ملخص
نقطة الخلاف الرئيسة في الجدل الدائر حول قتل العلماء النوويين تكمن في استخدام العلماء المعارضين هذه الفكرة مقاربة سياسية بحتة لتوضيح فكرتهم، فيقولون إنه إذا كانت شرعية عمليات القتل المستهدفة للإرهابيين موضع نقاش واسع بين علماء القانون، فمن باب أولى عدم استهداف العلماء النوويين، حتى أولئك الذين يُشتبه في تورطهم في برامج أسلحة غير مشروعة، كونهم يختلفون عن الإرهابيين.
بعيداً من السياسة، انقسم المجتمع العلمي الأميركي أخيراً حول فكرة قتل العلماء عموماً، إذ ينظر بعض المؤثرين في المجتمع العلمي النووي إلى اغتيال العلماء النوويين بصورة عامة، والإيرانيين منهم بصورة خاصة، بحذر شديد، فاغتيال هؤلاء سلوك قديم اختبرته البشرية سابقاً، ويعود تاريخياً إلى حقبة ما قبل وجود الأسلحة النووية. ويؤُرخ له فعلياً بمحاولة خطف وإخفاء عملاق الفيزياء الألماني فيرنر هايزنبرغ، الذي كان يعمل على قنبلة ذرية للزعيم النازي أدولف هتلر.
نقطة الخلاف الرئيسة في الجدل الدائر حول قتل العلماء النوويين تكمن في استخدام العلماء المعارضين هذه الفكرة مقاربة سياسية بحتة لتوضيح فكرتهم، فيقولون إنه إذا كانت شرعية عمليات القتل المستهدفة للإرهابيين موضع نقاش واسع بين علماء القانون، كما يتضح من الجدل الدائر حول مقتل بعض رجال الدين، فمن باب أولى – برأيهم - عدم استهداف العلماء النوويين، حتى أولئك الذين يُشتبه في تورطهم في برامج أسلحة غير مشروعة، كونهم يختلفون عن الإرهابيين.
بالمقابل تعد فكرة الدفاع عن العلماء النوويين الذين يعملون ضمن برامج أسلحة غير مشروعة غير مقبولة لكثير من العلماء، الذين يحجم كثير منهم عن الإدلاء برأيه في هذا الموضوع.
عمل طائش
وفق مقالتين لعالم أميركي هو ويليام توبي، رئيس مجلس إدارة المعهد العالمي للأمن النووي، وإعلامي بارز هو دان دروليت الابن، الكاتب والمحرر العلمي، فإن قتل العلماء النوويين الإيرانيين ما زال يثير جدلاً كبيراً في المجتمع العلمي العالمي، إذ يحظى هذا الموضوع الذي يحاول كثر تناوله بحيادية علمية بانتباه كثر في أوساط إعلامية وعلمية أميركية منذ أعوام كثيرة سابقة وحتى يومنا هذا، ولأنه لا يصيب الهدف منه تماماً، يعده كثير من العلماء عملاً متهوراً، ويشكك بعضهم في جدواه تحت أكثر من ذريعة. فالاغتيال وفق هؤلاء "يستهدف متخصصين في مجالات نادرة قد نحتاج إلى تعاونهم الدولي للتعامل بفاعلية مع الأخطار النووية التي تواجه العالم في يوم من الأيام". وهذا الرأي عبر عنه تحديداً دان دروليت الابن، وهو كاتب ومحرر علمي ومراسل أجنبي والمحرر التنفيذي لنشرة علماء الذرة الأميركية التي تصف نفسها بأنها منظمة غير ربحية ومحايدة. لذلك يرى هؤلاء ببساطة أن قتل العلماء النوويين لا يسهم في الحد من خطر الحرب النووية بل يزيدها، فكيف يكون ذلك؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قبل الشروع في شرح هذه الفكرة المثيرة للجدل، التي يمكن القول إنها لم تحسم في أوساط المجتمع العلمي الأميركي منذ عقود، لا بد من الإشارة إلى أن الرأي المذكور ورد في مقالة بعنوان "نظرة سريعة على ما أدى إلى هجوم إسرائيل على إيران"، وهي مقالة تستمد معلوماتها من أرشيف النشرة الخاصة بعلماء الذرة الأميركيين. ونشرت المقالة بقلم دان دروليت الابن في الـ13 من يونيو (حزيران) 2025، عقب بدء الهجوم الإسرائيلي على إيران بساعات قليلة.
وفي هذه المقالة يستعيد الصحافي الحاصل على الماجستير في الكتابة العلمية من برنامج إعداد التقارير العلمية والصحية والبيئية بجامعة نيويورك، مشهد اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده عام 2020، مع صور خاصة بالاغتيال تنسب إلى وكالة أنباء "فارس". ويقول دان دروليت في العنوان الرئيس للمقالة "كان هجوم إسرائيل الليلة الماضية على المنشآت النووية الإيرانية وعلمائها وجنرالاتها صادماً ولكنه لم يكن مفاجئاً تماماً".
رأي آخر
في السياق ذاته، وتحت عنوان "نظرة عامة، العلماء النوويون أهداف للاغتيال"، قام ويليام توبي الذي شغل منصب نائب مدير منع الانتشار النووي الدفاعي في الإدارة الوطنية للأمن النووي بين عامي 2006 و2009، في الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 بإعادة نشر مقالة له كتبت أصلاً في عدد يناير (كانون الثاني)/ فبراير (شباط) 2012، ضمن نشرة العلماء الأميركيين الذرية ولكن في نسخة مُحدّثة. وكانت المقالة أيضاً جزءاً من تغطية النشرة لاغتيال محسن فخري زاده في 2020، إذ أكدت حينها أن وفاة زاده "لن يكون لها تأثير يُذكر على البرنامج النووي الإيراني الحالي". وهو رأي أكدته - وفق توبي - صحيفة "واشنطن بوست" حينها، كذلك أشار في مقالته تلك إلى أن "استهداف علماء الذرة بهدف تأخير برنامج محتمل للأسلحة النووية يعود تاريخياً إلى حقبة ما قبل وجود الأسلحة النووية".
يفضح توبي ملابسات خطف وإخفاء العالم الألماني فيرنر هايزنبرغ، الذي كان يعمل على مشروع أول قنبلة ذرية لحساب أدولف هتلر في أربعينيات القرن الماضي، قائلاً "أثار احتمال أن يكون عملاق الفيزياء الألماني فيرنر هايزنبرغ يعمل على قنبلة ذرية لأدولف هتلر قلق الفيزيائي النظري البارز فيكتور فايسكوبف، الذي استشار زميلاً مرموقاً له يعمل في مشروع (مانهاتن) الذري الأميركي في خريف عام 1942، وتواصل فايسكوبف لاحقاً مع روبرت أوبنهايمر، الذي عُيّن آنذاك لقيادة العمل النظري لمشروع (مانهاتن) في أمر اختطاف وإخفاء العالم الألماني. ووفقًا لرواية توماس باورز في كتاب (حرب هايزنبرغ) كتب فايسكوبف: أعتقد أن أفضل ما يمكن فعله في هذه الحال هو تنظيم عملية اختطاف لهايزنبرغ في سويسرا. وبمرور الوقت، وضمن مشروع مانهاتن ومكتب الخدمات الإستراتيجية (OSS) تحوّل اقتراح فايسكوبف إلى مؤامرة لقتل هايزنبرغ، وهي مؤامرة كادت تتحقق".
عودة إلى دروليت
بعد استعراض بعض ملابسات ضربة إيران يذهب دروليت في مقالته إلى صلب الموضوع، ويقول "يبدو أن إسرائيل لم تكتفِ بشن غارات جوية متكررة على الأهداف نفسها تحت الأرض، بل انخرطت أيضاً في جهد مشترك شمل أعمال تخريب، إلى جانب ما يمكن وصفه فقط بالاغتيالات"، والهدف من هذه الاغتيالات وفق الكاتب هو القضاء على سلسلة القيادة الإيرانية بأكملها دفعة واحدة، ولكنه أسفر أيضاً عن مقتل أحد أكثر السياسيين الإيرانيين نفوذاً وهو علي شمخاني، الذي كان يُشرف على المحادثات النووية مع الولايات المتحدة بناء على طلب المرشد الأعلى الإيراني.
وهنا يشير دروليت إلى ما قاله مسؤولون إيرانيون من أن "قتل شمخاني كان يستهدف جهود الدبلوماسية النووية"، ووفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز" الصادرة في اليوم ذاته لنشر مقالة دروليت، فإن الاغتيالات تُعيد إلى الأذهان كلمات عالم آخر يؤيد هذا الرأي هو سيغفريد هيكر، الذي قال في مقالة نُشرت في مجلة "بوليتن" عام 2014 بعنوان "إنهاء اغتيال وقمع العلماء النوويين الإيرانيين"، إن "الاغتيالات ليست فقط غير مبررة أخلاقياً، بل إنها أيضاً تُلحق الضرر بالنفس"، لذلك فإن هذه التهديدات ضد العلماء في إيران، وفق هذه الفئة من العلماء جميعاً، "تقوض السلام العالمي، وتستهدف متخصصين يتطلب تعاونهم الدولي التعامل بفاعلية مع الأخطار النووية التي تواجه العالم اليوم".
نظرة تاريخية
وفق نشرة العلماء الذريين فإنه منذ عام 2007 وحتى 2012، أفادت وسائل الإعلام الدولية بمقتل أربعة علماء ومهندسين مرتبطين بالبرنامج النووي الإيراني في أعمال عنف، ومحاولة اغتيال خامس. التقارير الإخبارية حول عمليات القتل هذه كانت غامضة وغير مكتملة، وفي بعض الحالات يُحتمل أن تكون غير دقيقة، كما أن دوافع وهوية الأشخاص الذين يقفون وراء عمليات القتل غامضة، لكن وقوعها أمر لا يمكن إنكاره.
في الـ15 من يناير 2007، أفادت التقارير بوفاة أردشير حسن بور، الحائز على جائزة عسكرية لعمله كفيزيائي نووي في محطة تحويل اليورانيوم بأصفهان الإيرانية، في ظروف غامضة تتعلق بـ"تسمم بالغاز". وعلى رغم احتمالية أن تكون الحادثة مصطنعة، فإن وفاته لم تُعلن لمدة ستة أيام. وفي الـ12 من يناير 2010، أفادت التقارير بمقتل أستاذ الفيزياء مسعود علي محمدي بقنبلة مُتحكم بها عن بُعد ومثبتة على دراجة نارية، وذلك وفق وكالة "سبأ" للأنباء.
وفي الـ29 من نوفمبر 2010، أفادت تقارير بوفاة مجيد شارياري بانفجار عبوة مماثلة، كما أصيب فريدون عباسي بانفجار آخر. وكان شارياري مهندساً نووياً، وشغل عباسي منصب نائب رئيس الجمهورية الإيرانية، ورأس منظمة الطاقة الذرية فيها. وفي الـ23 من يوليو (تموز) 2011، أطلق مسلحان النار على داريوش رضائي نجاد وأردياه قتيلاً. ونشرت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية تقريراً يربط عملية القتل بالبرنامج النووي لطهران، وهو ما أكده لاحقاً رئيس البرنامج النووي الإيراني.