ملخص
حذرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا من أي تصعيد تجاه المواطنين، داعية إلى حماية حقهم في الاحتجاج السلمي. وطالبت السفارة الأميركية لدى ليبيا من جانبها باحترام وقف إطلاق النار في البلاد.
شهدت العاصمة الليبية طرابلس (غرب) تظاهرات شعبية أمس الجمعة تطالب بإسقاط حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة إثر الاشتباكات المسلحة التي دارت في مناطق مختلفة من طرابلس بهدف إطاحة أجهزة أمنية غير موالية لحكومة الدبيبة على غرار "قوة الردع الخاصة" التي دارت بينها وبين "اللواء 444" التابع لحكومة الدبيبة اشتباكات مسلحة أسفرت عن مقتل عديد من المواطنين وإتلاف في الممتلكات الخاصة.
ورفع المتظاهرون شعارات مناهضة لحكومة الدبيبة مثل "الشعب يريد إسقاط الحكومة"، وانضمت مدينة مصراتة (مسقط رأس رئيس حكومة الوحدة الوطنية، وتوجد شرق العاصمة) هي الأخرى إلى التظاهرات، حيث طالب المتظاهرون بمؤسسة شرطية وعسكرية، رافعين شعار "نعم للشرطة والجيش، لا للميليشيا والفوضى".
وأعلنت المنصة الإعلامية الحكومية في بيان مقتل أحد أفراد قوات حماية المباني التابعة لها، ونشرت مقطعاً مصوراً يظهر تدمير سور المبنى وحجارة على الأرض. وأضافت في البيان "أحبطت الأجهزة الأمنية محاولة اقتحام نفذتها مجموعة مندسة ضمن المتظاهرين استهدفت مبنى رئاسة الوزراء".
استقالات
واستجابة للمطالب الشعبية بتنحي حكومة الدبيبة عن السلطة أعلن كل من وزير الحكم المحلي بدر التومي ووزير الإسكان والمرافق أبو بكر الغاوي ووزير الصحة رمضان بوجناح ووزير الموارد المائية محمد قنيدي استقالتهم من مناصبهم كوزراء في حكومة الوحدة الوطنية.
بدوره قال وزير الاقتصاد والتجارة الليبي محمد الحويج إنه استقال من حكومة الوحدة الوطنية، وفق ما نقلته وكالة "رويترز".
وتزامناً مع ذلك حذرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا من أي تصعيد تجاه المواطنين، داعية إلى حماية حقهم في الاحتجاج السلمي. وطالبت السفارة الأميركية في ليبيا من جانبها باحترام وقف إطلاق النار في البلاد.
وأكدت وزارة الداخلية بحكومة الدبيبة نشر عناصرها في "ميدان الشهداء" بالعاصمة طرابلس، لتأمين المتظاهرين، والحفاظ على الأمن والاستقرار وحماية المواطنين والممتلكات العامة والخاصة.
وطالبت كتلة التوافق الوطني بمجلس الدولة رئيس حكومة الوحدة الوطنية، بتسليم السلطة سلمياً والذهاب نحو حكومة موحدة، داعية في بيان لها تابعته "اندبندنت عربية" مجلسي النواب والدولة، والأحزاب السياسية، والبعثة الأممية إلى وضع خريطة طريق سياسية تفضي إلى تغيير حكومي سلس وفقاً للأطر الدستورية، لتجنيب البلاد الفوضى.
وتأتي هذه التطورات تزامناً مع بدء جلسة مغلقة بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن للتشاور في شأن ليبيا تتضمن إحاطة للمبعوثة الأممية هانا تيتيه.
وتزايدت الدعوات لاستقالة الدبيبة بعد اندلاع اشتباكات بين اثنتين من الجماعات المسلحة المتنافسة في العاصمة هذا الأسبوع في أعنف قتال منذ سنوات. وقالت الأمم المتحدة إن ثمانية مدنيين في الأقل لقوا حتفهم.
واندلعت أعمال العنف بعد أن أمر رئيس الوزراء الثلاثاء بتفكيك الجماعات المسلحة. واتهم المتظاهرون الدبيبة بالتقاعس عن استعادة الاستقرار والتواطؤ في تنامي نفوذ الجماعات المسلحة. وقُتل رئيس "جهاز دعم الاستقرار" عبدالغني الككلي المعروف باسم "غنيوة" الإثنين في الاشتباكات، التي هدأت يوم الأربعاء بعد إعلان الحكومة وقف إطلاق النار.
وتقع منشآت النفط الرئيسة في ليبيا، المصدر الرئيس للطاقة، في جنوب وشرق البلاد، بعيداً من القتال في طرابلس. وأفاد مهندسون في عدة حقول نفطية وموانئ تصدير بأن الإنتاج لم يتأثر بالاشتباكات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الاستفتاء
تتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: واحدة في الشرق برئاسة أسامة حماد، والأخرى في الغرب يقودها الدبيبة، لكل منهما أذرع سياسية وأمنية.
ويقول عضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور عمر النعاس إن الذهاب نحو استفتاء شعبي على الدستور هو الحل الأكثر نجاعة للقضاء على المراحل الانتقالية والفوضى الأمنية التي تعصف بالبلد منذ 2011، مؤكداً أن الهيئة التأسيسية المنتخبة من الشعب الليبي أقرت مشروع الدستور عام 2017، وفق التصويت العلني الحر المباشر، وبأغلبية دستورية صحيحة ومعززة، وبموافقة 43 عضواً من أصل 44 حاضرين من كل المناطق والدوائر الانتخابية في البلاد.
ويوضح عضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور أن الدستور جاهز منذ ما يزيد على سبع سنوات لسماع كلمة الشعب فيه بالقبول أو الرفض من خلال الاستفتاء وصناديق الاقتراع، وفق الآلية الديمقراطية المتعارف عليها.
ويقول في حديثه مع "اندبندنت عربية" إن مشروع الدستور يعد حلاً حقيقياً للأزمة في ليبيا، حيث يتضمن آلية دستورية واضحة لبناء مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، إضافة إلى هيئات دستورية مستقلة، ونظام حكم محلي يرسخ مبدأ اللامركزية الموسعة، موضحاً أن مشروع الدستور يتضمن باباً كاملاً حول الحقوق والحريات، حيث تؤكد نصوصه مبدأ الحماية الدستورية لكل الليبيين والليبيات أينما كانوا داخل ليبيا أو خارجها، كما يتضمن آلية للتعديل مستقبلاً.
ليس وليد الساعة
كان رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي دعا إلى الاستفتاء على الدستور يوم الـ29 من أبريل (نيسان) الماضي، مقدماً لرئيس المفوضية الوطنية للانتخابات عماد السايح مهلة مدتها 30 يوماً لتنفيذ الاستفتاء على مشروع الدستور، الذي فشلت ليبيا في الاستفتاء عليه على رغم توافق مجلسي النواب والدولة على قانون بهذا الخصوص منذ يناير (كانون الثاني) من عام 2021 في مدينة الغردقة المصرية، برعاية أممية.
وفي شأن دعوة المنفي إلى الاستفتاء على مشروع الدستور، ينوه النعاس بأن الأمر ليس وليد الساعة، بل هو نص دستوري ورد في الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 3 أغسطس (آب) 2011، وأكدته كل التعديلات الدستورية اللاحقة، مما يؤكد حق الشعب الليبي في تقرير مصيره بنفسه من خلال الاستفتاء، ومن الواجب على الجميع احترام إرادة الشعب وحقه في قول كلمته، متابعاً أن جميع المحاكم الليبية، وعلى رأسها المحكمة العليا، رسخت في حكمها الصادر بتاريخ الـ14 من فبراير (شباط) 2021، تحصين مشروع الدستور من الطعون القضائية، وأنه "لا سلطان على عمل الهيئة التأسيسية إلا الله، وضمير الأعضاء، والشعب الليبي الذي له وحده تقييم مشروع الدستور من خلال قبوله أو رفضه عند طرحه للاستفتاء".
ويقول إن مجلس النواب أصدر التعديل الدستوري العاشر بتاريخ الـ26 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، والذي نص على طرح مشروع الدستور للاستفتاء، وأن نجاحه يتطلب موافقة (50 في المئة + 1) من المقترعين في كل منطقة انتخابية من المناطق الثلاث (برقة وطرابلس وفزان)، إضافة إلى موافقة أغلبية ثلثي المقترعين في كل ليبيا. كما أصدر بتاريخ الـ27 من نوفمبر 2018 القانون رقم 6 في شأن الاستفتاء على مشروع الدستور الدائم للبلاد، وتم تسليمه إلى المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بتاريخ الـ29 من نوفمبر 2018، وألزم في المادة الثالثة منه المفوضية بإجراء الاستفتاء خلال 60 يوماً من تاريخ استلام القانون. وأصدرت محكمة الزاوية، بدورها، في مايو (أيار) 2024 حكمها بإلزام المفوضية بإجراء الاستفتاء على مشروع الدستور.
حكومة موحدة
بخصوص الذهاب نحو استفتاء شعبي على الدستور لحل الأزمة الليبية يرى الباحث السياسي والعضو السابق بالمفوضية الوطنية العليا للانتخابات محمود الكاديكي أن إجراء استفتاء على الدستور في ظل وجود حكومتين أمر مستحيل، ناهيك بأن الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، المنتخبة منذ عام 2013، عليها خلاف بحكم رفض انتظام بعض المكونات السياسية في اللجنة ومخرجاتها، مضيفاً أن الاستفتاء يتطلب حكومة موحدة، بعدها تمهل مفوضية الانتخابات شهرين للاستفتاء، وهذا الأمر غير متوفر حالياً.
ويقول الكاديكي إن مفوضية الانتخابات أثبتت أنها غير قادرة على إجراء انتخابات بلدية بصورة دقيقة، فما بالك باستفتاء شعبي على الدستور، منوهاً بأن انتخابات 2021 توقفت لأسباب قاهرة لم نعرفها إلى حد الآن، والتي كانت أحد أسبابها مجلس المفوضية الذي حكمت محكمة مصراتة بعدم شرعيته.
ويؤكد أن ليبيا لديها مشكلات في الشرعية، سواء تعلق الأمر بمفوضية الانتخابات أو بقرارات مجلس النواب تجاه الانتخابات، منوهاً بأن الدستور، بصفة عامة، يشترط لوجوده حكومة موحدة. فمفوضية الانتخابات استلمت قانون الانتخابات في عام 2018، ولكن قلة الدعم الحكومي للمفوضية منعتها من خوض هذا الاستفتاء على مشروع الدستور، وهذا من ناحية فنية. أما من ناحية سياسية، فوجود مفوضية الانتخابات تحت ضغط حكومتين، واحدة في الشرق والأخرى في الغرب، لن يصب في خانة نجاحها في إجراء استفتاء شعبي على الدستور.
وينوه المتحدث نفسه بأن نجاح المفوضية في طرح الدستور على الاستفتاء، كما طلب منها من المجلس الرئاسي، سيفضي بالبلد إلى الأمن والاستقرار، لكن المشكلة أن مفوضية الانتخابات أصبحت طرفاً في الصراع السياسي، بخاصة مع وجود المجلس الحالي للمفوضية، قائلاً إنه من الصعب إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، فما بالك بإعلان استفتاء على الدستور، مطالباً بالذهاب نحو حكومة جديدة مصغرة، ثم التوجه لإعادة النظر في بنود ومواد الدستور المسلمة للمفوضية الوطنية للانتخابات، مشدداً على أن هذا لن يكون إلا بضغط محلي ودولي للخروج من هذه الأزمة، لأنه من الصعب إجراء استفتاء على الدستور في بلد توجد به 29 مليون قطعة سلاح خارج الأطر القانونية، و300 ميليشيا بمختلف انتماءاتها الأيديولوجية والسياسية.