Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تطور أساليب الدفع يدفع التونسيين بعيداً من الاستهلاك

29 في المئة من المواطنين تخلوا عن المشتريات التي تزيد قيمتها على 504 دولارات

يدفع المستهلكون التونسيون 47 في المئة من مشترياتهم نقداً (أ ف ب)

ملخص

أشارت نتائج دراسة قام بها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات إلى انخفاض نوايا الشراء لدى المستهلكين، خصوصاً بالنسبة إلى السلع المعتمدة فيها الشيكات سابقاً، وهو ما يفسر انخفاض القيمة المضافة لقطاع التجارة بنسبة 0.87 في المئة بين الربع الأخير من عام 2024 وحجمه 2857 مليون دينار (959 مليون دولار) والربع الأول من عام 2025 الحالي وحجمه 2832 مليون دينار (950 مليون دولار)

تسبب القانون المنظم للصكوك الجديد في تونس بتغيير في سلوك المستهلكين، مما حد من قدرتهم على الاستهلاك بسبب انعدام الموارد، وأدى هذا التغيير إلى تراجع الإقبال على بعض السلع، مسبباً تباطؤ التضخم في أسعار الكثير من المنتجات ومظاهر الانكماش التي رصدها المعهد الوطني للإحصاء (حكومي).

من جهته، اعتبر المعهد العربي لرؤساء المؤسسات (هيئة مستقلة) أن انخفاض معدلات التضخم ما بين مارس (آذار) وأبريل (نيسان) الماضيين، خصوصاً في القطاعات التي تعتمد بصورة كبيرة على الاستهلاك من طريق الدفع بالتقسيط مثل الملابس والأثاث والمعدات الإلكترونية، يعكس التأثير المباشر لقانون الشيكات الجديد في الاستهلاك.

وتشير أحدث إحصاءات المعهد الوطني للإحصاء إلى انخفاض معدل التضخم من 5.9 في المئة في مارس الماضي إلى 5.6 في المئة في أبريل الماضي.

وأشارت نتائج دراسة قام بها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات إلى انخفاض نوايا الشراء لدى المستهلكين، خصوصاً بالنسبة إلى السلع المعتمدة فيها الشيكات سابقاً، وهو ما يفسر انخفاض القيمة المضافة لقطاع التجارة بنسبة 0.87 في المئة بين الربع الأخير من عام 2024 وحجمه 2857 مليون دينار (959 مليون دولار) والربع الأول من عام 2025 الحالي وحجمه 2832 مليون دينار (950 مليون دولار).

نصف التونسيين يواجهون صعوبات في الدفع

واعتمدت تونس في مستهل العام الحالي إصلاحاً لنظام استخدام الشيكات، دخل حيز التنفيذ في الثاني من فبراير (شباط) الماضي، ممثلاً بذلك نقطة تحول حاسمة في سياسة الدفع، ولم تستخدم الشيكات كوسيلة دفع وحسب تقليدياً، بل كآلية دفع بالتقسيط، مما يمكن المستهلكين من اقتناء مشتريات كبيرة دون الحاجة إلى النقد الفوري.

وقد غدت هذه الممارسة صورة من صور الاستهلاك، خصوصاً في سلع معينة على غرار الملابس والأثاث والإلكترونيات مما أسهم في دعم الطلب المرتفع بصورة مصطنعة، الذي يشكل مصدراً للضغوط التضخمية.

ومع أن الشيك بموجب القانون السابق أيضاً هو وسيلة دفع مخصصة للصرف الفوري، فإن استخدامه الفعلي يختلف اختلافاً كبيراً عن ذلك، فهو يستخدم كثيراً في التعاملات كوسيلة ضمان، ويعتبر ثلث المستهلكين التونسيين الشيك مجرد وسيلة للدفع المؤجل، وهو ما يسلط الضوء على الفجوة بين المعايير القانونية والممارسات الاجتماعية.

وكشف المعهد العربي لرؤساء المؤسسات أن التونسيين اعتمدوا في السابق 72 في المئة من الشيكات للدفع المؤجل أو كضمان قبل تطبيق القانون.

ثم لجأوا الآن إلى الدفع نقداً بنسبة 47 في المئة، وإلى التحويلات والكمبيالات بنسبة 16 في المئة، بينما انخفض استخدام الصكوك في صورتها الجديدة إلى سبعة في المئة، وعبر 47 في المئة من المستهلكين المستطلعين عن صعوبات في الدفع.

إلى ذلك، بدأ تأثير القانون الجديد جلياً في الاستهلاك، إذ تخلى 29 في المئة عن مشترياتهم أو أجلوها، في حال زادت قيمتها عن 1500 دينار (503.3 دولار)، وتأثر 88 في المئة من المنتمين إلى الطبقة المتوسطة عند اقتناء مشتريات تتراوح ما بين ألف دينار (335 دولاراً) و3 آلاف دينار (ألف دولار).

في الوقت نفسه، يواجه عدد كبير صعوبات في سداد بعض المدفوعات، إذ تظهر هذه الأرقام أنه على رغم حداثة هذا الإصلاح، فإنه يحدث بالفعل تأثيراً ملموساً في عادات المستهلكين وتدفق التعاملات عن عجز وعدم توفر الاعتمادات أو عن جهل بالإجراءات، وتظهر الأثر الاقتصادي المحتمل لهذه القرارات، التي لا تقتصر على مشتريات تتعلق بالرفاهية، بل تشمل سلعاً أو خدمات أساسية، مما يؤثر في الطبقات المتوسطة المعتمدة على الدفع بالتقسيط.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل، يبدو أن شرائح الدخل الأخرى أقل تأثراً، مع أن الأثرياء 43 في المئة يعربون أيضاً عن بعض التردد، ويرتبط ذلك على الأرجح بتغييرات في ممارسات الأعمال.

وفي ما يتعلق بالمشتريات ذات القيمة الكبيرة مثل الأثاث والأجهزة المنزلية والسفر والرعاية الصحية أفاد 21 في المئة وحسب ممن شاركوا في الاستطلاع، بأنهم أجروا هذا النوع من المشتريات خلال الشهر الماضي، بينما استخدم أكثر من 50 في المئة منهم الدفع نقداً، مما يؤكد هيمنة النقد، حتى للمبالغ الكبيرة.

وعن ذلك، قال المتخصص في الاقتصاد حاتم فتح الله إن "الطبقة الوسطى تضررت من التخلي عن استعمالات الشيك في صيغته القديمة، إذ كانت مثالية للأسر والمستثمرين على حد سواء، وقد أضحى المستهلك التونسي مجبراً على التخلي عن نفقات متعلقة بقطاعات الصحة والسفر والأثاث ومواسم الخفوضات، مما أدى إلى تغيير السلوك الاستهلاكي بعد سريان قانون الصكوك الجديد.

ويهدد هذا التغيير بصورة مباشرة قطاعات رئيسة مثل الأجهزة المنزلية والأثاث والرعاية الصحية وقطاع الأسفار التي كانت مدعومة تاريخياً بمرونة الدفع بالشيك، وهي الرافعة التي ساعدت في الحفاظ على ديناميكيات الطلب.

تغييرات على رغم هيمنة "الكاش"

وانقسم الدفع للمقتنيات الكبرى ما بين البطاقات المصرفية بنسبة 23 في المئة ونقداً بنسبة 57 في المئة والكمبيالات بنسبة 20 في المئة، وعن ذلك أشار فتح الله إلى تواصل اعتماد الدفع نقداً لدى التونسيين بنسبة 47 في المئة منذ دخول القانون الجديد للشيكات حيز النفاذ، إذ لم يتجاوز استخدام الشيك سبعة في المئة، مما يدل على ضعف الإقبال على الشيك الجديد، مفسراً ذلك باعتماد الصك سابقاً كوسيلة اقتراض مضمونة وتحوله إلى آلية اقتراضية.

وحذر فتح الله من عواقب الدفع الذي لا يمر بالرقابة البنكية، مما يجعل الرقابة الضريبية ضعيفة، وهو ما قد يؤثر في الإيرادات الضريبية للدولة ومواردها المالية الذاتية.

ومن المثير للاهتمام أنه حتى بين المستهلكين الذين تجاوز دخلهم الشهري 5 آلاف دينار (1.67 ألف دولار) لا يزال استخدام الشيكات منتشراً، إذ يستخدم ثلثا هؤلاء الصك للدفع بالتقسيط وكضمان، مقارنة بثلثهم وحسب للدفع النقدي، مما يشير إلى أن استخدام الشيكات، حتى بين الأسر ذات الأوضاع الاقتصادية الأفضل، غالباً ما ينحرف عن غرضها القانوني وفق الدراسة نفسها للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات، على رغم أن الإصلاح يهدف إلى تعزيز أدوات حديثة للتتبع، فإن النقد لا يزال يهيمن، حتى في السياقات التي تكون فيها الحلول الإلكترونية ممكنة تقنياً.

أما عن الدفوعات غير النقدية فقد هيمنت عليها في السابق التحويلات المصرفية، تليها الشيكات، وأخيراً الكمبيالات، بينما انقلب هذا الترتيب حالياً، إذ تتقاسم الكمبيالات والتحويلات المركز الأول بـ16 في المئة لكل منهما متقدمتين على البطاقات المصرفية 14 في المئة والشيك الجديد سبعة في المئة، و يعكس هذا التغيير تحولاً في عادات الدفع غير النقدي بعد الإصلاح.

علاوة على ذلك، تشير النسبة المرتفعة نسبياً للتحويلات والأوراق التجارية إلى أنه في الأوساط المهنية، تم دمج آليات لاستبدال الشيكات، غالباً بدافع الضرورة، يثير هذا الوضع تساؤلات حول استعداد المستهلكين لتغيير عاداتهم، وكذلك حول مدى فاعلية الوصول إلى هذه البدائل في ظل النظام الحالي، وفي هذا الصدد قال المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي محمد سويلم إن "تغيير منظومة الدفع لم يكن ضرورياً بالنظر إلى الوضع وقد أثر في التعاملات المالية والتجارية، وكان من الأجدر التفكير في تطوير وسائل الدفع الإلكترونية، وخلق آليات ووسائل دفع أخرى".

وأشار إلى أن مشروع الـ"mobile payment" شهد تقدماً ملموساً في الفترة السابقة لعام2011، لكنه توقف على رغم أن تونس تحظى بإمكانات كبيرة وكفاءات في المجال ويمكنها تطوير مثل هذه الآليات للدفع.

اقرأ المزيد