ملخص
يرى كثر أن تعديل قانون الانتخابات النيابية وتلويح رئيس مجلس النواب نبيه بري بعدم السير به ووصفه بالقانون "المسخ"، يخفي نيات "حركة أمل" و"حزب الله" في تحقيق أكبر عدد ممكن من المكتسبات التي تحفظ لهما مواقعهما في الدولة ومؤسساتها، قبل تسليم السلاح.
ينظر إلى الانتخابات النيابية في مايو (أيار) 2026 كمحطة مفصلية قد تعكس نتائجها تغيرات في المزاج اللبناني بعد التطورات الدراماتيكية الأخيرة التي شهدها لبنان منذ انتخابات 2022 حتى اليوم، وخصوصاً على صعيد الخسائر التي مني بها محور ما يسمى "الممانعة" الحليف لإيران وسقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، وتراجع قوة "حزب الله" العسكرية واغتيال قادته. ويتوقع أن يكون لهذه المتغيرات صدى داخل صناديق الاقتراع، التي قد تثبت تراجعاً في شعبية بعض القوى وتقدماً لأخرى، وسط رهان "الثنائي الشيعي" (حركة أمل وحزب الله) على الاستمرار في التفرد بالتمثيل الشيعي في البرلمان النيابي، ومن خلاله ورقة الميثاقية والمكتسبات السياسية تحسباً للمرحلة التي ستلي تسليم سلاحه. ويرى كثر أن تلويح رئيس مجلس النواب نبيه بري بعدم السير بقانون الانتخابات الحالي ووصفه بالقانون "المسخ" يخفي نيات "حركة أمل" و"حزب الله" في تحقيق أكبر عدد ممكن من المكتسبات التي تحفظ لهما مواقعهما في الدولة ومؤسساتها، ويسعى "حزب الله"، قبل تسليم سلاحه، إلى تحقيق ربح في السياسة في وقت يفترض فيه، بحسب خصومه، أن يحاسب على الأخطاء التي ارتكبها وأهمها جر لبنان إلى حرب لا علاقة له فيها.
"القوات اللبنانية" تحذر
في مقلب القوى الأكثر تشدداً في مواجهة أي تغيير في قانون الانتخابات النيابية يبرز حزب "القوات اللبنانية"، وهو الحزب الأكثر تمثيلاً حالياً في الساحة المسيحية. رئيس الحزب سمير جعجع حذر من التلاعب بقانون الانتخاب الحالي، لأن ذلك "سيؤدي إلى مناقشة تغييرات أخرى في التركيبة اللبنانية تسمح للمكونات اللبنانية، كلها، بالإحساس بالأمان والاستقرار والحرية وحسن التمثيل".
من جهته، أكد رئيس لجنة الإدارة والعدل النيابية نائب رئيس الحزب النائب جورج عدوان لـ"اندبندنت عربية" "أنه في كل دول العالم لا يقدم أي بلد على تغيير القانون، حفاظاً على استقرار التشريع وقبل تطبيقه بكامله لدورات عدة للتأكد من نتائجه ومعرفة مكامن الضعف فيه"، وتابع "في لبنان لم نستكمل بعد تطبيقه، بصورة كاملة، ولم نتخذ موقفاً نهائياً في ما يتعلق باقتراع اللبنانيين المقيمين في الاغتراب، ولم نعتمد البطاقة الممغنطة والميغاسنتر كخطوتين يمكن أن تسمحا بتغيير كبير في حرية الناخب، وعلى رغم ذلك يطرح البعض تغيير القانون لأسباب لم تعد خافية على أحد".
ووصف رئيس لجنة الإدارة والعدل النيابية قانون الانتخاب بأنه القانون الأساس لإعادة تكوين السلطة "لذا لا يمكن مناقشته إلا عندما تكون ظروف النقاش حوله مؤمنة. والسؤال الأساس والمحوري هو: هل يجوز طرح موضوع يمكن أن يفجر الخلافات الداخلية ويتسبب بتوتير الأجواء، والبلد لم ينته من الحرب، ويعاني انقساماً عمودياً، ويعمل على سيطرة الدولة على كامل أراضيها وتهدئة الأجواء، وعدم فتح حروب داخلية بين المكونات؟".
لن نقبل إلا بتمثيل أكبر
على الجميع، أضاف عدوان "أن يفهم أن إعادة البحث بقانون الانتخاب ستفتح الباب أمام البحث بكل الأمور، فنحن، كفريق سياسي، ولأسباب وطنية، سكتنا حالياً عن الهيمنة على قرار الحرب والسلم، وعن مسألة إدخالنا بحرب لم تكن في مصلحة اللبنانيين، فهل يريدون، قبل انتهاء الحرب وسيطرة الدولة البحث بكل هذه الأمور؟ نحن مستعدون".
وموقف "القوات اللبنانية" واضح تابع عدوان "فلنطبق القانون الحالي ونجري الانتخابات على أساسه، فتكون بعدها هدأت النفوس، وانتهت الحرب، وعندها نجلس مع رئيس الجمهورية (جوزاف عون) الذي هو الحكم لإجراء حوار حول كل المواضيع وحول التركيبة السياسية، أما أن نأتي الآن قبل انتهاء الحرب ونستنفر النفوس خصوصاً أننا، كمكون مسيحي، نعتبر أن القانون الحالي أعطى المسيحيين، للمرة الأولى، حسن التمثيل، فهذا مرفوض، وإذا أراد البعض إعادة النظر بالقانون فلن نقبل إلا بتمثيل أكبر". وتابع أيضاً "نتمنى ألا يفتح هذا الموضوع لأن ذلك سيدفعنا إلى فتح كل المواضيع الأخرى بدءاً من الهيمنة على الدولة وجر البلاد إلى الخراب، بعدما تجنبنا طرح كل هذه المواضيع، لأننا نعتبر أن البلد في حاجة حالياً إلى هدوء وليس إلى تشنج في الأجواء حتى يتم تنفيذ قرار سيطرة الدولة، وهذه هي أولويتنا الآن".
وإذ أشار النائب القواتي إلى أن الدولة لم تسيطر حتى الآن على كامل أراضيها وأن الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة تؤكد أن لبنان ما زال في قلب الحرب، سأل "أين الحكمة في بلد يعيش حرباً أن يتم فيه فتح حروب داخلية بين المكونات؟".
تغيير القانون حرصاً على الوحدة والصيغة
من جهته، دافع عضو كتلة "التنمية والتحرير" (حركة أمل) النائب قاسم هاشم عن فكرة تغيير قانون الانتخاب متجنباً الرد على الخلفيات التي قد تكون لها علاقة بتحصيل المكتسبات قبل تسليم السلاح. هاشم شرح لـ"اندبندنت عربية" أن كتلة "التنمية والتحرير" تقدمت بقانون للانتخابات قبل انتخابات عام 2018 يحاكي الدستور اللبناني بمادته الـ22، وهذا، تابع هاشم "ما كان يجب أن يحصل بعد أول انتخابات وفق دستور الطائف، ليصبح برلماناً ينتخب على أساس وطني وإنشاء مجلس الشيوخ وفق القواعد الطائفية، وبصلاحيات يتفق عليها على أساس القضايا الكبرى"، وشدد النائب في كتلة "حركة أمل" النيابية على أن "الهدف وراء اقتراح الكتلة كان وطنياً بامتياز، لكن لم يتم إقراره في حينه، ووصلنا إلى القانون الحالي الذي تبين، بعد التجربة وبالوقائع، أنه من أسوأ القوانين لأنه يعمق الشرخ بين اللبنانيين ويعطي هامشاً للمال الانتخابي السياسي، وهذا يخالف الالتزام بصيغة العيش الواحد". وأضاف هاشم "هذا ما دفعنا، منذ لحظة انتهاء الانتخابات الأخيرة، إلى المطالبة بضرورة الخروج من القانون المسخ كما سماه الرئيس نبيه بري حرصاً على الوحدة والصيغة الوطنية، وكيلا نزيد مساحة التباعد بين أبناء الوطن الواحد، ولا علاقة للبدء بنقاش يتعلق بقانون الانتخابات خارج هذا الإطار مهما حاول البعض وضع تفسير مغاير يتعلق بالملفات المتداولة في هذه المرحلة"، ولفت إلى أنه "من حق أي فريق أن يطرح الأفكار والمقترحات، وعلينا التفتيش عن المشترك الذي يزيد أواصر الوحدة، والمنطق يتطلب تحصين الواقع الداخلي بعيداً من حسابات الربح والخسارة لهذا أو ذاك، فالتوافق والتلاقي في هذا الزمن هما ما يجنبان وطننا الأخطار المحدقة به".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا رابط بين الانتخابات والسلاح
الصحافي فادي بودية تحدث، من جهته، عن مخطط واضح لدى قوى المعارضة لسياسة "حزب الله" بانتزاع، ولو مقعد شيعي واحد من خارج "الثنائي" لأن ذلك سيتيح لهم الانقلاب داخل المجلس النيابي. واعتبر بودية، المقرب من "حزب الله" أن هناك توازن قوى لا يمكن لأحد أن يكسره، مؤكداً أن الحزب و"حركة أمل" يعملان، بصورة دقيقة، "وقد أثبتت الانتخابات البلدية والاختيارية تفوقهما على الأحزاب اللبنانية كافة من جهة التفاف البيئة الشعبية نحوهما".
وتحدث عن موقف الحزب والحركة من قانون الانتخاب مذكراً بأنهما كانا دائماً يرددان أنهما مع أي قانون يضمن التمثيل العادل لكل الشرائح الاجتماعية. ونفى بودية "أي علاقة بين تسليم السلاح والانتخابات النيابية أو أي استحقاق آخر. لا وجود لمصطلح اسمه تسليم السلاح، أما الاستحقاق الوحيد الذي يتعلق بموضوع مناقشة استراتيجية دفاعية فهو طرد العدو الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية، وهذا الاستحقاق الوحيد الذي يمكن أن تناقش بعده الاستراتيجية الدفاعية القادرة على حماية لبنان".
"حزب الله" يسعى إلى تعزيز موقعه السياسي
وفي قراءة مغايرة اعتبر الصحافي والكاتب السياسي وجدي العريضي أن "الثنائي"، لا سيما "حزب الله"، خاض الانتخابات البلدية بصورة دقيقة ومدروسة، وتفرغ لها وأصر على خوضها في كل القرى والمدن لإرسال رسالة إلى المجتمع الدولي بأنه ما زال قوياً، وبأن بيئته الحاضنة أعادت انتخاب المجالس البلدية والاختيارية التي دعمها ورشحها، وهذا ما سينسحب، بحسب العريضي، على الانتخابات النيابية. ورأى "أن هناك صلة أساسية بين موضوع السلاح والاستحقاق النيابي، وأن ’حزب الله‘ لن يسلم سلاحه قبل حصول الاستحقاق لأنه يخشى من أن يفقد بعض نوابه، فالمعركة هي على المقاعد الـ27 للثنائي، لأنه إذا خسر مقعداً واحداً تتغير المعادلة خصوصاً على صعيد رئاسة المجلس النيابي الجديد".
موضوع تسليم السلاح، تابع العريضي، "ملتصق بالانتخابات النيابية كي يبقى للحزب ورقة يناور من خلالها، ليس على صعيد تسليم سلاحه فحسب، بل في السياسة، وفي قانون الانتخاب في حال حصل أي تعديل، وعلى هذه الخلفية سنشهد في الأسابيع المقبلة معارك طاحنة في مجلس النواب، لتعديل القانون بما يناسب الثنائي ويضعف خصومه، يقودها الرئيس بري"، ولفت العريضي إلى أن "’حزب الله‘ ومن خلال خوضه الاستحقاق البلدي بهذا الحجم وصولاً إلى عودة تحركه السياسي وجولاته على الرؤساء، يستعد لخوض المعترك السياسي بجدية أكثر من السابق ويركز على المحافظة على عدد نوابه".