Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إسرائيل تسهل الهجرة الطوعية من غزة وفق شروطها

49 في المئة من سكان القطاع أعربوا عن استعدادهم لتقديم طلبات إلى إسرائيل لمساعدتهم على المغادرة

مديرية الهجرة الطوعية مكلفة تسهيل خروج مئات الآلاف من سكان غزة (اندبندنت عربية)

ملخص

بحسب ما أفادت به صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أخيراً فإن المديرية الجديدة تعمل على إعداد وتمكين مرور آمن ومنضبط لسكان غزة لمغادرتهم طوعاً إلى دولة ثالثة، من خلال تأمين حركتهم وتنقلهم، وإنشاء مسار مروري، وتفتيش المشاة عند المعابر المحددة في قطاع غزة، إضافة إلى توفير البنية التحتية التي تمكن من العبور براً وبحراً وجواً إلى دول الهدف".

في ظل ندرة المياه الصالحة للشرب وانقطاع الكهرباء وانهيار الخدمات الأساسية وتعطل دخول المساعدات الإنسانية وسط دمار البنية التحتية وتفشي الفقر وتدهور الأوضاع الصحية والمعيشية إلى مستويات غير مسبوقة، قرر ياسر أبو جيب (33 سنة) مغادرة قطاع غزة من دون عودة، فالواقع خانق لا يطاق والآفاق السياسية والإنسانية التي كان يعول صموده عليها تزداد غموضاً يوماً بعد يوم، كما أن الجنسية الأجنبية التي يحملها لم تشفع له بالهجرة.

ولم تخف إسرائيل انفتاحها على ما تسميه "الهجرة الطوعية" كجزء من سياسة تفريغ القطاع من سكانه، واستحدثت في مارس (آذار) الماضي دائرة متخصصة بذلك تماشياً مع خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، لكنها وضعت شروطا للموافقة وتسهيل تلك الهجرة، إذ إن خروج مواطن أجنبي من غزة بما في ذلك من يحملون الجنسية المزدوجة يشترط على بلدانهم أن تقدم طلباً رسمياً ووثائق إلى وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق (كوغات)، وهي الهيئة التابعة لوزارة الدفاع والمسؤولة عن تنسيق حركة سكان غزة، تؤكد خطط سفرهم عبر مصر أو الأردن، بما في ذلك خطابات عدم ممانعة من تلك البلدان.

وبحسب منظمة "مسلك" الإسرائيلية التي تساعد في تنقل الفلسطينيين، وبخاصة سكان غزة، لم تسمح إسرائيل للأجانب بالخروج عبر معبر رفح، خلال وقف إطلاق النار الأخير واكتفت بالسماح للمصابين والمرضى فقط بالمغادرة وبأعداد محدودة جداً.

ووفقاً لاستطلاع حديث للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، ومقره رام الله، مطلع مايو (أيار) الجاري، فإن نحو 49 في المئة من سكان القطاع أعربوا عن استعدادهم لتقديم طلبات إلى إسرائيل لمساعدتهم على مغادرة غزة عبر الموانئ والمطارات الإسرائيلية، في حين قال 50 في المئة إنهم غير مستعدين لذلك. وبحسب الاستطلاع، يعتقد معظم الفلسطينيين أن الحرب على غزة لن تتوقف حتى لو قبلت "حماس" بنزع سلاحها، كما تطالب تل أبيب وبعض الأطراف الإقليمية. وأشارت الأرقام أيضاً إلى أن 48 في المئة من سكان غزة يؤيدون التظاهرات المناهضة لحركة "حماس" التي اندلعت خلال الأسابيع الماضية.

منصب جديد

وفقاً لتوجيهات المستوى السياسي الإسرائيلي فإن "مديرية الهجرة الطوعية" التي يترأسها يعكوف بلتشتاين منذ أواخر مارس الماضي، مكلفة تسهيل خروج مئات الآلاف من سكان غزة بالتنسيق مع المنظمات الدولية والوزارات الحكومية المعنية في هذا الشأن. وبحسب ما أفادت به صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أخيراً، فإن المديرية الجديدة تعمل على إعداد وتمكين مرور آمن ومنضبط لسكان غزة لمغادرتهم طوعاً إلى دولة ثالثة، من خلال تأمين حركتهم وتنقلهم، وإنشاء مسار مروري، وتفتيش المشاة عند المعابر المحددة في قطاع غزة، إضافة إلى توفير البنية التحتية التي تمكن من العبور براً وبحراً وجواً إلى دول الهدف".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفق الصحيفة فإن إسرائيل وضمن خطة عمل مديرية التهجير تخطط لاعتماد تكتيكات جديدة أكثر عدوانية من سابقتها التي استخدمت العام الماضي في قطاع غزة، تشمل السيطرة العسكرية المباشرة على المساعدات الإنسانية، وإلحاق مزيد من الضرر بالقيادة المدنية لـ"حماس"، وإجلاء المدنيين مع فرض حصار على المناطق التي سينزحون عنها.

وبحسب تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس فإن ما لا يقل عن 40 في المئة من سكان غزة مهتمون بالهجرة إلى أماكن أخرى. كما كشف وزير الداخلية موشيه أربيل أن "أكثر من 16 رحلة جوية أقلعت من مطار رامون تقل غزيين طلبوا مغادرة القطاع"، مؤكداً أن "العدد سيزداد"، في حين أوضحت وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق (كوغات)، لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" قبل أيام، أن المعايير الوحيدة للخروج من غزة قبل الحرب وأثناءها، هي المرض أو الإصابة الشديدة أو الجنسية الأجنبية، وأنه يجب على منظمة دولية تقديم الطلب نيابة عنهم.

نفي وتشكيك

المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة التابع لحركة "حماس" نفى سفر عائلات فلسطينية عبر مطار "رامون" إلى دول مختلفة حول العالم. وأشار إلى أن الغرض من هذه التصريحات "تجميل الوجه القبيح لمخططات التهجير الجماعي"، مؤكداً في بيان أن الحالات القليلة التي غادرت قطاع غزة أخيراً، معلومة تماماً، وهي من فئة المرضى والجرحى الذين أتموا إجراءات السفر لتلقي العلاج في الخارج عبر معبر كرم أبو سالم، وليسوا مهاجرين.

وقد بين موقع "يسرائيل زمان" في تحقيق قبل أيام أن حركة المرور على معبر كرم أبو سالم، ومنذ انهيار وقف إطلاق النار في مارس الماضي لم تشهد سوى مغادرة 600 شخص، ويعد عدداً منخفضاً مقارنة بحجم المغادرين في المراحل الأولى من الحرب، حيث أكدت وسائل إعلام مصرية أن معبر رفح بين نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 ومايو (أيار) 2024 شهد مغادرة 103 آلاف فلسطيني من غزة، إضافة إلى ذلك أجلي من قطاع غزة خلال وقف إطلاق النار الثاني بين الأول من فبراير (شباط) و17 مارس (آذار) 4259 مواطناً، بما في ذلك مرضى وجرحى وأفراد أسرهم لتلقي العلاج الطبي في الخارج.

ولا تزال مصريات متزوجات من غزيين، وبصحبتهن أطفالهن، ومصريون وصلوا إلى قطاع غزة قبل الحرب بأيام لزيارة أقاربهم أو بناتهم المتزوجات بفلسطينيين وبقوا عالقين بالقطاع يطالبون عبر تظاهرات بإخراجهم من القطاع أسوة بحملة جنسيات أجنبية. وبينما تحاول إسرائيل إظهار خروج هذه الفئات على أنه يأتي في إطار تشجيعها لما تسميه "برنامج الهجرة الطوعية"، تنفي دول أوروبية وغيرها أي تحركات من جانبها لقبول هجرة الفلسطينيين.

 

ونفت وزارة الخارجية في إندونيسيا تقريراً إسرائيلياً ورد في القناة "12" الإسرائيلية أخيراً، عن تسهيل خروج 100 فلسطيني للعمل بها، لكن الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو أعلن سابقاً أن بلاده مستعدة لأن تستقبل "موقتاً" الفلسطينيين المتضررين من الحرب. كما أوضحت عديد من الدول التي استقبلت مرضى من غزة خلال الحرب، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة ودول أوروبية مختلفة، أن هذه إقامات موقتة لتلقي العلاج الطبي وأنه من المتوقع أن يعود الأفراد بعد ذلك إلى قطاع غزة.

وعلى رغم التصريحات الإسرائيلية الرسمية التي تشير إلى أن المواطنين الأجانب أو المرضى المحتاجين لعلاج طبي عاجل هم فقط المسموح لهم بمغادرة غزة، فقد أكدت منظمة "مسلك" أن 10 فلسطينيين فقط ممن يحملون جنسيات أجنبية غادروا قطاع غزة عبر إسرائيل إلى الأردن، بين أغسطس (آب) 2024 وفبراير 2025.

تجارب سابقة

مع أن الاستجابات الدولية لا تزال محدودة فإن مسألة توطين الفلسطينيين خارج القطاع كانت، ولا تزال، قضية استراتيجية مطروحة داخل إسرائيل منذ عقود، وحاولت تنفيذها على محمل الجد في يونيو (حزيران) 1967 عندما كان هناك 400 ألف فلسطيني فقط يقطنون داخل القطاع، أكثر من نصفهم من اللاجئين. واقترح ليفي أشكول الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، خلق ضائقة إنسانية في القطاع عبر تجفيف المياه وتدمير ما تبقى من قطاع الزراعة، التي ستجبر جزءاً من السكان على الهجرة إلى دول أخرى، فيما وضع وزير الدفاع حينها موشيه دايان، هدفاً لتقليص عدد سكان القطاع من 450 ألفاً إلى 100 ألف لاعتقاده أن دولة إسرائيل تستطيع أن تتعايش مع هذا العدد.

وحرصت الحكومة الإسرائيلية حينها على إبقاء هذه الخطة سرية تماماً، كي تتجنب ردود الفعل الدولية، وعينت عداه سرني التي كانت عميلة لجهاز الموساد، آنذاك مسؤولة عن "مشروع الهجرة"، واقترحت فيه تشجيع الهجرة الصامتة لسكان قطاع غزة، عبر تأسيس وحدة سرية من شخصيات إسرائيلية ذات خلفية أمنية ممن لديهم "معرفة عميقة بالمجتمع والعقلية العربية"، وكانت وظيفتهم تتركز على العمل بين سكان القطاع، وإقناعهم بالهجرة الطوعية، وتقديم حوافز إلى الغزيين تحت بند سلة الهجرة، تشمل منحة مالية ومساعدة لوجيستية خلال عملية الهجرة، ومساعدة لمرة واحدة خلال الهجرة نفسها تضمن كلف السفر.

 

وظلت كل النشاطات المتعلقة بتنفيذ الخطة بعيدة من الأنظار، إلا أن الغالبية العظمى من الغزيين حينها رفضوا العرض المقدم إليهم بصورة قاطعة، وبدلاً من هجرة 350 ألف لاجئ، فلسطيني كما كان مقرراً في الهدف الذي حددته حكومة الإسرائيلية، أسفرت العملية في نهاية المطاف عن هجرة 20 ألف لاجئ فقط. واقتصرت نجاحات خطة الهجرة الطوعية الصامتة حينها، في سفر الغزيين الذين يحملون جوازات السفر الأردنية، حيث تبين أن لم شمل العائلات كان إحدى وسائل الإقناع الأنجح لدفع الغزيين إلى الهجرة، كما منحت النساء المتزوجات من رجال يعملون في الخليج الفرصة للالتحاق بأزواجهن ضمن الخطة.

إلا أن هذا النجاح النسبي فضح أمرها، إذ توجهت مصر والأردن إلى الأمم المتحدة بشكوى ضد إسرائيل يتهمانها فيها بتنفيذ عملية تهجير للفلسطينيين، وإجبار اللاجئين على توقيع تعهدات بعدم العودة إلى قطاع غزة أو كل الأراضي الفلسطينية، وهو ما وضع إسرائيل أمام ضغط دولي كبير، أجبرها على القبول بهجرة عكسية للفلسطينيين، تسمح لهم بالعودة من الأردن وغيره من الدول للاجتماع بعائلاتهم ولم الشمل داخل القطاع لا خارجه، مما دفع تل أبيب لإنهاء المشروع، إثر ما تعرضت له من إدانات وضغوط دولية لتنفيذ خطة الهجرة الطوعية.

ظروف اقتصادية

وعلى رغم أن إسرائيل ظلت لسنوات تنكر وجود هذه الآلية، فإن الأبحاث التي أجراها الباحث في حرب تأسيس دولة إسرائيل وقضية اللاجئين الفلسطينيين يوآف غيلبر وباحثون آخرون كشفت عن أن عملاء جهازي الاستخبارات الخارجية (الموساد) والأمن الداخلي (الشاباك) الإسرائيليين كانا ينشطان في كل أرجاء قطاع غزة، عام 1970 لتشجيع سكانها على الهجرة مقابل الحصول على مزايا مالية.

وذكرت صحيفة "إسرائيل اليوم" أن هذه الآلية تمكنت من ترحيل نحو 50 ألفاً من الغزيين من إجمال عدد سكان القطاع البالغ عددهم في ذلك الوقت 400 ألف نسمة. وزعمت الصحيفة أن بيانات غير رسمية صادرة عن مركز المعلومات الاستخباراتية ومصادر أخرى بينت أن ما يقارب 300 ألف من سكان غزة هاجروا من القطاع في الفترة ما بين يونيو 2007 واندلاع الحرب في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وعزت هجرتهم إلى "الظروف الاقتصادية".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات