Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأنوثة الغامضة في لوحات جورج باسيل

التجارب الحياتية والوجدانية مصدر إلهام الرسام ومختبره الفني

لوحة للرسام جورج باسيل في معرضه القاهري (خدمة املعرض)

ملخص

يقدم غاليري آزاد في القاهرة معرضاً للفنان اللبناني جورج باسيل تحت عنوان "ليلة حب"، وفيه تُظهر أعماله تأثره الواضح بالتجارب الحياتية والوجدانية، مما يجعلها تحمل طابعاً شخصياً.

يشكل الفنان اللبناني جورج باسيل عالمه الخاص بعيداً من الدراسة الأكاديمية، فالتجارب الحياتية والوجدانية والشخصية كانت ولا تزال، مصدره الفني. الجسد البشري عنده، وبخاصة الأنثوي، ليس مجرد موضوع للرسم، بل هو وسيلة للتعبير عن حالات شعورية، تتراوح بين الفرح والحزن، والحضور والغياب، والقوة والهشاشة.

وُلد جورج باسيل في بيروت عام 1965، في حقبة شهدت تحولات جذرية في المشهد الثقافي اللبناني والعربي. بدأ مسيرته الفنية عام 1995، معتمداً على موهبته الفطرية وحدسه الإبداعي، من دون أن يتلقى تعليماً أكاديمياً تقليدياً في الفن. هذا الاختيار لم يكن مجرد صدفة، بل يعكس رؤيته للفن كتجربة شخصية تنبع من الداخل، لا تُفرض من الخارج عبر قواعد وقوالب جاهزة.

غاليري آزاد في القاهرة استضاف أخيراً جانباً من هذه التجربة الملهمة للفنان اللبناني تحت عنوان "ليلة حب". في هذا المعرض، يُقدّم باسيل نساءً يشبهن أشباحاً حالمة، معلقات في فضاء لا يخضع لقوانين الزمن أو المكان. هذه الشخصيات لا تُقدم كأفراد مُحددين بملامح أو هويات، بل كحالات شعورية مجردة. هي أنوثة مُجردة من أي سياق مادي، تتحرك في مساحة من السكون والصفاء، وكأنها ترفض أن تكون موضوعاً للتفسير أو الحكم.

اللافت في أعمال باسيل هو تجاهل شخصياته التام نظرة المشاهد، فهن لا يسعين إلى إرضاء العين أو جذب الانتباه، بل يتحركن في عالم داخلي مغلق لا يُفتح إلا لمن يقترب منه بلُطف وحساسية. هذا الخيار الفني يُحيلنا إلى رؤية الفيلسوف الفرنسي موريس ميرلوبونتي، الذي يرى أن الجسد ليس مجرد شكل يُرى، بل هو الوسيط الذي نختبر من خلاله العالم من حولنا.

يخصّص باسيل جانباً من معرضه لسلسلة لوحات تُكرّم أم كلثوم، لكن ليس بصورتها الأيقونية التي نحفظها جميعاً. في هذه الأعمال تظهر "كوكب الشرق" كامرأة عادية، بعينين تحملان هدوءاً آسراً وسحراً غامضاً. لا يرسم باسيل الصوت الأسطوري الذي هزّ قلوب الملايين، بل يرسم الروح التي وقفت خلف هذا الصوت. أم كلثوم هنا، بعيدة من الأضواء والحشود، تظهر في لحظات حميمية وصامتة، كامرأة ذاقت الحب والخسارة، وجسّدت في غنائها أوجاع وأحلام أمة بأكملها. يذكّرنا باسيل بأن كل أيقونة، مهما عظمت، هي أولاً إنسان... له مشاعره وعزلته وهشاشته. هذا الانتقال من الرمز إلى الإنسان، ومن العام إلى الخاص، هو ما يجعل هذه الزاوية من المعرض عميقة وملهمة للتفكير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يعتمد الفنان في أعماله على درجات لون دافئة، كالذهبي والأحمر الخافت، التي تُضفي على اللوحات جواً من الدفء والعمق. استخدامه الطبقات الشفافة من الألوان الفاتحة يخلق إحساساً بأن الشخصيات تتلاشى أمام أعيننا، أو ربما تظهر من العدم. هذه التقنية لا تُظهر براعته الفنية فحسب، بل تُترجم فلسفته حول طبيعة المشاعر الإنسانية، فهي مثل الضباب، موجودة لكن يصعب الإمساك بها.

الفرشاة عند باسيل خفيفة، وكأنها تلامس القماش برهبة، فلا وجود هنا للخطوط الحادة أو الألوان الصارخة، كل شيء يبدو وكأنه في حال تدفق مستمر. هذا الأسلوب يُذكّرنا باللوحات الانطباعية، حيث اللون والضوء هما أبطال العمل، لكن باسيل يضيف إليهما بعداً روحياً يجعلنا نشعر وكأننا أمام فعل روحاني مجرد. تؤكد الإضاءة الخافتة هذه الأجواء الروحانية، إلى جانب المساحات الواسعة، والصمت الذي يخيم على أجواء الأعمال. الفن هنا ليس وسيلة للتواصل المباشر بل مساحة للتأويل، فكل زائر سيرى في هذه اللوحات شيئاً مختلفاً. هي دعوة إلى إبطاء الخطى، والتوقف للحظة والاستماع إلى همسات الأعمال، وتأمل هشاشتها وجمالها.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة