ملخص
يثير واقع قاصرين مغاربة في مراكز الإيواء امتعاض واستهجان جمعيات حقوقية لا سيما بعد تورط ضابط أمن إسباني في ابتزاز شباب وقاصرين مغاربة في مراكز الإيواء مقابل وعود بتسوية أوضاعهم القانونية والاجتماعية.
أعادت واقعة استغلال ضابط أمن إسباني قبل أيام منصبه الوظيفي في الابتزاز الجنسي لشبان مغاربة وآخرين من بلدان مغاربية، منهم قاصرون يقيمون في مراكز الإيواء بإسبانيا، مقابل وعود لتسريع إجراءات اللجوء، إلى الواجهة ملف أوضاع القاصرين المغاربة وغيرهم داخل هذه المراكز التي من المفترض أن تكون آمنة توفر حماية اجتماعية وقانونية لهؤلاء القُصر والشباب المهاجرين واللاجئين.
ويرى مراقبون وفاعلون حقوقيون أن هذه الانتهاكات التي ترتكب داخل مراكز الإيواء في البلدان المستقبلة لموجات الهجرة غير النظامية، ومنها خصوصاً إسبانيا، تطرح أسئلة حول المراقبة والمحاسبة وآليات التبليغ والحماية المتاحة لهؤلاء القاصرين الذين يواجهون كل يوم تحديات التمييز والوصم.
ملخص الواقعة
على رغم ثبوت تورط ضابط أمن إسباني في ابتزاز شباب وقاصرين مغاربة في مراكز الإيواء مقابل وعود بتسوية أوضاعهم القانونية والاجتماعية، وفق تحقيقات الشرطة الوطنية الإسبانية، فإنه لم يعاقب سوى بالحرمان من العمل والراتب مدة ثلاثة أشهر، وهو الحكم الذي أيدته أخيراً المحكمة العليا للعدالة في مدريد.
وأفادت تحقيقات الشؤون الداخلية للشرطة الإسبانية بتورط الشرطي المذكور في جلب أربعة شبان وقاصرين على الأقل، يقيمون في أحد مراكز الإيواء، إلى فنادق متفرقة في مدينتي سبتة وجزر الكناري، بغية ابتزازهم تباعاً، إما بممارسة الجنس أو منحهم نقوداً وثياباً، واعداً إياهم بالتدخل لتسوية أوضاعهم غير القانونية في البلاد، أو تسريع تلك الإجراءات لنيل رخص إقامة اللجوء في إسبانيا.
وتفيد المعطيات الواردة بأن ضابط الأمن الإسباني كان يشتغل في وحدة الترحيل المركزي التابعة لفرع أمن الهجرة منذ عام 2015، ونقل للعمل في لاس بالماس وسبتة عام 2021، وتخصص في إجراء مقابلات طالبي اللجوء بعد حادثة الهجرة الجماعية إلى مدينة سبتة الواقعة في أقصى شمال المغرب، لكن تحت السيادة الإسبانية.
المعطيات المتطابقة ذاتها، تبعاً لما ورد في الصحافة الإسبانية، تبين أن أحد القاصرين المغاربة صرح للقاضي بأن ذلك الضابط الأمني استقبله في غرفته بالفندق بملابس داخلية، وطلب منه أن يؤانسه في الليل.
وصرح شاب آخر من طالبي اللجوء بأن هذا الضابط طلب منه خدمة جنسية في اليوم نفسه الذي أجرى فيه معه مقابلة اللجوء، وهو ما اعتبره القاضي نوعاً من استغلال استعمال السلطة والوظيفة، بينما كشف شاب آخر أن الضابط منحه بعض النقود والثياب، ووعده بتسهيل إجراءات منحه حق اللجوء في إسبانيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هشاشة المهاجرين القاصرين
يعلق جمال الدين ريان، رئيس "مرصد الهجرة والتواصل"، على الموضوع بقوله إن ما حصل واقعة ليست معزولة، بل تكشف عن جانب مظلم في ممارسات بعض الأجهزة الأمنية الأوروبية، بخاصة حين يتعلق الأمر بأشخاص في وضعية هشة مثل اللاجئين والقاصرين.
وشدد الباحث المعروف في قضايا الهجرة على أن استغلال الوضع القانوني والإنساني لمهاجرين مغاربة، من بينهم أطفال، مقابل وعود زائفة أو تسهيلات مشروطة، يمسّ ليس فقط كرامتهم، بل يُعد خرقاً صريحاً للاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الطفل وحقوق الإنسان.
واستطرد ريان قائلاً "ما يزيد من خطورة الأمر هو أن هذه الانتهاكات غالباً ما تجري في أماكن من المفترض أن تكون فضاءات آمنة، مثل مراكز الإيواء، ما يطرح علامات استفهام حول المراقبة والمحاسبة وآليات التبليغ والحماية المتاحة لهؤلاء القاصرين".
وسجل الباحث في شؤون الهجرة أن القاصرين المغاربة والمغاربيين بصفة عامة يعانون من هشاشة مركّبة، فهم بعيدون من أسرهم في بيئة ثقافية واجتماعية مختلفة، ويواجهون يومياً تحديات التمييز والوصم، وأحياناً الإهمال المؤسساتي.
ومضى ريان بالقول إن "هذا الواقع يجعل هؤلاء القاصرين فريسة سهلة للابتزاز والاستغلال، ما يستدعي تحركاً عاجلاً من طرف السلطات المغربية والبعثات القنصلية، إضافة إلى الضغط على السلطات الإسبانية لفتح تحقيقات شفافة ومحاسبة كل من تورط في أي شكل من أشكال الاستغلال أو الانتهاك".
وخلص رئيس "مرصد الهجرة والتواصل" إلى أن "حماية المهاجرين واللاجئين القاصرين في الدول الأوروبية وفي مراكز الإيواء، ليست مسألة قانونية فقط، بل مسؤولية أخلاقية وإنسانية مشتركة بين الدول والمؤسسات والمجتمع المدني"، وفق تعبيره.
التصدي للانتهاكات الحقوقية
ويثير واقع قاصرين مغاربة في مراكز الإيواء امتعاض واستهجان جمعيات حقوقية تعنى بحقوق الأطفال والقاصرين، منها جمعية "ما تقيش ولدي" (لا تلمس ابني) والجمعية المغربية لحقوق الإنسان ومنظمات حقوقية أخرى.
نجاة أنوار، رئيسة جمعية "ما تقيش ولدي"، دانت الانتهاكات الحقوقية والإنسانية التي يتعرض لها الأطفال والشباب صغار السن، الذين هاجروا بطريقة غير نظامية، في مراكز الإيواء لدول أوروبية حيث يضطرون لقبول بعض الممارسات بسبب وضعيتهم الهشة ورغبتهم في "النجاة" من خلال الحصول على تسوية أوضاعهم الاجتماعية.
ووفق أنوار، فإن الأوضاع السيئة التي يواجهها المهاجرون القصر في مراكز الإيواء بإسبانيا تتطلب تظافر الجهود بين المنظمات المهتمة والمعنية في البلدين معاً، لتوحيد الرؤى والمواقف، بهدف الكشف عن الانتهاكات التي تطاول هؤلاء القاصرين والعمل على حمايتهم من أي تجاوز في استعمال السلطة.
وأعربت جمعية "ما تقيش ولدي" عن قلقها العميق من غياب رادع قضائي جنائي عن هذا الملف، على رغم خطورته الأخلاقية والإنسانية، مبرزة دعمها الكامل لأي ضحية ترغب في التبليغ والمتابعة القضائية أمام المحاكم المغربية أو الدولية.
وطالبت المنظمة نفسها "بفتح تحقيق جنائي عاجل وعدم الاكتفاء بالإجراء الإداري ضد ضابط الأمن"، كما دعت إلى "تحمل المسؤولية من قبل السلطات الإسبانية لضمان كرامة المهاجرين المغاربة واحترام حقوقهم الإنسانية".
بدورها أكدت جمعية "ما تقيش ولادي"، التي ترأسها الناشطة نجية أديب، أن ما وقع في إسبانيا يعتبر "صفعة للضمير الإنساني"، منبهة إلى خطورة الأوضاع الاجتماعية التي يتجرعها القاصرون المهاجرون المغاربة غير النظاميين في مراكز الإيواء.