ملخص
لا يتوقع كثر أن يؤدي خفض "موديز" هذه المرة إلى اضطراب كبير في الأسواق، إذ لا تزال الولايات المتحدة أكبر اقتصاد في العالم وتشكل المعيار الذي تقارن به اقتصادات الدول الأخرى.
فقدت الولايات المتحدة آخر تصنيف ائتماني من الدرجة الممتازة (AAA) كانت تحتفظ به، بعدما خفضت وكالة "موديز" تصنيفها الجمعة الماضي، مشيرة إلى العجز المالي الكبير وارتفاع كلف الفائدة.
وقالت "موديز" إن العجز المتزايد في الموازنة يعني أن اقتراض الحكومة الأميركية سيرتفع بوتيرة متسارعة، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة على المدى الطويل. وأضافت أن أياً من المقترحات الحالية قيد النظر في الكونغرس لا تبدو قادرة على تقليص الفجوة المستمرة بين الإنفاق الحكومي والإيرادات بصورة ملموسة.
وبهذه الخطوة، تفقد الولايات المتحدة آخر تصنيف من الدرجة الممتازة من قبل وكالة تصنيف كبرى، بعدما خفضت كل من "فيتش" تصنيفها عام 2023 و"ستاندرد أند بورز" عام 2011، وخفضت "موديز" التصنيف إلى "Aa1"، وهو التصنيف نفسه الذي تحمله دول مثل النمسا وفنلندا.
وقالت الوكالة في بيان، "فشلت الإدارات الأميركية المتعاقبة والكونغرس في التوصل إلى تدابير تعكس الاتجاه التصاعدي للعجز المالي السنوي الكبير وكلف الفائدة المتنامية".
من جانبه حمل المتحدث باسم البيت الأبيض، كوش ديساي، إدارة بايدن مسؤولية تفاقم الدين العام، وانتقد توقيت قرار "موديز"، قائلاً "إدارة ترمب والجمهوريون يركزون على تصحيح فوضى بايدن... ولو كانت لدى ’موديز‘ أي صدقية، لما التزمت الصمت بينما كانت الكارثة المالية تتكشف خلال الأعوام الأربعة الماضية".
وجاء خفض التصنيف في وقت يحاول فيه الجمهوريون في الكونغرس تمرير مشروع قانون ضخم للضرائب والإنفاق يشمل تمديد الخفوض الضريبية التي ستنتهي قريباً، وفرض خفوض جديدة، وتقليص الإنفاق على برامج مثل "ميديكيد" والمساعدات الغذائية، وزيادة التمويل للأمن الحدودي والدفاع. ومن المتوقع أن يرفع هذا المشروع العجز المالي بنحو 3 تريليونات دولار خلال العقد المقبل، مقارنة بالسيناريو الذي تنتهي فيه الخفوض الضريبية في موعدها المحدد في الـ31 من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وعرقل الجمهوريون المتشددون في مجلس النواب تمرير المشروع الجمعة، مطالبين بتسريع وتيرة خفض الإنفاق وإنهاء الإعفاءات الضريبية على الطاقة النظيفة.
الضغط على سندات الخزانة الأميركية
وقال محللون إن خفض التصنيف الائتماني من قبل "موديز" قد يزيد الضغط على سوق سندات الخزانة الأميركية، التي تواجه بالفعل ضغوطاً بسبب توقعات بمزيد من الاقتراض وبقاء التضخم مرتفعاً.
ومع ذلك شهدت سندات الخزانة الأميركية انتعاشاً بعد خفض تصنيف "ستاندرد أند بورز" عام 2011، جزئياً لأن الاقتصاد كان ضعيفاً آنذاك، مما أثبت أن المستثمرين لا يزالون يعتبرون الولايات المتحدة الملاذ الآمن الأول في العالم. ولا يتوقع كثر أن يؤدي خفض "موديز" هذه المرة إلى اضطراب كبير في الأسواق، إذ لا تزال الولايات المتحدة أكبر اقتصاد في العالم وتشكل المعيار الذي تقارن به اقتصادات الدول الأخرى، لكن بعض المستثمرين حذروا من أن هذا الخفض قد يفاقم الضرر الذي ألحقته الحرب التجارية الأخيرة بمكانة أميركا الاستثنائية، وقد يدفع المستثمرين الدوليين إلى المطالبة بعلاوة أعلى عند شراء السندات الأميركية، مما قد يؤدي إلى ارتفاع العائدات المرجعية فوق مستوى 4.5 في المئة الذي شهدته أخيراً، وهو ما من شأنه أن يضغط على النمو وثقة الأسواق.
وقال الرئيس العالمي لإدارة الدخل الثابت في شركة "برينسبال لإدارة الأصول، مايكل غوسي، لصحيفة "وول ستريت جورنال"، "هذا قد يؤدي إلى عجز أكبر، لأن كلفة خدمة الدين سترتفع أيضاً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي تفسيرها قرار خفض التصنيف، ركزت وكالة "موديز" بصورة شبه كاملة على الوضع المالي للولايات المتحدة، متجاهلة إلى حد كبير قضايا أخرى مثل انتقادات ترمب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، وهي الانتقادات التي أثارت تساؤلات حول قدرة البنك المركزي على الحفاظ على استقلاليته.
عدم اليقين في السياسات
وكتبت "موديز" في بيانها، "على رغم أن الأشهر الأخيرة اتسمت بدرجة من عدم اليقين في السياسات، نتوقع أن تواصل الولايات المتحدة تاريخها الطويل في تطبيق سياسة نقدية فعالة للغاية بقيادة بنك مركزي مستقل."
وأضاف البيان أن الترتيبات المؤسسية، مثل الفصل بين السلطات، "قد تختبر في بعض الأحيان، لكننا نتوقع أن تظل قوية وقادرة على الصمود".
وكثيراً ما كانت الولايات المتحدة أعواماً ضمن نخبة من الدول التي تتمتع بتصنيف ائتماني ثلاثي A من وكالة "موديز"، لكن ارتفاع مستويات الدين حول العالم قلص هذا العدد إلى 11 دولة فقط.
وغيرت "موديز" نظرتها المستقبلية للديون الأميركية إلى "مستقرة"، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة "ما زالت تحتفظ بقوة ائتمانية استثنائية بفضل حجم اقتصادها ومرونته وحيويته، إضافة إلى الدور الذي يلعبه الدولار الأميركي كعملة احتياط عالمية".
وسارع كبار المشرعين إلى إصدار بيانات للرد على خفض التصنيف، وقال أبرز النواب الديمقراطيين في لجنة الموازنة بمجلس النواب، بريندان بويل، "هذا التخفيض يشكل تحذيراً مباشراً: آفاقنا المالية تتدهور، والجمهوريون في مجلس النواب عازمون على تفاقم الوضع"، وأضاف "السؤال هو ما إذا كان الجمهوريون مستعدين للاستفاقة من الأضرار التي يتسببون بها".
أما رئيس لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب، النائب الجمهوري فرينش هيل، فقال إن خفض التصنيف يمثل "تذكيراً قوياً بأن بيتنا المالي ليس على ما يرام"، وأضاف "الجمهوريون في مجلس النواب ملتزمون اتخاذ خطوات لاستعادة الاستقرار المالي ومعالجة الأسباب الهيكلية للدين وتعزيز بيئة اقتصادية مواتية للنمو".