Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من هو اليهودي الذي اختارته القائمة المشتركة ليمثّلها في البرلمان الإسرائيلي؟

يرى أن الصهيونية "أساس البلاء. وهي تضرّ ليس بالفلسطينيين وحدهم بل أيضاً باليهود".

عوفر كسيف (إندبندنت عربية)

 

في الوقت الذي كان نواب اليمين الإسرائيلي وممثّلوه في الصحافة ومختلف المؤسسات الأخرى يحرّضون على نواب الكنيست العرب، من القائمة المشتركة، ويبثون سموماً عنصرية لتأليب اليهود على العرب والدعوة لترحيلهم إلى رام الله، كان أحد أحزاب "القائمة المشتركة"، ينتخب في صفوفه الأولى مرشحاً يهودياً ضمن الأماكن الثلاثة الأولى في لائحة مرشحيه الانتخابية. وكما قال أحد قادة "المشتركة"، فإن "إسرائيل اليوم تعيش تراجعاً خطيراً عن المفاهيم الإنسانية. نحن نبني الشراكة اليهودية - العربية وهم يسعون إلى تهديمها. نحن نترفع عن الاختلافات القومية وهم يكرسونها".
إنه المرشح، عوفر كسيف، الدكتور في العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس وأحد الذين تعرضوا لحملة هجوم واسعة من اليمين الإسرائيلي، بعد تعبيره بشجاعة عن مواقفه السياسية ضده خلال محاضراته الأكاديمية في الجامعة أو على شبكات التواصل الاجتماعي. وصفوه بالخائن والمتطرف والمعادي للصهيونية واليهود، وهو كان يرد بأنه ضد الصهيونية وبأن الاحتلال وسياسة الحكومات الإسرائيلية هما المتطرفان.
وشرح كسيف تفسيره لرفض الصهيونية: "كثيراً ما تطلق الصهيونية مواعظ ضد اندماج اليهود بين الأمم، وتالياً كثيراً ما تنسق مع أكثر القوى السياسية رجعية، وحتى المعادية للسامية منها. زد على ذلك، من خلال إنكارها حقيقة إمكانية اندماج اليهود في الأمم الأخرى، والتعنت المتصل بأن معاداة السامية نوع من القدر المحتوم، فالصهيونية لطالما رفضت بل قوّضت النضالات الديموقراطية ضد التمييز ومن أجل الديموقراطية والعدالة". ويضيف "العنصرية في إسرائيل عامة، وضد الأقلية العربية الفلسطينية داخل إسرائيل، خصوصاً، تتزايد فعلاً منذ أن تشكلت حكومة بنيامين نتنياهو الثانية في مارس (آذار) 2009. ويزداد الوضع سوءاً يوماً بعد يوم كما يتجلى في قانون أبارتهايد (الفصل العنصري): إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي. على الرغم من ذلك، لا شك أن احتلال الضفة والقدس لا يزال يلهب العنصرية ويلعب لصالح المتعصبين أمثال نتنياهو وزمرته". 
ويرى كسيف أن "العنصرية الإسرائيلية هي بالضرورة نتاج الاحتلال. عنصرية تلقى حضناً دافئاً في حكومة نتنياهو النيو- فاشية. لكنها أولاً راسخة بعمق في الفكر الصهيوني بذاته. وفقاً للصهيونية، فإن اليهود في كل العالم يشكّلون شعباً واحداً، وهذا ما يجعلهم يستحقون حق تقرير المصير على أرض أجدادهم – أرض إسرائيل".  منذ بداياتها إلى اليوم، كان الهدف الأسمى للصهيونية تحقيق "التطابق الثلاثي، وفي سعيها للتطابق الثلاثي ادعت أن لا مكان سوى الدولة اليهودية يمكنه توفير الأمان لليهود، أو الحفاظ على هويتهم الإثنية، أو في الأقل، أنه جيد على نحوٍ كافٍ  لرفاهيتهم وازدهارهم. 
انطلاقاً من هذا المنطق، كثيراً ما تطلق الصهيونية مواعظ ضد اندماج اليهود بين الأمم، وتالياً كثيراً ما تنسق مع أكثر القوى السياسية رجعية، وحتى المعادية للسامية منها. زد على ذلك، من خلال إنكارها حقيقة إمكانية اندماج اليهود في الأمم، وعليه، يضيف كسيف "يبدو أن على الصهيونية، كفكر وحركة سياسية، تُعرف كقوة عنصرية، استعمارية ورجعية، وتضر ليس بمصالح الشعب الفلسطيني فخسب بل أيضاً بمصالح اليهود في كل أماكن وجودهم، وبمصالح دولة إسرائيل. إن الأجدر بالصهيونية أن تُرمى إلى مزبلة التاريخ".
هذه المواقف التي يطرحها كسيف زادت التحريض عليه، ولدى انتخابه في المكان الثالث في قائمة الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، وهي مركبة من مكونات القائمة المشتركة، أبرزت وسائل الإعلام العبرية انتخابه، وهناك مَن وصفه بالقومي العربي وتعالت الأصوات الناقدة لانتخابه، لما يحمله من مواقف داعمة للقضية الفلسطينية والعرب. ونشرت حركة معروفة باسم "إذا تريدون"، في جامعة القدس حيث يحاضر، على صفحتها على موقع "فيسبوك"، تصريحات أطلقها كسيف من بينها أنه "يدعي أن الجنود الإسرائيليين مجرمو حرب. ساوى بين إسرائيل وألمانيا النازية. وصف مقتحمي الأقصى بالسرطان الذي يجب القضاء عليه، ودعا إلى مقاطعة المصالح الإسرائيلية في الضفة الغربية".
علماً أن عوفر كسيف من رافضي الخدمة العسكرية. وأعلن عندما بلغ الـ 18 من عمره، وهي السنّ التي يدخل فيها اليهود الخدمة العسكرية، أعلن رفضه لها وقبع في السجن وأمضى أربعة أحكام، حتى حصل على عفو منها. يحمل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية. توقف عن العمل محاضراً في جامعات عدة، بسبب مواقفه، التي انعكست في محاضراته الاكاديمية وعبّر عنها على شبكات التواصل الاجتماعي ورفضها اليمين الإسرائيلي، الذي خرج بحملات عدة لطرده، حتى استقر في السنوات الأخيرة في الجامعة العبرية وحصل على منصب محاضر كبير. إحدى أبرز الحملات عليه كانت لدى وصفه وزير القضاء الإسرائيلية إييلت شكيد، بالحثالة والنازية.                   
الشراكة العربية اليهودية
إن وجود مرشح يهودي في قائمة عربية لا بد أن يسهم في طبيعة النضال اليهودي - العربي المشترك في كل القضايا، خصوصاً السياسية والنضال من أجل السلام والمساواة، وهذا في ذاته يصعّد معركة اليمين الإسرائيلي ضد هذا النضال. يقول عوفر كسيف: "لا أخاف من هذه المعارك. اليمين الإسرائيلي يجرنا جميعاً، الشعبين اليهود والعربي، الى كارثة كبيرة، ولمواجهة وضع كهذا واجبنا هو النضال، من دون تلعثم أو خوف. وسأواجه مع زملائي وشركائي في القائمة العربية المشتركة، حملة الافتراء علينا. أنا مقتنع بأننا سننتصر معاً، يهوداً وعرباً، ونجعل هذه البلاد أفضل لكل سكانها".
انطلاقاً من ضرورة النضال المشترك واهميته، انتُخب كسيف مرشحاً في القائمة، هذا النضال الذي يشكل عنصراً مهماً لمستقبل أفضل لهذه البلاد. ومن أجل الوصول إلى وضع كهذا، ليست الطريق سهلة ولم تزل طويلة. كسيف يضع في برنامج عمله أهدافاً كثيرة، تجعله غنياً بالنشاطات اليومية. أبرز هذه النشاطات "العمل لمواجهة تصعيد سياسة الاحتلال الإسرائيلي للشعب الفلسطيني، وتصعيد العنصرية داخل المجتمع الإسرائيلي ضد العرب، وهي تنعكس على المستويين السياسي والجماهيري، وتقليص مساحة الديموقراطية، التي تسعى جهات عدة الى القضاء عليها. هذه المشكلات، في رأيه، جزء من الرأسمالية وممارستها خلال الأزمات، إذ يُستخدم الاحتلال والعنصرية لإضعاف مواقف العمال ومعظم الذين يعيشون حالاً من الاحباط والمستغَلين، كل هذا بهدف تقوية حكمه".
عدا النضال الجماهيري، يرى كسيف أن هناك حاجة للتركيز على النضال البرلماني ومواجهة المظاهر التي تمس المجتمع كله، العرب واليهود، النساء والرجال، الشرقيين والأشكنازيين، والشراكة العربية اليهودية. ويضيف "إلى جانب هذا كله يجب تكثيف الجهود في قضايا التعليم، وشروط العمل التي تمس المربين والمحاضرين في الجامعات ووضع حد لسياسة غسل الدماغ التي يستخدمها جهاز التعليم". هذه المواقف التي يضعها كسيف ليست مصادفة، إذ سبق أن تعرض، كونه محاضراً في الجامعة العبرية في القدس، لحملة تحريض واسعة من وزراء وقياديين بعد أن اعتبر قانون القومية شبيهاً بقوانين النازية، في محاضرةٍ له أمام طلاب تلك الجامعة.
القوانين في سلم أولوياته
في ظل عشرات القوانين التي نجح اليمين الإسرائيلي في سنّها خلال الدورتين الأخيرتين للكنيست الإسرائيلي، يقرّ كسيف بأنه لا ينبغي الاستسلام لها والقبول بما ترمي إليه من مساس بمكانة الجماهير العربية داخل الخط الأخضر ووجودهم. وهو يخطط منذ الآن لدرس هذه القوانين والاستعداد في الفترة التي تلي الانتخابات في 9 أبريل (نيسان) المقبل، وتشكيل كنيست جديد، ليعمل على الغائها. يقول: "شخصياً سأسعى بدايةً إلى سنّ قوانين تهدف إلى مساواة في المواطنة والمساواة في القومية والعمل على إلغاء قانون القومية. إضافةً الى قوانين أساسية: الحقوق الاجتماعية، قانون المساواة في العمل. ومع زملائي من النواب سنعمل من أجل الشرائح الضعيفة والمساواة القومية والاجتماعية".
ويتخذ كسيف موقفاً حاداً من الحركة الصهيونية بمجملها ويعتبرها حركة استعمارية لا مكان لها في عصرنا. يقول: "الحركة الصهيونية لا تستحق الحياة وينبغي محوها من الأساس. والسبب أولاً أنها حركة استعمارية، وثانياً لأنها حركة استعلائية تقوم على فوقية العرق اليهودي إزاء الأعراق الأخرى، وثالثاً لأنها ترمي إلى فسخ صفوف العمال. حينذاك، كتب عاموس عوز أن الصهيونية هي اسم العائلة الذي تسبقه أسماء فردية كثيرة. ورأى أن هذه العائلة كانت جيدة إجمالاً على الرغم من المشكلات التي تشوبها. وأنا أرى الأمر بشكل عكسي. فالصهيونية هي المشكلة. هي أساس البلاء. وهي تضر ليس بالفلسطينيين وحدهم بل أيضاً باليهود".
على الرغم من الصعوبات والعقبات التي تواجه العملية السلمية فإن عوفر كسيف متفائل ومقتنع بأن السلام العادل سيتحقق لمصلحة الشعبين اليهودي والعربي، ويقول "هذا هدف، وحتماً سنحققه".

المزيد من العالم العربي