ملخص
مع اقتراب موعد تجديد تفويض "اليونيفيل" في أغسطس المقبل، عاد النقاش التقليدي حول بقائها، لكن هذا العام يتسم بحدة غير مسبوقة، وسط تقارير ترجح استخدام أميركا الفيتو ضد التمديد، بناءً على انتقادات متكررة لأداء البعثة، لا سيما من جانب إسرائيل.
ليس بالأمر الجديد في لبنان أن يتكرر الحديث عن عدم تمديد ولاية قوات حفظ السلام الدائمة "اليونيفيل" الموجودة جنوب البلاد، بخاصة مع اقتراب نهاية أغسطس (آب) المقبل، أي موعد عقد مجلس الأمن الدولي جلسته لإقرار هذا التمديد عاماً جديداً.
لكن مقاربة هذا الملف في الأسابيع الماضية اتخذت طابعاً مختلفاً وأكثر حدية، مع ترجيح كثير من المراقبين أن ترفع أميركا بطاقة حق النقض "الفيتو" في وجه مساعي التجديد لهذه القوات الأممية، فيما قالت صحف إسرائيلية، منها "يسرائيل هيوم"، إن تل أبيب وواشنطن قررتا إنهاء مهمة قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان الموجودة منذ عام 1978.
وكتبت الصحيفة "الولايات المتحدة لم تتخذ قراراً بعد في شأن الدعم المستقبلي للقوات الدولية، لكنها تريد إصلاحات كبرى، وهو ما قد يعني إنهاء الدعم"، وأضافت أن واشنطن قررت بالفعل التصويت ضد تمديد تفويض قوات "اليونيفيل".
أسباب أميركا ومن خلفها إسرائيل
نية أميركا لعدم التجديد تعود إلى أسباب عدة، وفق متابعين، ومنها الاعتداءات المتكررة على دوريات "اليونيفيل" وبخاصة في الأسابيع الماضية، حين اعترض أهالي بلدات جنوبية الدوريات ومنعوها من التقدم، قبل أن يحضر الجيش اللبناني ويعمل على حل المسألة.
كذلك لدى واشنطن وتل أبيب ملاحظات على أداء القوات الأممية، إذ تعتبران أنها لم تقم بدورها في منع تسلح الميليشيات وتحديداً "حزب الله" بعد حرب يوليو (تموز) 2006، وأن التواصل مع الجيش اللبناني، عبر لجنة وقف إطلاق النار، أسهل وأكثر فاعلية.
ويضاف إلى ما سبق، سعي أميركا إلى خفض الكلف المرتبطة بتشغيل هذه القوة وكذلك خفض النفقات الخارجية بصورة عامة.
وفيما تنتهي ولاية "اليونيفيل" الحالية في الـ31 من أغسطس المقبل، انطلقت المفاوضات بالفعل حول مشروع قرار التمديد الذي تعده فرنسا سنوياً، وقد أعلن مسؤولوها أن بلادهم تقف إلى جانب لبنان في موقفه ضد أي سحب أو تعديل في مهام القوات الدولية، معتبرين أن الوقت قد حان فعلياً لتنفيذ القرار الأممي رقم 1701.
مصادر حكومية لبنانية تكشف لـ"اندبندنت عربية" أن لا أمر رسمياً حتى الآن والعمل جار على التجديد للقوات الدولية، وتقول "كل عام يحصل هذا الضغط وهذه الحملة الإعلامية ثم يتم التجديد، لكن الوضع هذا العام مختلف والضغط الكبير، لا نعلم ماذا سيكون اتجاه الأمور ورسمياً لم نبلغ بعد بأي قرار، نحن متمسكون بوجود القوات الدولية والفرنسيون يساعدوننا".
توقيع دونالد ترمب
ما زاد من قناعة البعض بأن أميركا ستستخدم الفيتو بوجه التمديد هذا العام، هو توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسمياً في الـ28 من مايو (أيار) الماضي، على طلب سيرفع لاحقاً إلى الكونغرس يطلب تخفيض نفقات ومن ضمنها أموال تذهب إلى قوات حفظ السلام في العالم وتحديداً في لبنان.
وفي التفاصيل فإن مكتب الإدارة والموازنة في البيت الأبيض طلب رسمياً، استرداد 9.4 مليار دولار من الإنفاق الذي تمت الموافقة عليه سابقاً، وسحب التمويل من برامج عدة، داخل البلاد وخارجها، ومن ضمنها إلغاء التمويل المخصص لبعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، مستشهداً بإخفاقات في العمليات في مالي ولبنان وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وفي نص الرسالة، الجزء المتعلق بقوات حفظ السلام في لبنان:
"يقترح هذا الإلغاء سحب 203 ملايين دولار من أصل 1.4 مليار دولار تم تخصيصها في السنة المالية 2024 لحساب المساهمات في أنشطة حفظ السلام الدولية.
لقد عانت بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من الهدر وإساءة الاستخدام، كما يتضح من الفشل الذريع لمهمة حفظ السلام في لبنان في احتواء ’حزب الله‘، والانتهاكات المستمرة المتعلقة بالاستغلال والاعتداء الجنسي في جمهورية الكونغو الديمقراطية".
وأيضاً يقترح مكتب الإدارة والموازنة في البيت الأبيض في الملف نفسه سحب 158 مليون دولار من أصل 1.2 مليار دولار تم تخصيصها في السنة المالية 2025 لحساب المساهمات في أنشطة حفظ السلام الدولية. وأتى في النص حرفياً "لقد عانت بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من الهدر وإساءة الاستخدام، كما يتضح من الفشل الذريع لبعثة قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (اليونيفيل) في احتواء ’حزب الله‘. ويؤدي تنفيذ هذا الإلغاء إلى إلغاء المساهمات المالية الخاصة ببعثة ’اليونيفيل‘ تحديداً، ويعد خطوة أولى نحو الانتظام في إصلاحات جذرية على مستوى الأمم المتحدة".
على رغم إمضاء الرئيس ترمب وموافقته، فإن هذا الطلب لا يصبح نافذاً إلا بعد الحصول على موافقة الكونغرس، وإذا مُرِّر بالفعل في مجلسي النواب والشيوخ، فهو سيكرس كثيراً من الخفوضات والتجميدات في الإنفاق، وفق تقارير أميركية، فيما ينظر إلى توقيع ترمب على أنه موقف سياسي يبعث برسالة واضحة إلى العاصمة بيروت، بأن بقاء هذه القوات جنوب لبنان من دون تحرك فعلي لناحية سحب سلاح "حزب الله"، لن يستمر إلى ما لا نهاية.
وبالأرقام، تعد واشنطن أكبر مساهم في الأمم المتحدة، إذ تمثل 22 في المئة من الموازنة الأساسية العادية البالغة 3.7 مليار دولار، و27 في المئة من موازنة حفظ السلام التي تبلغ 5.6 مليار دولار، وهي تعد مدفوعات إلزامية تلقائية.
"لا تعليق على التكهنات"
لفهم ما يحصل بشكل أوضح على الأرض وفي الكواليس، تواصلت "اندبندنت عربية" مع المتحدث الرسمي باسم قوات "اليونيفيل" أندريا تينينتي، الذي قال "نحن لا نعلق على التقارير الصحافية ومن المهم التأكيد أن التسريبات والتكهنات يجب ألا نتعامل معها على أنها حقائق، فيما غالبية المعلومات المتداولة في التقارير هي من مصادر غير مؤكدة أو دبلوماسية، ولا يوجد أي تأكيد رسمي لهذه المعلومات إن كان من الجانب الأميركي أو الإسرائيلي".
وتابع "مجلس الأمن الدولي لم يجتمع بعد وفي كل مرة يكون هناك تجديد لبعثة أممية تحصل ضجة، وفي الوقت الراهن بعد الحرب الأخيرة المقاربة مختلفة لناحية التكهنات، لذلك أحض الجميع على الانتظار وعلى أن نكون حذرين بالتعامل مع التقارير التي تصدر، ونحن نعتبر أن مهمة القوات الأممية اليوم ضرورية أكثر من أي وقت مضى ولدينا دعم من المجتمع الدولي، ونحن هنا لندعم الجيش اللبناني بانتشاره الكامل جنوب البلاد وهذا ما يريده الجميع، وباقون لتنفيذ مهمتنا بتعزيز الأمن".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لدى سؤالنا عن الطلب الذي مضى عليه ترمب، قال تينينتي "أيضاً لن نعلق على أي تقرير أو طلب يتم التوقيع عليه، بخاصة أن هذا الطلب هو مقترح لا يزال أمامه مسار حتى يصبح نافذاً، لذلك علينا أن ننتظر قبل التعليق".
يرد المتحدث باسم قوات "اليونيفيل" على الاتهامات القائلة إن البعثات الأممية لن تمنع "حزب الله" من الانتشار المسلح جنوب لبنان، بتأكيد أن الفترة الممتدة بين 2006 و2023 هي من أكثر الفترات التي عاش خلالها الجنوب اللبناني استقراراً أمنياً، وقد تم بالفعل إنجاز كثير على الأرض، لكن عملنا لا يمكن أن يتم من دون نية وإرادة المجموعات المعنية بهذا الصراع، وقال "مثال على ذلك عملية تسليم سلاح الميليشيات في الجنوب ليست ضمن عمل ’اليونيفيل‘، لكن مهمتنا أن ندعم الجيش في هذه المهمة، وفي الأشهر الأخيرة أنجز كثير في هذا السياق".
وعن المضايقات التي يتعرض لها أفراد بعثات السلام، قال "هذا أمر غير مقبول وأرجح أنه يعود لفهم خاطئ لمهمة البعثات وصلاحياتها، ونؤكد أننا نمتلك الحق وفق القرار الأممي 1701 بأن نتنقل مع أو من دون الجيش اللبناني في الجنوب، مع تأكيد أن كل تنقلاتنا تتم بالتنسيق معه".
الرابح والخاسر من وجود "اليونيفيل"
على وقع هذه التطورات، طرحت جملة تساؤلات عن تأثير خروج القوات الأممية من جنوب لبنان، وانعكاس هذا القرار على الأرض ميدانياً وما إذا كان الجيش اللبناني جاهزاً لملء الفراغ؟ ومن المستفيد من خروجها؟ وكذلك سأل البعض "هل تبقى الحدود تحت الرقابة الدولية أم تنتقل إلى التفاوض بالقوة؟".
يقول المنسق السابق للحكومة اللبنانية لدى "اليونيفيل" العميد منير شحادة إن الخاسر الأكبر في إنهاء مهمة "اليونيفيل" هو لبنان والرابح الأكبر هي إسرائيل، فيما وجودها منذ نحو نصف قرن كان له تأثير بأبعاد عدة، إذ ترك تأثيراً في الاقتصاد مع تنشيط الدورة الاقتصادية في البلدات الجنوبية اللبنانية بسبب وجود عشرات آلاف الجنود، مما ترك فائدة على كثير من العائلات الجنوبية، ناهيك باستقرار أمني دام منذ حرب يوليو عام 2006 وحتى اندلاع الحرب الأخيرة عام 2023، والفضل بهذا الاستقرار يعود إلى وجود هذه القوات على الأرض.
يستذكر شحادة، كيف أنه مع اندلاع الحرب الأخيرة طلبت تل أبيب من قوات "اليونيفيل" أن تخلي المناطق الحدودية وتتجه نحو شمال الليطاني بعمق خمسة كيلومترات، كل ذلك بهدف إنشاء منطقة عازلة لا يكون فيها أحد، مما يسهم باحتلالها بسهولة، وهو ما رفضته القوات الدولية. ويقول "حالياً مصلحة إسرائيل ألا يكون هناك ’اليونيفيل‘ جنوب لبنان حتى تحتل منطقة جنوب الليطاني بكاملها، باعتبار أن وجود هذه القوات يعوق تحركات الجيش الإسرائيلي وتماديه بالتدمير والقتل، هي لم تمنعه فعلياً لكن وجودها يعني وجود عين دولية تراقبه".
شحادة الذي حضر عام 2023 في جلسات التمديد لقوات "اليونيفيل" داخل الأمم المتحدة، يقول إنه ليس بالأمر السهل اتخاذ وتنفيذ قرار عدم التمديد، ويضيف "هذا أمر معقد بخاصة وسط الخلافات بين الدول الكبرى في مجلس الأمن الدولي، وأرى أن التطورات والتقارير الأخيرة تأتي ضمن حملة تصعيد على لبنان والمجتمع الدولي من قبل أميركا وإسرائيل بهدف تعديل القرار 1701 بالكامل حتى يصبح تحت الفصل السابع، أي حق استعمال القوة لتنفيذ القرار الدولي من قبل قوات الطوارئ الدولية".
الباحث في الشأن الأمني والدفاعي في لبنان رياض قهوجي، اعتبر من جانبه أن خروج القوات الدولية من الجنوب عسكرياً يعني غياب الوجود الدولي الذي أسهم إلى حد كبير في استقرار هذه المنطقة، إلا أنه لم يوقف التوترات الأمنية نهائياً، ويقول "لولا وجود القوات الأممية لكان الصراع بين لبنان وإسرائيل أصعب وأقسى، فهي بالحد الأدنى أسهمت بإبقاء الحدود بين الدولتين وخروج هذه القوات سيفتح هذه المنطقة لسيناريوهات عدة أهمها بقاء الاحتلال الإسرائيلي بل قد نشهد توسيعاً لهذا الاحتلال وتدمير مزيد من القرى، وهذا ما تسعى إليه تل أبيب".
يتابع قهوجي أن إسرائيل لا ترى اليوم أية حاجة إلى هذه القوى، وهي تتبع استراتيجية دفاعية جديدة تقوم على إنشاء مناطق عازلة على حدودها، ولا يناسبها وجود "اليونيفيل"، فيما في المقابل من مصلحة لبنان بقاء هذه القوات، وحتى "حزب الله" الذي استفاد كثيراً من هذا الذي خلق إلى حد ما جواً آمناً لنشاطه العسكري أعواماً طويلة.
تاريخ "اليونيفيل" وعديدها
يبلغ عديد قوات "اليونيفيل" أكثر من 10 آلاف عنصر من نحو 50 دولة، وقد أُسست عام 1978 بموجب قراري مجلس الأمن الدولي 425 و426 عقب ما يعرف بـ"عملية الليطاني"، حينما دخلت القوات الإسرائيلية إلى جنوب لبنان. المهمة الأساسية عند إنشاء هذه القوات كانت انسحاب القوات الإسرائيلية واستعادة الأمن في الجنوب ومساعدة الدولة اللبنانية على استعادة سلطتها في المنطقة، وبعد خروج إسرائيل من جنوب لبنان نهائياً عام 2000، استمرت القوات الأممية في دورها مراقبة الوضع في المناطق الحدودية، إلى أن أتت حرب يوليو عام 2006، وصدر القرار الأممي رقم 1701، فأعيد نشرها وتوسعت مهامها لتشمل دعم الجيش اللبناني في الانتشار جنوباً، ومراقبة وقف الأعمال العدائية، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية.
فيما سجلت في الأسابيع الماضية أكثر من حادثة بين أهالي بلدات جنوبية ودوريات من القوات الأممية، آخرها في وادي الحجير حيث اعترض مواطنون دورية داخل البلدة احتجاجاً على تنقلها من دون مواكبة الجيش اللبناني، وحضرت قوة من الجيش وعملت على فض الإشكال. أيضاً اعترض شبان كانوا يحملون أعلاماً لـ"حزب الله" دورية في بلدة صريفا في قضاء صور كانت في طريقها إلى منطقة وادي السلوقي.