ملخص
قال الدبلوماسي والمسؤول الأميركي السابق جيمس جيفري خلال مقابلة تلفزيونية الأسبوع الماضي، إن العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية والرئيس الشرع تعود لفترة حكمه منطقة إدلب، وإنهم أقاموا معه علاقة غير مباشرة من أجل ضمان وصول المساعدات إلى المدينة التي كانت تضم نحو 3 ملايين شخص.
يتعمق الخلاف بين تنظيم "داعش" وحكومة رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع، خصوصاً عقب لقائه الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الرياض برعاية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الـ 14 من مايو (أيار) الجاري، حيث طالب ترمب الشرع بتنفيذ خمس نقاط وهي مكافحة الإرهاب وطرد المقاتلين الأجانب والانضمام إلى جهود محاربة "داعش" ومنع عودته وتحمل مسؤولية المحتجزات في مناطق "قوات سوريا الديمقراطية، وهذه المطالب تشكل تحدياً أساساً في علاقة الرئيس السوري الشاب مع الولايات المتحدة، وهي طلبات أميركية متكررة حملتها بداية مساعدة وزير الخارجية الأميركي السابقة باربارا ليف مع طاقم من الدبلوماسيين في إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن خلال زيارتهم إلى دمشق، أول أيام تولي الشرع مهماته عقب سقوط نظام بشار الأسد، ثم تلتها زيارة قام بها مبعوث الخارجية الأميركية دانييل روبنستاين وصولاً إلى عهد إدارة ترمب الذي سلّم دبلوماسيوه لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني قائمة بالطلبات الأميركية التي لا تختلف كثيراً عن الإدارة السابقة على هامش مؤتمر المانحين لسوريا في الـ 18 من مارس (آذار) الماضي، وكان التشديد على مسألة مكافحة الإرهاب واستبعاد المقاتلين الأجانب خلال لقاء ترمب - الشرع في الرياض، والذي لقي استجابة فورية من الشرع.
وسبق لقاء الرياض استقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرئيس السوري في باريس، حيث ناقش معه النقاط نفسها حول مكافحة الإرهاب واستبعاد المقاتلين الأجانب ومحاسبة المسؤولين عن القتل في أحداث الساحل، والتعاون مع "قوات سوريا الديمقراطية" التي تعتبر شريك التحالف الدولي في مكافحة الإرهاب، كما أوصلت دول عربية عدة رسائلها للقيادة السورية الجديدة خلال مناسبات ولقاءات عدة، وكلها تحثه على مواجهة الإرهاب والتطرف.
أول مواجهة سياسية لدمشق
ولعل أولى الاستجابات العلنية لمطلب مكافحة الإرهاب جاء على لسان الشيباني في أنقرة عقب لقائه وزيري خارجية تركيا والأردن في الـ 12 من مايو الجاري، مؤكداً عزم دمشق "القضاء على 'داعش' والمنظمات الإرهابية الأخرى من الأراضي السورية، وأن هذا التنظيم لا يزال يشكل تهديداً وطنياً وإقليمياً"، وتابع الوزير السوري أن "مكافحة الإرهاب مسؤولية عالمية، وبخاصة 'داعش' الذي نملك خبرة طويلة في محاربته، ونعلم جيداً مدى خطورته على سوريا وجيرانها".
ويقول الكاتب والباحث السياسي بسام السليمان في حديث لـ"اندبندنت عربية" إنه من الواضح أن تنظيم "داعش" بعد تحرير سوريا استغل الحالة، ويبدو أنه عزز قدراته التسليحية، وبدأ يغير توزعه الجغرافي من البادية السورية وينتشر في المدن، ولكن بصورة عامة لا يمكن أن نقول إنه يشكل خطراً كبيراً في سوريا لسببين، الأول أن أعداده قليلة، والثاني والأهم أن معظم قياداته الرئيسة لم تعد في سوريا وانتقلت إلى أفريقيا، ولا يوجد للتنظيم حاضنة شعبية، "لا سيما أن أهم سردية له كانت أنه جاء ليحمي السوريين من نظام الأسد، وهو ما لم يعد له وجود بعد سقوطه، فاليوم الذي يحكم سوريا قيادة جديدة".
وبحسب السليمان، فإن كل ما ذكر يسبب تراجعاً لنفوذ التنظيم، لكن بصورة عامة بدأ يتحرك مثلما جرى في حلب قبل أيام وأيضاً في دمشق حيث كانت هناك محاولات للتحرك، لكن الحكومة استطاعت ضبطها على ما يبدو بالتعاون مع التحالف في إجهاض عملية تفجير مقام السيد زينب، الذي كان بتنسيق بين التحالف والحكومة السورية.
واضح أن الحكومة يهمها العمل مع التحالف الدولي ضد "داعش" لسببين: الأول لمواجهة هذا التنظيم الذي يمكنه أن يهدد الأمن والاستقرار، والثاني "لسحب هذه الورقة من قسد"، وفق تعبيره.
غضب التنظيم
وأثار لقاء الرئيس السوري نظيره الأميركي في الرياض توجس كثير من التنظيمات المسلحة في سوريا، ولا سيما "داعش"، وقد تطرقت افتتاحية صحيفة "النبأ" الإلكترونية التابعة للتنظيم في عددها الصادر الخميس الماضي إلى الشروط الأميركية التي طرحت على الشرع، وربطت ما يجري بـ "الحرب على الإسلام" واصفة الشرع، الجولاني بحسب ما ورد في الصحيفة، بـ "الطاغوت" وحكومته بـ "الكافرة"، وقال التنظيم إن تبرير "الثوريين لتنازلات الجولاني السابقة واللاحقة صفقات سياسية خاسرة بدأها باكراً قبل وصوله إلى الحكم بأعوام طويلة"، مضيفاً "صحيح أنها منحته الرئاسة لكنها سلبته دينه وشرفه حتى صار اسمه علماً على عداء الشرع والشرف".
دعوة الأجانب إلى الانضمام
وأضاف "داعش" أن الرئيس السوري بدأ بالفعل تفكيك مشروع المقاتلين غير السوريين وأنه غدر بهم واستخدمهم لمصالحه فترة من الزمن، ليوجه التنظيم دعوة إليهم للتوبة والالتحاق بسرايا الدولة الإسلامية.
تاريخ الخلاف
ويعد هذا الموقف مؤشراً جديداً وواضحاً على عمق الخلاف بين التنظيم والرئيس أحمد الشرع الذي كان يتزعم فرع تنظيم "القاعدة" في سوريا والذي سمي "جبهة النصرة لأهل الشام"، ومن ثم تحول إلى "هيئة تحرير الشام" حين نشأ الخلاف بينهما صيف عام 2013 من بدء تشكيل تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" الذي أراد إقامة نظام الخلافة، في حين أن "جبهة النصرة" كانت ترى حيز عملها داخل الحدود السورية، مما أدى بالطرفين إلى التقاضي الشرعي والسياسي لدى زعيم تنظيم "القاعدة" في أفغانستان أيمن الظواهري ليقضي لمصلحة الشرع، مما أدى مواجهات فكرية وأحياناً أمنية بين الطرفين داخل ساحات عدة داخل سوريا، لا بل تطورت أحياناً إلى مواجهات عسكرية أدت إلى سيطرة التنظيم على مناطق سيطرة "جبهة النصرة" والقتال المباشر بينهما.
وفيما أكد مراقبون ومسؤولون غربيون تخلص الشرع من قيادات تنظيم "داعش" عبر التعاون مع التحالف الدولي والقضاء عليهم بغارات جوية، قال الدبلوماسي والمسؤول الأميركي السابق جيمس جيفري خلال مقابلة تلفزيونية الأسبوع الماضي، إن العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية والرئيس الشرع تعود لفترة حكمه منطقة إدلب، وإنهم أقاموا معه علاقة غير مباشرة من أجل ضمان وصول المساعدات إلى إدلب التي كانت تضم نحو 3 ملايين شخص.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
متطلبات الحكم
الرئيس المشترك السابق لـ "مجلس سوريا الديمقراطية" والمطلع على قضايا الجماعات الإسلامية رياض درار، يرى أنه على رغم الاتفاق المرجعي بين الشرع وبين كثير من المتطرفين، وعلى رغم بعض التفاوت في الممارسة، فلا بد له بعد أن دخل الإطار الدولة ومفهومها أن يستجيب للمتطلبات العربية والإقليمية والدولية من حوله، مما يسرع الخطى لأخذ الشرعية، "لأنه يعتقد كبقية الحكومات والسلطات التقليدية أن المرجعية تكون بالموافقة الخارجية على الحاكم، وهذه خطيئة بشار الأسد، وهذا الأمر سيدخله في مواجهة مع العناصر المتطرفة التي ترفض الموالاة أو الاعتماد على الأجنبي، وهو خط أحمر بالنسبة لبعضهم مما يدفعهم إلى الدخول في مواجهات".
ويتابع السياسي السوري في تصريح خاص أن المطالب الفرنسية والأميركية في مواجهة "داعش" وحل مشكلات الداخل ستفتح باباً للصراع، رأيناه في البيان الذي أصدرته "داعش" أخيراً حول المقابلة التي حصلت بين ترمب والشرع في السعودية، معتقداً أن المسألة لن تكون مواجهة صريحة بل على شكل محاولات من السلطة لاعتقال "الرموز الداعشية"، وهذا بالطبع "سيدفع هؤلاء إلى التحرك وافتعال أعمال تخريب قد تصل إلى أعمال انتقامية وتفجير مفخخات أو اغتيالات"، بحسب درار.
مراجعة الخطاب الديني
وبحسب السياسي الذي يشغل منصب المستشار لـ "مجلس سوريا الديمقراطية" حالياً، فإن عملية المراجعات مسألة قد تطول وتأخذ مداها بحسب التطور والتكيف مع مفهوم الدولة والمصالح التي تدار من خلالها الأمور، وكذلك العلاقات مع الداخل والخارج من قوى وأطياف وسياسيين متنوعين.
الملف الصعب
ويعتقد مراقبون أن مواجهة تنظيم "داعش" ليست بالأمر الهين مع المقاتلين الأجانب المنضمين لصفوف "هيئة تحرير الشام" أو المتحالفين معها مثل "الحزب الإسلامي التركستاني" والمقاتلين الأوزبك وغيرهم، وفي هذا الشأن تقول الباحثة لاما أركندي إن عدد المقاتلين الأجانب الذي يعتمد عليهم الشرع كقوات نخبة كبير ويعدون بالآلاف، وأنه ملف صعب بالنسبة إليه من ناحية التخلص منهم، ولا سيما أن كثيراً من المقاتلين المحترفين تلقوا التدريبات العسكرية خلال الأعوام السابقة من جهات خارجية.
لكن الكاتب السوري بسام السليمان يقول إن "الحكومة ليست عاجزة ولا تجد صعوبة في فتح معركة جديدة ضد ’داعش‘، ولكن مع انتشار عناصره في المدن فإنه من المفيد للحكومة أن تلقى تعاوناً استخبارياً من التحالف لمواجهته، لا سيما وأن الأجهزة الأمنية الحكومية في طور النشوء".
فالحكومة الجديدة بحسب السليمان "منخرطة في قتال التنظيم وقاتلتهم سابقاً، و’هيئة التحرير الشام‘ من أكثر الفصائل التي دخلت في قتال ضد التنظيم، لكن بصورة عامة المهم أن يكون هناك تنسيق دولي ودعم وبخاصة أنهم يعتمدون على أسلوب ذئاب منفردة، يعني كل أربعة أو خمسة أشخاص يعملون كمجموعة مستقلة".
مقاربة دمج الأجانب
ثمة وجه نظر مختلفة لملف المقاتلين الأجانب في سوريا، فهؤلاء المقاتلون بحسب السليمان ترفض بلدانهم استقبالهم، وعليه فإنه يرى أن الحل الأفضل أن تكون هناك مقاربة في عملية دمجهم، وبخاصة أن قسماً كبيراً منهم يريد الاندماج في المجتمع السوري، لكن هذا الدمج بحسب الباحث السوري يحتاج إلى آليات معينة اعتماداً على مقاربة جديدة بين الحكومة السورية والدول، تقضي بالوصول إلى نقطة وسط، "ولا بد أن تكون هناك مشاركة أممية في هذه العملية من حيث الرقابة والدعم التقني، فعملية الدمج والتأهيل النفسي تحتاج إلى خبرات عالية، وهو ما يتوفر لدى الأمم المتحدة من خلال تجارب سابقة"، وإذا ما سارت الأمور في هذا الاتجاه "فذلك يخفف من وطأة وحدة هذا الملف الذي يشكل أزمة للدولة السورية في الخارج".
مواجهة في حلب
وفي تطور دراماتيكي لافت أعلنت وزارة الداخلية السورية يوم الجمعة الماضي حصول مواجهات بين قواتها وخلية تابعة لتنظيم "داعش" في أحد أحياء مدينة حلب الفقيرة، وقالت إن العملية الأمنية المشتركة بين إدارة الأمن العام وجهاز الاستخبارات العامة استهدفت "وكراً لخلية إرهابية تابعة لتنظيم 'داعش' مؤلفة من سبعة عناصر وأسفرت عن تحييد ثلاثة منهم وإلقاء القبض على أربعة آخرين"، إضافة إلى مقتل عنصر من قوى الأمن العام، كما ضبطت القوى الأمنية خلال تلك العملية عبوات ناسفة وسترة مفخخة وبدلات تعود لقوى الأمن العام، وختمت الداخلية بيانها بتأكيد استمرار جهاتها الأمنية في عملياتها الرامية "إلى رصد ومنع أي نشاط إرهابي، ومواصلة الجهود الحثيثة لضمان استتباب الأمن والاستقرار في جميع المناطق ضمن الأراضي السورية"، مما يفتح الباب أمام مواجهات محتملة في مقبل الأيام، سواء مع التنظيم أو مقاتلين أجانب أو سوريين يرفضون التوجه الجديد للقيادة السورية في مواجهة الإرهاب.