ملخص
ذكرت وسائل إعلام غربية أن الرئيس الروسي رفض مناقشة خطة تسوية النزاع في أوكرانيا التي قدمها المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف.
لن يتوقف أزيز الرصاص ولن يسكت دوي المدافع ولا صفير الصواريخ على الجبهة في أوكرانيا قبل أن يحقق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أهدافه التي رسمها بدقة حين أطلق هذه الحرب قبل نحو 40 شهراً، فبوتين يقول بين السطور للأوروبيين وحلف شمال الأطلسي ضمناً "نحن من بدأنا هذه الحرب ونحن نملي شروط السلام"، ولذلك تظهر روسيا موقفاً مبدئياً في المفاوضات وترفض المبادرات الغربية المتلاحقة التي تطالبها بوقف إطلاق النار ولو لفترة زمنية محدودة.
ورداً على ذلك يقترح بوتين إبرام مذكرة تفاهم من شأنها تحقيق التسوية وضمان السلام على المدى الطويل، وتكون أكثر وأبعد من مجرد استراحة محاربين أو هدنة موقتة، ولم يتوان بوتين في إبلاغ الرئيس الأميركي دونالد ترمب الساعي إلى وقف الصراع بأسرع وقت ممكن، بموقفه المبدئي هذا ورفض موسكو التحرك السريع لوقف الحرب من دون معالجة أسبابها ووضع حلول جذرية لها، ولذلك انتهت المحادثة الهاتفية بينهما يوم الـ 19 من مايو (أيار) الجاري من دون أن تحقق أي تقدم يذكر نحو السلام المنشود، ومع ذلك لم يفسد موقف بوتين المتصلب للود قضية مع ترمب.
قاعات المفاوضات
إذاً وبناء على تصريح بوتين في تلخيصه للحديث "البناء والصريح" مع ترمب، فلن تكون هناك نتائج ملموسة من هذه المحادثة الهاتفية، فروسيا لا تريد تنفيذ المطلب الأهم للرئيس الأميركي وحلفائه الأوروبيين وهو وقف إطلاق النار الفوري مدة 30 يوماً، على عكس أوكرانيا التي وافقت بالفعل على هذا الأمر منذ أسابيع عدة، وبحسب بوتين فإن وقف إطلاق النار لن يكون ممكناً إلا "بالتوصل إلى اتفاقات"، وبدلاً من ذلك يريد بوتين إبرام مذكرة في شأن شكل العالم المستقبلي وصورة أقطابه ومواقعهم في صنع القرار الدولي، ويلمح إلى أن هذه الوثيقة قد تتضمن شروطاً لوقف إطلاق النار، ولكن كي يحدث ذلك فهناك عدد من الأمور التي يجب توضيحها قبل إسكات المدافع التي سيظل دويها مسموعاً داخل قاعات المفاوضات حيث ستجري تحت النار، ومع ذلك تحدث الرئيس الروسي بطريقة ودية عن الرئيس الأميركي، وأشاد بجهود ترمب لتحقيق السلام والإسهام في تنظيم آخر مفاوضات مباشرة بين روسيا وأوكرانيا جرت في إسطنبول.
وبعد الاتصال ببوتين اتصل الأميركيون بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وبعد ذلك تحدث ترمب وزيلينسكي عبر الهاتف مع رؤساء دول وحكومات مختلف الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، وقبل ذلك تحدث ترمب مساء الأحد الماضي هاتفياً مع المستشار الألماني فريدريش ميرز والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني استعداداً لمحادثته مع بوتين، وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن ترمب تحدث أيضاً مع زيلينسكي قبل وقت قصير من مكالمته الهاتفية مع بوتين.
وتوضح صحيفة "بيلد" أن روسيا أظهرت موقفاً مبدئياً في المفاوضات ورفضت بدبلوماسية ولباقة المبادرات الآتية من الغرب ومن ترمب أيضاً، وقدّم بوتين اقتراحاً مضاداً يعطي الأولوية للحلول السياسية وليس للهدن العسكرية الموقتة من طريق إبرام مذكرة تفاهم من شأنها ضمان السلام على المدى الطويل، لا مجرد استراحة حرب موقتة، وقد أراد الرئيس الأميركي أن يحقق في "يوم مثمر" ما فشل دبلوماسيوه في تحقيقه خلال أشهر من المفاوضات، وهو ضرورة موافقة بوتين على وقف إطلاق النار، لكن الأخير رفض ذلك بدبلوماسية تغلبت فيها العلاقات الشخصية بين الرئيسين على العلاقات بين الدولتين ونهجهما المختلف.
شروط بوتين المستحيلة
قد يكون بوتين نجح مرة أخرى بالوقوف في وجه أقوى رجل في العالم، وكما علمت صحيفة "بيلد" من مصادر غربية فإن موسكو تتمسك بقوة بمطلبين رئيسين من المستحيل على أوكرانيا وحلفائها تحقيقهما أو القبول بهما، أولهما وكشرط لوقف إطلاق النار، يطالب الكرملين بانسحاب القوات الأوكرانية بصورة كاملة من المناطق التي ضمتها روسيا وبخاصة منطقتي زابوروجيا وخيرسون، اللتين تسيطر القوات الروسية على قسم كبير منهما، وثانيهما أن موسكو تطالب بألا تتلقى أوكرانيا أي دعم عسكري وتسليحي من الغرب خلال فترة وقف إطلاق النار، وألا تكون كييف قادرة على تعبئة جنود جدد لإرسالهم إلى الجبهة، ففي يونيو (حزيران) الماضي طالب بوتين، ومن أجل وقف إطلاق النار، بسحب أوكرانيا قواتها من الأراضي التي لا تزال تسيطر عليها القوات المسلحة الأوكرانية في المناطق الخمس التي ضمتها روسيا، بما في ذلك عاصمتان إقليميتان، وأن تخفض كييف قواتها المسلحة إلى المستوى الذي لا يمكنها حتى أن تأمل في الدفاع عن البلاد، ولم يكرر بوتين هذه المطالب خلال تصريحاته الأخيرة، ومن ناحية أخرى اقترح وضع أوكرانيا موقتاً تحت إدارة خارجية بإشراف الأمم المتحدة التي ستكون مسؤولة عن مفاوضات السلام، وذكّر مساعد بوتين، فلاديمير ميدينسكي، بعد محادثات إسطنبول، الغرب الجماعي بقول أوتو فون بسمارك أول مستشار ألماني "لا تخدعوا الروس"، وقال ميدينسكي "تعلمون أن بسمارك الذي كان سفيراً في مدينة سانت بطرسبورغ الروسية لأعوام عدة، وأتقن اللغة الروسية، وبصورة عامة كان يشعر بروسيا ويفهمها ويدعم المصالح المشتركة بين روسيا وألمانيا، غالباً ما كان يردد 'لا تحاولوا أبداً خداع الروس أو تسرقوا منهم شيئاً' لأن الوقت سيمر وعاجلاً أم آجلاً سيأتي الروس لاسترداد ما كان لهم"، مضيفاً أنه يعتقد أن عبارة "الروس يعودون دائماً لاسترداد ما يخصهم" هي درس مهم جداً من التاريخ، ووفقاً للسكرتير الصحافي للكرملين دمتيري بيسكوف فإن روسيا عازمة على البحث بجدية عن سبل التوصل إلى تسوية سلمية طويلة الأمد، كما أكد أن أهداف المفاوضات المقترحة مع أوكرانيا هي القضاء على الأسباب الجذرية للنزاع وحماية مصالح روسيا.
بوتين يرفض مناقشة خطة أميركا للسلام
في الـ 17 من مايو الجاري ذكرت وسائل إعلام غربية أن الرئيس الروسي رفض مناقشة خطة تسوية النزاع في أوكرانيا التي قدمها المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، وقالت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية "الخميس الماضي أبلغ مسؤولون روس رفيعو المستوى المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترمب، ستيف ويتكوف، أن بوتين لا يرغب في مناقشة خطة السلام المكونة من 22 نقطة التي أعدها ويتكوف بمشاركة أوكرانيا وأوروبا"، وبحسب معلومات الصحيفة فقد أرجأ ويتكوف اجتماعه مع الرئيس الروسي بعد رفض الأخير مناقشة خطة السلام هذه، وأشار أحد المصادر إلى أن لقاء ممثلي البلدين لم يخطط له مسبقاً، فقد تمسك بوتين باقتراحه إجراء محادثات مباشرة من دون شروط مسبقة مع أوكرانيا في إسطنبول يوم 15 مايو الجاري، مؤكداً أن روسيا لم ترفض مطلقاً الدخول في حوار مع الجانب الأوكراني، ولم يستبعد أن يتمكن الطرفان خلال المفاوضات من التوصل إلى اتفاق في شأن وقف إطلاق النار، وفي صباح الـ 16 من مايو الجاري عقد اجتماع بين الولايات المتحدة وأوكرانيا وتركيا قبيل بدء المفاوضات بين وفدي روسيا الاتحادية وأوكرانيا في إسطنبول، وأعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن اللقاء الأول بين وفدي روسيا وأوكرانيا منذ ثلاثة أعوام فرصة يجب تثمينها، لأن كل يوم من النزاع يؤدي إلى سقوط ضحايا.
وقف إطلاق النار
ومن الناحية النظرية فإن الكلفة الباهظة للصراع من شأنها أن تدفع جميع الأطراف نحو السلام السريع، ولكن الهدف يجب أن يكون التوصل إلى تسوية نهائية وليس وقف إطلاق نار موقت يهدد بإدامة وضع خطر للغاية ومدمر بالنسبة إلى الولايات المتحدة وأوروبا وأوكرانيا، فوقف إطلاق النار لشهر واحد فقط لن يكون له أي معنى، ويجب على الأطراف أن تسعى جاهدة إلى إبقاء الأسلحة صامتة أثناء استمرار المفاوضات، ومع ذلك فإن هذا قد يؤدي إلى تكرار وقف إطلاق النار في دونباس بين عامي 2015 و2022، والذي فشل في حل أي من المشكلات الأساس، وانتهك مراراً وتكراراً من خلال الاشتباكات والاستفزازات من الجانبين، وأدى في نهاية المطاف إلى شن القوات الروسية عملية خاصة كاملة النطاق، بحسب متابعين روس، ومن دون حل الأسباب الجذرية للصراع الأوكراني فإن السلام الدائم في أوروبا مستحيل، كما يكتب موقع "آر.إس"، وبحسب الكاتب فإذا توصلت الولايات المتحدة وروسيا بالفعل إلى اتفاق قابل للتطبيق فسيكون من الصعب للغاية على بروكسل وكييف رفضه، ومن شأن وقف إطلاق النار هذا أن يشجع طرفي الصراع على رفض تسوية سلمية على أمل استئناف ناجح للأعمال العدائية.
ويأمل الروس أن تسمح هذه الهدنة للجيش الروسي بتعزيز قدراته بصورة حاسمة لشن هجوم جديد، ويعتقد الأوكرانيون أنه مع فوز الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2028 سيجري استئناف المساعدات غير المشروطة من أجل فوز أوكرانيا، ومن دون التوصل إلى تسوية سلمية نهائية ومع استمرار عمليات إطلاق النار، فمن غير المرجح أن تقرر بلدان في حلف شمال الأطلسي منضوية في ما يعرف باسم "تحالف الراغبين" إرسال قوات حفظ سلام خاصة بها، وهذا بدوره سيؤدي إلى تفاقم احتمال اندلاع أعمال عدائية جديدة، ومن الممكن أيضاً، في ظل وقف إطلاق النار الهش والقتال المستمر، أن تحافظ إدارة زيلينسكي على الأحكام العرفية في البلاد وتستمر في تأجيل الانتخابات الرئاسية، وهذا من شأنه أن يقلل من شرعيتها الدولية ويخلق خطر عدم الاستقرار السياسي في أوكرانيا، وفق محللين سياسيين اعتبروا أنه وبما أن أوكرانيا لم تعد تحت ضغط عسكري مباشر فإن الاتحاد الأوروبي وبعض الحكومات الأوروبية والأطلسية بخاصة ستواصل إرسال "قوات أمنية" إلى هناك، وهو أمر غير مقبول على الإطلاق بالنسبة إلى روسيا وسيجعل التسوية السلمية مستحيلة.
من ناحية أخرى فإن وقف إطلاق النار من دون التوصل إلى تسوية دائمة قد يعرض الدعم الأوروبي لأوكرانيا ذاتها للخطر، فمع إزالة التهديد المباشر للبلاد سيدعو زعماء القارة العجوز المتضررة من العقوبات على روسيا إلى تقليص المساعدات العسكرية لأوكرانيا أو إلغائها بالكامل، ومن المؤكد أن ترمب سيسعى إلى تحقيق هذا أيضاً، ولكن الأهم من ذلك هو أنه من دون تسوية سلمية فسيكون من الصعب للغاية على أوكرانيا أن تبدأ إعادة بناء اقتصادها وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والقضائية والإدارية اللازمة، ومن دونها لن تكون للبلاد فرصة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فبذريعة الصراع العسكري الدائر فرضت السلطات في روسيا وأوكرانيا معاً قيوداً شديدة على استقلال وسائل الإعلام وحرية التعبير والتعددية السياسية في البلاد، ولا يزال عدد من الأحزاب السياسية البارزة والمنافذ الإعلامية محظورة، وأصبح منتقدو الكرملين وحكومة زيلينسكي منبوذين، ومن المستحيل تعزيز الديمقراطية الليبرالية في روسيا وأوكرانيا طالما بقي البلدان في حال حرب تحت الأحكام العرفية، وفي روسيا أيضاً لن يخدم الصراع شبه المجمد إلا كغطاء للاتجاهات الاستبدادية لإدارة بوتين، ومن المستحيل أيضاً إجراء إصلاح اقتصادي في أوكرانيا إذا جرت تعبئة البلاد بأكملها للحرب، ومن المؤكد أن المستثمرين من القطاع الخاص سيترددون في الاستثمار داخل البلاد خوفاً من استئناف القتال، وستظل الأصول الروسية المجمدة في الاتحاد الأوروبي والتي تصل قيمتها إلى 300 مليار دولار معلقة أو تجري مصادرتها من جانب واحد من قبل بروكسل واستخدامها لدفع كُلف إعادة إعمار أوكرانيا، وبالتالي إزالة الحافز الرئيس لروسيا للموافقة على تسوية سلمية.
كما أن الصراع شبه المجمد المستمر في أوكرانيا يشكل أيضاً ضرراً بالغاً لاقتصادات الاتحاد الأوروبي، وعلاوة على ذلك فقد رأينا بالفعل في رومانيا ودول أخرى كيف تُستخدم اتهامات "التدخل الروسي" كمبرر للنخبة الحاكمة لاتخاذ تدابير غير ديمقراطية، وبالنسبة إلى مطالب روسيا بأن وقف إطلاق النار يجب أن يسبقه تقدم حقيقي في معالجة الأسباب الجذرية للصراع، فإن محللين عسكريين يعتبرون أن هناك ثلاثة منها غير مقبولة من حيث المبدأ، في الأقل ضمن صيغتها المعلنة.
الحل الوسط
من الثابت تاريخياً وعملياً أن هدف أية مفاوضات هو الوصول لتسوية مقبولة من أطراف الصراع تراعي الحد الأدنى لمصالح المتصارعين ولا تعطي أي طرف على طاولة المفاوضات كل ما يطالب به، ولا سيما ما لم يستطع الوصول إليه في ميدان القتال وبقوته العسكرية، ولذلك فإن أية تسوية سلمية قابلة للتطبيق يجب أن ترتكز على جملة من المبادئ، ومنها وجوب أن يمتد خط وقف إطلاق النار على خط الجبهة نفسه، ومن الممكن إجراء تبادلات متساوية للأراضي الفردية، إذ قد تنطبق القيود المفروضة على القوات المسلحة الأوكرانية وتوريد الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا فقط على فئات محدودة معينة من الأسلحة مثل الصواريخ بعيدة المدى.
في جوهر الأمر هناك طريقتان فقط لإجبار روسيا على قبول هذه المبادئ والتنازل وتخفيف مطالبها المتطرفة، الأولى أن يتمكن الأوكرانيون بمساعدة الغرب من إيقاف القوات الروسية في ساحة المعركة بصورة كاملة أو شبه كاملة، وهذا ممكن بالفعل، فخلال الأشهر الأخيرة كان الجيش الروسي يتقدم ولكن ببطء شديد، وإذا فشلت القوات الروسية في تحقيق تقدم حاسم هذا العام خلال هجوم شامل يهدد الجنرالات الروس بشنّه هذا الصيف في حال لم تحرز المفاوضات تقدماً حاسماً يوصل إلى تسوية سلمية، فقد تصبح موسكو أكثر استعداداً لتقديم التنازلات، ومع ذلك فإن هذه إستراتيجية محفوفة بالأخطار بالنسبة إلى أوكرانيا ورعاتها الغربيين، نظراً إلى التفاوت الهائل في الموارد بين كييف وموسكو، وبخاصة في القوى العاملة ومستوى استنزاف الوحدات الأوكرانية، في وقت لا يمكن استبعاد خطر انهيار القوات المسلحة الأوكرانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مظلة للسلام من صنع روسيا وأميركا
أما الطريقة الثانية نحو السلام بالنسبة إلى إدارة ترمب فهو وضع قضية أوكرانيا جانباً خلال المفاوضات مع روسيا والتركيز على تطوير مجموعة واسعة من الاتفاقات الثنائية، في مقابل تخلي موسكو عن مطالبها المتطرفة في شأن أوكرانيا وتقليص العلاقات مع إيران وكوريا الشمالية، ولقد جرى بالفعل وضع الأساس المبدئي للاتفاق الأولي، فقد استبعدت إدارة ترمب صراحة عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي، وفي المستقبل تستطيع الولايات المتحدة ضمان عدم توسع حلف شمال الأطلسي إلى ما هو أبعد من الحدود الحالية للتحالف، في حين سيظل الاتحاد الأوروبي مفتوحاً لانضمام دول جديدة، ولن تدعم الولايات المتحدة قوات من دول التحالف في أوكرانيا.
وتماشياً مع سعي إدارة ترمب إلى تقليص الالتزامات العسكرية الأميركية في أوروبا فقد تضمن واشنطن حتى انسحاب القوات الأميركية من الدول القريبة من حدود روسيا، مثل بولندا، في مقابل خطوات مماثلة من موسكو، وسيؤدي الاتفاق الموقت الجديد في شأن الصواريخ إلى تخلي الولايات المتحدة عن نشرها في ألمانيا، وفي المقابل ستسحب روسيا صواريخها من منطقة كلينينغراد وبيلاروس، ويمكن للأطراف أن تتفق على آلية تشاورية دائمة في شأن الأمن الأوروبي، ربما تشمل الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فضلاً عن ألمانيا وأية دولة محايدة ترغب في إرسال قوة حفظ سلام جادة إلى أوكرانيا، ومن شأن هذا أن يساعد في الوقت المناسب على منع الأزمات غير المرغوب فيها والتي أدت إلى الثورة الملونة والحرب الأهلية في أوكرانيا عام 2014 والحرب في جورجيا عام 2008.
إن مثل هذه الاتفاقات المبدئية بين الولايات المتحدة وروسيا، والتي بدورها ستضع الأساس لمشروع التسوية السلمية في أوكرانيا، يمكن تحقيقها حتى من دون المشاركة المباشرة من جانب الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا، وبطبيعة الحال ستكون موافقة الطرفين مطلوبة لإعطاء تسوية السلام طابعاً نهائياً ورسمياً، وسيتعين على الحكومة الأوكرانية الموافقة على شروط وقف إطلاق النار وضمان حقوق الأقليات، كما يتعين على الاتحاد الأوروبي رفع العقوبات المفروضة على روسيا وتحديد مصير أصولها المحتجزة لديه، وإذا تمكنت الولايات المتحدة وروسيا من التوصل بالفعل إلى اتفاق قابل للتطبيق فسيكون من الصعب للغاية أن ترفضه بروكسل وكييف، وعلاوة على ذلك فإن هذا سيكون متهوراً للغاية من جانبهم، وإلا فهناك خطر يتمثل في أن تتخلى إدارة ترمب عن أوكرانيا وتتركها لمصيرها.
وبحسب وسائل إعلام فإن مصير الصراع في مشارق الأرض ومغاربها، بما في ذلك الصراع الأوكراني، لن يجري تحديده بعد اليوم على خط التماس القتالي، بل من خلال تفاهمات بين رئيسي الولايات المتحدة وروسيا ولو عبر خط هاتفي.