Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما لا يقال عن التوحد وخجل المجتمع من المختلف: 10 أسئلة

خبراء يرون أن تحول الخطاب العام حول هذا الاضطراب إلى أداة بيد السياسيين يؤدي إلى إعادة إنتاج وصمة اجتماعية قائمة على مغالطات علمية مرفوضة

أبرز ما يواجههه المصابون بالتوحد هو الانعزال الاجتماعي فيما تكثر الأسئلة عما إذا كان هذا الاضطراب مرضاً مكتسباً (اندبندنت عربية)

ملخص

في مواجهة تصريحات وزير الصحة الأميركي روبرت كينيدي جونيور التي وصمت أطفال التوحد بالعجز، تكشف المتخصصة في طب الأعصاب الوراثي الدكتورة روزماري بستاني حقيقة التوحد كطيف نمائي لا يلغي القدرة على الاندماج أو الإنتاج، مؤكدة المعركة قائمة اليوم ضد التهميش والمعلومات المضللة.

"هؤلاء الأطفال لن يدفعوا ضرائب ولن يعملوا ولن يندمجوا في المجتمع". بهذه العبارة الصادمة وصف وزير الصحة الأميركي روبرت كينيدي جونيور الأطفال المصابين بالتوحد، في واحدة من أكثر التصريحات إثارة للجدل خلال الأعوام الأخيرة.

كلمات الوزير لم تثر الغضب فحسب، بل فتحت النقاش مجدداً حول صورة المصاب بالتوحد في الخطاب العام، ومدى سيطرة السياسيين على سرديات علمية يفترض أن تكون في يد الأطباء والباحثين.

الأخطر من ذلك، أن كينيدي كرر رواية قديمة تربط بين اللقاحات وظهور التوحد، وهي فرضية أسقطت علمياً منذ أكثر من عقدين، بعدما تبين أن الدراسة التي روجت لها كانت مزورة وسحبت من المجلات العلمية، وسجن صاحبها.

لكن على رغم عشرات الدراسات التي أكدت أن التوحد ليس نتيجة للتطعيم، وإجماع منظمة الصحة العالمية ومراكز السيطرة على الأمراض داخل الولايات المتحدة على ذلك، فإن الضرر لا يزال قائماً. ملايين الأهل اليوم يترددون في تلقيح أطفالهم، وبعضهم يحمل نفسه ذنباً لا أساس له.

في المقابل، تشهد العلوم العصبية تطورات غير مسبوقة في فهم التوحد، بعيداً من الصور النمطية التي تضع المصاب به في خانة العجز. من الجينات إلى نمط الولادة، ومن العوامل البيئية إلى التعليم المبكر، يعاد رسم صورة التوحد على ضوء المعرفة الجديدة لا التخويف.

في هذا السياق، حاورت "اندبندنت عربية" المتخصصة في طب الأعصاب والأمراض الوراثية عند الأطفال الدكتورة روزماري بستاني، وهي من أبرز الأصوات العلمية في هذا المجال داخل لبنان، فأدلت بتحليل علمي شامل لأسباب التوحد وأنواعه وسبل تشخيصه وطرق الدمج، ومسؤولية الخطاب العام عن تكريس الوصمة أو تجاوزها.

1 - ما هو "التوحد" وما درجاته؟

عند الحديث عن التوحد، يثير مصطلح "مرض" بعض الجدل في الأوساط الطبية، لما يحمله من دلالات سلبية قد لا تنطبق بدقة على طبيعة الحالة. وتوضح بستاني أن التوحد يعد "اضطراباً عصبياً - نمائياً يولد به الطفل نتيجة تفاعل عوامل جينية وبيئية معقدة"، مشيرة إلى أن "لكل إنسان قابلية جينية بدرجات متفاوتة، لكن هذه القابلية لا تعني بالضرورة أن الطفل سيصاب بالتوحد".

وتعرف تقارير طبية دولية اضطراب طيف التوحد بأنه "حالة تؤثر في تطور الدماغ، وتحدث خللاً في الطريقة التي يفهم بها الفرد الآخرين ويتفاعل معهم"، مما ينعكس على قدرته في التواصل الاجتماعي والتفاعل العاطفي، سواء من خلال اللغة أو الإشارات غير اللفظية. كما يترافق التوحد غالباً مع سلوكيات نمطية ومتكررة تختلف في حدتها من طفل إلى آخر.

يقسم اضطراب طيف التوحد إلى ثلاث درجات رئيسة: خفيف، معتدل، وشديد، وهي تصنيفات تستخدم لتقدير مستوى الدعم الذي يحتاج إليه الطفل في حياته اليومية. غير أن هذا التصنيف الكلاسيكي لا يعبر بدقة عن الفروق الفردية بين الحالات، وفق ما تشير إليه الأدبيات الطبية الحديثة.

ولتوضيح التدرج بصورة أكثر دقة، يضاف في بعض التقييمات توصيفان وسيطان هما "من خفيف إلى معتدل" و"من معتدل إلى شديد"، مما يوسع التصنيف إلى خمس مراحل تقريبية.

وتؤكد الدكتورة بستاني أن "التوحد لا يمكن اختزاله إلى درجة واحدة ثابتة، بل هو طيف واسع تختلف مظاهره من طفل إلى آخر"، مشيرة إلى أن "المرض قد يكون بسيطاً لدى البعض ويحتاج إلى دعم جزئي، بينما يظهر بصورة أكثر تعقيداً لدى آخرين ويتطلب رعاية مستمرة وتدخلاً متعدد التخصصات". 

2- متى حصل أول تشخيص للتوحد؟

تعود أولى الإشارات إلى ما يعرف اليوم باضطراب التوحد إلى وثائق قانونية تعود إلى عام 1747 في إنجلترا، حيث وقعت قضية ميراث بين شقيقين من عائلة "بلير". حاول أحد الإخوة التشكيك بأهلية شقيقه للحصول على الميراث، وتشير وثائق المحكمة إلى أن الأخير كان يظهر أعراضاً انعزالية وسلوكية تتقاطع مع ما يعرف اليوم بـ"متلازمة التوحد"، مما يجعلها من أقدم الحالات الموثقة التي أشير فيها إلى هذه السمات.

لاحقاً، برزت حالة لافتة عام 1798 لطفل وجد في البرية بعدما قضى سبعة أعوام وحيداً ومنعزلاً عن المجتمع. وقد عرفت هذه الحالة باسم "الولد البري من أفيرون" (The Wild Boy of Aveyron)، وشكلت مادة بحثية مهمة في الأوساط العلمية في أوروبا، إذ أعيد إدماج الطفل في المجتمع تحت إشراف طبي، وعدت حالته من أقدم النماذج السريرية التي استرعت انتباه علماء النفس.

أما المصطلح العلمي "التوحد" "Autism"، فلم يظهر إلا عام 1810 على يد الطبيب الفيزيائي السويسري يوجين بلويلر الذي اشتق الكلمة من المصطلح اليوناني "autos" أي "الذات"، لوصف أشخاص يظهرون سلوكاً انعزالياً وانغلاقاً على أنفسهم. وقد مهد هذا التوصيف اللغوي لتبلور مفهوم التوحد لاحقاً كاضطراب نمائي عصبي يعرف بطيف واسع من الأعراض والسلوكيات.

3- ما أبرز العوارض الأولية التي تظهر على المصابين؟

يجري تشخيص اضطراب طيف التوحد عادة بين عمر 14 و28 شهراً من عمر الطفل، أي في مرحلة مبكرة تبدأ من السنة والنصف تقريباً. ويعد هذا التوقيت بالغ الأهمية، بحسب تقارير طبية حديثة، نظراً إلى ما يتيحه من فرص للتدخل المبكر وتحقيق تحسن. وعلى رغم الجهود المبذولة في بعض الدول لتكريس هذا النوع من التشخيص المبكر، فلا تزال دول أخرى تسجل تأخراً يصل إلى عمر الأربع أو خمس سنوات، مما يحد من فاعلية البرامج العلاجية.

في ما يتعلق بأدوات التشخيص، توضح بستاني، أن "تشخيص التوحد لا يقوم على اختبار موحد، بل يعتمد على تقييم سريري شامل، ويشمل عدداً من الأدوات أبرزها اختبار Autism Diagnostic Observation Schedule واختبارVerbal Behavior Milestones Assessment and Placement Program، فيما تبقى "الركيزة الأساسية للتشخيص في يد الطبيب المختص، وغالباً ما يكون طبيب أعصاب أطفال، إذ تبدأ العملية بالتقييم السريري الدقيق، بينما تستخدم بقية الاختبارات وسائل داعمة بحسب خصوصية كل حالة".

أما على صعيد العوارض الأولية، فإن أكثر ما يدفع الأهل إلى طلب الاستشارة هو تأخر النطق أو توقفه المفاجئ بعد بدايات طبيعية، والطفل قد يظهر في البداية تفاعلاً طبيعياً، ثم يبدأ تدريجاً بالانعزال والجلوس بمفرده، مع فقدان واضح للتواصل البصري وغير اللفظي، حتى مع الوالدين. كذلك قد تترافق بعض الحالات مع تأخر في المهارات الحركية الأساسية كالمشي أو الجلوس، وإن كانت هذه العلامات أقل شيوعاً مقارنة بمؤشرات التواصل والسلوك. 

4- هل هو مرض مكتسب أم وراثي؟

اضطراب طيف التوحد ليس مرضاً مكتسباً، بل هو حال عصبية، نمائية تبدأ في مرحلة التكون الجنيني، نتيجة عوامل وراثية وجينية بالدرجة الأولى، فيما تجمع الدراسات الحديثة على الطابع الوراثي للتوحد، وإن كانت العوامل البيئية قد تسهم في تحفيز ظهوره لدى من يمتلكون قابلية جينية.

وتلفت بستاني في هذا السياق إلى أن "الأبحاث خلال العقد الأخير حددت طفرات جينية محددة تسهم في رفع خطر الإصابة"، لكنها تؤكد في الوقت نفسه أن "وجود خلل جيني لا يعني بالضرورة تطور التوحد، بل إن العوامل البيئية مثل التهابات الحمل، أو بعض أنواع الأدوية، أو الولادة المبكرة، قد تتفاعل مع هذا الاستعداد وتسرع من ظهور الحالة".

وتستشهد بنتائج دراسات أجريت على التوائم، حيث "بلغت نسبة إصابة التوأم الثاني بالتوحد نحو 90 في المئة عند التوائم المتطابقة، مقارنة بنسبة تراوح بين 50 و75 في المئة لدى التوائم غير المتطابقة"، معتبرة أن "هذه الأرقام تعزز فرضية العامل الوراثي كأحد العناصر الحاسمة في نشوء التوحد".

ولذلك غالباً ما يسأل الأطباء الأهل عن وجود قرابة بين الوالدين أو سوابق مماثلة لدى أبناء العمومة، إذ تظهر البيانات المتوافرة تكرار حالات التوحد أحياناً داخل العائلة الواحدة، لا سيما حين يترافق ذلك مع تاريخ نفسي أو عصبي، مثل الاكتئاب أو الاضطراب ثنائي القطب أو الفصام"، وتنفي بستاني أن يكون التوحد مرضاً معدياً أو قابلاً للانتقال من شخص إلى آخر، مشددة على أن "التوحد لا يشبه الإنفلونزا أو الفيروسات الموسمية، ويجب التخلص نهائياً من هذا المفهوم الخطأ".

5- هل يؤثر نمط حياة الإنسان على تطور المرض؟

تشير متخصصة طب الأعصاب الوراثي عند الأطفال إلى أن "نمط حياة الإنسان، خصوصاً في المراحل المبكرة من الطفولة، قد يسهم في تحفيز ظهور التوحد أو زيادة حدته، لا سيما لدى الأطفال الذين يملكون ما يعرف بالقابلية الجينية أو الاستعداد الوراثي"، محذرة من "الإفراط في تعريض الأطفال للشاشات"، إذ إن وقتاً يمضيه الطفل أمام الهاتف أو الجهاز اللوحي، قد يسرع من بروز أعراض التوحد أو يفاقمها، بخاصة لدى من لديهم استعداد وراثي، حتى وإن لم يكن ذلك السبب المباشر. أما الفروق الطبقية أو الاقتصادية، فلم تظهر الإحصاءات أي ارتباط واضح لها بمعدلات الإصابة".

كما أن عوامل مثل الولادة المبكرة، أو المتعسرة، ونقص الأوكسجين أو النزف أثناء الولادة، وتقدم عمر الأهل، كلها تعد من العوامل البيئية التي قد تسرع من ظهور التوحد عند الأطفال الذين يحملون استعداداً وراثياً، كما أن الولادة المبكرة، وفق بستاني، تعد عاملاً أساسياً من عوامل الخطر المرتبطة باضطراب طيف التوحد، وتشير إلى أن "التقدم الطبي أسهم في تحسين فرص بقاء الأطفال الخدج على قيد الحياة، مما أتاح ملاحظة ارتفاع معدلات الاضطرابات النمائية لديهم، ومنها التوحد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

6- ما أبرز الصعوبات التي يعانيها المصابون بالتوحد؟

أبرز ما يواجههه الأطفال المصابون بالتوحد هو الانعزال الاجتماعي وضعف التفاعل مع المحيط، والطفل يظهر في كثير من الأحيان ميلاً واضحاً للبقاء بمفرده، ويفضل الانسحاب من الأنشطة أو التواصل حتى مع أقرب الناس إليه، فيما تأخر النطق يعد من العلامات الأساسية إذ إن بعض الأطفال لا يبدأون بالكلام ضمن الإطار الزمني المتوقع، في حين يبدأ آخرون بالكلام ثم يتوقفون فجأة، مما يثير قلق الأهل ويدفعهم إلى طلب الاستشارة الطبية.

ومن بين الصعوبات البارزة أيضاً ضعف التواصل البصري وغير البصري، إذ يتوقف الطفل عن النظر إلى من يخاطبه أو الاستجابة للتفاعل اللفظي والعاطفي، حتى مع والديه، مما يحد من قدرته على التعبير عن حاجاته أو إقامة علاقات طبيعية مع من حوله، فيما تشكل هذه التحديات عائقاً أمام التطور الاجتماعي والانفعالي لدى الطفل، لكنها قابلة للتحسن مع التشخيص المبكر والتدخل المتخصص.

7 -هل يندمج المصابون في المجتمع؟

إمكانية اندماج الأطفال المصابين بالتوحد في المجتمع ليست موحدة، بل تعتمد على عوامل متعددة، أبرزها درجة التوحد، توقيت التشخيص، طبيعة التدخل العلاجي، ومستوى الدعم الذي يتلقاه الطفل في محيطه الأسري والتربوي.

وتشير بستاني إلى أن "الطيف التوحدي واسع، ولا يعاني جميع الأطفال من الصعوبات نفسها، إذ يمتلك بعضهم قدرات ذهنية عالية، بل وهناك من وصفوا بالعبقرية، مثل ألبرت أينشتاين الذي يعتقد أنه كان على الطيف التوحدي". في المقابل "بعض الحالات تترافق مع تأخر ذهني أو إعاقات إدراكية، وهؤلاء الأطفال يحتاجون إلى دعم مضاعف وتأهيل متخصص".

وترى بستاني أن الدمج في المدارس والمجتمع والحياة اليومية هو الخيار الأمثل كلما أمكن ذلك، شريطة أن يكون مدعوماً ببرامج تأهيلية مصممة وفق حاجات كل طفل. وتلفت إلى أن "التدخل المبكر يعد العامل الأهم في تحسين فرص الاندماج، إذ يسهم في تعزيز المهارات التواصلية والاجتماعية، ويقلل من العزلة، ويرفع فرص الاستقلالية في مراحل لاحقة من الحياة".

8 -ما أنواع العلاجات المتوافرة؟

باتت العلاجات المتوافرة للأطفال المصابين بالتوحد متنوعة إذ تتكامل في ما بينها لتعزيز قدراتهم على التواصل والتفاعل مع محيطهم. وتشير بستاني إلى أن "أبرز هذه العلاجات هو "علاج النطق"، الذي يستهدف تطوير مهارات التواصل اللفظي وغير اللفظي لدى الطفل".

وتضيف أن "من العلاجات المهمة أيضاً العلاج "الانشغالي" الذي يعنى بتنمية المهارات الحياتية اليومية، مثل الأكل واللباس والتعامل مع الأدوات، إلى جانب العلاج "الحسي الحركي" الذي يهدف إلى تحسين التناسق بين الحركة والإدراك، وإن لم يكن متوافراً في جميع الدول.

وتلفت بستاني إلى أن تحليل السلوك التطبيقي يعد من العلاجات الأساسية كذلك، ويركز على تعديل السلوك وتعزيز المهارات الاجتماعية والمعرفية، وقد أثبت فاعليته بصورة كبيرة في أميركا، حيث تغطي شركات التأمين ما يصل إلى 20 ساعة علاجية أسبوعياً، في المقابل الكلفة المرتفعة في دول مثل لبنان لا تسمح للأهالي بالحصول على أكثر من أربع إلى ست جلسات أسبوعياً، مما يشكل تحدياً فعلياً أمام استمرارية العلاج.

9- ما هو عدد المصابين حول العالم؟

يشهد عدد المصابين باضطراب طيف التوحد حول العالم ارتفاعاً مستمراً منذ أعوام، وذلك بفضل ازدياد التشخيص، وهذا الارتفاع لا يعبر بالضرورة عن ازدياد فعلي في عدد الإصابات، بل يعود في جزء كبير منه إلى تطور أدوات التشخيص، وارتفاع مستوى الوعي عند الأهل والمجتمع، وقدرة الأطباء على رصد الأعراض في مراحل مبكرة.

تميز بستاني بين مفهومي "الانتشار" الذي يشير إلى عدد الحالات الإجمالي، و"الحدوث" الذي يقصد به عدد الإصابات الجديدة خلال فترة زمنية محددة. وتوضح أن "أرقام منظمة الصحة العالمية لعام 2023 قدرت إصابة طفل واحد من كل 100، فيما أظهرت بيانات 2025 أن النسبة ارتفعت إلى نحو 0.6 في المئة من الأطفال عالمياً، لافتة إلى أن "عوامل عدة تؤثر في التشخيص، أبرزها الجنس، إذ "يشخص التوحد لدى الذكور أكثر من الإناث".

وتتابع بستاني أن أميركا تسجل اليوم أعلى معدل تشخيص عالمي، حيث تشير بيانات مراكز "السيطرة على الأمراض والوقاية منها" إلى أن واحداً من كل 31 طفلاً يشخص بالتوحد، بعدما كانت النسبة قبل عامين واحداً من كل 36. وتليها كل من كوريا الجنوبية، اليابان، المملكة المتحدة، كندا، أستراليا، الدنمارك، وإسرائيل، مشيرة إلى أن "ارتفاع النسب في هذه الدول لا يعني بالضرورة وجود عدد أكبر من الحالات، بل يعكس توفر بنى تحتية صحية متقدمة، وكوادر مؤهلة، واعتماد التشخيص المبكر. أما في الدول ذات الموارد المحدودة، فتبدو الأرقام منخفضة فقط بسبب ضعف القدرة على الرصد والتشخيص.

10 - ما هي آخر الإشكاليات التي طرحت حول مرض التوحد؟

أثارت تصريحات وزير الصحة الأميركي روبرت كينيدي جونيور جدلاً واسعاً في الأوساط العلمية والطبية، بعدما قال إن "الأطفال المصابين بالتوحد لن يعملوا، ولن يندمجوا، ولن يدفعوا ضرائب، في إشارة ضمنية إلى كلفتهم الاقتصادية والاجتماعية على المجتمع. وقد قوبلت هذه التصريحات بموجة انتقادات من أطباء وخبراء، عدوها تبسيطية وخطرة، تسهم في وصم المصابين بالتوحد، وتهدد التقدم المحرز على صعيد الدمج المجتمعي.

في هذا السياق، ترد الدكتورة بستاني، قائلة "التوحد ليس حكماً بالإقصاء، بل هو طيف واسع يضم عباقرة، مبتكرين، وأصحاب إنجازات بارزة. نعم، هناك تحديات حقيقية في الدمج وسوق العمل، لكن الحل لا يكون بنشر المغالطات، ولا بإعادة إحياء الخرافة الكبرى حول اللقاحات"، وتضيف أن "دمج الأطفال المصابين بالتوحد في المجتمع والمدارس ليس ترفاً تربوياً بل ضرورة مجتمعية وأخلاقية، فيما القوانين التربوية الحديثة، بما في ذلك القانون اللبناني، تلزم المدارس بتخصيص ما بين 10 و12 في المئة من مقاعدها لذوي الحاجات الخاصة، وبينهم الأطفال المصابون بالتوحد".

في المقابل، تبدي أسفها لتردد بعض الأهالي في القبول بالتشخيص أو إرسال أطفالهم إلى الحضانة، ما يؤدي إلى تأخير تطورهم، قائلة "رفض التشخيص يشبه منع مريض سكري من تناول الأنسولين".

وتختم بالقول إن المعركة مع التوحد ليست طبية فحسب، بل هي أيضاً معركة ضد المعلومات المضللة التي تعيدنا أعواماُ إلى الوراء، وتقوض ثقة الناس بالعلم والمنظومات الصحية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات