ملخص
يرفض نتنياهو تولي "حماس" أو "فتح" أو قوات عربية إدارة القطاع، وللخروج من هذه المعضلة يدعم الميليشيات وينمي مناطق سيطرتها على غزة وصولاً لجعلها جسماً بديلاً لحكومة "حماس".
خلال وقت بدأت فيه حركة "حماس" وحكومتها تفقد السيطرة الأمنية على غزة، ظهرت عصابات وميليشيات داخل القطاع، مما أثار مخاوف الفصيل المسلح من خلق جسم بديل عنه لتولي إدارة المدينة المدمرة بعد الحرب، حيث تحاول إسرائيل إيجاد أو صناعة جسم بديل لليوم التالي للحرب.
وأخيراً، نشطت ميليشيات وعصابات داخل غزة تحمل السلاح ونزلت إلى الشارع في وضح النهار وأطلقت النار في الهواء، في ظهور واضح وللمرة الأولى لجماعات مسلحة بعيداً من الجسم السلطوي الحكومي الذي تديره "حماس".
نهب
ومع ظهورها داخل غزة، نفذت العصابات المسلحة أعمال نهب وسطو وسرقة، ولم تظهر للغزيين على أنها حاضنة لهم أو حاضرة لحمايتهم وتوفير الاستقرار الأمني لهم، وهذا ما أخاف المدنيين كثيراً وأفقدهم الثقة بهذه التشكيلات.
خلال شهر مايو (أيار) الماضي نفذت العصابات أكبر عملية ظهور لها، وقامت بسرقة مخازن المساعدات والسطو على المحال التجارية ونهب البضائع الموجودة فيها، وعندما حاول بعض رجال الأمن التابعين لـ"حماس" صدهم، أطلقوا عليهم النار مباشرة ودارت بينهم اشتباكات عنيفة.
وتطور عمل العصابات والميليشيات في غزة كثيراً، حيث انتشرت جماعة مسلحة قرب حاجز نتساريم العسكري الخاضع للسيطرة الإسرائيلية، وأخذ أفرادها ينفذون عمليات سطو ونهب لشاحنات المساعدات التي تحاول الوصول إلى شمال القطاع.
عمل منظم
ولكن مع ظهور مجموعة تطلق على نفسها "الياسر" ومهمتها مساعدة المدنيين وحمايتهم من عناصر حركة "حماس"، تغير الوضع كثيراً وبات من الواضح لكثر أن تلك التشكيلات تعمل برعاية إسرائيل ومهمتها القضاء على "حماس".
مجموعة "الياسر" أو كما تسمي نفسها "القوات الشعبية" تنشط في شرق مدينة رفح أقصى جنوب القطاع، ويديرها شخص يدعى ياسر أبو شباب، وبرز اسمه ونشاط مجموعته المسلحة نهايات عام 2024.
تطهير مناطق
كانت مجموعته تنفذ عمليات سطو على شاحنات المساعدات الإنسانية وتمنعها من الدخول لأية منطقة داخل القطاع، ولكن هذا التشكيل المسلح تطور نشاطه وتغير، إذ بات كما يدعي يقوم بتطهير المناطق من عناصر "حماس" ويدعو المدنيين إلى التوجه إلى المراكز المطهرة لحمايتهم.
بحسب معلومات "اندبندنت عربية"، فإن نشاط أبو شباب تطور وعمل على تجنيد نحو 300 عنصر في مجموعته وتسليحهم بأسلحة من نوع "كلاشنيكوف"، وعمل على تدريبهم وتطوير قدراتهم على استخدام الأسلحة ثم نشرهم في الميدان.
أول عمل قامت به مجموعة "القوات الشعبية" كان تجهيز منطقة شرق رفح لعودة سكانها، ودعا ياسر أبو شباب سكان تلك البؤرة إلى العودة لمنازلهم بعد تطهير الأرض من عناصر "حماس"، وتعهد بتوفير المأوى والغذاء والأمن لكل من يدخل منطقته التي ما زال الجيش الإسرائيلي يسيطر عليها بالكامل، ويوجد فيها الجنود والدبابات.
حماية المدنيين من "حماس"
نشر أبو شباب مقطع فيديو لجماعته وهم يعملون في منطقة قريبة من معبر كرم أبو سالم الخاضع للسيطرة العسكرية الإسرائيلية، وكان عناصره يلبسون زياً عسكرياً يحمل العلم الفلسطيني وطبعت عليه عبارة "آلية مكافحة الإرهاب".
يقول أبو شباب "أنشأت قوة لحماية الفلسطينيين من إرهاب حكومة الأمر الواقع ’حماس‘ ومن لصوص المساعدات، وأعمل على حماية وتوزيع المساعدات على مئات العائلات في مناطق شرق رفح، نحن موجودون في مناطق خاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي، ليس باختيارنا بل بدافع الضرورة، كما أننا نحاول منع خطة التهجير".
تشكيلات مسلحة خلفها إسرائيل
في الواقع، يعد تشكيل مجموعة أبو شباب أمراً لم يحدث قبل ذلك داخل قطاع غزة، وهذه المرة الأولى التي تنشق فيها جماعة من الفلسطينيين عن السكان ويشكلون قوة خاصة تقدم نفسها على أنها قوة معارضة لـ"حماس" وتحمي المساعدات، لكن سكان غزة يرون عكس ذلك، معتبرين أنها عصابة تعمل على نهب الغذاء.
جماعة أبو شباب مجرد حالة واحدة من بين مجموعة تشكيلات مسلحة تحاول الظهور في غزة وتروج لنفسها أنها تعارض "حماس"، إذ ظهرت مجموعة أخرى وسط القطاع وثالثة غربه ورابعة شرق غزة، وكل أفرادها يوجدون في مناطق تحت سيطرة القوات الإسرائيلية التي تتوغل في القطاع.
في الحقيقة، تبين لاحقاً أن إسرائيل تقف وراء تسليح وتشكيل العصابات والميليشيات في غزة، وكشفت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية "كان" أن تل أبيب سلحت ميليشيات وعصابات تعارض "حماس"، وذلك بموافقة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
وتفيد "كان" بأن إسرائيل نقلت لهذه التشكيلات كمية كبيرة من الأسلحة بهدف إحداث الفوضى ومواجهة "حماس" وحماية أرواح جنود الجيش، وأقر نتنياهو علناً بذلك وقال "نعمل على هزيمة ’حماس‘ بطرق مختلفة، تسليحنا للتشكيلات في غزة جاء بناءً على توصيات جميع رؤساء الأجهزة الأمنية"، لكن هذه الخطوة وجدت معارضة كبيرة في إسرائيل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تمهيداً لليوم التالي
يؤكد الباحثون السياسيون أن الدفاع لدى إسرائيل من تجهيز الميليشيات وتحضيرها وتسليحها، هو لحل مشكلة اليوم التالي للحرب، إذ يرفض نتنياهو تولي "حماس" أو "فتح" أو قوات عربية إدارة القطاع، وللخروج من هذه المعضلة يدعم الميليشيات وينمي مناطق سيطرتها على غزة وصولاً لجعلها جسماً بديلاً لحكومة "حماس".
يقول الباحث السياسي أكرم العلي "هذه الخطوة مجرد بداية فحسب، الجيش الإسرائيلي يعمل على توسيع نطاق تجربة الميليشيات لتشمل مناطق إضافية، وذلك بعد نجاح مجموعة ياسر أبو شباب في مهامها".
ويضيف "نشأت هذه الخطة التجريبية من إدراك لدى إسرائيل أن إسقاط ’حماس‘ يتطلب إيجاد حكومة بديلة، والحل الذي تفرضه في الميدان قد يمهد الطريق لجعل هذه الميليشيات تدير غزة بعد الحرب وبعد تقويض ‘حماس‘".
يوضح العلي أن الجيش الإسرائيلي يعتقد أن هذه الميليشيات تسرع من نهاية "حماس" بصورة كبيرة، وذلك بناءً على خطة احتلال القوات مناطق وتطهيرها ثم تسليمها لميليشيات مسلحة، مشيراً إلى أن ذلك الحل قد يخلق فوضى وعنفاً ودماراً للمجتمع.
"حماس" تستهدفهم
ميدانياً لم تقف العناصر القليلة المتبقية من "حماس" مكتوفة الأيدي، بل نفذت عمليات قتالية استهدفت مجموعة أبو شباب وقتلت عدداً منهم، وواصلت توجيه ضربات أمنية لهذه العصابات.
يقول مدير المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة "تحاول إسرائيل خلق حال فوضى أمنية ومجتمعية في غزة، لكن لن نسمح بتمرير الفوضى وسنتصدى لها مهما كلفنا الأمر".
هذه العصابات واجهت انتقادات من حركة "فتح" أيضاً، يقول متحدث الحركة منذر الحايك "تنشط هذه العصابات تحت غطاء إسرائيل في أعمال خارجة عن تقاليد الشعب الفلسطيني، دعم تل أبيب هذه المجموعات يأتي في ظل خطتها لليوم التالي للحرب بهدف نشر الفوضى والانفلات الأمني، ومنع عودة السلطة الوطنية إلى قطاع غزة".