ملخص
حسن صوفان القيادي الذي قضى شبابه في السجن قبل أن يخرج إلى ساحات القتال، قائد فصيل تحول إلى رجل سياسي وداعية سلم أهلي. وخلال الوقت ذاته ينتظر أهالي الضحايا تحقيق العدالة الانتقالية، في حين يطالب آخرون بتغليب السلم الأهلي في الأقل خلال المرحلة الحالية.
من جديد ظهر على الساحة السورية اسمان تناقضا طوال الأعوام الماضية، الأول قائد فصيل "أحرار الشام" حسن صوفان، والثاني قائد ميليشيات "الدفاع الوطني" فادي صقر، إلا أن الصادم خروجهما في صف واحد وفق وصف منتقدي حسن صوفان.
صوفان ظهر هذه المرة عبر منصة رسمية من قلب دمشق، لا من ساحات القتال التي خاض فيها كثيراً من المعارك، ولا من الزنازين التي قضى بها عدة سنين من عمره، خرج متحدثاً رسمياً بصفته عضو لجنة السلم الأهلي التي تشكلت بمرسوم أصدره الرئيس السوري أحمد الشرع.
من زنزانة صيدنايا إلى محافظ اللاذقية
ولد "أبو البراء" أو حسن صوفان باسمه الحقيقي عام 1977 داخل مدينة اللاذقية، التي عين محافظاً لها بعد انتصار الثورة.
عاش طفولته ودراسته الابتدائية والثانوية داخل اللاذقية وحصل على شهادة في الاقتصاد من جامعة تشرين قبل أن ينتقل للعيش في السعودية، وخلال عام 2005 عاد إلى سوريا فتعرض للاحتجاز من قبل النظام السابق، واعتُقل في سجن صيدنايا سيئ السمعة.
وخلال عام 2008 وتزامناً مع استضافة دمشق للقمة العربية، شارك صوفان في تمرد ضد النظام داخل سجن صيدنايا، متسبباً في توتر لم تشهده فترة حكم بشار الأسد قبل ذلك، وخلال فترة وجوده داخل السجن ارتبط بشخصيات شاركت لاحقاً في تشكيل فصائل مسلحة قاتلت ضد النظام وأسهمت في إسقاطه.
وأواخر ديسمبر (كانون الأول) 2016، جرت عملية تبادل بين النظام والمعارضة شملت إطلاق سراح حسن صوفان الذي التحق على الفور بفصيل "حركة أحرار الشام"، وما لبث أن عُين زعيماً لها في منتصف عام 2017، خلال فترة من أشد الفترات ضعفاً بالنسبة إلى المعارضة السورية وسط توسع كبير لمصلحة النظام.
ويقول مقربون من صوفان إنه من أكثر الشخصيات الإسلامية اعتدالاً، ووعد بإحياء الحركة التي قادها بعدما كانت تمر بمرحلة صعبة، وكان ضد الاقتتال الفصائلي حتى استطاع عام 2018 من دمج "حركة أحرار الشام" مع "حركة نور الدين الزنكي" لتشكيل "جبهة تحرير سوريا"، التي أصبح قائداً لها حتى مايو (أيار) 2019 قبل أن يعلن استقالته من منصبه لأسباب قال إنها "شخصية" دون أن يذكرها، لكنه تعهد بـ"الاستمرار في القتال ضد النظام"، وبالفعل بقي يشارك في الأعمال العسكرية حتى ليلة الثامن من ديسمبر 2024.
"أحرار الشام"... من خلايا نائمة إلى قوة حاسمة
تأسست "حركة أحرار الشام" على صورة خلايا نائمة خلال مايو 2011 بعد أشهر قليلة من اندلاع الانتفاضة السورية، وأُعلن عنها رسمياً خلال نهاية العام نفسه. وتشكيل الحركة كان عبارة عن اندماج أربع فصائل هي "كتائب أحرار الشام" و"حركة الفجر" و"جماعة الطليعة" و"كتائب الإيمان" منذ اللحظات الأولى لتشكيلها، وعلى رغم الخلفية الراديكالية لبعض مؤسسيها أعلنت الحركة عدم ارتباطها بأي تنظيم خارج سوريا أو داخلها، نافية بذلك الاتهامات الموجهة للحركة بالتعامل مع تنظيم "القاعدة"، وفي المقابل نفت الحركة أيضاً تبعيتها للجيش السوري الحر، مشيرة إلى أنها تنظيم مستقل يهدف لإسقاط النظام السوري.
شاركت الحركة إلى جانب الجيش الحر في قتال النظام، وسيطرت على مناطق واسعة شرق وشمال سوريا، لكن قوتها الضاربة تمركزت في محافظات حلب وإدلب وحماة، وخلال يناير (كانون الثاني) 2013 خاضت "حركة أحرار الشام" واحدة من أكبر المعارك تمثلت بالسيطرة على مطار تفتناز العسكري وتدميره بصورة كاملة، مما عُدَّ خسارة عسكرية كبيرة للنظام السابق الذي كان يستخدم المطار كقاعدة عسكرية لقصف مدن الشمال السوري، واشتركت الحركة إلى جانب الجيش الحر و"جبهة النصرة" في معارك وادي الضيف الشهيرة داخل بلدة معرة النعمان بإدلب.
كيف جمعت "أحرار الشام" بين الراديكالية والانفتاح؟
مؤسس "حركة أحرار الشام" هو القيادي والسجين السابق في صيدنايا حسان عبود، وعُرفت الحركة بمرونتها في انتقاء عناصرها من أهالي المناطق الثائرة، وفي البداية تركز نشاطها داخل الشمال الغربي في قرى ومدن ريف إدلب كسراقب ومعرة النعمان وأريحا وجبل الزاوية، لكنها سرعان ما توسعت باتجاه ريف حلب وريف حماة ودير الزور وريف حمص وريف اللاذقية والرقة ودرعا وريف العاصمة دمشق، وفي ذروة المعارك قال مؤسسها حسان عبود إن "للحركة امتداداً في جميع المحافظات السورية عدا السويداء وطرطوس"، وامتازت "أحرار الشام" في بداية ظهورها بعملياتها النوعية، والتي تعتمد على زرع العبوات الناسفة على جوانب الطرق لاستهداف الإمداد العسكري وعرقلته.
تمكنت "أحرار الشام" عبر احتوائها على نخب عسكرية خبيرة بصناعة المتفجرات ومدفعيات "الهاون" والراجمات من تحقيق رصيد عسكري مميز، سرعان ما مكنها من الحصول على كميات جيدة من القناصات ومضادات الدروع، والتي استطاعت من خلالها اتباع تكتيك الحصار للحواجز والقطع العسكرية واجتياحها واغتنام أسلحتها.
على صعيد علاقتها بالأقليات الإثنية والدينية والطائفية، تدافع الحركة في مواثيقها عن "وحدة سوريا وترفض أي مشروع تقسيمي على أساس ديني أو طائفي أو قومي، وتؤكد ضرورة التعايش بين أبناء الوطن الواحد مهما اختلفت مشاربهم وعقائدهم ويترتب على ذلك حقوق وواجبات متبادلة، وتجعل أصل حرمة الدماء والأموال والأعراض مشتركاً بين الجميع".
صوفان بين الضحايا والجناة
خلال التاسع من سبتمبر (أيلول) 2014، قُتل قائد ومؤسس "حركة أحرار الشام" حسان عبود مع أكثر من 45 قيادياً في انفجار غامض لا تزال أسراره لم تُكشف حتى اليوم، استهدف اجتماعاً لهم في بلدة رام حمدان بريف إدلب، على رغم أنه كان مُنعقداً في نفق سري ومحصن تحت الأرض.
وفي الـ10 من يونيو (حزيران) 2025، عقد عضو لجنة السلم الأهلي حسن صوفان مؤتمراً صحافياً داخل مبنى وزارة الإعلام في دمشق، تناول فيه أبرز التطورات المرتبطة بعمل اللجنة والقرارات الأخيرة المتعلقة بالإفراج عن عدد من ضباط وعناصر النظام السابق، والظهور "الحر" للقيادي السابق في ميليشيات "الدفاع الوطني" فادي صقر، والمتهم بارتكاب جرائم حرب بحق السوريين.
بالعودة عبر التاريخ ستة أشهر إلى الوراء، وتحديداً خلال الأحد الأول من ديسمبر 2024 وقبل أسبوع واحد من سقوط النظام، دخلت فصائل المعارضة إلى مدينة حلب ثاني أهم المدن السورية في حدث وصف بزلزال عسكري بعد نحو خمسة أعوام من الهدوء، وللمرة الأولى تخرج مدينة حلب كاملة عن سيطرة النظام، لكن ما لفت أنظار العالم هو سرعة سيطرة الفصائل على المدينة، ولحق ذلك سقوط تدريجي وسريع للمدن السورية بيد فصائل المعارضة حتى تمكنت من دخول دمشق بعد أسبوع واحد من دخول حلب.
خلال معركة "ردع العدوان"، أعلنت إدارة العمليات العسكرية أنها "تنسق مع ضباط النظام لانشقاقهم وتسهيل السيطرة على مواقع النظام العسكرية"، وهو ما أعلنه بصورة رسمية المتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا، مما فسره متابعون بأن "ضباطاً من النظام السابق شاركوا في إسقاطه"، لكن على رغم ذلك فإن وسائل التواصل الاجتماعي شهدت جدلاً واسعاً خلال اليومين الماضيين بسبب تصريحات صوفان التي قال فيها إن "شخصيات مثل فادي صقر تلعب دوراً في تفكيك العقد وحل المشكلات، ومواجهة الأخطار التي تتعرض لها البلاد"، وأضاف "نتفهم الألم والغضب الذي تشعر به عائلات الشهداء، لكننا مضطرون لاتخاذ قرارات تؤمن استقراراً نسبياً في هذه المرحلة"، هذه التصريحات عدَّها بعض أهالي الضحايا "استفزازاً" لهم، كون عضو لجنة السلم الأهلي رأى أن فادي صقر "مساهم في تحقيق السلم الأهلي".
وبعد ساعات من تصريحات صوفان، ظهر وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى عبر لقاء تلفزيوني أوضح خلاله أن "اسم مثل فادي صقر يعد إشكالياً حتى بالنسبة إلى الحكومة"، وخلال الوقت ذاته أكد المصطفى أن "الحكومة السورية تقترب من إعلان خريطة طريق للعدالة الانتقالية، وأن هذا المسار بدأ فعلياً من خلال تشكيل هيئة مستقلة ذات صلاحيات واضحة، وأن اللجنة الوطنية للعدالة ستعرض طروحاتها قريباً".
الحكومة الجديدة تحت مجهر الضحايا
على رغم تبريرات الحكومة، انتقدت منظمة "ملفات قيصر من أجل العدالة" ما وصفته بمحاولات إعادة تأهيل متورطين في جرائم حرب ومنحهم أدواراً اجتماعية من قبل الحكومة السورية، إذ أصدرت المنظمة بياناً يؤكد أن "العدالة الشاملة تشكل أساس الاستقرار، ولا يمكن تحقيق سلم حقيقي دون محاسبة مرتكبي الانتهاكات بحق الشعب السوري خلال حكم بشار الأسد". ووصفت المنظمة التصريحات التي تربط الاستقرار والسلم الأهلي بتأجيل العدالة بـ"المغالطة المفاهيمية الخطرة"، مشيرة إلى أن تغليب الاستقرار على المحاسبة يعيد إنتاج العنف ويهدد فرص السلام الدائم، موضحة أنه "خلافاً لما ورد على لسان حسن صوفان، تؤكد منظمة ’ملفات قيصر من أجل العدالة‘ أن المجتمعات المستقرة هي تلك التي تبنى على العدالة الشاملة، التي تضمن الحقوق لجميع أفراد المجتمع ومن جميع مكوناته، فالعدالة ليست نتيجة تأتي بعد الاستقرار بل شرط مسبق وأساس لا غنى عنه لتحقيقه".
بين سطور مسيرة حسن صوفان تختصر سوريا عقداً ونصف العقد من التحولات العنيفة، إذ تقاطعت السجون مع ساحات القتال واختلطت شعارات الثورة بتحديات السلطة ومقتضيات الحكم، ومع دخول البلاد مرحلة جديدة بعد سقوط النظام السابق، تعود الأسئلة الكبرى لتفرض نفسها، هل يمكن تحقيق سلم أهلي حقيقي دون عدالة شاملة؟ وهل يغدو الاستقرار غطاء لإعادة تدوير مرتكبي الانتهاكات؟
لكن التصريحات الصادرة عن صوفان وردود الفعل الغاضبة من الضحايا ومنظمات العدالة تكشف حجم التحدي أمام مشروع "العدالة الانتقالية" في سوريا، فبينما تدافع بعض الأطراف عن حلول واقعية تراعي هشاشة المرحلة، يتمسك آخرون بمبدأ أن لا سلام بلا محاسبة ولا استقرار دائماً دون اعتراف بالحقائق، وما بين هذين الموقفين يبقى مستقبل سوريا مرهوناً بقدرتها على صياغة نموذج لا يتجاوز الماضي، بل يتجاوزه عبر مواجهته.