ملخص
هجوم إسرائيل على إيران أشعل الأسواق العالمية ورفع أسعار النفط والذهب، مما يهدد بتفاقم التضخم وعرقلة خطط خفض الفائدة في بريطانيا. وسط هذا التوتر، ينصح الخبراء والمستثمرون بالتحلي بالهدوء وتفادي ردود الفعل المتسرعة.
إذا أردنا دليلاً جديداً على التحديات الجمة التي تواجه إدارة الاقتصاد في أوقات الضبابية والتوتر، فإن هجمات إسرائيل على إيران قد قدمت لنا هذا الدليل.
وتعددت ردود فعل الأسواق العالمية، وبصورة متوقعة، على أنباء هجوم إسرائيل بـ200 طائرة مقاتلة على أكثر من 100 هدف. فقد شهدت أسعار النفط ارتفاعاً حاداً، وكذلك أسعار الذهب، بينما تراجعت أسعار الأسهم في جميع أنحاء العالم.
تجنب مؤشر "فوتسي" FTSE البريطاني أسوأ الخسائر التي لحقت بالأسواق العالمية، ويعزى ذلك جزئياً إلى احتوائه على نسبة كبيرة من أسهم شركات الموارد الطبيعية، خصوصاً شركتين نفطيتين لهما وزن ثقيل في المؤشر، مما خفف من أثر تراجع بقية الأسهم. ومع ذلك فقد تراجع المؤشر بعد تسجيله مستوى إغلاق قياسياً.
وحذر المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية DIW من أن ارتفاع أسعار النفط الناتج من هذه الأعمال العدائية سيضر بالاقتصاد الألماني، الذي يعد محركاً رئيساً للاقتصاد الأوروبي، ولن يقتصر تأثير ذلك على ألمانيا وحدها. وفي غضون ذلك، تشهد بريطانيا موجة تضخمية معتدلة، إذ قفزت المعدلات إلى 3.4 في المئة في أبريل (أو 3.5 في المئة رسمياً، ارتكب خطأ حسابياً وقرر عدم تصحيحه).
وعلى رغم أن القفزة الأخيرة في الأسعار، التي نتجت من تراكم فواتير ورسوم وزيادات ضريبية في ذلك الشهر، يتوقع أن تكون موقتة في الأقل، فإن ارتفاع أسعار الوقود يحمل في طياته القدرة على تغيير هذا التوقع. فمن شأن استمرار ارتفاع أسعار الوقود أن يغذي زيادات أوسع في الأسعار، مما قد يؤدي إلى موجة تضخمية أعلى وأطول أمداً مما كان متوقعاً.
ولا يملك بنك إنجلترا سيطرة على السعر العالمي للنفط، لكنه، كما أثبت التاريخ، سيتحرك لكبح ما يسميه "الآثار الثانوية" لارتفاع أسعار النفط التي تغذي التضخم.
وهذا يمثل مشكلة للاقتصاد البريطاني – ولوزيرة الخزانة رايتشل ريفز أيضاً – إذ إن البلاد كانت تأمل في خفض أسعار الفائدة. فسياسات ترمب التجارية، بما فيها الرسوم الجمركية، تلحق الضرر بالمصدرين، وعلى رغم ظهور مؤشرات إلى اقتراب دخول الاتفاق التجاري الذي تفاوض عليه كير ستارمر حيز التنفيذ، فإن رسوم "يوم التحرير" الأساسية البالغة 10 في المئة ستظل تطبق بصورة كبيرة على الصادرات البريطانية.
وعلى رغم أن المملكة المتحدة قد تكون في وضع أفضل نسبياً، فإن تأثير الرسوم الجمركية المرتفعة، بخاصة على الدول التي لا تتمتع بفوائد اتفاقات كتلك التي أبرمها كير ستارمر، سيظل مؤلماً. فالولايات المتحدة ما زالت أكبر اقتصاد في العالم، ومن الواضح أن التخريب الاقتصادي الذي تسبب به ترمب سيضر بالاقتصاد العالمي على نطاق واسع، إذ سيؤدي إلى تقييد التجارة، وتخفيض النمو، وتفاقم حال عدم اليقين الخانقة التي تدفع كثيراً من المستثمرين للاحتماء وراء ما يملكونه من مخزون الذهب.
وغالباً ما تسلك الشركات المنحى ذاته عند استمرار الاضطرابات: فعندما تقرع طبول الحرب، يميل الرؤساء التنفيذيون إلى الابتعاد عن الاستثمار والمخاطرة، ويركزون بدلاً من ذلك على تقليص الكلف والحفاظ على السيولة، بانتظار انجلاء الموقف.
في الأيام الأخيرة، ارتفعت الآمال في خفض أسعار الفائدة بالمملكة المتحدة. قد أظهرت البيانات انكماش الاقتصاد في أبريل (نيسان) بأقوى وتيرة له خلال عامين، كذلك فإن معدل التضخم كان أقل من المعلن، إلى جانب ضعف سوق العمل، وارتفاع البطالة، وتراجع فرص العمل، وتباطؤ نمو الأجور – وهي عوامل تدفع باتجاه تيسير السياسة النقدية، بمن فيهم كاتب هذا المقال.
وكان المتعاملون يتوقعون خفضين في أسعار الفائدة هذا العام، أولهما في سبتمبر (أيلول). لكن خطوة إسرائيل قد تغير هذا التقدير، خصوصاً إذا استمرت أسعار النفط في الارتفاع.
لا يتوقع أن تقدم لجنة السياسة النقدية في بنك إنجلترا على أي تغيير في أسعار الفائدة خلال اجتماعها المقبل. لكن، وكما هي الحال دائماً، ستحظى التعليقات الواردة في محضر الاجتماع وطريقة التصويت باهتمام وثيق من الأسواق والمحللين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن المتوقع أن تتبنى [عضو لجنة السياسة النقدية] سواتي دينغرا، كعادتها، نهجاً متساهلاً في السياسة النقدية، وأن تصوت لخفض فوري في أسعار الفائدة... والسؤال الأبرز هنا هو ما إذا كان أي من زملائها سينضم إليها في هذا التوجه.
إن حال عدم اليقين التي خلفها اندلاع مزيد من الأعمال العدائية ستكون على الأرجح السبب الكافي الذي تستند إليه الغالبية في لجنة السياسة النقدية للتمسك بموقف الحياد والانتظار لمعرفة كيف ستتطور الأوضاع، قبل تقييم التأثير في التضخم والاقتصاد.
أما نحن – أي أولئك المحظوظون ممن يملكون مدخرات أو استثمارات – فربما لا يسعنا إلا أن نكرر المقولة التقليدية: "حافظ على هدوئك وواصل السير" Keep calm and carry on.
ذلك الشعار الشهير – الذي أصبح كليشيهاً عصرياً وأداة تسويق مطبوعة على القمصان والأكواب، على رغم أن إيحاءه الزائف بروح الصمود في زمن الحرب لا يمت إلى الواقع بصلة – لا يزال يحمل في جوهره نصيحة سليمة تستحق التمسك بها.
فالأسواق غالباً ما تصاب بالذعر عندما تقع أحداث من هذا القبيل. والمتداولون، الذين يؤدون دوراً مهماً في تحديد الأسعار، يميلون إلى التصرف ومحاكاة تصرف الغالبية، على رغم أن هذا يعد أسوأ رد فعل ممكن. لقد كان الأمر كذلك دائماً، لكن هذا لا يعني أنه يجب علينا أن نحذو حذوهم. من الأفضل بكثير التزام الهدوء والترقب (أو الدعاء؟) أن تمر العاصفة سريعاً.
© The Independent