ملخص
يوصي خبراء ومهنيون إسرائيل بتقليص صادرات الغاز، على رغم أن الحرب مع إيران تكلف خزينة الدولة يومياً نحو 428 مليون دولار.
لم تؤكد إسرائيل التقارير الأجنبية حول استهداف حقل الغاز "كاريش"، الواقع وسط البحر الأبيض المتوسط لكن وزارة الطاقة اتخذت قراراً بإغلاقه وإغلاق حقل "لفيتان"، وهما اثنان من ثلاثة حقول الغاز الرئيسة في إسرائيل على أن يبقى حقل "تمار" قيد التشغيل، وبحسب وزارة الطاقة فإن استهلاك إسرائيل السنة الماضية من الحقلين وصل إلى نحو 14 مليار متر مكعب، فيما البقية تم تصديرها.
قرار الإغلاق تزامن وإغلاق منشأة "بازان" في خليج حيفا بعد تعرضها لصاروخ باليستي من إيران أدى إلى مقتل ثلاثة وإلحاق دمار هائل للمنشأة وهي محطة الطاقة المسؤولة عن إنتاج الكهرباء وجزء من البخار، وإزاء الخطر المتصاعد من احتمال تصعيد إطلاق الصواريخ الإيرانية واستهداف منشآت أخرى في مختلف أرجاء إسرائيل معتمدة لتزويد الكهرباء يتم البحث عن بدائل كاستخدام الفحم والطاقة، وبتقدير الخبراء ستتمكن إسرائيل من التكيف مع الإنتاج المخفّض، وستلبي بقية الطلب المحلي من خلال مصادر طاقة بديلة، من بينها الفحم والنفط.
تطرح الأبحاث التي أجرتها إسرائيل لاستدراك الوضع قبل أي تصعيد من قبل إيران يدخلها إلى أزمة كبيرة في الكهرباء وما يتبعها من بنى تحتية حيوية، إشكاليات عدة إلى جانب الخطر الكبير في تلويث الجو، جراء البدائل المطروحة بينها التكاليف الباهظة التي سيكون من الصعب الصمود أمامها.
ويوصي خبراء ومهنيون في هذا الجانب تقليص الصادرات الإسرائيلية للغاز على رغم أن الحرب مع إيران تكلف خزينة الدولة يومياً نحو مليار ونصف المليار شيكل إسرائيلي (428 مليون دولار).
مصر والأردن سيدفعون ثمناً
بحسب تقرير إسرائيلي ستؤدي الأضرار في الكهرباء، المتوقعة بعد إغلاق حقلي الغاز و"بازان"، إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق حتى وإن نجحوا في بدائل الفحم والطاقة، وسيقع الضرر الفوري، أيضاً على شركات الطاقة نفسها، بخاصة على ما أسماهم التقرير "الزبائن الرئيسيين لتصدير الغاز الإسرائيلي" بخاصة الأردن ومصر.
وبحسب تقرير لوزارة الطاقة يستهلك الأردن نحو 3 مليارات متر مكعب من الغاز الإسرائيلي سنوياً، وهو ما يُشكل نحو 60 في المئة من استهلاكه فيما استهلكت مصر في عام 2024 نحو 64 مليار متر مكعب من الغاز.
ووفق التقارير الإسرائيلية من المتوقع أن يكون هناك تأثير إضافي، وإن كان غير مباشر، على بقية الدول المرتبطة بأنبوب الغاز العربي مثل سوريا ولبنان والتي تعتمد هي الأخرى على شبكة النقل التي تشمل الأردن ومصر.
الوزير يشرف على إيجاد البدائل
بينما تسعى إسرائيل في سباق مع الوقت لايجاد بدائل لها عن شلل عمل "كاريش" و"لفيتان"، تعمل طواقم متعددة المجالات في محاولة لإعادة تشغيل منشأة "بازان" في خليج حيفا في أقرب وقت ممكن، وبحسب وزير الطاقة، إيلي كوهين، الجهود مبذولة لإنجازه في غضون شهر.
ومع توقعات خبراء ومسؤولين إسرائيليين الإعلان قريباً عن أزمة غاز وحالة طوارئ، أعلنت وزارة الطاقة الإسرائيلية أنها تعمل على توفير استخدام مصادر الطاقة البديلة لضمان الاستمرارية التشغيلية للاقتصاد، وهي الفحم والديزل، بحسب بيان للوزارة.
وكان الوزير كوهين عقد جلسة خاصة لتقييم الوضع في قطاع الطاقة بمشاركة المدير العام للوزارة يوسي ديان، وعلم أن إسرائيل قد تعلن قريباً عن حالة طوارئ في قطاع الغاز الطبيعي، ووفق ما تسرب من الجلسة فسيصدر الوزير تعليمات خاصة لسبل العمل في مجال الكهرباء والغاز في حالة الطوارئ.
من جانبها، أعلنت شركة الكهرباء عن فتح غرف طوارئ وانتشار فرق ميدانية في أنحاء البلاد، وقامت بنشر معدات طوارئ وتعزيز مراكز الخدمة.
من جهة أخرى، يتوقع أن تواجه إسرائيل أيضاً أزمة في تزويد المياه، وفي تقييم للوضع أجرته شركة "مكوروت" المزودة للمياه، أعلنت أنها بدأت استعداداتها لاحتمال مواجهة تداعيات استهداف منشآت حيوية تمس بتزويد المياه وتقوم حالياً بتخزين كميات كبيرة في مختلف أنحاء البلاد، إلى جانب فرق ميدانية وغرف مراقبة مزودة بتحكم كامل.
وبحسب الخبير الاقتصادي لشركة (BDO)، حين هرتسوغ، تقدر خسارة الاقتصاد القومي عن كل أسبوع يتم فيه إيقاف حقلَي الغاز نحو مليون دولار، ويقول "تعود هذه الخسارة إلى الضرر في الناتج القومي بسبب توقف تصدير الغاز، وخسارة الدولة لعائدات من رسوم الامتياز والضرائب، وتكون الأضرار الاقتصادية الإجمالية أعلى بسبب زيادة تكلفة إنتاج الكهرباء نتيجة الاعتماد المتزايد على الفحم والسولار".
ويؤكد هرتسوغ أن الاحتياطات في حقول الغاز توفر القدرة على تلبية معظم حاجات الغاز في إسرائيل حتى في حال توقف اثنين من ثلاثة حقول، مشيراً إلى أن التخطيط للتركيز على حقل "تمار" للغاز "الذي يكفي لنحو 75 في المئة من حاجات السوق، والبقية سيتم استبدالها بالفحم والسولار".
شلل شبه تام في الاقتصاد المحلي
الضربات الصاروخية الإيرانية التي جلبت أزمة في الكهرباء والمنشآت الحيوية تسهم في التدهور السريع للوضع الاقتصادي في إسرائيل، حيث بات الاقتصاد المحلي شبه مشلول، فيما الجبهة الداخلية تتلقى ضربات مباشرة في الممتلكات والمنشآت العسكرية والاستراتيجية والحساسية أضرارها وخسائرها أضعاف، وأمام تصريحات عسكريين ومسؤولين باحتمال أن تستمر الحرب حتى ثلاثة أسابيع، ترتفع تكاليفها وتضاعف الأعباء الاقتصادية على السكان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في تقرير يجمل تكاليف الحرب تبين أن تكلفة استخدام القنابل المتطورة والتي تشمل ساعات الطيران لطائرات القتال ورواتب الطواقم واستدعاء جنود الاحتياط ومنظومات الاعتراض، بالأساس صواريخ "حيتس" التي تُقدّر تكلفة كل عملية اعتراض منها بمليون دولار، تُقدّر بعشرات المليارات الشواكل (كل مليار شيكل يساوي 360 مليون دولار).
وبحسب تقرير للقناة "13" الإسرائيلية الذي تناول مختلف مجالات التكاليف الاقتصادية للحرب فقد تجاوزت النفقات كل التوقعات والتقديرات "على رغم أن جزءاً منها مدعوم من قبل المساعدات الأميركية، إلا أن العبء الرئيس يقع على كاهل موازنة الدولة".
الآلاف تم إبعادهم عن منطقة سكناهم لعدم صلاحيتها للسكن بعد إصابتها بالصواريخ الإيرانية وأكثر من 18 ألف طلب تم تقديمه في الأيام الأربعة الأولى من الحرب، إلى دائرة ضريبة الأملاك، حيث تُقدّر الأضرار الإجمالية، خلال أربعة أيام فقط من القتال، بنحو 550 مليون دولار.
وبحسب التقرير الذي نشرته القناة يتوقع أن تتراوح تكلفة الحرب بين 50 مليار إلى 100 مليار شيكل (14.4 مليار دولار إلى 28.8 مليار دولار).
أضرار لا يمكن تعويضها
وإذا كانت الأضرار المالية التي لحقت بمختلف مجالات الحياة والمنشآت الاستراتيجية والعسكرية تشل الوضع في إسرائيل، فهناك أضرار ألحقتها الصواريخ الإيرانية، بينها تدمير معهد وايزمان للأبحاث.
في تقرير نشرته صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية تبين أن عدة مبان تضررت بشكل مباشر وبالكامل "لم يكن الضرر الذي لحق بمعهد وايزمان عشوائياً، بل استهدف مؤسسة تعد في نظر كثيرين رمزاً بارزاً للتفوق العلمي والتكنولوجي الإسرائيلي، في محاولة لإيصال رسالة بأن هذا التفوق النوعي أيضاً غير محصّن".
ويعمل المعهد في مجالات البحث الأساسي، لكنه يسهم بصورة غير مباشرة ومتواصلة في ميادين ذات طابع أمني مثل الفيزياء، التكنولوجيا الحيوية، والذكاء الاصطناعي.
ومن بين ما تم تدميره مختبر تساحور وهو مختبر لأبحاث أمراض القلب، حيث هناك آلاف الشرائح القلبية المأخوذة من حيوانات وبشر، ولم يتبقَّ منها شيء، ويقول البروفيسور أران سيغال، من قسم علوم الحاسوب الذي تضرر بشكل مباشر إن القسم كان يشمل مواد هامة "سواء ما قمنا فيه من تطوير الطب الشخصي القائم على الذكاء الاصطناعي، حيث كانت عينات بيولوجية ثمينة مجمّدات بدرجة -80 مئوية".
وأضاف سيغال "عشرات الصناديق التي تحتوي على آلاف العينات التي جُمعت على مدى سنوات، تمكنا من نقلها في اللحظة الأخيرة إلى مجمّدات تابعة لعلماء آخرين، قبل صافرة إنذار جديدة مباشرة، هذا مشروع حياة عمره 20 عاماً، كل شيء دُمّر في لحظة واحدة"، مؤكداً أن معدات تبلغ قيمتها ملايين الدولارات تعرضت للتلف بسبب المياه، ولا أحد يعلم بعد إن كان بالإمكان إصلاحها أم لا.
البروفيسور شيرئيل فليشمان من كلية الكيمياء الحيوية يقول "مختبرات علوم الحياة تعتمد على مواد جُمعت واحتُفظ بها على مدى سنوات، وعندما يُدمّر المختبر، بما فيه من مواد نادرة، تكون الخسارة هائلة لأشياء فريدة لا يمكن تعويضها".
من جهته، وصف البروفيسور، أورن شولدينر الأضرار بأنها "كمن يتبخر كل شيء في الهواء"، مضيفاً "كانت لدينا مجموعة فريدة من الحمض النووي وخلايا جذعية وسلالات من الذباب المهندسة وراثياً لتعبّر عن خصائص معينة، كل شيء ضاع".