ملخص
"دوامة موت" و"صبر استراتيجي" و"رسائل محسوبة" و"ضعف متوقع"، جميعها تتعلق بوصف مراكز الأبحاث السياسية العالمية للضربة الإسرائيلية - الإيرانية قبل تنفيذها، إذ أكد جميع المراقبين أنها تضع المنطقة على حافة اختبار جديد.
لم تكن الضربة الجوية التي شنتها إسرائيل على مواقع عسكرية داخل الأراضي الإيرانية فجر الـ13 من يونيو (حزيران) الجاري مجرد عملية عسكرية عابرة، بل شكلت لحظة فاصلة دفعت بمراكز الأبحاث والصحف الكبرى إلى إعادة تقييم معادلات الردع في الشرق الأوسط.
ومع أن الرد العسكري الإيراني لا يزال مرتبكاً وغير فاعل، فإن أصوات المحللين السياسيين والمراقبين علت بسرعة متحدثة لا عن صواريخ أو طائرات، بل عن الاستراتيجيات التي قد تتخذها طهران من صمت ورسائل غير مباشرة، وربما تكون أشد وقعاً من أي قصف تقليدي.
بداية دورة تصعيد جديدة
الخبيرة الإيرانية أنيسة بصيري طبرزي، من مؤسسة "كونترول ريسكس" (الأخطار الاستراتيجية)، أكدت أن ما حدث هو بداية تصعيد غير معروف نهايته، موضحة في تعليق لها بعنوان "ما بعد الضربة: دورة جديدة من الردع القاسي" أن "إسرائيل لا تبحث عن حرب شاملة، لكنها لم تعد تعتبر الصمت الاستراتيجي خياراً قابلاً للاستمرار".
استغلال غموض الموقف الأميركي
في تحليل بعنوان "هجوم تحت مظلة الغموض: واشنطن وطهران في الميزان"، كتب الباحث سينا عضائي من معهد الشرق الأوسط أن إسرائيل استغلت ما وصفه بـ"الغموض الاستراتيجي" في موقف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تجاه إيران، قائلاً "تل أبيب تعرف أن واشنطن لن تسارع إلى تقديم دعم عسكري مباشر، فاختارت لحظة مناسبة للتحرك".
الصبر الاستراتيجي
وخلصت النشرة الخاصة الصادرة عن معهد دراسات الحرب الأميركي بعنوان "تحديث إيران: قراءة أولية للضربة الإسرائيلية" إلى أن طهران ربما تعود إلى ما وصفته بـ"الصبر الاستراتيجي"، وهو مصطلح استخدم سابقاً في أزمات مشابهة، لكنه يعود هنا بصيغة مختلفة، تعكس إدراكاً إيرانياً بأن الرد الفوري قد يكون في صالح الخصم.
وأشار التحليل إلى أن "إسرائيل عطلت الرد عبر ضرب مواقع إطلاق محتملة، ما يجعل الرد الإيراني أكثر تعقيداً من ذي قبل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رسائل سياسية لا صواريخ فقط
من جانبها قالت الباحثة سانام فاكيل في تحليل نشر على موقع "شاتام هاوس" بعنوان "الضربة الإسرائيلية كأداة سياسية"، إن ما حدث لم يكن مجرد عملية عسكرية، بل "رسالة سياسية ذات توقيت مدروس"، تهدف إلى اختبار صلابة القيادة الإيرانية، لا قدرتها العسكرية فحسب، وكتبت "الرسائل كانت دقيقة بقدر الضربة نفسها".
دوامة موت
وفي تقرير بعنوان "الضربة التي قد تشعل دوامة موت في الشرق الأوسط"، اعتبرت وكالة "بلومبيرغ" أن الغارات الإسرائيلية على الداخل الإيراني لم تستهدف منشآت فحسب، بل زعزعة توازن الردع القائم حول البرنامج النووي.
وأشارت الوكالة إلى أن طهران توعدت برد موجع، لكنه تأخر بسبب ارتباك داخلي، قبل أن تختار الرد عبر موجتين من المسيرات وصواريخ قصيرة المدى استهدفت مواقع في شمال إسرائيل، في هجوم وصف بـ"الرمزي والمحدود".
وترى "بلومبيرغ" أن الرد الإيراني هدفه إثبات القدرة دون الانزلاق إلى حرب شاملة، فيما أرادت إسرائيل إيصال رسالة بأن ضرباتها ليست رهناً بموافقة الحلفاء، بل بضرورات الردع الاستراتيجي.
الدفاعات الإيرانية لن تصمد
اللافت أن الباحثة نيكول غرايفسكي، من مؤسسة "كارنيغي"، نشرت قبل الضربة بيومين مقالاً تحليلياً في صحيفة "فاينانشيال تايمز" بعنوان "صمود الدفاعات الإيرانية: هل تكفي لردع الضربات؟"، رصدت فيه تحديثات الدفاعات الجوية في طهران، لكنها خلصت إلى أنها "قد لا تكون كافية أمام اختراق إسرائيلي منسق"، وهو ما تحقق لاحقاً بصورة مفاجئة.
الضربة كشفت هشاشة الردع الإيراني
في تحليل نشره المجلس الأطلسي ضمن سلسلة ردود الخبراء على العملية الإسرائيلية، اعتبر الباحث المتخصص في الشأن الإيراني رونالد شابيرو أن الضربة الجوية التي استهدفت العمق الإيراني لم تكن مجرد هجوم عسكري، بل "كشف استراتيجي" لهشاشة الردع الإيراني الذي طالما تباهت به طهران".
وكتب شابيرو "إيران لم تبدُ بهذا الضعف من قبل، والضربة جاءت في لحظة تختبر فيها قدرتها على الرد بصورة ملموسة"، وأشار إلى أن إسرائيل، بعد ما وصفه بـ"الاهتزاز الإيراني في أعقاب حرب غزة وعملية أكتوبر (تشرين الأول) 2024"، قررت توجيه ضربة مركزة ومدروسة شملت منشآت عسكرية ونووية وقادة في الحرس الثوري، في عملية وصفها بأنها "اختراق استراتيجي لبنية القرار الإيراني".
وأضاف الباحث أن الضربة عرَّت الفجوة بين ما تروج له طهران من قدرة ردع، وما أظهرته عملياً من ارتباك وتأخير في الرد الفعلي، ما يعزز، برأيه، من صورة إسرائيل كرادع فاعل لا يحتاج إلى ضوء أخضر من الحلفاء.
ولفت شابيرو إلى أن "الرسالة الإسرائيلية كانت مزدوجة إلى الداخل الإيراني لتقويض ثقة الشارع بقيادته، وإلى المجتمع الدولي بأن تل أبيب قادرة على التحرك بمفردها إذا فشلت الأدوات الدبلوماسية في كبح الطموحات النووية الإيرانية".
وختم المتحدث بالقول إن "ما بدأ بضربة فجر الـ13 من يونيو قد لا يكون إلا أول فصول مرحلة جديدة من الردع المفتوح"، في إشارة إلى احتمال استمرار العمليات النوعية الإسرائيلية مستقبلاً.