ملخص
باحثون من جامعتي "جونز هوبكنز" و"ديوك" يطورون أداة ذكاء اصطناعي قادرة على التنبؤ بانتشار الأوبئة قبل وقوعها بأسابيع، عبر تحليل لحظي لبيانات معقدة تشمل المتحورات، السياسات، والسلوك البشري. النموذج الجديد يتفوق على أدوات التنبؤ الحالية وقد يغير طريقة تصميم الاستجابات الصحية العالمية مع اقتراب الجائحة المقبلة.
هل يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي أن تسهم في منع الجائحة المقبلة قبل أن تبدأ؟
خلال جائحة كورونا، لم تكن التقنية الجديدة التي طورها باحثون في جامعتي "جونز هوبكنز" و"ديوك" قد وجدت بعد. لكن، وللمرة الأولى، يقول هؤلاء الباحثون إنهم ابتكروا أداة ثورية تعتمد على نمذجة لغوية ضخمة -من نوع الذكاء الاصطناعي التوليدي المستخدم في "تشات جي بي تي"- للمساعدة في توقع انتشار أي مرض معد، مثل إنفلونزا الطيور وجدري القرود والفيروس المخلوي التنفسي. وهو ما قد يسهم في إنقاذ الأرواح والحد من العدوى.
وبحسب بيان من الباحثة في جامعة "جونز هوبكنز"، لورين غاردنر "أظهرت جائحة كورونا مدى صعوبة توقع انتشار مرض ما، بسبب تداخل عوامل معقدة وكثيرة كانت تتغير باستمرار". وتعمل غاردنر كخبيرة في بناء النماذج الحاسوبية، وابتكرت لوحة رقمية للبيانات استخدمها الناس في أرجاء العالم إبان الجائحة.
وأضافت "عندما كانت الظروف مستقرة، كانت النماذج تعمل بصورة جيدة. لكن مع ظهور متحورات جديدة أو مع تغير السياسات أصبحنا عاجزين عن توقع النتائج بدقة، لأننا لم نكن نمتلك الأدوات التي تتيح لنا إدخال أنواع حاسمة من المعلومات ضمن النماذج... الأداة الجديدة تسد هذه الفجوة".
غاردنر كانت من بين مؤلفي الدراسة التي نشرت الخميس الماضي في مجلة "نيتشر كومبيوتايشنال ساينس" المعنية بعلوم الحوسبة المعلوماتية.
الأداة التي تحمل اسم "بانديمك أل أل أم" PandemicLLM [يجمع الاسم بين لفظتي بانديمك ومعناها الجائحة، وحروف أل أل أم المأخوذة من "نماذج لغوية كبرى" Large Language Models] تأخذ في الحسبان الارتفاعات الأخيرة في أعداد الإصابات، والمتحورات الجديدة، والتدابير الوقائية الصارمة.
واستخدم الباحثون بيانات لم تستخدم من قبل في أدوات التنبؤ بالأوبئة، وتوصلوا إلى أن "بانديمك أل أل أم" تستطيع توقع أنماط الأمراض المعدية ومسار الحاجة إلى الرعاية في المستشفيات أثناء تفشيها، بدقة قبل أسبوع إلى ثلاثة أسابيع من حدوثها.
وتضمنت البيانات [التي زودت بها الأداة الجديدة] اللقاحات، ومعدل الإدخال إلى المستشفيات، وأنواع السياسات الحكومية حيال الوباء، وخصائص متحورات العنصر المسبب للعدوى ومدى انتشارها، والمعطيات الديموغرافية على مستوى الدولة. وتعمل "بانديمك أل أل أم" على جمع تلك البيانات، ثم تعمل عليها كي تتوصل إلى توقع عن كيفية تداخلها معاً في التأثير في الكيفية التي يسلكها المرض.
وطبق الباحثون "بانديمك أل أل أم" بأثر رجعي على جائحة كورونا، محللين الوضع في كل ولاية على مدار 19 شهراً. وقال المؤلفون إن أداء الأداة كان متميزاً خصوصاً في الفترات التي كان فيها التفشي في حال تغير مستمر. وتفوقت على أدوات التنبؤ المتقدمة المعتمدة حالياً، بما فيها الأدوات الأعلى أداء على منصة "كوفيد هاب" CovidHub التابعة لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها.
وقال هاو "فرانك" يانغ الأستاذ المساعد في قسم الهندسة المدنية والنظم في جامعة جونز هوبكنز "تقليدياً نعتمد على الماضي لتوقع المستقبل، لكن ذلك لا يمنح النموذج ما يكفي من المعلومات لفهم ما يحدث وتوقعه". وأضاف "بدلاً من ذلك، يستند هذا الإطار إلى أنواع جديدة من المعلومات اللحظية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خلال المرحلة المقبلة، يدرس الباحثون كيف يمكن لنماذج اللغة الكبيرة أن تحاكي الطريقة التي يتخذ بها الأفراد قراراتهم الصحية، على أمل أن تسهم مثل هذه النماذج في مساعدة المسؤولين على تصميم سياسات أكثر أماناً وفعالية.
ومن المعلوم أن أكثر من مليون أميركي تُوفوا بسبب فيروس كورونا. والسؤال المطروح الآن لم يعد إن كانت هناك جائحة مقبلة، بل متى ستحدث.
خلال الوقت الحالي، تتعامل الولايات المتحدة مع انتشار فيروس "آتش5 أن1" المسبب لـ"انفلونزا الطيور"، و"آر أس في"، وفيروس "أتش أم بي في" HMPV المسبب لأحد أنواع الالتهاب الرئوي، والسعال الديكي والحصبة، ضمن اهتمامات صحية أخرى. وتراجعت معدلات التطعيم ضد الحصبة بصورة حادة منذ الجائحة، في حين ارتفعت نسبة التردد العام حيال اللقاحات، مما أثار مخاوف من أن تتبدد عقود من التقدم الصحي في البلاد.
وفوق ذلك، اتخذت السلطات الصحية الأميركية خطوات للانسحاب من الجهود العالمية لمواجهة الأوبئة، بعدما أعلنت خلال وقت سابق من هذا العام انسحابها من منظمة الصحة العالمية. وقيدت الشهر الماضي إمكانية الحصول على لقاحات كوفيد لفئات معينة.
ووفق الخبيرة غاردنر "تعلمنا من كوفيد 19 أننا في حاجة إلى أدوات أفضل تساعدنا في وضع سياسات أكثر فاعلية. ستكون هناك جائحة أخرى وهذه النماذج ضرورية لدعم الاستجابة الصحية العامة لها".
© The Independent