Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قوارب الهرب... البحر ملاذ الإسرائيليين الوحيد طلبا للجوء

يتولى عدد من مالكي اليخوت الصغيرة تنظيم رحلات تقل ما لا يزيد على 10 ركاب في كل مرة مقابل مبالغ مالية مرتفعة تراوح ما 660 إلى 1580 دولاراً أميركياً

إسرائيل ومواطنوها اليوم يجدون أنفسهم محاطين بجدار سياسي وجغرافي من الرفض (غيتي)

ملخص

مئات الإسرائيليين يفرون بحراً من بلادهم بعد شلل الطيران وتنامي تهديد الصواريخ الإيرانية، في مشهد غير مسبوق. خياراتهم محدودة، فالجوار العربي يرفض استقبالهم، والبحر وحده يفتح لهم طريق الهروب.

في مشهد غير مألوف، تحولت المرافئ الإسرائيلية، وعلى رأسها ميناء مدينة هرتسيليا، إلى ما يشبه صالات المغادرة البديلة، بعدما أغلقت الأجواء الإسرائيلية في وجه حركة الطيران المدني، وتصاعدت المخاوف من الهجمات الصاروخية الإيرانية. فمع كل صباح، بدءاً من الساعة السابعة، يبدأ توافد عشرات الأشخاص، فرادى أو بصحبة أسرهم، يجرون عربات سفر ويتفقدون الأرصفة البحرية بحثاً عن القارب الذي سينقلهم إلى قبرص، ومنها إلى أي مكان آخر في العالم.

وفقاً لما نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، تشهد مجموعات على "فيسبوك" مخصصة للهرب البحري من إسرائيل نشاطاً متزايداً، في مؤشر واضح إلى تنامي الظاهرة. وفي ظل عجز سلطات الهجرة عن تحديد حجمها بدقة حتى الآن، يتولى عدد من مالكي اليخوت الصغيرة تنظيم رحلات تقل ما لا يزيد على 10 ركاب في كل مرة، مقابل مبالغ مالية مرتفعة تراوح ما بين 2500 و6 آلاف شيكل للشخص (660 إلى 1580 دولاراً أميركياً)، تبعاً لنوع القارب، ومدة الإبحار، والخدمات المتوافرة على متنه.

وعلى رغم تحفظ معظم الركاب على التحدث علناً إلى الصحافة، فإن الروايات التي نقلتها "هآرتس" تكشف خليطاً من الدوافع، تتنوع بين الرغبة في مغادرة البلاد موقتاً والهرب من تهديدات الحرب. بعض الركاب يدعون أنهم لا يقيمون أصلاً في إسرائيل، وأنهم يحاولون فقط العودة إلى بلدان إقامتهم الأصلية، في حين يصرح آخرون بأنهم بصدد الانضمام إلى أبنائهم أو شركائهم في الخارج. لكن القليل فقط يعترف صراحة أن السبب الحقيقي هو الخوف من الصواريخ الإيرانية، التي أدت إلى شلل شبه تام في حركة الطيران.

وبينما يبحث هؤلاء عن مخرج، يبدو أن خياراتهم محدودة للغاية. فإسرائيل ومواطنوها اليوم يجدون أنفسهم محاطين بجدار سياسي وجغرافي من الرفض. فلا أي من الدول العربية المحيطة بها، من لبنان إلى الأردن ومصر وسوريا، يفتح حدوده أمام الإسرائيليين كلاجئين، لا سيما في ظل الممارسات العسكرية التي يرتكبهاالجيش الإسرائيلي في حق الفلسطينيين في قطاع غزة.

تمثل هذه الظاهرة، كما رصدتها صحيفة "هآرتس" من قلب المرافئ الإسرائيلية، أول تجربة لجوء جماعي فعلية لإسرائيليين في تاريخ الدولة الحديث. فالدولة التي قامت على وعد بأن تكون "الملاذ الآمن" لليهود الفارين من الاضطهاد في أوروبا والشرق الأوسط، يجد بعض مواطنيها أنفسهم اليوم مضطرين إلى الهرب منها، في مشهد غير مسبوق: إسرائيليون يفرون عبر البحر تحت وقع الصواريخ، وانهيار حركة الطيران، وغياب أي ممر بري مفتوح. والمفارقة أن هذا الهرب يتم في صورة تشبه ما عاشه الفلسطينيون والسوريون في محطات اللجوء المتكررة، لكن من دون أن يتمكن هؤلاء من طلب اللجوء إلى أي من جيرانهم، في ظل الرفض السياسي والشعبي في المنطقة. إنها لحظة تاريخية نادرة تنقلب فيها الأدوار، وتجد فيها إسرائيل نفسها داخل مشهد طالما كانت طرفاً في إنتاجه، لا بمنأى عنه.

وعلى الأرض، تسجل "هآرتس" مشاهد حية من تلك الرحلات، تنقل من خلالها شهادات ركاب فروا على عجل، بعضهم بدافع الخوف، وآخرون بدافع الاستسلام لواقع مسدود. أحد الفارين ويدعى نير، مقيم في كوستاريكا، قال للصحيفة إنه جاء إلى إسرائيل في توقيت خطأ. كان على وشك الإبحار إلى لارنكا برحلة تستغرق 25 ساعة، وقال مبتسماً "ظننت أنها ستكون أقصر، لكن من يهتم؟ إنها مغامرة". رافقه خمسة رجال آخرون، جميعهم يستعدون للمغادرة في قارب صغير، وسط أجواء يأس واضحة عبر عنها أحدهم بقوله، "الناس يهربون... لا أحد يريد البقاء تحت هذا الخطر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما آدي، وهو اسم مستعار لرجل قال إنه قرر مغادرة إسرائيل نهائياً والانتقال للعيش في البرتغال، فأوضح أن شريكته، وهي إسرائيلية تقيم هناك منذ أعوام، أبلغته أن الوقت قد حان للرحيل. سئل عما سيفعله إذا أصابتهم الصواريخ في عرض البحر، فأجاب مازحاً "في أسوأ الأحوال، نقفز إلى الماء، عليهم أن يكونوا دقيقين جداً ليصيبونا".

في مشهد آخر من التقرير، رصد رجل وابنه وهما يحاولان فتح أحد الأبواب المؤدية إلى الرصيف البحري. قال الرجل الذي عرفته الصحيفة باسم حاييم، إن ابنه رجل أعمال عالق منذ أيام ولا خيار أمامه سوى السفر إلى لارنكا ومن هناك إلى ميلانو. وأضاف "هو لا يفر، فقط مضطر إلى المغادرة"، ثم أردف "أما أنا فسأبقى. لدي غرفة محصنة".

وعلى رغم تزايد أعداد المغادرين عبر البحر، لا توجد حتى اللحظة إحصاءات رسمية دقيقة حول حجم الظاهرة، في ظل صمت الجهات الحكومية. عدد من الحاصلين على جنسية مزدوجة لجأوا إلى معابر الأردن أو مصر، لكن الغالبية فضلت خيار البحر، إما لعدم وجود بدائل عملية، أو تجنباً للإجراءات الحدودية المعقدة. أحد المسافرين، المقيم في كاليفورنيا، قال إنه تواصل مع وزارتي النقل والسياحة في إسرائيل، ونصح بالسفر عبر شرم الشيخ أو عمان، لكنه اختار ركوب البحر.

من جهة أخرى يشير التقرير إلى أن بعض مالكي القوارب الذين يسيرون هذه الرحلات لا يملكون التراخيص أو التأمينات المطلوبة لنقل ركاب، مما يضع نشاطهم في منطقة رمادية قانونياً. وعلى رغم ذلك، تستمر هذه العمليات بوتيرة يومية في مرافئ مثل هرتسيليا وحيفا وأشكلون، وسط تعتيم رسمي وإعلامي يلف هذه الظاهرة الآخذة في الاتساع، والتي تعكس حجم القلق والارتباك في الداخل الإسرائيلي.

المزيد من تقارير