Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شابان فلسطينيان يطوران تطبيقا ذكيا للكشف المبكر عن سرطان الثدي

خجل وخوف النساء الفلسطينيات من كشف أثدائهن وتصويرها، لاستخدامها في التجربة العلمية، من أكبر المعوقات التي واجهت عمل صلاح وبدارين .

الدكتور زيدون صلاح يعرض صوراً حرارية لثدي إحدى النساء اللواتي خضعن للتجربة (إندبندنت عربية)

دهشة وريبة أصابتا السيدة س. ع. من مدينة رام الله في الضفة الغربية، عندما علمت من خلال هاتف محمول، بحجم كف يدها، أن لديها ورماً في الثدي. فهي لم تكن تعلم بذلك قبل أن تخضع لتجربة سرية صُوّر خلالها ثدياها عبر الهاتف لتستخدم الصور في ما بعد في تجارب علمية. فالباحثان الفلسطينيان من جامعة القدس (أبو ديس) في فلسطين، زيدون صلاح ويزيد بدارين، يعملان على مشروع الكشف المبكر عن مرض سرطان الثدي لدى النساء، من خلال تطويرهما "تطبيق هاتف ذكي للكشف عن سرطان الثدي"، يمكّن النساء من اكتشافه عبر صورة تُلتقط بهواتفهن المحمولة، والسماح بتكرار الفحص من دون أضرار تذكر، مع إظهار النتيجة فوراً، على عكس الطرائق الطبية التقليدية المكلفة، التي تلزم المرأة مراجعة المراكز الطبية والخضوع لفحص الماموغرام لتصوير الثدي الشعاعي، الذي لا تستطيع المرأة الخضوع له أكثر من مرة كل عامين، نظراً إلى آثار تكراره الجانبية.

يقول صلاح، الذي يترأس قسم الأحياء في كلية القدس، إن "التطبيق، ومن خلال التجارب التي أجريت بدايةً على الفئران، حقق نجاحاً باهراً". يقيس التطبيق حرارة المنطقة المصورة من ثدي المرأة، ويراقب النشاط الزائد في عملية الأيض بعد تدفق الدم إليها، إضافة إلى العلامات الخارجية للتورم من إحمرار أو شكل غير طبيعي أو خشونة. بعد ذلك تلجأ المرأة إلى المراكز الطبية المتخصصة، للتثبت من وجود الورم، أحميداً كان أو خبيثاً، من خلال أخذ عينة منه. فالتطبيق يكشف مبكراً عن المرض، وهذا ما يحول دون تطوره وانتشاره في جسد المرأة.
الأورام لا تعني سرطان الثدي
طور بدارين (31 عاماً)، وهو شريك في هذا الاكتشاف وحاصل على شهادتين دوليتين في مجال التعليم والتكنولوجيا الصفية من شركة مايكروسوفت، ومن شركة غوغل العالمية، طوٰر دراسة محورها خوازرميات محوسبة لمعالجة الصور، تُلتقط عبر الهاتف المحمول بشكل تلقائي، وهي تعمل على جميع أنظمة الهواتف الذكية المختلفة (إندرويد وآي أو إس) بهدف مساعدة النساء على اختبار أثدائهن والمناطق المحيطة بها.
يعمل نظام هذا الاختراع، وفق بدارين، بنظامين رئيسين: الأول يعتمد على إستخدام الكاميرا الرئيسة للهاتف الذكي، والتقاط صور عادية بهدف فحص الأعراض السطحية الأكثر شيوعاً لدى النساء، والتي تشير إلى وجود تغيرات غير طبيعية في ثدي المرأة، وإلى وجود إحدى علامات الإصابة بسرطان الثدي، من خلال خوارزمية رياضية، أنشئَت لهذا الغرض، وهي مرتبطة بقاعدة بيانات ملأى بصور مختلفة.
على أن أي تغيّر في حلمة الثدي، أو ظهور معالم كتلة فيه، أو بقعة حمراء ذات قشور أو إصفرار في الجلد، لا يعني بالضرورة إصابة المرأة بالسرطان. لذلك، كانت الخطوة الجوهرية في هذا الإختراع تطوير نظامه الثاني، الذي يعتمد على كاميرا خارجية تستخدم الأشعة تحت الحمراء لالتقاط الصور، وهي موصولة بأجهزة الهواتف الذكية لمساعدة النساء على التقاط صور تظهر توزيع درجة الحرارة في أثدائهن والمناطق المحيطة بها.
يؤكد بدارين أن النظام الثاني من الإختراع يعمل على تطبيق خوارزمية محوسبة، جرت دراستها مسبقاً لتحليل الصور الملتقطة وتخزينها في قاعدة بيانات خاصة، بهدف الكشف عن أي تغيرات حرارية ناتجة من زيادة تدفق الدم في مناطق الكتل في الثدي. والصور الحرارية لا تُظهر أي تفاصيل تمس خصوصية المرأة المصابة. إذ إن التطبيق، وفق مخترعيْه، "محمي وسري" وتتوفر فيه كل إحتياطات الأمان لمنع الوصول إلى الصور المخزنة على الهاتف الشخصي.
عيادة وردية متنقلة للمرة الأولى في فلسطين
تقول نفوذ مسلماني، مديرة مركز دنيا لأورام النساء في رام الله، إن "التطبيق جُرب على عدد من النساء داخل المركز، وبعد التثبت من النتائج في شكل كامل ونهائي، فإن الاختراع سيسهم في الكشف المبكر عن سرطان الثدي، وسيشيع الخوف لدى كثير من النساء من أجل إلزامهن باستكمال الفحوص في حال كشف التطبيق عن أورام وتكتلات في أثدائهن، حميدة كانت أم خبيثة. فالانجاز الفعلي هو حث النساء على فحص أثدائهن بشكل سليم".
مركز دنيا، الذي أُسس عام 2011، كان يهدف إلى تأمين مكان مناسب للنساء الفلسطينيات لإجراء تشخيص سليم لسرطان الثدي، خصوصاً أن أجهزة وزارة الصحة الفلسطينية كانت قليلة، وفي الغالب معطلة، إضافة إلى ندرة الاختصاصيين. كما أن طريقة أخذ العينة كانت بسيطة وغير مجدية.
أكثر من ألف امرأة فلسطينية، في مناطق مختلفة من الضفة الغربية، فُحصن داخل العيادة الوردية، التي بدأت العمل في أكتوبر (تشرين الأول) 2018،  وتحتوي على جهاز الفحص الماموغرام. وست نساء منهن أُكتُشفت إصابتهن بسرطان الثدي، وهن لا يملكن أدنى فكرة عن المرض.
سرطان الثدي في المرتبة الأولى
يقول أسعد رملاوي، وكيل وزارة الصحة الفلسطينية، إن صلاح وبدارين لم يحضرا إلى مقر وزارة الصحة سوى مرة واحدة، قبل عام ونصف العام تقريباً، وقد عرضا المشروع شفهياً. أما براءة الاختراع، التي نالاها من وزارة الاقتصاد الوطني، لا تعني شيئاً فعلياً، إن لم يكن هناك جهات عالمية علمية قد أثبتت فعالية التطبيق. فالتجارب لا تزال بسيطة، ومن غير المجدي أن يُطلب من نساء فلسطينيات تصوير أثدائهن لتجربة علمية على الهاتف أو تطبيق ذكي.
أضاف رملاوي "يجب تبني الاختراع من قبل منظمات صحية عالمية، أو شركات مصنعة للأجهزة الطبية، ويجب الخروج بالاختراع إلى أوروبا. فالنساء هناك لا يمانعن كشف أثدائهن للتجربة، على عكس النساء العربيات".
ووفق آخر الإحصاءات، يؤكد رملاوي أن سرطان الثدي لدى النساء يحتل المرتبة الأولى فلسطينياً من حيث أعداد الحالات المصابة والوفيات. فعدد الحالات التي بُلغ عنها عام 2017 وصل إلى 500 في الضفة الغربية و350 في قطاع غزة، في حين أن 47 في المئة من هذه الحالات يُكتشف فيها المرض في مرحلة متأخرة.
من الخوف ما قتل
الإنكار والخوف سببان رئيسان، وفق رملاوي، لوصول كثير من النساء الفلسطينيات إلى مرحلة متأخرة من سرطان الثدي. فإنكار الإصابة يأتي خوفاً على مستقبل العائلة وسمعتها، لأن بعض الأمهات المصابات يعتقدن أن سرطان الثدي سيشوه سمعة بناتهن، وتالياً ستقل فرص الزواج.
ولأن المشكلة الثقافية والاجتماعية كبيرة لدى الفلسطينيات، في نظرتهن إلى الكشف المبكر، لجأت وزارة الصحة إلى المساجد للتوعية بشأن أهمية خضوع المرأة للفحص المبكر. فكثيرات هن الفلسطينيات اللواتي يخفن من أزواجهن إذا ذهبن إلى عملية الفحص، أكثر من المرض نفسه. فكشف ثدي المرأة لإجراء الفحص من خلال اللمس والتصوير هو، بالنسبة إلى بعض الرجال، كارثة اجتماعية.
وفي حال إقتناع المرأة وزوجها باستكمال فحص الثدي، فإنّ الخوف يتضاعف إذا وصل المرض إلى مرحلة إستئصال الثدي، إذ ليس هنالك في مراكز الصحة الفلسطينية بديل للثدي المستأصل. ففقدان المرأة جزءاً من أنوثتها، بفقدانها واحداً من ثدييها، صعب عليها.
واللافت، وفق رملاوي، أن سرطان الثدي يصيب النساء الفلسطينيات بأعمار أقل مما هو متعارف عليه عالمياً. ولأن الأبحاث العلمية أثبتت أن إحتمال الإصابة بسرطان الثدي مرتفع لدى من هن دون الخمسين عاماً، أوصت وزارة الصحة بالفحص لدى مراكز الصحة الفلسطينية مرة واحدة في العام للنساء ما فوق سن الأربعين، ومرة واحدة كل عامين للنساء ما فوق سن الخمسين.
والجهاز الوحيد المتكامل لفحص الثدي، وفق رملاوي، موجود في مستشفى بيت جالا في الضفة الغربية. وهو يستطيع كشف الخلل ومعاينته لدى المصابات بسرطان الثدي وأخذ عينة للفحص، لكن ظهور نتيجة العينة يحتاج إلى 14 يوماً، ولا حاجة تالياً إلى إحالة النساء إلى مراكز خارجية ومستشفيات في إسرائيل.
20 ألف حالة دخلت العام الماضي إلى مراكز وزارة الصحة، لإجراء فحص  الماموغرام لسرطان الثدي. وهذا ما يعني أن إصابة النساء الفلسطينيات بسرطان الثدي ارتفعت بنسبة تراوح بين 15 و 20 في المئة مقارنةً بالعام 2017.
لكن هذه الزيادة، وفق رملاوي، لا تُقلق وزارة الصحة بل على العكس. إذ إن إرتفاع نسب الاصابة سنوياً يعني أن هناك وعياً أكثر، وإقبالاً مرتفعاً من النساء على الفحص، وهذا ما سيساعد في الاكتشاف المبكر.
ويشدد رملاوي على ضرورة الحد من ارتفاع نسب الإصابة بالسرطان في شكل عام من خلال مكافحة التدخين والكحول، والتشديد على أهمية التغذية الجيدة والتركيز على النشاط البدني، ووضع سياسات صحية لتخفيف الوزن الزائد، من خلال سياسات وقوانين جديدة. كما هو الحال بالنسبة إلى تخفيض نسبة الملح في الخبز في السنوات الماضية، والعمل حالياً على إقرار قانون مكافحة التدخين.
وكانت وزارة الصحة الفلسطينية، وفق رملاوي، قد سجلت في الضفة الغربية وقطاع غزة 130 إصابة بالسرطان لكل 100 ألف حالة خضعت للفحص عام 2018. وهذه زيادة لافتة، خصوصاً أن عدد الحالات المصابة لكل 100 ألف حالة، في عام 2013، كان 64 حالة فقط.

المزيد من صحة