ملخص
انكمش اقتصاد السودان بنسبة إضافية تبلغ 13.5 في المئة عام 2024، بعدما تقلص بنحو الثلث في العام الذي سبقه، متوقعاً أن يشمل الفقر المدقع 71 في المئة من السكان في ظل استمرار النزاع.
بلغ التوتر في محور إقليم كردفان، غربي السودان، ذروته القصوى بإظهار طرفي الصراع (الجيش والدعم السريع) استعداداتهما القتالية من خلال نشر تحركاتهما وتعزيزاتهما العسكرية هناك. وأظهر مقطع مصور تحرك رتل من المركبات القتالية يتبع للجيش السوداني باتجاه مدينة الخوي بولاية غرب كردفان، من أجل استعادتها من قبضة "الدعم السريع"، بينما أكدت الأخيرة اقتراب ساعة تحرير مدينة بابنوسة (في ذات الولاية) التي يسيطر عليها الجيش، بعد الدفع بمئات المقاتلين إلى ساحة القتال، مما يؤشر إلى مواجهات ضارية متوقعة خلال اليومين المقبلين في هذا المحور.
حرب المسيرات
تأتي هذه التحركات مسنودة باستهداف جوي مكثف بواسطة المسيرات القتالية، حيث أعلن الجيش، أمس الثلاثاء، إسقاطه مسيرة تابعة لـ"الدعم السريع" كانت تحاول استهداف مواقع استراتيجية بمحور كردفان، إلا أن الدفاعات الجوية، بحسب مصادر عسكرية، تعاملت معها بكفاءة عالية وتمكنت من رصدها قبل أن تسقطها بنجاح من دون تسجيل أي خسائر تذكر.
وأشارت "غرفة طوارئ ولاية غرب كردفان" في بيان إلى أن طائرة مسيرة تتبع للجيش قصفت مركزاً لإيواء النازحين بمدينة أبوزبد التي تسيطر عليها "الدعم السريع"، مما أدى إلى مقتل ثمانية أشخاص بينهم طفل في السادسة من عمره، وجرح تسعة آخرين.
وحث البيان طرفي الحرب على ضرورة الامتثال للقوانين والأعراف الدولية والأخلاق، وتوفير الحماية الكافية للمدنيين العزل بدلاً من الاعتداء عليهم وإزهاق أرواحهم.
وخلال الأسابيع الماضية فرضت قوات "الدعم السريع" سيطرتها على الخوي بولاية غرب كردفان والمناطق المحيطة بها، فضلاً عن الدبيبات والحمادي وكازقيل في جنوب كردفان، بعد معارك عنيفة قادتها ضد الجيش وحلفائه.
محور دارفور
كذلك تواصلت، أمس الثلاثاء، المناوشات بين طرفي القتال في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور خصوصاً من ناحية القصف المدفعي الذي تشنه "الدعم السريع" من حين لآخر باتجاه الأحياء السكنية بصورة عشوائية، فيما أكدت القوات المسلحة السودانية استمرار سيطرتها على الأوضاع في هذه المدينة، مؤكدة "حتمية النصر القريب بتحرير كل أرجاء دارفور".
من جهتها أكدت "شبكة أطباء السودان"، مقتل 179 شخصاً من المدنيين جراء القصف المدفعي الذي شنته قوات "الدعم السريع" على الفاشر خلال مايو (أيار) الماضي، فضلاً عن وفاة 12 شخصاً بسبب الجوع وانعدام الغذاء والدواء خلال الشهر نفسه.
وأشارت الشبكة في بيان إلى انتشار حالات سوء تغذية بصورة مخيفة بين الأطفال والنساء، لافتة إلى أن أكثر من 350 ألف طفل معرضون مباشرة لسوء التغذية الحاد جراء انعدام شبه تام للمواد الغذائية نتيجة الحصار المتعمد، وفقدان الأساسيات من أدوات النظافة والملح والسكر، مع تلوث المياه وانتشار الأوبئة.
وأفاد المتحدث باسم مخيم أبوشوك بنزوح نحو 500 أسرة جديدة من المخيم خلال الأيام الثلاثة الماضية هرباً من الاستهداف المتكرر الذي يتعرض له المكان من قبل "الدعم السريع". وأشار إلى أن الأوضاع المعيشية بلغت ذروتها بعد فقدان غالب السلع والارتفاع القياسي في أسعار ما تبقى منها، فضلاً عن استمرار القصف المدفعي الذي يستهدف الملاجئ وتجمعات النازحين في الأسواق.
وشددت "الدعم السريع" هذا العام حصارها على الفاشر، بعد تهجير سكان قرى جنوب وغرب وشمال وشرق المدينة، علاوة على مخيم زمزم للاجئين، وتدمير المرافق الطبية، ومصادر المياه، والأسواق الرئيسة، مما تسبب في شح السلع وانعدام بعضها.
اتهام متبادل
من جهته، اتهم الجيش السوداني، أمس الثلاثاء، قوات "الدعم السريع" بالهجوم على نقاط حدودية بين السودان ومصر وليبيا بدعم من القوات التابعة لخليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي (قوات شرق ليبيا)، بغرض الاستيلاء على المنطقة. ووصفت الخارجية السودانية الهجوم على المثلث الحدودي بالاعتداء السافر على سيادة السودان، كما عدته تهديداً خطراً للأمن الإقليمي والدولي.
ونفت القيادة العامة للجيش الوطني الليبي تورطها في الهجوم، واتهمت قوة تابعة للقوات المسلحة السودانية بمهاجمة دورية عسكرية أثناء قيامها "بواجبها المشروع المكلفة به في تأمين الجانب الليبي من الحدود". وقالت إن الاتهام السوداني مجرد "مزاعم باطلة ورواية مكررة لا تمت للواقع بصلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نقص التمويل
وبالنظر إلى الأوضاع في الخرطوم، أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، أمس الثلاثاء، أنه يواجه نقصاً في التمويل يتجاوز نصف مليار دولار في وقت بدأ في توسيع نطاق عمله بمدن العاصمة الثلاث، الخرطوم وأم درمان وبحري، مع عودة الأسر إلى منازلها في أعقاب إعلان الجيش خلو ولاية الخرطوم من قوات "الدعم السريع".
وقال ممثل برنامج الأغذية في السودان لوران بوكيرا، في بيان إنه سيضطر إلى إجراء تخفيضات إضافية في المساعدات حال عدم الحصول على تمويل جديد، داعياً المجتمع الدولي إلى زيادة التمويل لوقف المجاعة في المناطق الأكثر تضرراً.
وأشار إلى أنهم قدموا الدعم الغذائي والتغذوي لقرابة مليون شخص في الخرطوم خلال الستة أشهر الماضية، داعياً إلى استمرار هذا الدعم حيث لا تزال مناطق في جنوب الخرطوم معرضة لخطر المجاعة. وافتتح برنامج الأغذية العالمي مكتباً جديداً في أم درمان التي أوت مئات آلاف النازحين الذين فروا من منازلهم في أحياء الخرطوم والخرطوم بحري هرباً من بطش "الدعم السريع".
وبين بوكيرا أن المكملات الغذائية المنقذة لحياة الأطفال الصغار والأمهات الحوامل والمرضعات لا تزال بعيدة المنال بسبب نقص الموارد، حيث لا يستطيع البرنامج توفير الحزمة الكاملة التي يحتاج إليها الناس عند عودتهم إلى الخرطوم من دون دعم فوري.
وطالب بضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لاستعادة الخدمات الأساسية في الخرطوم وتسريع عملية التعافي، عبر جهود منسقة مع السلطات المحلية والمنظمات غير الحكومية الوطنية ووكالات الأمم المتحدة وشركاء المجال الإنساني.
ويطمح برنامج الأغذية إلى تقديم مساعدات إلى 7 ملايين سوداني شهرياً، فيما يصل الآن إلى 4 ملايين شخص فحسب، في وقت يحتاج 30.4 مليون سوداني (64 في المئة من السكان) إلى مساعدات إنسانية هذا العام، كانت الأمم المتحدة تخطط لمساعدة قرابة 21 مليوناً منهم قبل أن تقلص العدد إلى 17.3 مليون شخص جراء نقص التمويل.
انكماش اقتصادي
اقتصادياً، أكد البنك الدولي أن اقتصاد السودان انكمش بنسبة إضافية تبلغ 13.5 في المئة عام 2024، بعدما تقلص بنحو الثلث في العام الذي سبقه، متوقعاً أن يشمل الفقر المدقع 71 في المئة من السكان في ظل استمرار النزاع.
ولفت البنك الدولي في تقرير له بعنوان "العواقب الاقتصادية والاجتماعية للنزاع: رسم طريق للتعافي"، إلى الانهيار الاقتصادي الحاد والأزمة الإنسانية التي أعقبت اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) 2023، مشيراً إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي انكمش بنسبة 29.4 في المئة عام 2023. وكشف التقرير أن معدل الفقر المدقع (أي العيش بأقل من 2.15 دولار في اليوم) تضاعف أكثر من مرتين من 33 في المئة عام 2022، فيما ارتفعت معدلات البطالة إلى 47 في المئة مقارنة بـ32 في المئة في الفترة نفسها.
وبحسب التقرير، فإن الأزمة الاقتصادية في البلاد تفاقمت بسبب التضخم المتسارع، الذي ارتفع إلى 170 في المئة عام 2024، إلى جانب انهيار الجنيه السوداني. كما انخفضت الإيرادات الحكومية إلى 4.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2024 مقارنة بـ10 في المئة عام 2022، مما قلص بشدة قدرة الدولة على العمل.