ملخص
تعليق الحرب التجارية بين ترمب والصين لا يعكس خطة محكمة بل ارتجالاً سياسياً، وقد تعود الرسوم الجمركية سريعاً، مما يجعل تفاؤل الأسواق سابقاً لأوانه في ظل استمرار الضغوط على الاقتصاد العالمي.
في أعقاب الاتفاقية التجارية التي أبرمت الأسبوع الماضي مع المملكة المتحدة – لنعتبرها مجرد مقبلات – يعرض دونالد ترمب، الرئيس الأميركي، وجبة أكبر بكثير: اتفاق محتمل مع الصين.
اتفقت الدولتان، اللتان رفعتا الرسوم الجمركية على صادرات كل من الآخر إلى مستويات عبثية – الولايات المتحدة فرضت رسوماً بنسبة 145 في المئة على الواردات من الصين، والأخيرة فرضت رسوماً بواقع 125 في المئة على المنتجات الأميركية – على وقف موقت للعمل بالرسوم.
هذه الرسوم الجمركية، التي أعلن عنها خلال الحرب التجارية التي تصاعدت بين البلدين في الأسابيع الأخيرة، علقت – موقتاً – ومعها بعض الرسوم التي أعلنها ترمب "يوم التحرير". وقدمت الصين مرة أخرى تنازلات من جهتها لمدة 90 يوماً. ومع ذلك لا تزال الرسوم المفروضة قبل الثاني من أبريل (نيسان) سارية المفعول.
وبحسب شركة "كابيتال إيكونوميكس" Capital Economics البحثية للاستشارات فإن هذا يعني عملياً أن الرسوم الأميركية الفعلية على المنتجات الآتية من الصين ستنخفض إلى نحو 40 في المئة، بعد أخذ المنتجات المستثناة في الحسبان. وسينخفض معدل الرسوم الجمركية الفعلي المفروض على المنتجات التي تستوردها الصين من الولايات المتحدة إلى نحو 25 في المئة. لذلك في الواقع، من منظور المصدرين، يبدو الأمر وكأن جبال الألب أحلت محل جبال الهيمالايا. مما يعني أنه لا تزال هناك رسوم جمركية كبيرة.
ما سيحدث الآن يعتمد على المحادثات، وما من ضمانات تلوح في الأفق حتى لو اعتقدت الأسواق أن الخلافات انتهت. فقد غمرتها موجة من التفاؤل، وانتعش مؤشر "هانغ سينغ" في بورصة هونغ كونغ في صورة خاصة، مرتفعاً بنسبة ثلاثة في المئة تقريباً، متجاوزاً حاجز 23 ألف نقطة، مما أدى إلى دفعة جابت العالم. في أوروبا، قفز كل من مؤشر "داكس" الألماني و"كاك 40" الفرنسي أيضاً.
كان رد فعل مؤشر "فايننشال تايمز 100" البريطاني أكثر هدوءاً، لكن أداءه بدأ يتفوق أخيراً مقارنة بغيره بفضل ما يعتقد أنه مرونة نسبية في أدائه. ومع ذلك كان يعد متقدماً. وغمرت الأسواق الأميركية، بالطبع، السعادة. لقد بدأ أسبوع وول ستريت بصعود حافل.
كذلك اتجه سعر النفط إلى أعلى. ولا يزال الأمل – وأود أن أحذر من تصنيف ما يجري على أنه أكثر من أمل – سائداً في أن تؤدي هذه التطورات إلى تعزيز النمو العالمي، إذ تبدو بعض السيناريوهات الأكثر قتامة التي يتصورها خبراء الاقتصاد الآن أقل احتمالاً. لقد انحسرت الغيوم قليلاً.
المزايا التي تعود على ترمب واضحة. زادت أسواق العقود الآجلة من احتمال خفض معدلات الفائدة الأميركية – في خطوة كان يرغب فيها الرئيس والاقتصاد الأميركي والمشاركون فيه جميعاً، لأن من شأنها أن تحفز النمو. ذلك أن خفض الرسوم الجمركية من شأنه أن يخفف بعض الضغوط التضخمية التي تواجهها الولايات المتحدة، ويخفف الأعباء المفروضة على المستهلكين والشركات، ويتيح دعماً تشتد حاجة التجارة إليه.
لقد بات من المتوقع الآن أن يجري مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي خفضين لمعدلات الفائدة قبل نهاية هذا العام. ومع ذلك تعتقد الأسواق أن خفضاً ثالثاً – اعتبر في السابق شبه حتمي – لا يزال غير مرجح، ففرصته تساوي نحو 30 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من الملاحظ أن ترمب سيفرض رسوماً جمركية أعلى على الصين مقارنة بالرسوم التي ستفرضها الصين على الولايات المتحدة – وهذا مشابه للوضع بين أميركا والمملكة المتحدة، حيث ستظل معظم الصادرات البريطانية خاضعة إلى رسوم ترمب الأساسية الجديدة البالغة 10 في المئة على رغم الاتفاقية التجارية التي أبرمت بين البلدين الأسبوع الماضي.
لا شك في أن ترمب سيصنف هذا التطور انتصاراً، وأمراً مخططاً له منذ البداية. يمكنه أن يؤمن شروطاً محسنة من "البلدان الشريرة" – تقبع الصين دائماً على رأس القائمة – مع بقاء الرسوم الأقدم قيد التطبيق، مما يضع أميركا في المقام الأول ويستعيد نفوذها الصناعي.
ومع ذلك من المبالغة تسمية ما يجري أمراً مخططاً له. أعطت إدارة ترمب كل انطباع محتمل بأنها ترتجل الخطوات مرحلة تلو أخرى. مثال على ذلك: صناعة السيارات، أحد القطاعات المفترض أن تستفيد أكثر من غيرها من الرسوم الجمركية، كانت تنادي بالويل والثبور. وانتهى الأمر بتخفيف رسوم الاستيراد على الأجزاء الخارجية بعد فرضها إثر مناشدات من جماعات الضغط ذات الصلة، التي أشارت إلى أثر الرسوم السلبي جداً في القطاع.
إن الطبيعة المتقلبة للرسوم الجمركية على أكبر شركاء أميركا التجاريين - جيرانها - تقدم مثالاً آخر. تم تعليق الرسوم المفروضة على الواردات الكندية والمكسيكية بالمثل قبل إعادتها بقوة (وكذلك كانت الحال مع إجراءات الرد بالمثل).
ومن الواقع جداً أنه، بعد 90 يوماً، سنعود إلى نقطة الصفر، مع استئناف الولايات المتحدة والصين فرض رسوم جمركية على سلع بعضهما بعضاً بوتيرة متصاعدة، مما يضر بكلا الطرفين.
وفي غضون ذلك، سيستمر المستهلك الأميركي في دفع الثمن بسبب معدلات التضخم المرتفعة التي ستأتي بها الرسوم الجمركية، عندما يكون ما يحتاج إليه حقاً هو تعزيز المنافسة، وليس تقليصها. ذلك أن كثيراً من القطاعات التي تخدم المستهلك الأميركي متماسكة للغاية، تهيمن عليها شركات كبيرة وبطيئة الحركة يحميها حجمها من الاضطرابات.
لذلك، ينبغي أن تقلل الأسواق من تفاؤلها. لم ينته الأمر بأية حال من الأحوال، وقد أثبت ترمب عدم إمكانية توقع كيفية تطور الأحداث، أو متى ستنتهي – إن انتهت. لا يوجد مخطط. لقد تباطأت عجلة التجارة العالمية، لكنها تستطيع أن تتسارع بسهولة مرة أخرى. وستتسارع على الأرجح.
© The Independent