسمه في الترتيب 74 ضمن العقوبات البريطانية، و82 في ترتيب العقوبات الأوروبية، والسابع في ترتيب العقوبات الكندية.
نجا الشعار من موت محقق حين استهداف اجتماع ضم كبار ضباط الاستخبارات والأمن في الـ18 من يوليو من عام 2012 وكونه الناجي الوحيد أثار الاستغراب والشكوك إذ ضرب تفجير بقنبلة مزروعة في غرفة اجتماعات مبنى الأمن القومي أودت بآصف شوكت الشخصية الأمنية والعسكرية الأبرز وصهر بشار الأسد مع قياديين منهم وزير الدفاع، داوود راجحة والعماد حسن تركماني، ورئيس مكتب الأمن القومي هشام اختيار.
وبالعودة لتقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، الذي حمل وزير الداخلية حينذاك الشعار مسؤولية قانونية مباشرة وغير مباشرة عن الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها الأجهزة التابعة للوزارة خلال توليه منصبه، وذلك وفقاً للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان "حيث يتحمل القادة المدنيون والعسكريون مسؤولية الجرائم التي يرتكبها مرؤوسهم إذا لم يتخذوا التدابير اللازمة لمنع وقوعها، أو لم يحاسبوا مرتكبيها".
وبالاستناد إلى أدلة ووقائع موثقة في قاعدة بيانات الشبكة السورية طالبت الشبكة بمحاسبته وعدم إفلاته من العقاب والمحاكمة "فإنه يتحمل المسؤولية عن الانتهاكات على مدى ثمانية أعوام من دون اتخاذ أي إجراء لوقفها، الوزير إما كان متورطاً بصورة مباشرة، أو مقصراً في أداء واجباته، وبموجب نظام روما الأساسي للمكمة الجنائية الدولية قد يتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب مما يجعله عرضة للمساءلة القانونية أمام المحاكم الوطنية والدولية".