ملخص
بحسب آخر بيانات السوق المالية السعودية الصادرة أول من أمس الخميس أنهى مؤشر السوق الرئيس "تاسي" تداولاته على انخفاض بنحو 1.5 في المئة ليغلق عند 10841 نقطة، متأثراً بتراجع السيولة وتراجع شهية المخاطرة لدى المستثمرين المحليين والأجانب
قال محللون لـ"اندبندنت عربية" إن سوق الأسهم السعودية تدخل مرحلة حساسة خلال تعاملات الأسبوع المقبل وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية في المنطقة مع استمرار المواجهات العسكرية بين إسرائيل وإيران، مما يضع المستثمرين أمام مشهد بالغ التعقيد تتداخل فيه العوامل السياسية والاقتصادية في آنٍ واحد.
وأكد محللون على أن اشتداد المواجهات في المنطقة يدفع أنظار المتعاملين صوب أكبر سوق مالية في الشرق الأوسط، وهي السعودية، وذلك وسط قلق من أن تؤدي هذه التطورات إلى إعادة رسم خريطة التوقعات الاقتصادية والاستثمارية، ليس فقط على الصعيد المحلي، بل على مستوى الأسواق الناشئة بأكملها، التي تتأثر بصورة مباشرة بتطورات أسواق الطاقة العالمية.
قلب العاصفة
أشار المحللون إلى أن تصاعد التوترات الأخيرة يزيد هشاشة المشهد الاستثماري في السوق المالية السعودية، لا سيما مع الترابط الوثيق بين أداء سوق الأسهم المحلية وأسعار النفط العالمية، إذ تؤثر أي تحركات في الخام بصورة مباشرة في معنويات المستثمرين، موضحين أن الضبابية المحيطة بمسار التصعيد العسكري الحالي تعزز من احتمالات دخول السوق في موجة بيع موقتة أو حال من الجمود الحذر، انتظاراً لما ستسفر عنه الأيام المقبلة.
وبحسب آخر بيانات السوق المالية السعودية الصادرة أول من أمس الخميس أنهى مؤشر السوق الرئيس "تاسي" تداولاته على انخفاض بنحو 1.5 في المئة ليغلق عند 10841 نقطة، متأثراً بتراجع السيولة وتراجع شهية المخاطرة لدى المستثمرين المحليين والأجانب.
وجاء هذا الأداء متماشياً مع تراجعات أسواق المنطقة والعالم، حيث سجلت مؤشرات بورصة الكويت انخفاضاً بأكثر من 0.8 في المئة، بينما تراجع مؤشر سوق دبي المالي بنسبة 1.3 في المئة، وسجل مؤشر قطر انخفاضاً محدوداً بنحو 0.5 في المئة، في حين خالفت بورصة أبوظبي الاتجاه بصعود هامشي.
وعالمياً تأرجحت الأسواق الأميركية وسط حال من التوتر بسبب استمرار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، بينما شهدت الأسواق الأوروبية موجة بيع حادة تأثراً بالتوترات الجيوسياسية وتداعياتها المحتملة على النمو الاقتصادي العالمي.
في المقابل قفزت أسعار النفط بأكثر من 7 في المئة في تعاملات أمس الجمعة وسط مخاوف من اتساع دائرة الصراع في الخليج العربي واحتمالات تهديد إمدادات الخام عبر مضيق هرمز، وهو ما أعطى أسواق الطاقة زخماً صعودياً موقتاً.
مفترق طرق
قال مستشار المخاطر لدى "سوسيتيه جنرال" في لوكسمبورغ نادر حداد إن السوق المالية السعودية تقف أمام مفترق طرق صعب وسط التصعيد العسكري الإسرائيلي الإيراني، لافتاً إلى أن العلاقة القوية بين السوق وأسعار النفط تضع المستثمرين أمام معادلة معقدة.
وأضاف أن "استمرار العمليات العسكرية يعني بالضرورة إعادة تسعير الأخطار بصورة أكثر تحفظاً، بخاصة مع احتمال خروج جزء من رؤوس الأموال الأجنبية".
وأشار حداد إلى أن أسعار النفط قد تمنح السوق السعودية دفعة موقتة في حال استمرار ارتفاع الخام، لكن التوترات المطولة ستؤدي في النهاية إلى اهتزاز ثقة المستثمرين في استقرار المنطقة على المدى الطويل، وهو ما سينعكس على السوق في صورة موجات بيع أو إحجام عن ضخ سيولة جديدة.
ضغوط اقتصادية
بدوره أكد الرئيس التنفيذي لمركز التنمية والتطوير للاستشارات الاقتصادية علي بوخمسين أن السوق المالية السعودية تواجه بالفعل ضغوطاً مزدوجة، سواء من جهة التوترات الجيوسياسية أو التراجع الحاد في الأسواق العالمية بسبب الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
وأوضح أن المؤشر الرئيس تجاوز مستويات دعم فنية مهمة خلال الأسبوع الماضي ليغلق دون حاجز 10500 نقطة قبل عطلة العيد، في إشارة واضحة إلى هشاشة السوق.
وأشار بوخمسين إلى أن هذه التراجعات سبقت التصعيد العسكري المباشر بين إسرائيل وإيران، مما يعني أن الأسواق لم تسعر بالكامل حتى الآن تداعيات هذا التصعيد، متوقعاً أن تشهد جلسة الأحد بداية واضحة لتحركات المستثمرين بناءً على المستجدات.
وتوقع أن يؤدي استمرار الصدامات العسكرية إلى مزيد من الانخفاض في مستويات السيولة اليومية، مع احتمالات أن يلامس المؤشر مستويات دنيا تاريخية إذا ما استمرت الأوضاع على هذا النحو من دون حلول دبلوماسية.
سلاح ذو حدين
من جانبه يرى الباحث المتخصص في الاقتصاد الكلي وعضو جمعية الاقتصاد الأميركية علي الحازمي أن السوق السعودية قد تجد متنفساً موقتاً في ارتفاع أسعار النفط، لكنه شدد على أن هذه العلاقة الطردية لن تصمد طويلاً في وجه تصاعد الأخطار السياسية.
وأوضح الحازمي أنه "كلما ارتفعت أسعار النفط، استفادت الشركات المدرجة، لا سيما في القطاعات المرتبطة بالطاقة والبتروكيماويات، وهو ما قد يسهم في تحفيز موجات شراء انتقائية من المستثمرين الباحثين عن أرباح قصيرة الأجل"، لكنه أضاف أن الأسواق عادة ما تستجيب للمعطيات الجيوسياسية بصورة مزدوجة، فبينما تمنح أسعار الطاقة دفعة موقتة، تبقى الأخطار السياسية قائمة، وقد تؤدي إلى موجة بيع لاحقة مع أي تصعيد جديد أو إعلان عسكري مفاجئ.
الأسواق تترقب
وفي السياق ذاته قال المستشار الاقتصادي وخبير أسواق المال إبراهيم الفيلكاوي إن الأسواق الخليجية بأكملها تمر بمرحلة ارتباك شديد نتيجة التوترات الجيوسياسية المتسارعة، مشيراً إلى أن هبوط أسعار النفط في الأسابيع الماضية كان "متعمداً" للضغط على بعض الدول المعارضة لقرارات تحالف "أوبك+".
وأوضح أن السوق السعودية تتماشى بصورة لصيقة مع تحركات النفط، وهو ما يجعلها عرضة لتقلبات حادة خلال الفترة المقبلة، خصوصاً إذا ما طاولت فترة الصراع العسكري.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتوقع أن تستمر حال التراجع في الأقل حتى بداية الأسبوع الجاري على أن يعاود السوق الارتداد في حال ورود أخبار إيجابية أو تهدئة سياسية.
أما المستشار المالي محمود عطا فتوقع أن تكون الأيام المقبلة صعبة بالنسبة إلى السوق المالية السعودية، لا سيما مع تنامي حال القلق في الأسواق العالمية، خصوصاً "وول ستريت" وسط تخوف المستثمرين من اتساع نطاق التصعيد العسكري، مما قد ينعكس سلباً في تدفقات رؤوس الأموال تجاه الأسواق الناشئة.
سيناريوهات مفتوحة
مع إغلاق الأسبوع الماضي على تراجع واضح في مؤشرات الأسواق الخليجية والعالمية يقف المستثمرون أمام مشهد ضبابي يتداخل فيه تأثير التصعيد العسكري مع التطورات في أسعار الطاقة العالمية.
وبينما يراهن البعض على استمرار دعم أسعار النفط للأسواق في المدى القصير، يتزايد القلق من أن تعمق المواجهات الجيوسياسية الخسائر، في حال تحولها إلى صراع مفتوح لا يمكن التنبؤ بعواقبه على المدى المتوسط والطويل.
وبهذا المشهد تبدو السوق المالية السعودية عالقة بين تأثير إيجابي قصير الأجل من ارتفاع أسعار النفط وضغوط نفسية وسلوكية تدفع المستثمرين إلى مزيد من الحذر، في انتظار اتضاح الصورة السياسية والعسكرية في الإقليم خلال الأسابيع المقبلة.