ملخص
وفقاً لبيانات وزارة الفلاحة التونسية من المتوقع أن يصل محصول الحبوب في تونس في الموسم الحالي إلى نحو مليوني طن، ويشير هذا الرقم إلى تحسن ملاحظ مقارنة بالمواسم السابقة التي اتسمت بظروف مناخية صعبة
تلعب زراعة الحبوب في تونس دوراً اقتصادياً واجتماعياً مهماً، فهي لا تمثل نحو 30 في المئة من المساحة الزراعية المستغلة فحسب، بل تشكل أيضاً 50 في المئة من العمالة الزراعية، وتشكل غذاء أساسياً للشعب التونسي وفق المرصد الوطني للفلاحة (حكومي).
لكن يؤدي الاعتماد الكبير على هطول الأمطار إلى تفاوت سنوي في الإنتاج بحكم تأثيرات تغير المناخ، ولم يتأثر قطاع الحبوب بموجات الحر والجفاف في السنوات السبع الأخيرة فحسب، فمنذ عام 2020 سجلت زيادة ملاحظة في كلفة الأسمدة الكيماوية، التي زادت في عام 2022 عقب اندلاع الصراع الروسي – الأوكراني، مما زاد في كلف الإنتاج، إذ اضطر المنتجون إلى الحد من استخدام الأسمدة، مما قد يكون له تأثير في انخفاض الإنتاج.
إلى ذلك، كان محصول الحبوب في موسم 2018-2019 أفضل بـ2.4 مليون طن، بينما كان الأسوأ في 2022- 2023، إذ لم يزد على 0.6 مليون طن.
ويتراوح معدل الإنتاج في الغالب ما بين 1.2 مليون طن و1.6 مليون طن مع نسبة تجميع للمحاصيل في حدود 50 في المئة، وقدر المحصول بـ1.1 مليون طن في 2024 جمع منها 0.67 مليون طن.
ووفقاً لبيانات وزارة الفلاحة التونسية من المتوقع أن يصل محصول الحبوب في تونس في الموسم الحالي إلى نحو مليوني طن، ويشير هذا الرقم إلى تحسن ملاحظ مقارنة بالمواسم السابقة التي اتسمت بظروف مناخية صعبة.
ووفقاً لبيانات منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، تستهلك تونس ما يقارب 4 ملايين طن من الحبوب سنوياً، ومن المتوقع أن تشهد تونس حصاداً جيداً للقمح والشعير في عام 2025، بفضل الظروف المناخية المواتية وجهود السلطات لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وفقاً لأحدث تقرير صادر عن وزارة الزراعة الأميركية "usda"، ويتوقع التقرير إنتاج 1.35 مليون طن من القمح و500 ألف طن من الشعير لموسم 2025-2026.
كذلك من المتوقع أن يخفض الإنتاج المقدر لعام 2025 من مستوى الواردات إلى 1.7 مليون طن من القمح و450 ألف طن من الشعير، مما يمثل انخفاضاً بنسبة تقارب 10 في المئة و40 في المئة على التوالي مقارنة بواردات الفترة 2024-2025.
وتستورد تونس نحو 2.2 مليون طن من الحبوب سنوياً خصوصاً القمح اللين، وفي إطار تحسين إدارة التجميع توقعت وزارة الإشراف أيضاً زيادة في طاقة التجميع إلى 7.6 مليون قنطار، متجاوزة الطاقة الحالية البالغة 7.2 مليون قنطار.
ويأتي هذا التحسن في إطار استراتيجية أوسع لتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، مع زيادة المساحات المنزرعة بمقدار 1.173 مليون هكتار لموسم 2024-2025 وفق وزارة الفلاحة.
الاعتماد على الأسواق الخارجية
ويبلغ عدد سكان تونس نحو 11.9 مليون نسمة، ويزور البلاد سنوياً عدد كبير من السياح بلغ 10 ملايين سائح في 2024، وتشهد المبادلات التجارية مع الجارتين ليبيا والجزائر نسبة كبيرة من الصادرات الغذائية، خصوصاً المعجنات.
وبما أن الحبوب تشكل أساس النظام الغذائي للتونسيين بنحو 200 كيلوغرام من الحبوب للشخص الواحد سنوياً، فإن تراجع الإنتاج في السنوات الأخيرة عرض تونس للاعتماد المتزايد على واردات القمح لتوفير الغذاء والمواد الأولية لتصنيع الصادرات الغذائية، فعلى سبيل المثال بلغ معدل الاعتماد على الأسواق الخارجية للحبوب 61.3 في المئة 93.1 في المئة منها من القمح اللين و35 في المئة من القمح الصلب في 2021، مما يثقل كاهل موازنة الدولة نظراً إلى ارتفاع سعر الحبوب في السوق العالمية مقارنة بالقمح اللين، ومثل القمح 32 في المئة من المنتجات الغذائية المستوردة في 2022.
الاعتماد على الواردات لا يهدد فحسب بإثقال كاهل الميزان التجاري الزراعي والغذائي فحسب، بل يؤثر أيضاً في أمن تونس الغذائي، ولن يوقف تحسن المحاصيل المنتظر للموسم الحالي اللجوء إلى التوريد لسد الحاجات لذلك يعد دعم منتجي الحبوب، خصوصاً منتجي القمح الصلب، أولوية وخطوة عاجلة يجب اتخاذها الآن وفي السنوات المقبلة، وفق متخصصين تحدثوا إلى "اندبندنت عربية".
البنوك تفضل الخدمات
"إلى جانب اعتماد زراعة الحبوب بصورة أساس على مياه الأمطار، وبالتالي تقل نسبة المساحات المروية عن 10 في المئة، هناك عوامل أخرى تؤثر في محصول الحبوب وإنتاجها، وتلعب جودة البذور والتربة والتسميد، ومكافحة الأعشاب والآفات، وخبرة المزارعين أيضاً دوراً في المحصول النهائي، ويفتقر مزارعو الحبوب إلى الإمكانات المادية لتوفير المستلزمات المذكورة وهي الكفيلة بالرفع من مستوى الإنتاج"، هذا ما قاله المتخصص في الشأن الاقتصادي والمستثمر في المجال الزراعي عادل العاصمي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف "لا تتوفر خطوط تمويل أو قروض ميسرة، ويقتصر التمويل المتوفر على قروض قصيرة المدى ولا تزيد قروض البنك الفلاحي الموجهة للزراعة بصفة عامة على سبعة في المئة من القروض الممنوحة، في حين تبلغ كلفة إنتاج الهكتار الواحد من الحبوب 1300 دينار (448.4 دولار) كأدنى تقدير، ويراوح معدل الإنتاج 17 قنطاراً في الهكتار الواحد مع تفاوت كبير بين المناطق على خلفية النقص المسجل في وسائل الإنتاج، إذ تبلغ كلفة الأسمدة والمبيدات 150 ديناراً (51.7 دولار) للهكتار في بعض الفترات، وطالب الناشطون بدعم المستلزمات من الدولة كما أضحت الأزمة هيكلية بحكم الحاجة إلى تحسين طاقة التخزين التي لا تزيد حالياً على 1.5 مليون طن وجميعها عوامل أدت إلى تراجع الإنتاج".
وحول وصول تونس إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، يرى العاصمي أنه غير مستحيل في ظل توفر المساحات الصالحة لزراعة الحبوب وتوفر الكفاءات، مستدركاً "لكنه مشروط بتدخل الدولة لدعم المنتجين".
"لم يتحصل النشطاء على تعويضات عن المساحات المجاحة في السنة الماضية، مما أدى إلى انخفاض الأراضي المنزرعة على رغم تحسن الموارد المائية"، هكذا بدأ رئيس منظمة الفلاحة المستدامة عزيز بوحجبة حديثه إلى "اندبندنت عربية".
وأضاف "بينما جرى الاكتفاء بأدنى المتطلبات والمستلزمات في المساحات المتبقية على خلفية نقص الموارد المالية، وهي عوامل مؤدية رأساً إلى إنتاج من دون المأمول وفرص مهدورة على رغم تحسن المعطيات المناخية للموسم الحالي، ولم يجر تفعيل صندوق الجوائح لتغطية الخسائر".
وأوضح بوحجبة أن "ارتفاع مستوى الأخطار وضعف طاقة تسديد الدين لدى مزارعي الحبوب حالت دون توصلهم إلى الاقتراض، إذ يفضل البنك الفلاحي إقراض قطاعات الخدمات، حتى مع تضاعفت كلفة إنتاج الهكتار الواحد لتصل إلى 2500 دينار (862 دولاراً) ويظل سقف الإنتاج مشروطاً بتجاوز 40 قنطاراً للهكتار الواحد لتحقيق الحد الأدنى من الأرباح، بينما تراجع معدل إنتاج الهكتار على خلفية ظروف الإنتاج غير المدروسة".
وأكد أن "الوضع الحالي يتطلب انتهاج الانتقال الإيكولوجي ووضع استراتيجية إنقاذ للقطاع"، متوقعاً تحسن كمية المحاصيل مقارنة بالموسم الماضي، مرجحاً عدم اللجوء إلى استيراد القمح الصلب، إذ لا مفر من استيراد القمح اللين المعتمد في توفير الخبز ليظل الاكتفاء الذاتي في قطاع الحبوب بعيد المنال في الوقت الراهن وفق تقدير عزيز بوحجبة.