ملخص
إفراج "حماس" عن الجندي الأميركي-الإسرائيلي إيدان ألكسندر تم عبر مفاوضات مباشرة مع واشنطن، دون وساطة إسرائيلية، ما كشف هشاشة موقف نتنياهو وتصاعد الخلاف مع ترمب. الصفقة اعتُبرت بادرة من "حماس" تجاه الولايات المتحدة ورسالة ضمنية حول من يعرقل جهود التهدئة في غزة.
لم يجر التوصل إلى الإفراج عن الجندي الأميركي - الإسرائيلي إيدان ألكسندر، آخر أميركي كان محتجزاً في غزة، من خلال اتفاق بين مقاتلي "حماس" وإسرائيل.
بل، ومن دون سابق إنذار، وربما في تطور محرج لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يبدو أن إسرائيل لم تكن طرفاً في الصفقة، إذ يقال إن الإفراج تم التفاوض عليه خلال محادثات مباشرة بين البيت الأبيض و"حماس" نفسها، بمساعدة دول من بينها قطر ومصر.
يمثل هذا سابقة من نوعها، ويأتي في وقت تتزايد فيه الأنباء عن تدهور غير مسبوق في العلاقات بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحليفه الأقوى، الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وفي هذا السياق، منذ أن انتشر خبر إطلاق سراح إيدان، اتسمت تصريحات مكتب نتنياهو بالتوتر والدفاعية، وحملت نبرة تنم عن محاولة نسب الفضل إليه في إطلاق سراح الرهينة، لا سيما مع تصاعد ردود الفعل السلبية والتعليقات المنتقدة ضد نتنياهو، إذ اتهمه المنتقدون بالاعتماد على زعيم أجنبي للمساعدة في تحرير الرهائن المتبقين.
وفي مستهل جلسة الاستماع الأخيرة في محاكمة نتنياهو المستمرة بتهم الفساد، حيث كان يدلي بشهادته، سألته امرأة في قاعة المحكمة عما إذا كان "يشعر بالخجل لأن رئيس الولايات المتحدة ينقذ مواطنيه، بينما يتركهم هو (نتنياهو) يموتون في الأسر ".
أما في ساحة الرهائن، وهي نقطة التجمع في تل أبيب لأقارب 250 شخصاً اختطفوا وجرى نقلهم إلى غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، انتقدت العائلات نتنياهو لتقاعسه وطالبته بالتوصل إلى اتفاق لإعادة 58 شخصاً آخرين ما زالوا في الأسر لديارهم، وخصت هذه العائلات ترمب وحده بالثناء على الإفراج عن إيدان.
" الاتفاق الذي كان يستحيل التوصل إليه، أنت الوحيد الذي بوسعك تحقيقه!"، هكذا قال أودي غورين، ابن عم تال حيمي الذي قتل في السابع من أكتوبر، مخاطباً الرئيس الأميركي.
المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية ديفيد منسر، كان تجنب الإجابة عن سؤال خلال مؤتمر صحافي يوم الإثنين في شأن ما إذا كان الإفراج عن إيدان قد تم فقط بسبب المحادثات المباشرة بين الولايات المتحدة و"حماس"، من دون مشاركة إسرائيل.
وعندما سألته عما إذا كانت هذه المحادثات المباشرة تعكس بالفعل اتساع الهوة بين البلدين، أجاب قائلاً: "لا أوافق على هذا الوصف إطلاقاً، أعتقد أن العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة هي ثمرة سنوات من الشراكة، وأهدافنا لا تزال متطابقة تماماً".
لكن مسؤولين مطلعين على مفاوضات الإفراج عن إيدان رسموا صورة مغايرة، فقالوا إن "حماس"، "اغتنمت فرصة الخلاف القائم بين ترمب والإسرائيليين".
ووصف الإفراج عن الجندي الإسرائيلي المولود في نيوجيرسي بأنه "بادرة حسن نية" من "حماس" تجاه الولايات المتحدة، و"ورقة تفاوضية" لمحادثات مستقبلية حول وقف إطلاق النار.
وأضاف المسؤولون: "قد يشكل ذلك سابقة، ومؤشراً على الطرف الذي كان يعرقل المحادثات والمفاوضات السابقة".
وانتشرت في الآونة الأخيرة تقارير مفادها بأن العلاقات بين ترمب ونتنياهو توترت بشدة بسبب إيران، وصرحت مصادر في واشنطن وإسرائيل لوسائل إعلام محلية بأن ترمب مستاء من نتنياهو وحلفائه لمحاولتهم دفع البيت الأبيض إلى القيام بعمل عسكري ضد البرنامج النووي الإيراني، وتحديداً من خلال مستشار ترمب للأمن القومي مايك والتز الذي جرى عزله أخيراً.
كما أفيد بأن المسؤولين الإسرائيليين فوجئوا بإعلان ترمب الأسبوع الماضي بأن الولايات المتحدة ستتوقف عن قصف الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، مما ترك إسرائيل في موقف حرج مع استمرار هجماتها على اليمن. وفي هذا الصدد، قال ترمب إن المجموعة الموالية لإيران وافقت على وقف تعطيل ممرات الشحن الحيوية في الشرق الأوسط، وهو اتفاق تزعم عُمان أنها توسطت في التوصل إليه.
وبعد ذلك، نقلت وكالة "رويترز" عن كبير المفاوضين الحوثيين محمد عبدالسلام قوله "إن الاتفاق لا يشمل إسرائيل بأية صورة من الصور".
ويوم الأحد، حذر الجيش الإسرائيلي الموجودين في ثلاثة موانئ يمنية بضرورة إخلائها "حتى إشعار آخر".
ويتزامن توقيت إطلاق سراح الرهينة مع زيارة الرئيس ترمب إلى المملكة العربية السعودية لعقد محادثات مع الدول العربية في شأن عدد من الاتفاقات، بما فيها التجارة والأسلحة والسياسة، في وقت كان فيه المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف موجوداً في القدس.
لا شك أن كلا الطرفين سيدفع باتجاه إيجاد حل للنزاع الطويل والمأسوي في غزة، إذ يواجه نتنياهو ضغوطاً متزايدة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وذلك بعد أن أعلن عزمه على توسيع العملية العسكرية الجارية وتكثيفها، في إشارة إلى احتمال احتلال عسكري طويل الأمد للقطاع المدمر.
فضلاً عن ذلك، أثار قراره بفرض حصار كامل على المساعدات الآتية إلى غزة موجة عارمة من الاستنكار العالمي، لأنه دفع بذلك نصف مليون شخص داخل القطاع إلى حافة المجاعة، وفقاً للمرصد العالمي لمراقبة الجوع التابع للأمم المتحدة.
وأعرب ترمب على مواقع التواصل الاجتماعي عن أمله بأن يكون إطلاق سراح إيدان "الخطوة الأولى من الخطوات النهائية اللازمة لإنهاء هذا الصراع الوحشي"، مضيفاً: "أتطلع بشوق إلى يوم الاحتفال بذلك!"
ومن جهته، أكد نتنياهو مجدداً أنه في حين تم إرسال فريق إلى الدوحة يوم الثلاثاء لإجراء محادثات، فإن رئيس الوزراء "أوضح أن المفاوضات لن تتم إلا تحت النيران".
لا شك أن الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة.
© The Independent