Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ثلاثي الجوار يستشعر الخطر الليبي بإعادة تفعيل آلية متوقفة منذ عام 2019

تساؤلات حول إمكانية نجاحها في كسر الجمود السياسي وفرض استقرار أمني

قيمة الصادرات التونسية إلى ليبيا قبل عام 2011 كانت تقدر بنحو مليار دولار أميركي (أ ف ب)

ملخص

الفوضى الأمنية والاشتباكات المسلحة في المنطقة الغربية حركتا دول الجوار الثلاثة لإعادة تفعيل آلية دول الجوار الليبي التي بدأت عام 2017 وتوقفت عام 2019.

منذ سقوط نظام الرئيس السابق معمر القذافي عام 2011، باتت الأزمة الليبية معضلة لا تؤرق ليبيا فحسب بل امتدت تأثيراتها إلى دول الجوار وبخاصة تونس والجزائر ومصر، بحكم المشاركة في العوامل الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية.

وألقت التجاذبات الأمنية داخل البلد المنقسم بظلالها على الأمن الإقليمي لدول الجوار المذكورة سلفاً، وعدد من دول الساحل الأفريقي التي تعاني هي الأخرى هشاشة أمنية وانتشاراً للجماعات المتطرفة، التي وجدت في عدم الاستقرار الأمني والانقسام السياسي داخل ليبيا بيئة مناسبة لاشتداد عودها.

وأمام استمرار حال عدم الاستقرار لا سيما مع تجدد دوران رحى الاشتباكات في المنطقة الغربية وما تشكله من تهديدات حقيقية لانهيار هدنة وقف إطلاق النار داخل ليبيا، التي وقعتها الأطراف الليبية في جنيف عام 2020، سارعت كل من مصر وتونس والجزائر لعقد لقاء ثلاثي لحلحلة الجمود السياسي والذهاب نحو استحقاق انتخابي ينهي المراحل الانتقالية والفوضى الأمنية.

إعادة الاستقرار

الفوضى الأمنية والاشتباكات المسلحة في المنطقة الغربية حركتا دول الجوار الثلاثة لإعادة تفعيل آلية دول الجوار الليبي، التي بدأت عام 2017 وتوقفت عام 2019، إذ استضافت العاصمة المصرية القاهرة خلال الـ31 من مايو (أيار) 2025 اجتماعاً ثلاثياً، ضم وزير خارجية مصر بدر عبدالعاطي ونظيره التونسي محمد علي النفطي ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، وأكد اللقاء أهمية الحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي الليبية ورفض جميع صور التدخل الأجنبي، مع الدعوة إلى خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد.

وعبر وزراء خارجية الدول الثلاثة عن دعمهم الكامل لمسار الحل الليبي-الليبي من دون تدخلات خارجية حتى تذهب ليبيا إلى انتخابات وطنية، مؤكدين ضرورة التنسيق بين مصر والجزائر وتونس في دعم ليبيا وشعبها خلال هذه المرحلة الدقيقة.

ودعا البيان الختامي جميع الأطراف الليبية إلى الالتزام بأقصى درجات ضبط النفس ووقف التصعيد داخل العاصمة طرابلس، والعمل على تحقيق تسوية سياسية شاملة تحت رعاية الأمم المتحدة.

ويقول الكاتب السياسي المصري علاء فاروق لـ"اندبندنت عربية" إن هذا اللقاء الثلاثي بيَّن مدى اهتمام دول الجوار الليبي باستقرار ليبيا، باعتبار أن أمنها من أمن المنطقة المحيطة بها، لا سيما في ظل تصاعد الاشتباكات المسلحة داخل المنطقة الغربية التي خرقت هدنة وقف إطلاق النار في أكثر من مرة، مؤكداً أن الوضع الأمني ضعيف وقابل للانفجار خلال أية لحظة، مذكراً بأن اللجنة الثلاثية التي اجتمعت كانت انقطعت عن الاجتماع منذ عام 2019، إلا أن الدبلوماسية المصرية رأت أنه لا بد من تفعيل هذه اللجنة لأن المشهد الليبي يزداد غموضاً وضبابية، لا سيما في ظل التدخلات الخارجية لدول ليست لها علاقة بالملف الليبي، ولكنها تحاول فقط التموقع في المشهد الإقليمي انطلاقاً من الإشكالية الليبية.

الضرر

ويضيف الكاتب السياسي المصري أن الدول المجاورة لليبيا تضررت كثيراً من الفوضى التي تكررت داخل المنطقة الشرقية والغربية لليبيا، مبرزاً أن تونس تأثرت سلباً من أحداث طرابلس، والجزائر بقيت في وضع تأهب جراء الأحداث المتواترة في الجنوب الليبي وبخاصة تلك المتعلقة بالهجرة غير الشرعية، ومصر هي الأخرى تضررت من الفوضى التي تحدث في كل مرة عند المعابر الحدودية.

ويؤكد عميد كلية العلوم السياسية في جامعة نالوت الليبية إلياس الباروني أن هناك ضرراً كبيراً لحق بدول الجوار، سواء تونس ومصر والجزائر والتشاد والنيجر، لا سيما في ما يتعلق بالهجرة غير الشرعية وتهريب السلاح، ولكن يبقى الضرر الاقتصادي الذي لحق بتونس هو الأبرز، إذ تربط تونس بليبيا علاقات اقتصادية تبادلية تكاملية، فتجارة الجملة الليبية تعتمد على التبادل الاقتصادي مع تونس إضافة لتجارتهما البينية التي ازدهرت في ظل التدهور الأمني داخل ليبيا، إذ ينبغي إرساء سوق حرة بين البلدين لتسهيل تنقل البضائع، منوهاً بأن الجزائر لحقها ضرر هي الأخرى في التبادل النفطي مع ليبيا لكنه يبقى أقل حدة من تونس.

ويوضح المحلل السياسي إبراهيم لاصيفر بدوره أن الفوضى التي تعانيها ليبيا حالياً وصل مداها إلى دول الجوار بصورة كبيرة، فالكل يعلم أن مساحة ليبيا ضخمة تصل إلى 1.8 مليون كيلومتر بينما لا يتعدى عدد سكانها الـ7 ملايين نسمة، وهو عدد ضئيل جداً مقارنة بثروات ليبيا. وفي حال استقر البلد ستستقر دول الجوار هي الأخرى أمنياً واقتصادياً، باعتبار أن جميع دول الجوار متضررة بصورة مباشرة وبخاصة تونس وتليها الجزائر، بينما مصر يصلها الضرر بدرجة أقل لأنها تتحمل جزءاً كبيراً من حال الفوضى في ليبيا نتيجة دعمها لطرف من أطراف الصراع على حساب الآخر، في إشارة إلى قائد القيادة العامة المشير خليفة حفتر.

ويبرز المتحدث ذاته أن المصالح الدولية التي تحرك خيوط الصراع الليبي لم تدع فرصة لدول الجوار ولا حتى لليبيين أنفسهم لوضع حل لهذا الإشكال، فالمصالح الدولية هي التي تقف أمام التسوية السياسية، لتَبقى ليبيا ضحية للانقسام الدولي.

العميد المتقاعد من قوات الجيش التونسي مختار بالنصر يقول بدوره إن البلدان الثلاثة لحقها ضرر الصراع الدائر في ليبيا، لكن تبقى تونس المتضرر الأكبر بالنظر إلى وجود عدد مهم من الشركات التونسية المتمركزة في ليبيا، إضافة للتبادل التجاري بين البلدين الذي أصبح لا يقارن حالياً بفترة الاستقرار التي سبقت الانتفاضة، إذ كان هناك تعاون اقتصادي وتبادل تجاري على أشده بين تونس وليبيا.

يذكر أن قيمة الصادرات التونسية إلى ليبيا قبل ثورة الـ17 من فبراير (شباط) 2011، كانت تقدر بنحو مليار دولار أميركي (3 مليارات دينار تونسي) وتغطي نحو 90 في المئة من وارداتها النفطية من ليبيا، وكانت تونس تستقطب كل عام نحو مليون ونصف مليون سائح ليبي، بينما يصل عدد الشركات المصدرة لليبيا إلى قرابة 1200 شركة تغطي غالب القطاعات الاقتصادية. وكان يعمل في ليبيا نحو 200 ألف عامل تونسي، لكن مع هبوب رياح الانتفاضة الليبية هوت هذه المؤشرات وانخفض حجم المبادلات التجارية بين تونس وليبيا خلال 2024، إذ قارب 2.4 مليار دينار تونسي (800 مليون دولار أميركي)، مسجلاً بذلك تراجعاً طفيفاً مقارنة بعام 2023 بسبب غلق المعبر الحدودي برأس الجدير لنحو ستة أشهر، حسب تصريحات للرئيس المدير العام لمركز النهوض بالصادرات مراد بن حسين، للإذاعة الرسمية التونسية.

ويؤكد العميد التونسي أن هذا التراجع مرده إلى تدهور الوضع الأمني وعدم استقرار الدولة الليبية وإعطاء الفرصة لمصر أكثر من تونس عندما انطلقت مرحلة إعادة الإعمار والتنمية في ليبيا، نتيجة عدم قدرة تونس على مسايرة الوضع في ليبيا وفرض رؤية دبلوماسية تونسية هناك تتماشى والمعطيات الجديدة التي فرضت على الواقع الليبي، داعياً إلى "مزيد العمل على إقناع الليبيين على التعامل الجيد مع تونس، لأن تونس وقفت وقفة جادة مع ليبيا حيث استقبلت الليبيين في حرب 2011، وأيضاً خلال الفترة الممتدة من عام 1909 إلى عام 1911 كانت تونس أيضاً الحضن الذي احتضن الليبيين أثناء هجوم إيطاليا عليهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كسر الجمود

وعلاقة بنجاح ثلاثي الجوار الليبي (تونس والجزائر ومصر) في كسر الجمود السياسي الليبي من عدمه، يقول بن نصر إن هذا الأمر يرتكز على تجاوز أطراف الصراع الليبي خلافاتهم الداخلية التي تدار بقوة السلاح لا سيما في ظل وجود شرعية ضعيفة في ليبيا، ويستدرك أنه "بحكم وجود الفصائل المسلحة وخرق الأمن يمكن للوساطات أن تلعب دوراً ولكنها تتسم بالتحيز لبعض أطراف الصراع، فمثلاً مصر تدعم حفتر والجزائر تتخوف من وجود قوات على حدودها، بينما تقف تونس في صف الحكومة القائمة".

ويؤكد العميد المتقاعد من القوات المسلحة التونسية أن الملف الليبي افتك من دول الجوار، إذ خرج بداية من أيادي الليبيين منذ اندلاع انتفاضة فبراير، وفلت أيضاً من دول الجوار الثلاث بسبب تدخل قوى إقليمية أخرى على الخط، على غرار بعض دول حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة الأميركية وروسيا وتركيا وغيرها من الدول، مما فرض واقعاً معيناً وبخاصة بعد دعم حفتر من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، مما أثر بصورة لافتة على تسوية الملف الليبي وجعل الليبيين غير قادرين على إيجاد حل لمشكلاتهم الداخلية، وأصبحت تُملى عليهم بعض المواقف من الخارج، وهذا ما جعل الوضع يتردى أكثر فأكثر وجعل الخلافات تتزايد مما دفع بالوضع إلى مزيد التردي وخرج عن السيطرة.

ويتفق الكاتب السياسي المصري علاء فاروق مع ما ذهب إليه العميد التونسي مختار بالنصر، موضحاً أن الملف الليبي أكبر من دول الجوار، ولكن خلال الوقت ذاته لا يمكن تجاوز دورها كونها لصيقة بالمشهد الليبي والأكثر دراية بتفاصيله، باعتبار التدخلات الأخرى براغماتية، فتركيا تريد مصالحها للتنقيب على الغاز في المتوسط، وروسيا تسعى لأن يكون لها حلفاء وأوراق إقليمية تفاوض عليها القوى الأوروبية والقوى الغربية، وبخاصة أن الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تعمدت إهمال دور دول الجوار الليبي لا سيما تونس والجزائر في مرتبة ثانية، عكس مصر التي حرص المبعوثون الأمميون على زيارتها دوماً والتقوا رئيس الاستخبارات العامة ومسؤولين في الدولة المصرية، مما يؤكد أن الأمم المتحدة تراهن على الدور المصري.

ويؤكد أن الدور الدولي والأممي تربطه مصالح مع قوى أخرى غير تونس والجزائر، منوهاً بأن اللجنة الثلاثية قد تحدث حراكاً ولو ضعيفاً في ليبيا، ولكنه يبقى دوراً مهماً بخاصة أن الإدارة الأميركية أثنت عليه.

عميد كلية العلوم السياسية في جامعة نالوت إلياس الباروني يؤكد أن نجاح اللقاء الثلاثي من عدمه يتوقف على صدق نيات مصر، إذ عليها أن تسهم في الحل عبر التزامها الحياد مثل تونس، مبرزاً أنه لا يمكن إنجاح اللقاء الثلاثي إلا بدعم الشرعية واستقرار ليبيا والعمل على إنهاء المراحل الانتقالية في ظل دستور جامع يتفق عليه الشعب الليبي.

ويقول الباروني إن الدول الثلاث الملاصقة للملف الليبي يجب أن يكون لها دور أكثر دقة من قبل، وبخاصة أن الملف الليبي يدار من دول عدة وأولاها مصر، التي استشعرت الخطر على مصالحها فسارعت لإحياء اللجنة الثلاثية المتوقفة منذ عام 2019، لأنها تعي جيداً التأثير الإيجابي لكل من تونس والجزائر في عملية الاستقرار داخل ليبيا، موضحاً أن تونس تلعب دوراً في ما يتعلق بالجانب الأمني باعتبارها دولة حدودية مع ليبيا وتربطها علاقات اجتماعية عميقة بليبيا أكثر من مصر.

ويضيف أن هناك سياسة تكاملية بين مصر وتونس باعتبار أن المصلحة الثنائية قوية جداً بين تونس وليبيا، فرأت القاهرة أن تشرك تونس وبخاصة أن أطراف الصراع الليبي دائماً ما يختارون تونس لاجتماعاتهم، عكس الجزائر التي ما زالت في مواجهة دائمة لمصر، وذلك جلي من خلال الرسالة التي أرسلتها إلى مصر عند تدخلها في الشأن الليبي، فالتصريح الأخير من قبل الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون الذي قال إن طرابلس خط أحمر عندما أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي سرت خطاً أحمر، مما دفع مصر إلى تغيير تكتيكها وإشراك تونس والجزائر في عملية رسم خطة أو رؤية مشتركة قبل أن تنفلت الأمور وتصبح ليبيا خارج دائرة السيطرة، وبخاصة مع تفاقم الوضع الأمني في الغرب الليبي.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير