Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"المطرقة" التي شكلت تاريخ حروب "نتنياهو" في المنطقة

يمكن لأيديولوجيا قديمة تُعرف بـ"الجدار الحديدي"، وضعها المفكر الصهيوني فلاديمير جابوتينسكي عام 1923 أن تفسر اندفاع نتنياهو الدائم للقوة العسكرية

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ ف ب)

ملخص

الحروب الثلاثة خلال الـ21 شهراً الماضية، ربما تمثل فصولاً أخيرة في سلسلة تميز بها تاريخ "بيبي" كما يُعرف بين الإسرائيليين. فنتنياهو الذي تولي زعامة حزب الليكود عام 1993، هو أطول رؤساء وزراء إسرائيل بقاءً في المنصب منذ توليه السلطة للمرة الأولى عام 1996 ليبقى في الحكم أكثر من 17 عاماً. 

"أعط إنساناً مطرقة، فسيجد أن كل ما يصادفه بحاجة إلى طرق"، تلك العبارة لخص بها عالم النفس إبراهام ماسلو مبدأ الاعتماد المفرط على أداة أو مهارة معينة طالما أنها متاحة، بما يُعرف بـ"مطرقة ماسلو". وعلى الجانب العملي، فليس مثالاً أفضل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي شن في خضون 21 شهراً ثلاث حروب في المنطقة. 

فمن حرب غزة التي اشتعلت عقب هجمات "حماس" على مستوطنات إسرائيلية في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، مروراً بحرب لبنان والتوغل الإسرائيلي في الجنوب واستهداف قادة "حزب الله" في سبتمبر (أيلول) 2024، وصولاً إلى 13 يونيو (حزيران) 2025، حيث أطلقت تل أبيب أولى هجماتها الصاروخية باتجاه المنشآت النووية الإيرانية واستهدفت كبار قادة الجيش والحرس الثوري الإيراني. 

سلسلة الانتصارات الساحقة ضد وكلاء إيران، "حماس" في غزة و"حزب الله" في لبنان، والتي أمر فيها نتنياهو بقتل قادة المجموعتين، ربما أقنعته بأن القوة العسكرية الإسرائيلية يمكنها ويجب عليها، فرض شروط الأمن الإقليمي. لكن تلك الحروب الثلاثة ربما تمثل فصولاً أخيرة في سلسلة تميز بها تاريخ "بيبي" كما يُعرف بين الإسرائيليين. فنتنياهو الذي تولي زعامة حزب الليكود عام 1993، هو أطول رؤساء وزراء إسرائيل بقاءً في المنصب منذ توليه السلطة للمرة الأولى عام 1996، ونجا من سقوط حكومات واتهامات بالفساد واحتجاجات شعبية وأزمة رهائن وحرب في غزة، ليبقى في منصبه أكثر من 17 عاماً عبر ثلاث ولايات. 

سبع عمليات كبرى

منذ عام 1996 وحتى عام 2025، قاد بنيامين نتنياهو أو كان مسؤولاً عن الرد على نحو 7 حروب وصراعات رئيسية كرئيس وزراء إسرائيل؛ فاستهل منصبه بعملية "عناقيد الغضب" ضد "حزب الله" في لبنان عام 1996 والتي أسفرت عن مجزرة قانا التي راح ضحيتها 106 مدنيين عندما قصفت القوات الإسرائيلية، مركز قيادة للقوات الدولية المنتشرة في جنوب لبنان (يونيفيل) بعدما لجأ نحو 800 مدني لبناني له. 

وعلى رغم أنه لم يكن في الحكم عندما شنت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت ما يُعرف بعملية "الرصاص المصبوب" ضد حركة "حماس"، في قطاع غزة بين ديسمبر (كانون الأول) 2008 ويناير (كانون الثاني) 2009، لكن نتنياهو الذي كان يتزعم المعارضة في الكنيست آنذاك، دعم العمليات العسكرية الإسرائيلية بشدة. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سرعان ما عاد "بيبي" إلى قيادة الحكومة في 2009 قبل أن ينتزعها منه زميله السابق نفتالي بينيت عام 2021. خلال هذه الفترة شن ثلاث عمليات عسكرية على قطاع غزة المحاصر؛ الأولى استمرت ثمانية أيام في عام 2012 باسم عملية "عمود السحاب"، والثانية عملية "الجرف الصامت" التي استمرت نحو خمسين يوماً خلال عام 2014، مسفرة عن قتل أكثر من ألفي فلسطيني في غزة معظمهم من الأطفال والنساء. وخلصت لجنة تقصى الحقائق الأممية إلى ارتكاب إسرائيل ما يرقي إلى "جرائم حرب" في غزة خلال هذه الحرب، فيما عُرف بـ"تقرير ديفيس"، ثم عملية "حارس الأسوار" في مايو (أيار) 2021، والتي اشتعلت عندما أطلقت الفصائل الفلسطينية آلاف الصواريخ باتجاه المدن الإسرائيلية، بما في ذلك تل أبيب والقدس وعسقلان وبئر السبع وغيرها، رداً على محاولات إخلاء عائلات فلسطينية من منازلها في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية بناء على قرارات قضائية إسرائيلية أدت إلى تصاعد التوتر والمواجهات. 

ومجدداً، تمكن نتنياهو من العودة سريعاً لمنصبه المفضل بعدما تمكن من الفوز في الانتخابات التشريعية التي أجريت خلال عام 2022، عندما تحالف حزبه "الليكود" مع حزب شاس وحزب "يوجد مستقبل"، ليبدأ في 2023 فصلاً لسلسلة من الحروب المتتالية التي تحمل وزناً يتجاوز بكثير مجرد الحسابات العسكرية. فيقول مراقبون إن القائد الذي كان ذات يوم عضواً في وحدة النخبة للقوات الخاصة المسؤولة عن أعقد عمليات إنقاذ الرهائن، تحطمت صورته كـ"حامي أمن إسرائيل" بعد هجوم "حماس" في أكتوبر 2023، وهو الأعنف في تاريخ إسرائيل، حيث تُظهر الاستطلاعات أن غالبية الإسرائيليين يلومونه على الإخفاقات الأمنية التي سمحت بوقوع الهجوم.

الجدار الحديدي

ويمكن لأيديولوجيا قديمة تُعرف بـ"الجدار الحديدي"، وضعها المفكر الصهيوني فلاديمير جابوتينسكي عام 1923 أن تفسر اندفاع نتنياهو الدائم للقوة العسكرية أو "المطرقة العسكرية"، على طريقة تعريف عالم النفس الأميركي ماسو. وتقول هذه النظرية إن العرب سيرفضون دائماً وجود دولة يهودية على أرضهم، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال فرض واقع بالقوة العسكرية، خلف "جدار حديدي" لا يمكن اختراقه.

ودعا جابوتينسكي إلى التركيز على القوة العسكرية لا على التفاهم أو الاقتصاد. وقد ورث هذه الأيديولوجيا حزب الليكود، الذي خرج من عباءة الحركة التنقيحية التي أسسها جابوتينسكي، وعارض الحزب الذي يقوده نتنياهو، دائماً أي تسوية إقليمية أو اعتراف بدولة فلسطينية.

ووفق رئيس كرسي رودا وريتشارد جولدمان للدراسات الإسرائيلية في جامعة سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة إران كابلان، فإنه منذ صعود نتنياهو لزعامة الليكود في التسعينيات، تبنّى هذه الأيديولوجيا ورفض اتفاقيات أوسلو التي قادها إسحاق رابين، معتبراً أن أي تسوية مع الفلسطينيين تشكل خطراً وجودياً على إسرائيل، إذ يرى أن التاريخ اليهودي سلسلة من محاولات الإبادة، من الرومان إلى النازيين، لذا فإن بقاء إسرائيل يتطلب قوة دائمة ورفض أي "تنازل إقليمي".

ومنذ التسعينيات، لم يكن تركيز نتنياهو الأساسي على التهديد الفلسطيني، بل على إيران وطموحاتها النووية، والحاجة إلى القضاء على أذرعها الإقليمية بخاصة تلك المتاخمة لحدود بلاده مباشرة في لبنان وسوريا وغزة. فلطالما حذر نتنياهو من الخطر الإيراني، وقدم النظام الإسلامي الشيعي في طهران كأكبر تهديد ليس فقط لأمن إسرائيل بل للديمقراطيات في العالم كله، وكثيراً ما شبه هوسه بإيران بموقف ونستون تشرشل الصارم ضد النازية. وحتى وضع صوراً لتشرشل في مكتبه، تعبيراً عن صورته الذاتية كحاجز حديث ضد الشمولية. 

ويقول المحلل السياسي الإسرائيلي أتيلا سومفلفي، في تعليقات لصحيفة "التايمز" البريطانية، إنه "مع تدمير حماس تقريباً، وركوع حزب الله، كان من المنطقي أن تكون الخطوة العسكرية التالية هي إيران"، وأضاف: "نتنياهو يحاول كسر قبضة إيران".

ماضٍ صعب

ويعتقد مراقبون أن "الإرث التاريخي" أصبح هاجساً يؤرق نتنياهو بعد سنواته الطويلة في السلطة. ومع استمرار التحقيقات القضائية بشأن شبهات الفساد وضعف غالبيته البرلمانية، ربما خلص الرجل البالغ من العمر 75 سنة إلى أن الوقت ينفد لإعادة تعريف مكانته في التاريخ.

لكن وفق "التايمز"، فثمة جانب آخر يمكنه تفسير قرارات رئيس الوزراء الإسرائيلي، حيث تشكل عالم نتنياهو جزئياً بفعل ماضي عائلته من أخ أصبح "شهيداً" وأبٍ رأى أن التاريخ لا يرحم. فشقيقه الأكبر، يوني، قائد وحدة النخبة الإسرائيلية، قتل في عملية "عنتيبي" عام 1976 لتحرير رهائن في أوغندا، ليصبح بطلاً قومياً ورمزاً للشجاعة الإسرائيلية. وبالنسبة لنتنياهو، لم تكن وفاته مجرد خسارة شخصية، بل شكلت قناعته بأهمية الحسم العسكري.

كما أن والده بن صهيون نتنياهو، المؤرخ اليميني والمتخصص بمحاكم التفتيش الإسبانية والذي شغل منصب أستاذ التاريخ في جامعة كور نيل، غرس فيه صهيونية صارمة وتشكيكاً عميقاً في الدبلوماسية، ما جعله يرى العالم من منظور مظلومية تاريخية وخوف من هشاشة الوجود اليهودي.

ووصف نتنياهو الهجمات الحالية بأنها ضرورية لكبح التهديد الإيراني المتزايد، الذي يشكله مخزون اليورانيوم المخصب لدى طهران ورغبتها في تسليحه. وقد أكسبته هذه العمليات مكاسب فورية على الساحة الداخلية، حيث جمعت قاعدته اليمينية، وأحرجت خصومه الوسطيين الذين أصبح عليهم الاختيار بين انتقاد رئيس وزراء في حالة حرب أو الظهور بمظهر المتساهل مع إيران.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير