ملخص
الحقيقة أن هذه الادعاءات ما زالت توصف بالمضللة وتصنف ضمن نظريات المؤامرة، على رغم أن الحكومة الأميركية ذاتها انخرطت في أبحاث معمقة حول تقنيات وأسلحة تغيير الطقس واهتمت بهذه القضية منذ عام 1891، قبل أن تحظر استخدامها في سبعينيات القرن الماضي، كما أجرت تجارب عدة لتغيير الطقس بين 1946 و1983.
فكرة أقرب للخيال العلمي أن تملك أداة بإمكانها تحريك إعصار عنيف أو زلزال مدمر أو تهديد أمني لبلد ما بغرض الضغط السياسي أو حتى إحداث تأثير مباشر في العدو لهزيمته، يكثر في الآونة الأخيرة الحديث عن كوراث طبيعية مفتعلة، لكن الأمر خرج منذ أعوام طويلة من إطاره الخيالي وبدأت أقلام كثيرة تكتب عن إمكان أن يحكم على مدينة وحتى دولة بالجفاف واليباس ودمار أجزاء من منشآتها وبنيتها التحتية.
وعادت نظريات التحكم في الطقس وما يحوم حولها من ادعاءات للظهور، لا سيما عقب الدمار الذي خلفه إعصار ميلتون الذي ضرب ولاية فلوريدا الأميركية في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، وخلف خسائر تقدر قيمتها بـ50 مليار دولار.
كما برز هذا التوجه في العالم العربي بعد الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في فبراير (شباط) 2023، والعاصفة العنيفة التي ضربت الإسكندرية قبل أيام، وما رافقها من مشاهدات وثقت ظهور لمع باللون الأحمر انعكس على لون البحر قبيل حدوث العاصفة.
لكن الحقيقة أن هذه الادعاءات ما زالت توصف بالمضللة وتصنف ضمن نظريات المؤامرة، على رغم أن الحكومة الأميركية ذاتها انخرطت في أبحاث معمقة حول تقنيات وأسلحة تغيير الطقس واهتمت بهذه القضية منذ عام 1891، قبل أن تحظر استخدامها في سبعينيات القرن الماضي، كما أجرت تجارب عدة لتغيير الطقس بين 1946 و1983.
فما سبب هذه الادعاءات؟ وهل من دلائل على صحتها؟
السلاح المناخي ونظرية المؤامرة
تشير "الأسلحة المناخية"، في السياق العسكري، إلى استخدام تغيير الطقس أو البيئة كسلاح حرب، ويشمل تقنيات كالتلاعب بأنماط الطقس مثل إطالة أمد الرياح الموسمية أو خلق ضباب اصطناعي لأغراض عسكرية أو اقتصادية، بهدف إلحاق الضرر بالعدو.
ويمكن اعتبار مفهوم قديم مبسط مثل تجميع أشعة الشمس عبر مرايا جامعة للأشعة وتسليطها على سفن الأعداء لتقوم بإحراقها، الذي سخره الرومان في حروبهم، الجذور الأولى لفكرة أشعة الليزر.
وفي حين أن فكرة تغيير الطقس أمر شائع ويستخدم لأغراض مفيدة مثل تلقيح السحب، إلا أنه غالباً ما يجري تضليل هذا المفهوم من خلال المعتقدين بوجود تغيير مناخي، خوفاً من استخدامه لتغذية إنكار تغير المناخ ونشر معلومات مضللة، أي ينكر وجودها لإثبات وجود تغير طبيعي في المناخ خارج التدخل البشري المباشر. فبعضهم يعتبر أن التوجه نحو نسب الكوارث الطبيعية إلى جهات خارجية، يمكن أن يصرف الانتباه عن إجماع المجتمع العلمي في شأن أزمة المناخ، ويسمح للدول بالتهرب من المساءلة.
أي أن تكنولوجيا التأثير في الظواهر الطبيعية موجود فعلاً والمثال الأبرز عليها الاستمطار والتحكم في حركة الكتل الهوائية وتقلبات قشرة الأرض وغيرها، إلا أن استخدامه في الحرب العسكرية أو الاقتصادية مقيد ومحظور بموجب القانون الدولي وقد يسفر عن عواقب وخيمة، إذ في عام 1976 أقر اتفاق (ENMOD) يحظر بموجبه استخدام تقنيات التغيير البيئي لأغراض عسكرية أو أي أغراض عدائية أخرى، ويهدف إلى منع استخدام البيئة كسلاح حرب.
تلقيح السحب
واستخدمت هذه الأسلحة في التطبيقات العسكرية، فبين عامي 1967 و1972 وخلال حرب فيتنام أجرت القوات الجوية الأميركية تجارب تلقيح السحب فوق أهداف في فيتنام وكمبوديا ولاوس لتمديد موسم الرياح الموسمية وزيادة إطالة أيام هطول الأمطار (30 إلى 45 يوماً) في مناطق مختارة بعناية، من خلال عملية عسكرية سميت "بوباي"، إذ رشت الطائرات بعض المواد الكيماوية، مما تسبب في زيادة ملاحظة في هطول الأمطار، ونتيجة لذلك انقطعت الاتصالات وامتلأت الطرقات بالماء، مما أدى إلى تعطيل حركة القوات وشاحنات الإمدادات العسكرية، وعلى رغم أن التأثير كان قصير الأجل، إلا أن التكاليف كانت كبيرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويزعم أن المشروع كان تحت رعاية وزير الخارجية هنري كيسنجر ووكالة الاستخبارات المركزية من دون إذن من وزير الدفاع آنذاك ملفين ليرد، الذي وفي محاولة لحماية البرنامج نفى بصورة قاطعة أمام الكونغرس وجود برنامج لتغيير الطقس مستخدم كسلاح تكتيكي، وأكد عدم وجود أي تلقيح للسحب في فيتنام، كما قلل المسؤولون الأميركيون من شأنه وتجاهلوه مراراً وتكراراً إلا أن شهادتهم أمام الكونغرس بدت متناقضة، مما زاد من الشكوك.
ولكن عملية "بوباي" خضعت لتدقيق مكثف بين عامي 1971 و1974 عندما نشرت صحيفتا "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" تحقيقات، إلى أن انكشف الأمر وأجبر ملفين ليرد على الاعتذار، ليضيف رصيداً إلى صدقية نظريات المؤامرة.
عاصفة جزيرة القرم
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 اجتاحت عاصفة عنيفة البحر الأسود، مما أثر في شبه جزيرة القرم وأجزاء من أوكرانيا وروسيا، تاركة ملايين من دون تدفئة أو كهرباء. وفي خضم العاصفة، أعادت مصادر موالية للكرملين تداول نظرية مؤامرة قديمة تشير إلى تواطؤ جهات مقرها الولايات المتحدة في إحداث العاصفة، إذ تتهم نظرية المؤامرة الولايات المتحدة بامتلاك برنامج تكنولوجي للتحكم في الطقس.
ورصد "مختبر أبحاث الأدلة الجنائية الرقمية" DFRLab خمسة مواقع إخبارية روسية تضخم نظرية المؤامرة القديمة هذه في سياق العاصفة الأخيرة في شبه جزيرة القرم، أشار المختبر إلى أن العبارة الروسية التي تعني "أسلحة المناخ" حصدت مليوناً و911 ألفاً و451 مشاهدة في الـ27 من نوفمبر. وفي السياق، أشارت التقارير الإخبارية إلى التلاعب بالطقس ضد روسيا، وألمحت إلى وجود صلة بين الأحداث الجيوسياسية وحوادث الكوارث المناخية، وأشاروا إلى مشروع "هارب" HAARP ووكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدم "داربا" DARPA وزلزال فبراير 2023 في تركيا، إذ ألمحت إلى وجود صلة بين زلزال فبراير ووجود المدمرة الأميركية "يو إس إس نيتز" (USS Nitze) في تركيا، لكنها أقرت بنقص الأدلة الملموسة.
مشروع "هارب"
وفي السياق، وعندما نتحدث عن سلاح المناخ، لا بد أن نذكر المشروع الأميركي الأشهر "هارب" HAARP أو "برنامج أبحاث الشفق القطبي النشط عالي التردد" الذي يعتبره بعض الخبراء سلاحاً مناخياً يستطيع تغيير حالة الطقس بالتأثير في العمليات في الغلاف الأيوني، وبعض النظريات تشير إلى أنه قادر على التسبب بكوارث طبيعية مثل الزلازل والأعاصير وحتى التأثير في عقول البشر.
يقع مشروع "هارب" في ولاية ألاسكا ويتكون من مجموعة ضخمة من الهوائيات مصممة لدراسة الغلاف الجوي الأيوني، واشترك في تمويله سلاح الجو الأميركي والبحرية الأميركية وجامعة ألاسكا ووكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة "داربا" DARPA. وكان الغرض المعلن هو دراسة منطقة الأيونوسفير في الغلاف الجوي للأرض (الطبقة التي يحدث فيها عدد من الظواهر الجوية)، بهدف تطوير تكنولوجيا الاتصالات اللاسلكية والترصد والمراقبة.
وعلى رغم أن الغرض المعلن للمشروع علمي، إلا أن ارتباطه بالمؤسسات العسكرية أثار تساؤلات حول الغايات الحقيقية له، وزاد من حال الغموض المحيطة به.