ملخص
يعيش توتنهام صراعاً هوياتياً بين مجد قاري مفاجئ وأداء محلي متواضع، وسط تغييرات متكررة في الجهاز الفني وتخطيط طويل الأمد بقيادة دانييل ليفي، مما يثير تساؤلات عميقة حول ما يمثله النادي فعلياً في كرة القدم الحديثة.
يذكر اسم دانييل ليفي أكثر مما يتحدث هو نفسه، في الأقل علناً، إذ إن تصريحاته، بصفته رئيس نادي توتنهام، قد تستخدم ضده. وبعد بضعة أسابيع من تولي أنج بوستيكوغلو تدريب الفريق، قال "لقد استعدنا توتنهام الحقيقي".
لكن، ومع إقالة مدرب آخر بعد فترة تراوحت ما بين 18 شهراً وعامين، يرى بعض المتابعين أن لهذا التصريح دلالة مختلفة الآن.
لقد استمر بوستيكوغلو فترة أطول من أنطونيو كونتي وأندريه فياش بواش وجوزيه مورينيو، إذ بلغ مجموع مبارياته 101 مباراة، وهو رقم يقل قليلاً عن غلين هودل (104) وجورج غراهام (108).
وكما حدث مع خواندي راموس، أقيل بوستيكوغلو في العام نفسه الذي فاز فيه ببطولة. غير أن بطولات توتنهام الكبرى غالباً ما تتحقق في ظل تراجع أداء الفريق في الدوري، فقد أنهوا الموسم في المركز الـ11 عامي 2008 و1999، وفي المركز الـ10 عامي 1991 و1981. كذلك فازوا بكأس الاتحاد الأوروبي مرتين في أعوام أنهوا فيها الدوري في المركز الثامن بدوري الدرجة الأولى القديم. وقد أوصل بوستيكوغلو هذا النمط إلى أقصى حدوده، فموسمه الثاني مع توتنهام شهد 11 انتصاراً في الدوري، و10 في الدوري الأوروبي، جامعاً بين مجد قاري وفضيحة محلية.
وفي البيان الذي أعلنوا فيه رحيله، قالت إدارة توتنهام إن المدرب الأسترالي أعاد "أسلوب اللعب الهجومي الذي ارتبط تقليدياً بالنادي"، وربما يكون بذلك قد حل أزمة هوية توتنهام، لكنه في الوقت ذاته عمقها.
لقد أصبحت هذه الأزمة أكثر وضوحاً في الأعوام الأخيرة، أحياناً بسبب قوى خارجة عن إرادة توتنهام وتغيرات سريعة في بيئة كرة القدم، وأحياناً نتيجة قرارات اتخذها النادي نفسه، فما هو توتنهام هوتسبير؟ وماذا يمثل هذا النادي حقاً؟
في 2021 كانت إحدى الإجابات أنهم كانوا من الأعضاء المؤسسين – ولو لأيام قليلة فقط – لدوري السوبر الأوروبي، فقد كانوا واحداً من بين 12 عضواً يفترض أنهم دائمون في نخبة القارة، على رغم أن البعض أشار إلى أن الأعضاء الـ11 الآخرين قد حققوا إنجازات أكثر بكثير، ومع ذلك جاء ذلك بعد عامين فقط من بلوغ توتنهام نهائي دوري أبطال أوروبا.
وإن بدا من غير الواقعي آنذاك أنهم سينهون الموسم بفارق 23 نقطة خلف برايتون أو متأخرين بـ27 نقطة عن نوتينغهام فورست، فقد كانت تلك المحاولة تهدف إلى رفع الجسر وإبعاد الطامحين الآخرين عن ناديهم الحصري الخاص، أما في منافسات الدوري الإنجليزي الممتاز فلم يكن لدى توتنهام مثل هذا النوع من الحماية.
أما ليفي نفسه، فقد قدم إجابات مختلفة. فعند تعيينه مدربين مثل مورينيو وكونتي، اللذين حضرا بسجلات حافلة بالبطولات وأسلوب لعب عملي في الغالب، كان يحاول أن يضع توتنهام في مصاف القوى الكروية الكبرى، كما أن وثائقي "أمازون"، "الكل أو لا شيء" بدا وكأنه جزء من سعي عالمي إلى جذب الأنظار.
لكن توتنهام كان أيضاً نادي هاري كين وهوغو لوريس. كان لديهم لاعبون من أصحاب الأسماء اللامعة، كما كان لديهم رئيس مجلس إدارة، ليفي، المعروف بسمعته كمفاوض صعب المراس، وتردده في بيع اللاعبين، مما جعلهم يبقون في الفريق، وربما انقلب هذا الموقف عليهم، إذ إن توتنهام – باستثناء كين – فشل في الاستفادة مادياً من معظم عناصر الفريق الذي بناه ماوريسيو بوتشيتينو حينما كانت قيمتهم السوقية في ذروتها.
لكن بالنسبة إلى بعض المتابعين يعد توتنهام نموذجاً يحتذى في مجال الأعمال الكروية، فمن المؤكد أن ملعب توتنهام هوتسبير يستشهد به من قبل أندية أخرى تسعى إلى تحقيق دخل من منشآتها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وينتقد ليفي في بعض الأوساط ويعجب به في أخرى بسبب فاتورة أجور سبيرز، التي بلغت 42 في المئة من الإيرادات وفقاً لآخر البيانات المالية، على رغم أن من يرددون هذا الرقم غالباً ما يتجاهلون واقعاً يتمثل في كلفة سداد الديون التي اقتُرضت لبناء ملعب حديث على أحدث طراز، أو نفقات الانتقالات التي اقتربت من 400 مليون جنيه استرليني (542.99 مليون دولار) خلال عامين تحت قيادة بوستيكوغلو.
وذلك لأن جزءاً من الإجابة يكمن في أن النادي لا يزال يبحث عن مكانته، فقد شهد النادي انطلاقة جديدة في الأعوام الأخيرة، إذ انخفضت فاتورة الأجور مع دخول عدد من اللاعبين الشباب، على رغم حجم الإنفاق على الانتقالات. وقد يكون برينان جونسون، صاحب الهدف المتواضع لكن المحتفى به في نهائي الدوري الأوروبي، شخصية رمزية من نواح أخرى، إذ كلف النادي 47.5 مليون جنيه استرليني (64.48 مليون دولار)، لكنه يتقاضى راتباً أقل بكثير من كثير من اللاعبين الأكبر سناً في أندية أخرى.
وبالنسبة إلى رئيس نادٍ نادراً ما يستمر مدربوه طويلاً – باستثناء بوتشيتينو وهاري ريدناب ومارتن يول – يمكن لليفي أن ينغمس في التخطيط الطويل الأجل.
فجونسون وآرتشي غراي ولوكاس بيرغفال وويلسون أودوبير وأنطونين كينسكي وديستني أودوجي وميكي فان دي فين وبابي مطر سار ورادو دراغوسين وديان كولوسيفسكي، والمعار ماتيس تيل، جميعهم انضموا إلى النادي وهم في سن الـ22 من عمرهم أو أقل، بينما انضم بيدرو بورو وكريستيان روميرو في سن الـ23. هذا لا يضمن مستقبلاً زاهراً، لكنه يظهر محاولة جادة لبنائه.
أما دومينيك سولانكي، الذي كلف 65 مليون جنيه استرليني (88.24 مليون دولار) وهو في سن الـ26، فيعد استثناءً، وقد سجل أهدافاً في ثلاث من آخر أربع مباريات لتوتنهام في الدوري الأوروبي.
أما رغبة روميرو الظاهرة في الرحيل حالياً، وهو في الـ27، فقد تشير إلى أن أفضل المواهب الشابة قد سئم من الانتظار لمستقبل قد لا يأتي.
على مدى فترة وجوده في إنجلترا تراجع توتنهام، فربما كانوا أصغر فرق "الستة الكبار"، لكنهم حققوا 11 موسماً متتالياً في المراكز الستة الأولى، أما الآن فقد تضمنت مواسمهم الخمسة الأخيرة المركز الثامن والسابع، وبصورة مثيرة للسخرية، الـ17، كذلك توسعت مجموعة "الستة الكبار" لتصبح "الثمانية الكبار" بعد انضمام أستون فيلا ونيوكاسل.
ثم لحق بتوتنهام عدد من الأندية التي اعتادت الوجود في النصف السفلي من الترتيب، ويبدو أنهم ردوا على ذلك بإعداد قائمة مختصرة من مدربيهم السابقين.
في الوقت الحالي، وبينما عادوا إلى دوري أبطال أوروبا، قد يبحثون عن طريقة أقل مخاطرة للتأهل الأوروبي بدلاً من الحاجة إلى الفوز بلقب قاري. وربما يكون مجرد إعادة "الثمانية الكبار" إلى مركز الصدارة خطوة أولى في مرحلة ما بعد بوستيكوغلو.
كثيراً ما كان السؤال عن هوية توتنهام يثير ردوداً ساخرة – مثل "يا شباب، إنه توتنهام"، أو "تصرف سبيرزي" – لكن الواقع أكثر تعقيداً. وقد يكون ليفي في حاجة إلى استعادة بعض ملامح توتنهام القديم، لأن الفريق حالياً هو بطل الدوري الأوروبي، وهو أيضاً الفريق الذي أنهى الموسم في المركز الـ17. ولأسباب مختلفة، لا يمكن أن يكون أياً منهما بعد عام من الآن.
© The Independent