Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شينكر: خامنئي يخشى مصير صدام والقذافي

تحدث مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لـ"اندبندنت عربية" عن شرق أوسط جديد من دون وكلاء طهران وناقش "ريفييرا غزة" ومطالب ترمب الثقيلة على مصر

ملخص

 قدم هنري كيسنجر، الذي قضى نصف قرن من عمره المئوي في العمل الدبلوماسي، تصوراً حافلاً بالصراعات والتوترات في الشرق الأوسط قبل نحو 10 أعوام، وهو المشهد ذاته الذي يتكرر اليوم وسط لحظة فارقة تشهد فيها المنطقة تصعيداً غير مسبوق في المواجهة بين إسرائيل وإيران، إذ بات الصراع النووي والأمني بين الطرفين يؤثر في مجمل توازنات الإقليم، وسط حال من الضبابية واحتمالات الانزلاق نحو مواجهة عسكرية أوسع. وفي خلفية هذا المشهد تبرز دول ظلت أعواماً ساحة رئيسة للنفوذ الإيراني مثل لبنان وسوريا، بينما تظهر مصر كطرف إقليمي محوري يواجه ضغوطاً متزايدة على جبهات عدة: من استمرار الأزمة في غزة وتداعياتها الأمنية والاقتصادية، إلى تهديدات الحوثيين لحركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر وما نجم عنها من تحديات لقناة السويس، وصولاً إلى التوتر المتصاعد في علاقاتها مع واشنطن وتل أبيب، وهو ما يلقي بظلاله على دور القاهرة التاريخي في الإقليم.

في كتابه الصادر عام 2015 "النظام الدولي"، يذكر وزير الخارجية الأميركي الراحل هنري كيسنجر، أن "الشرق الأوسط عالق في مواجهة شبيهة، بل أوسع من حروب أوروبا الدينية قبل معاهدة وستفاليا. الصراعات الداخلية والدولية يعزز بعضها بعضاً، النزاعات السياسية والطائفية والقبلية والإقليمية والأيديولوجية، إضافة إلى المصالح القومية التقليدية تتداخل وتتشابك، وقد 'سُلح' الدين لخدمة الأهداف الجيوسياسية، وأصبح المدنيون مستهدفين بالإبادة فقط بسبب انتمائهم الطائفي". 

قدم هنري كيسنجر، الذي قضى ثلاثة أرباع قرن من عمره المئوي في العمل الدبلوماسي، تصوراً حافلاً بالصراعات والتوترات في الشرق الأوسط قبل نحو 10 أعوام، وهو المشهد ذاته الذي يتكرر اليوم وسط لحظة فارقة تشهد فيها المنطقة تصعيداً غير مسبوق في المواجهة بين إسرائيل وإيران، إذ بات الصراع النووي والأمني بين الطرفين يؤثر في مجمل توازنات الإقليم، وسط حال من الضبابية واحتمالات الانزلاق نحو مواجهة عسكرية أوسع. وفي خلفية هذا المشهد تبرز دول ظلت أعواماً ساحة رئيسة للنفوذ الإيراني مثل لبنان وسوريا، بينما تظهر مصر كطرف إقليمي محوري يواجه ضغوطاً متزايدة على جبهات عدة: من استمرار الأزمة في غزة وتداعياتها الأمنية والاقتصادية، إلى تهديدات الحوثيين لحركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر وما نجم عنها من تحديات لقناة السويس، وصولاً إلى التوتر المتصاعد في علاقاتها مع واشنطن وتل أبيب، وهو ما يلقي بظلاله على دور القاهرة التاريخي في الإقليم.

هذا الواقع المعقد يطرح أسئلة جوهرية حول مستقبل التوازنات الإقليمية، هل تقف المنطقة على أعتاب حرب شاملة بين إسرائيل وإيران؟ وما حدود التحرك العربي في ظل هذه البيئة المضطربة؟ وهل تملك القاهرة هوامش للمناورة في ظل تآكل تأثيرها النسبي في ملفات عربية؟ وما مدى التوافق أو الاختلاف بين واشنطن وتل أبيب في رسم خطوط المواجهة مع طهران؟ في محاولة لفهم المشهد الذي يزداد تعقيداً في المنطقة والتوغل في وجهة النظر الأميركية، تحدثنا مع مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، الذي يعد أحد أبرز الدبلوماسيين الأميركيين في شؤون الشرق الأوسط، إذ تولى مسؤوليات كبرى تتعلق بالمنطقة العربية على مدى أكثر من 20 عاماً ودرس في الجامعة الأميركية بالقاهرة. 

مشروعية وتوقيت الهجوم الإسرائيلي

في مستهل عملياتها العسكرية ضد إيران، صورت إسرائيل الضربة على أنها وقائية تهدف إلى إحباط قنبلة نووية إيرانية "وشيكة". ومع ذلك تشير تقديرات الاستخبارات الأميركية إلى أن إيران لم تكن تقوم فعلياً بإنتاج سلاح نووي في ذلك الوقت، هذا التباين في التقديرات يثير تساؤلات جدية حول مشروعية وتوقيت هذه الضربات. 

ينفي شينكر أن يكون هناك تناقض بين ما تقوله إسرائيل وتقديرات الاستخبارات الأميركية، قائلاً "في الواقع نحن نتحدث هنا عن مسألة تتعلق بالمصطلحات"، وأوضح أن إيران من جهة المبدأ لم تكن تصنع قنبلة نووية بصورة مباشرة، لكن وفقاً لتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كانت تعمل على تطوير آلية تفجير، وهي تقنية لا تستخدم إلا في تصنيع قنبلة نووية. هذه هي الكيفية التي تُحول بها القدرة النووية إلى سلاح فعلي.

ويضيف أن إيران وصلت إلى نسبة تخصيب تبلغ 60 في المئة لمادة اليورانيوم، "وهي النسبة التي تستخدم لأي غرض مدني". ويضيف أن "هناك أيضاً كميات من اليورانيوم غير خاضعة للرقابة أو لم يُبلغ عنها بصورة واضحة. التقديرات الإسرائيلية أشارت إلى أن إيران تحقق تقدماً سريعاً نحو تطوير قنبلة نووية، وهو ما يمثل تهديداً وجودياً لدولة إسرائيل. ولا أعتقد أن الولايات المتحدة اختلفت مع هذا التقييم إطلاقاً، فقد خلصت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل إلى أن المفاوضات مع إيران لن تؤدي إلى نتيجة، ولذلك قررت إسرائيل تنفيذ ضربة عسكرية".

إيران ليست نداً لإسرائيل

مع دخول الحرب يومها الرابع، وسط تبادل القصف بين البلدين في تصعيد غير مسبوق بدأته إسرائيل باستهداف مواقع عسكرية ونووية في الجمهورية الإسلامية، لم تحدد تل أبيب هدفها النهائي من العملية التي بدأتها في الساعات الأولى من الجمعة. ويتوقع شينكر أنه على الأرجح كان الهدف هو إعاقة البرنامج النووي الإيراني، إن لم يكن إنهاؤه تماماً. ويقول "حتى الآن يبدو أنهم يحققون بعض التقدم في هذا المسعى، وأتوقع أن تكون هذه الحملة ممتدة فترة طويلة".

ويضيف أن إيران تمتلك آلاف الصواريخ والطائرات المسيرة وغيرها من القدرات العسكرية، وهي بالفعل تستخدم هذه الوسائل، "إلا أن إسرائيل قادرة على مواجهتها. فمنظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية تحقق فعالية تراوح ما بين 90 و95 في المئة، مما يجعل من الصعب على إيران إلحاق ضرر كبير".


ومع ذلك يعتقد الدبلوماسي الأميركي السابق أنه يمكن لطهران إحداث بعض الأضرار، لكنها في المقابل لا تملك منظومة دفاع جوي فعالة، بينما تقوم إسرائيل في الوقت الراهن بتسيير طائرات مسيرة فوق الأراضي الإيرانية من دون اعتراض، لذلك "من الناحية العسكرية، لا أعتقد أن إيران تمثل نداً حقيقياً لإسرائيل، لكنها تظل قادرة على الرد بطريقة قد تكبد إسرائيل ثمناً ما".

في الأيام القليلة السابقة للعملية الإسرائيلية تحدثت تقارير في الصحف الأميركية في شأن صراع فريقين في واشنطن بين مؤيد ومعارض لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، لدفعها نحو اتفاق يقضي بتقويض برنامجها النووي. وما إن بدأت إسرائيل هجماتها إلا وأعلنت واشنطن أنها ليست طرفاً في الهجوم الذي شنته إسرائيل. والأحد، دعا الرئيس الأميركي دونالد ترمب عبر حسابه على منصة "تروث سوشيال"، كلا الطرفين إلى إبرام اتفاق، وأكد أن بلاده "لا علاقة لها بالهجوم"، وحذر إيران من استهداف أي أهداف أميركية.

ونقل موقع "أكسيوس" الأميركي عن مسؤولين إسرائيليين أن تل أبيب طلبت من الإدارة الأميركية، في الساعات الـ48 الماضية، الانضمام إلى الحرب على إيران للقضاء على برنامجها النووي، مما يطرح السؤال في شأن تردد ترمب الذي عاد إلى البيت الأبيض متعهداً بإنهاء الحروب حول العالم.

ويقول شينكر مشيراً إلى إعلان وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو على الفور أن الولايات المتحدة لم تشارك في الضربة، "إنه ليس من المستغرب أن واشنطن لا تريد أن تتخذ إيران من القوات الأميركية أو المدنيين في المنطقة هدفاً للرد". وفي حين أعلن ترمب صباح اليوم التالي للهجمات أنه لا يزال منفتحاً على التفاوض في شأن اتفاق نووي جديد مع إيران، وشجع طهران على العودة إلى طاولة المفاوضات بجدية، فإن شينكر يرى أن "احتمالات تجاوب إيران مع ذلك ضعيفة".

ومع ذلك يبقى السؤال عما إذا كانت هناك نقطة ما يمكن أن تدفع ترمب نحو المشاركة في الهجوم في ظل تصعيد الصراع. وقال زميل معهد واشنطن إن الرئيس ترمب يعارض الحروب منذ ما قبل توليه الرئاسة، وكان قد شجع إسرائيل على إنهاء جميع الحروب في المنطقة، كما أعلن أنه سينهي الحرب في أوكرانيا في أول يوم له بالمنصب، "لا أعتقد أنه يسعى إلى مواجهة عسكرية مع إيران، بل يفضل حل الأزمة عبر المفاوضات، ومع ذلك إذا لم تختر إيران طريق التفاوض فإن احتمال تدخل واشنطن يظل قائماً، بخاصة في ظل عدم القدرة على التنبؤ بتطورات الموقف".

إسقاط النظام

في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" الأحد، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن الهجمات العسكرية التي تشنها إسرائيل قد تؤدي إلى تغيير النظام في إيران، وهو الهدف الذي اعتقد المراقبون أعواماً أن كلاً من إسرائيل والولايات المتحدة تسعيان إليه. ومع ذلك يرى ديفيد شينكر أنه "لا ينبغي أن نستبق الأمور هنا". ويضيف "لقد أطلقت إسرائيل حملة ضد البرنامج النووي الإيراني. من الواضح أن النظام ملتزم الحصول على أسلحة نووية. إنهم يدركون ما حدث لصدام حسين ومعمر القذافي عندما لم يكن لديهما أسلحة نووية. أعتقد أن امتلاك السلاح النووي بالنسبة إليهم هو وسيلة لتحصين نظامهم، الذي هو غير محبوب شعبياً، لا على المستوى الداخلي ولا الإقليمي... لعقود طويلة تعمل إيران كقوة مهددة للاستقرار في المنطقة، كانت تمول وتدعم مادياً الميليشيات التي زعزعت استقرار العراق وسوريا ولبنان واليمن. ولو حدث تغيير للنظام لكان هذا موضع ترحيب في المنطقة، بحيث تؤدي إيران دوراً منتجاً في المجال السياسي والإقليمي والاقتصادي من جهة الاندماج مع دول الجوار، لكن لا أظن أن هذا هو الهدف من هذه العملية بالضرورة، بل الهدف هو التأكد من أن إيران لن تحصل على سلاح نووي كثيراً ما لمحت إلى أنها ستستخدمه لتدمير دولة إسرائيل".

وفي شأن الدور المحتمل الذي ينبغي لدول المنطقة الاضطلاع به في تهدئة الصراع، يقول شينكر إن "إسرائيل قد عبرت نهر الروبيكون" أي إنها بلغت نقطة اللاعودة، وهي "الآن ملتزمة إعاقة البرنامج النووي الإيراني، وإذا لم تنجح فأعتقد أن إيران ستندفع فوراً نحو صنع القنبلة، لذلك على رغم أن كثيراً من الدول تدين علانية عملية إسرائيل هذه، فإنها لا تفعل ذلك في الغالب داخل أعلى المستويات في حكوماتها، باستثناء لبنان بالطبع، لكنني أعتقد أن هناك قلقاً من احتمال حدوث تداعيات جانبية... لا يوجد في رأيي شيء يمكن أن تفعله القوى الإقليمية الآن لكبح جماح هذا الوضع".

شرق أوسط جديد

قبيل هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ78، تمحورت حول آفاق وآثار التطبيع والسلام مع الدول العربية، ودوره في تغيير الشرق الأوسط، مستعرضاً خريطة لما أطلق عليه "الشرق الأوسط الجديد". ويقول شينكر "أعتقد أن الشرق الأوسط يتشكل اليوم بفعل حقيقة أن كثيراً من وكلاء إيران قد تعرضوا لانتكاسات. بالطبع الوضع الإنساني في غزة مروع ومأسوي بحق، لكن أحد وكلاء إيران هناك، وهو حركة ’حماس‘ قد تعرض لضربة قوية. وبالتأكيد فإن ’حزب الله‘ في لبنان، وهو الوكيل الأول لإيران، قد أُضعف بصورة كبيرة، ولبنان لديه الآن فرصة، وللمرة الأولى منذ عقود، لأن يكون دولة ذات سيادة حقيقية".

وفي شأن هدف والأثر الأوسع لعملية البيجر التي استهدفت إسرائيل فيها قادة "حزب الله"، يقول إن "ما فعلته إسرائيل في لبنان جعل من الممكن للشعب السوري أن يطيح الحليف الاستراتيجي لإيران في نظام الأسد. كل هذه الأمور كان لها تأثير عميق في المنطقة، وأعتقد أن هذا ما نتحدث عنه: نتحدث عن شرق أوسط جديد، نتحدث عن دول لم تعد خاضعة لهيمنة إيران ولم تعد دولاً إرهابية بعد الآن. لذلك لا أعرف تماماً ما الذي يعنيه هذا بالنسبة إلى بقية المنطقة، لكن بالتأكيد فإن مزيداً من الانتكاسات لإيران سيقوض قدرتها على تقديم الدعم المادي للحشد الشعبي في العراق، وربما أيضاً للحوثيين في اليمن".

القاهرة بين زيارتي ترمب الأولى والثانية

تاريخياً أدت القاهرة دوراً ريادياً في المنطقة ومنذ اتفاقية كامب ديفيد تجمعها شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة، ومع ذلك ثمة فارق كبير بين علاقة القاهرة وواشنطن خلال إدارة ترمب الأولى والثانية، ففي حين حل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ضيف شرف عندما زار ترمب السعودية عام 2017، فإنه غاب عن المشهد في زيارته الثانية الشهر الماضي، فما الذي تغير بين الزيارتين؟


في رده على سؤالنا، يرى مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون الشرق الأدنى أن "ميزان القوى الإقليمي قد تغير"، ويضيف "تظل مصر دولة مهمة، لكنها لم تعد تؤدي ذلك الدور الإقليمي كما في السابق، ربما بسبب التحديات الاقتصادية التي تواجهها، أو لأن دول الخليج الأخرى قد تبنت دوراً سياسياً أكبر مع مرور الوقت... الرئيس ترمب، في رأيي، كان دائماً منجذباً إلى دول الخليج، فهي يمكن أن تقدم للولايات المتحدة مزيداً من ناحية الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتعاون الاقتصادي، لذلك أعتقد أن حقيقة عدم إشراك الرئيس السيسي تعكس تراجع دور مصر كقائد في المنطقة، وإذا أردنا التعمق أكثر، يمكن القول إن الرئيس السيسي يتجنب زيارة واشنطن، فقد كان من المفترض أن يأتي، لكنه أجل الزيارة، وأظن أنه قلق من أن يعامل كما عومل الرئيس (الأوكراني) زيلينسكي (في إشارة إلى الفتور أو الضغط السياسي الذي واجهه الأخير)".

ومع ذلك يؤكد الدبلوماسي الأميركي السابق أن "الولايات المتحدة لا تزال تعتبر مصر شريكاً مهماً، وفي بعض الأحيان شريكاً داعماً في المنطقة. هناك خلافات وبعض المخاوف، لكن مصر كانت من بين الدول القليلة التي لم يُخفض تمويلها من قبل إدارة ترمب هذا العام، وأعتقد أن هذا يعكس موقف الإدارة الأميركية من العلاقة الثنائية".

ثلاثة مطالب أميركية 

جمعت الرئيس الأميركي ونظيره المصري علاقة دافئة خلال الولاية الأولى، واعتبر السيسي حليفاً قوياً، غير أنه ما إن بدأ ولايته الثانية مطلع العام الحالي، حتى توترت الأمور سريعاً بين الرجلين عندما دعا مصر إلى قبول تهجير مليوني فلسطيني من قطاع غزة وهو ما قوبل برفض مصري قاطع، ثم لم تمر بضعة أسابيع حتى طلب الرئيس الأميركي من القاهرة السماح بعبور السفن الأميركية عبر قناة السويس مجاناً، مما أضاف تعقيداً جديداً في العلاقة بين البلدين، وأخيراً كان الرفض المصري المشاركة في الضربات الأميركية ضد الحوثيين في اليمن سبباً في مزيد من التوتر. 

وفي رده على السؤال في شأن تمادي الرئيس الأميركي في مطالبه من مصر، قال شينكر إنه في ما يتعلق بقناة السويس، فهي مصدر رئيس للعائدات لمصر، والولايات المتحدة تستخدم القناة لمرور كثير من سفنها العسكرية، "من وجهة نظر الرئيس الأميركي ذات الطابع التجاري، يمكن فهم أن هذا طلب معقول، لكن يمكن أيضاً تفهم موقف مصر، التي تتلقى مساعدات من دول عدة، والتي قد تقلق من تقديم هذا الامتياز للولايات المتحدة ثم تضطر إلى تقديمه لدول أخرى، مما قد يؤدي إلى فقدان عائدات كبيرة".

ريفييرا غزة

وفي ما يتعلق بغزة، يقول الدبلوماسي السابق "أعتقد أن الرئيس ترمب يفتقر أحياناً إلى فلتر أو حواجز دبلوماسية في حديثه، فهو يعبر عن أفكاره مباشرة ويفكر بصوت عال. أعتقد أن هذا ما حدث مع فكرة ريفييرا غزة، أي اقتراح توطين مليوني فلسطيني في الأردن أو مصر من دون مراعاة لحساسيات هذه الدول، أو بصراحة لحقوق الفلسطينيين أنفسهم. أظن أن هذا الاقتراح لم يُدرس بصورة جيدة. هناك منطق صحيح بصورة عامة في أن الفلسطينيين يجب ألا يحتجزوا في غزة إن لم يرغبوا في البقاء هناك، ويجب أن يكون بمقدورهم مغادرتها، ومصر بالفعل تشترك في الحدود مع غزة. وربما لو كان هناك فلسطينيون راغبون، حتى سبعة إلى 10 في المئة منهم، في مغادرة القطاع، فلا أرى ما يمنع ذلك". وأضاف "بالطبع التهجير القسري يبدو أمراً أقل أولوية، وإن كان هناك جانب إيجابي واحد في هذه المبادرة، فهو أنها دفعت الدول العربية إلى تقديم مقترح عملي للمرة الأولى، بحيث تكون لديها مسؤولية حقيقية في التعامل مع القضية الفلسطينية وليس مجرد الحديث عنها".


وفي شأن المقترح المصري، قال "أعتقد أنه كان بداية جيدة، بالطبع لم يذكر كلمة ’حماس‘، واكتفى بالقول إن مسألة الميليشيات ستكون تحدياً لا بد من حله بعد تحقيق السلام أو الدولة الفلسطينية. لم يكن هناك شيء في الاقتراح عن الحوكمة أو الأمن، وهو ما أعتقد أنه كان نقصاً كبيراً. ومع ذلك دفعت فكرة ريفييرا غزة نحو تقديم هذا المقترح، وأظن أنها كانت بداية جيدة، وكنت آمل أن تلتقط إدارة ترمب هذا الخيط وتعمل مع الدول العربية الأخرى لتطوير أفكار تتعلق بهذه القضايا المهمة الأخرى".


العودة إلى "كامب ديفيد" 

وعلى صعيد توتر العلاقة بين مصر وإسرائيل منذ حرب غزة والتجاوزات الإسرائيلية عند معبر رفح التي دعت البعض إلى التشكيك في صلاحية اتفاقية السلام بين البلدين وهجوم الإعلام الإسرائيلي أحياناً على مصر وإثارة الشكوك في شأن تسليح الجيش المصري، قال شينكر إن "السلام بين البلدين أو لنقل اتفاقية كامب ديفيد لا تزال متماسكة وصلبة". ويسرد حوادث سابقة خلال العقد الماضي استطاع فيها الجانبان التعامل بحكمة مع التحديات، ويقول "لقد شهدنا لحظات صعبة، مثل حادثة اقتحام السفارة الإسرائيلية (عام 2011) عندما كان هناك ما يقارب 10 أو ستة دبلوماسيين إسرائيليين معرضين للقتل، وتدخلت السلطات المصرية في اللحظة المناسبة تماماً، وإلا لكانت هذه الحادثة مأسوية للغاية وربما وضعت ضغطاً أكبر على العلاقة. لقد رأينا أيضاً مناوشات عبر الحدود بين القوات المصرية والإسرائيلية، لكن في المقابل رأينا تعاوناً هائلاً وبناءً للغاية بين حكومتي إسرائيل ومصر في محاربة تنظيم ’داعش‘ في سيناء". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع ذلك يقول الدبلوماسي الأميركي إن "أحد الأمور التي تثير قلقي في ما يتعلق بالمستقبل هو التعديلات التي أجريت على الملحق الأمني في اتفاقية كامب ديفيد، إذ يوجد الآن عدد من القوات المصرية يفوق بكثير ما يسمح به الملحق الأمني في المعاهدة. أعتقد أنه سيكون من المفيد العودة إلى الأعداد الأصلية المحددة في الاتفاق، لكن يمكنني القول إن غزة كانت نقطة توتر، إلا أنه لم يحدث امتداد أو تداعيات خارجية. الحرب بقيت داخل غزة، ولم يحدث تهجير قسري للفلسطينيين من غزة، وما زالت معاهدة السلام سارية المفعول".

إعادة تموضع استراتيجي

خلال مايو (أيار) الماضي تنبه المراقبون في واشنطن إلى صفقة محتملة بين مصر والصين لشراء مقاتلات "جيه-10" الشبحية والتدريبات العسكرية المشتركة بين البلدين، كذلك صاحب زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي للقاهرة زخم واسع لا سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بسؤال شينكر عما إذا كانت القاهرة تفكر في إعادة تموضعها الاستراتيجي بالتحالف مع خصوم مثل إيران أو قوى كبرى مثل روسيا والصين، اعتبر أنه من غير المنطقي الحديث عن شراكة إقليمية بين القاهرة وطهران، وفي الوقت نفسه لفت إلى حاجة مصر إلى التنبه من المضي بعيداً في علاقتها ببكين وموسكو. 


وقال الدبلوماسي الأميركي "لا أعتقد أن أحداً يرى القاهرة كشريك إقليمي لإيران، هذا أمر غير منطقي، ولكن من المؤكد أن هناك نوعاً من المغازلة بين مصر وروسيا، وبين مصر والصين. نعلم أننا شهدنا أخيراً تدريبات عسكرية مشتركة مع الصين، كذلك كانت هناك دائماً إشاعات حول نية مصر شراء معدات عسكرية متطورة من روسيا، بما في ذلك مقاتلات متقدمة قد تؤدي إلى فرض عقوبات اقتصادية أميركية شبيهة بتلك التي فرضت على تركيا في عامي 2019 و2020، لكن بصورة عامة أعتقد أن مصر تقدر علاقتها مع واشنطن، لكنها في الوقت نفسه تحافظ على علاقات مع هذه الدول. تقليدياً لم تحاول واشنطن إجبار مصر على الاختيار بين هذا الطرف أو ذاك، لكن من الناحية الاستراتيجية أعتقد أن هناك أخطاراً إذا مضت مصر بعيداً في مشترياتها العسكرية أو أنواع أخرى من التعاون مع روسيا والصين".

تراجع إقليمي

ورداً على سؤال في شأن كيفية تعامل مصر مع المشهد الجديد في المنطقة، أشار شينكر إلى تراجع الدور المصري إقليمياً الذي يعود أولاً إلى وضعها الاقتصادي، قائلاً "لا يمكنك أن تكون قائداً إقليمياً إذا لم يكن لديك اقتصاد قوي... مصر، وفقاً لصندوق النقد الدولي، لا تمضي قدماً بصورة كبيرة في تقليص دور الجيش في الاقتصاد، الذي يزاحم القطاع الخاص، صحيح أن هناك بعض النقاط الإيجابية أخيراً، لكنني أعتقد أن هذا لا يزال يمثل تحدياً كبيراً أمام الحكومة المصرية، ومصر هي من ستحدد مسارها بنفسها، فهي دولة لديها إمكانات عديدة، وسكان هائلون، وهي من ستقرر الدور الذي تضطلع به في المنطقة".

وانتقد شينكر ما اعتبره تقاعساً من مصر عن أداء دور حقيقي في مواجهة تهديد الحوثيين الذين يهاجمون سفن الشحن عند مدخل البحر الأحمر مما أثر في واردات قناة السويس. وقال "لم تقم مصر بدور حقيقي لمحاولة مواجهة هذا التهديد. أعتقد أن مصر لديها القدرة ولديها دور تضطلع به، لكنها أحجمت عن هذا الدور". وأضاف "هناك كثير من الأمور التي كان يمكن لمصر أن تقوم بها، كان هناك، لفترة قصيرة، تحالف عسكري يعمل هناك، تمتلك مصر واحدة من كبرى القوات البحرية في العالم. لم أر أي شيء عن تخصيص مصر قوة بحرية فعلية هناك، مثل إرسال سفن عدة في هذا الصراع".

مستقبل سوريا لا يزال غامضاً

وفي شأن مستقبل سوريا بعد سقوط الأسد وانحسار النفوذ الإيراني، قال شينكر "أعتقد أن مستقبل سوريا لا يزال غامضاً". ويضيف "لا نعرف ما مستقبل سوريا، الشرع (أحمد الشرع الرئيس الحالي لسوريا) يقول الآن كثيراً من الأشياء الصحيحة، ويحاول فرض السيطرة، لكن من غير الواضح بالنسبة إليَّ أن الوضع في سوريا الجهادية قد حُسم بعد... لكي نكون صادقين، فإن البلاد مليئة بالمقاتلين الأجانب والجهاديين، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان (الشرع) سيتمكن من استعادة السيطرة الكاملة على البلاد". وأضاف أن "الشرع هو الخيار الوحيد المتاح حالياً، أعتقد أن الجميع لديهم مخاوف تجاهه، لكن وجهة النظر العامة في الخليج هي أنه إذا لم يتمكن الشرع من إعادة تجميع سوريا فسيكون من الصعب جداً إيجاد شخص آخر يعبر عن رؤية براغماتية معتدلة نسبياً، وما قد يحدث سيكون أسوأ إذا فشل الشرع".

ويخلص بالقول إنه "لا ينبغي لنا أن ننسى ما سبق، فالأسد قوة كانت تزعزع استقرار المنطقة بعمق، وقمعت الشعب السوري بصورة غير مسبوقة"، مشيراً إلى ما عانته البلاد تحت حكم نظام بشار الأسد من قتل وتهجير سكانها، فضلاً عما وفره من قواعد صواريخ إيرانية، والعمل كمركز لوجيستي لـ’حزب الله‘، مما مكن إيران من تسليح لبنان والسيطرة عليه.

وفي شأن العلاقة بين مصر وسوريا بعد الأسد أشار إلى أن هناك بعض الاتصالات على أعلى المستويات بين البلدين، ومع ذلك لفت إلى أن سوريا في حاجة إلى التمويل والدعم، بينما مصر ليست في وضع يسمح لها بالمشاركة في ذلك.

اقرأ المزيد

المزيد من حوارات