ملخص
حلقة جديدة من برنامج "بين وطنين" تعرض لسببين رئيسيين يدفعان الحكومة البريطانية نحو اتباع سياسة "انتقائية" في الهجرة، حيث تشير تقارير صحافية إلى أن المملكة المتحدة باتت تنفق أكثر من 1.2 مليار دولار كمساعدات شهرية للأجانب منذ ثلاثة أعوام، ومع ضغوط اليمين الشعبوي من أجل ضبط الحدود ووقف "هجرة القوارب" وتخفيض عدد الأجانب، يجد حزب العمال الحاكم نفسه مضطرا إلى التشدد في قوانين استقدام العمالة من الخارج وفتح أبواب الدراسة أمام الطلبة الدوليين.
بريطانيا وجهة جاذبة للمهاجرين العرب، يأتونها بمهن وتخصصات عديدة، فيعيشون في ظل دولة يسودها القانون توفر لهم خدمات صحية مجانية، وتقدم لأبنائهم تعليماً مجانياً جيداً حتى يبلغوا الجامعة، وبعد إقامة لمدة ستة أعوام فقط يحصلون على جنسية تفتح لهم أبواب 186 وجهة حول العالم، وتتيح لهم الحصول على مساعدات مالية شهرية تعينهم على العيش إذا جارت عليهم الأيام وخسروا وظائفهم أو عجزوا عن العمل لسبب أو لآخر.
هذه المزايا وغيرها شكلت الحلم البريطاني بالنسبة إلى كثر، ولعقود طويلة بقيت تحث أجيالاً من العرب على خوض مغامرة الهجرة إلى المملكة المتحدة، ولكن كل شيء قد يتغير اليوم، فخلال مايو (أيار) 2025 أصدرت الحكومة ورقة بيضاء تتضمن مقترحات قالت إنها للسيطرة على الحدود، أو بتعبير أدق تقليص عدد المهاجرين.
حملت الورقة ثمانية مقترحات، سبعة منها لتشديد قوانين العمل والدراسة على الأجانب، بداية بتقليص قائمة الوظائف المتاحة أمامهم لملء شواغر فيها، وخلال الوقت ذاته إنهاء استثناء التوظيف داخل قطاع الرعاية الاجتماعية من الخارج، يليه فرض ضرائب على رسوم الطلبة الدوليين في الجامعات وتقليص المدة الممنوحة لهم للبقاء في الدولة بعد التخرج من عامين إلى 18 شهراً، إضافة إلى تشديد القيود على التراخيص التي تتيح للجامعات استقبال الطلبة الأجانب، علاوة على رفع درجة اللغة الإنجليزية المطلوبة للظفر بتأشيرة عمل، وأخيراً مضاعفة عدد أعوام العيش ودفع الضرائب داخل البلاد قبل التأهل للإقامة الدائمة لتصبح 10 أعوام بدلاً من خمسة.
مقابل كل هذه القيود ثمة بند إيجابي وحيد يتعلق بتسهيل وصول أصحاب المهارات العالية كالمتخصصين في الذكاء الاصطناعي، لكن هؤلاء لا يشكلون إلا نسبة ضئيلة من الوافدين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الورقة البيضاء وفقاً للقوانين لا تتضمن إجراءات فورية التنفيذ، بل مقترحات ترغب الحكومة بسبر ردود الفعل حولها، ولكن المقلق أن حزب العمال الحاكم في البلاد يتعامل مع ملف الهجرة اليوم تحت ضغط التمدد الكبير لليمين المتشدد، الذي يعارض وجود الأجانب أياً كان السبب، والسياسي الشعبوي زعيم حزب "ريفورم" نايجل فاراج يحرض الشارع ضد سياسة الحكومة "الفاشلة" في ضبط الحدود.
ثمة عامل آخر يضغط على الحكومة العمالية الجديدة لتقييد الهجرة ألا وهو العبء المالي، إذ يشير تقرير حديث لصحيفة "تلغراف" إلى أن الأجانب يحصلون على مساعدات بنحو مليار جنيه استرليني شهريا منذ ثلاثة أعوام، أما المحصلة فهي التوجه نحو الانتقائية في اختيار من يدخل ويقيم داخل المملكة المتحدة، كما يصف الأمر المحامي المتخصص في شؤون الهجرة علي القدومي خلال حديث مع "اندبندنت عربية".
وزيرة الداخلية إيفيت كوبر تعهدت بأن يناقش ويحسم محتوى الورقة البيضاء خلال الدورة البرلمانية الحالية التي تنتهي عام 2029، وتوقعت أن ينطوي تطبيقها على استثناءات للقادمين بتأشيرة زواج من بريطاني أو بريطانية، وكذلك للأوروبيين الذين قاموا بتسوية أوضاعهم بعد "بريكست"، لكنها رفضت نفي احتمال تضرر بقية المقيمين في البلاد أصلاً قبل صدور المقترحات الثمانية.
لم تذكر الوثيقة الجديدة صراحة أية تعديلات على تأشيرة الزيارة، لكن ذلك لم يطمئن العرب لأن تقليص أعداد المهاجرين تعهد انتخابي قطعه حزب العمال في الحملة التي أوصلته إلى السلطة خلال يوليو (تموز) 2024، وبعيداً من التكهنات ما زال بالإمكان حتى اليوم القدوم إلى بريطانيا بغرض السياحة أو العلاج أو غيرهما من أسباب عائلية أو مهنية أو دراسية، تتيح لك العيش هنا لفترة قصيرة لا تتجاوز ستة أشهر.
الحكومة أطلقت خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2023 نظاماً خاصاً لتأشيرة الزيارة يعرف اختصاراً بـ"ETA"، وتقول وزارة الداخلية إنها أصدرت للدول المدرجة ضمن هذا النظام أكثر من 5 ملايين تأشيرة حتى مارس (آذار) 2025، فاقت حصة العرب منها 800 ألف فيزا.
والعرب في المملكة المتحدة وفق إحصاء عام 2021 يزيدون على 355 ألف نسمة، وهو ما يعادل نصفاً في المئة من إجمال السكان، وتقدر مصادر خاصة العدد بأكثر من ذلك، لكن أياً كان الرقم فقد يكون من مهاجرين جاءوا عملاً أو دراسة قبل أن يصبحوا مواطنين، ومن لاجئين قصدوا البلاد هرباً من الموت والجوع داخل أوطانهم الأصلية، أما القاسم المشترك بينهم فهو الحلم البريطاني الذي ستحوله الورقة البيضاء إلى كابوس يقض مضاجع كثر إذا ما طبقت مقترحاتها.