ملخص
أبرم دونالد ترمب أول اتفاق تجاري له مع المملكة المتحدة، رغم أنها ليست من الدول المتسببة في العجز التجاري الأميركي، وذلك بهدف تحقيق نصر سياسي سريع. الصفقة البسيطة حُمّلت أبعاداً أكبر من حجمها، وسط خطاب دعائي ضخم من كلا الطرفين لتعويض تراجع اقتصادي وتأكيد تحالف استراتيجي.
بعد شهر ونيف على البركان الاقتصادي العالمي الذي فجره دونالد ترمب، على أمل إعادة توازن العلاقة التجارية بين الولايات المتحدة والعالم أجمع، أبرم أخيراً أول اتفاق تجاري له، بعدما وكل نفسه ككبير مفاوضين.
وبالنظر إلى أن كامل استراتيجية ترمب في فرض الرسوم الجمركية كانت قائمة على الادعاء بأن الدول الأخرى "تستغل" الولايات المتحدة، فقد يبدو مفاجئاً أن أول اتفاق توصل إليه كان مع واحدة من الدول القليلة التي تمتلك الولايات المتحدة فائضاً تجارياً معها.
ومع ذلك لم يسمح الرئيس لذلك التفصيل الصغير بأن يفسد أجواء الاحتفال.
خلال إعلانه، من البيت الأبيض، عن إبرام اتفاق مبدئي مع المملكة المتحدة، قال ترمب: "لدينا مظلة أمان اقتصادي ضخمة، وهذا مهم للغاية. بالتالي، يراودنا شعور كبير بالارتياح حيال الاتفاق، لأن المملكة المتحدة حليفة عظيمة، بل أنها، فعلياً، من أعظم حلفائنا".
وتابع قائلاً: "إنه اتفاق حاسم، وهو في رأينا سيرضي الجميع"، مضيفاً أن "بلداناً كثيرة تود إبرام اتفاق [معنا]، وبلداناً كثيرة مستاءة لأن اختيارنا وقع على هذا البلد تحديداً".
في الواقع، ربما كانت هذه الصفقة هي الثمرة الأقرب للقطاف بالنسبة إلى فريق ترمب المالي الشرس والعدواني، أولئك المتحمسين المتوقدين الذين لا يتورعون عن التدمير إن لزم الأمر. إنها صفقة من النوع الرخيص، أشبه بصفقات التصفية النهائية أو فرصة اللحظة الأخيرة التي يقتنصها من بقي من دون شريك في حفلة راقصة.
فباستثناء احتمال أن يبرم ترمب اتفاقاً مع بطاريق جزيرة هيرد الرازحة اليوم تحت وطأة رسوم جمركية قاسية [في إحالة إلى مجموعة جزر نائية ومهجورة على مشارف أستراليا والقطب الجنوبي، فرض عليها الرئيس الأميركي رسوماً جمركية]، لا شك في أن التوصل إلى صفقة مع لندن كثيراً ما اعتبر أكثر سهولة وترجيحاً.
أما السبب فهو أن المملكة المتحدة تسعى جاهدة إلى إبرام اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة، منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي عام 2020، في حين أن ترمب يتوق لتوقيع اتفاق مع أي طرف كان، في أعقاب "يوم التحرير" [وهو اليوم الذي أرسى فيه سياسته التجارية الجديدة]، لا سيما بعدما وعد فريقه بإبرام "90 اتفاقاً في 90 يوماً"، في أعقاب فرض الرسوم الجمركية.
وبهذه الطريقة، كان العالم أمام بلدين تخليا، لأسباب مختلفة، عن شركاء الأمس الاقتصاديين، وراحا يبحثان عن شركاء جدد.
بالتالي، رأى زعيماً البلدين مصلحة في تضخيم أهمية هذا الاتفاق، البسيط نسبياً، أمام الرأي العام المحلي.
وأثناء مكالمة هاتفية مع البيت الأبيض عبر مكبر الصوت، حرص رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر على عدم المبالغة، على رغم أنه قارن زيادة توفر لحوم الأبقار الأميركية للمستهلك البريطاني بهزيمة ألمانيا النازية.
وفي هذا السياق، قال ستارمر مستحضراً أحد الرموز التاريخية المفضلة لدى ترمب: "قد تعلم أو لا تعلم، لكن في مثل هذا الوقت تقريباً قبل 80 عاماً، أعلن وينستون تشرشل النصر في أوروبا".
واستمرت المكالمة بوابل من المديح، حيث أغدق ستارمر على ترمب الثناء كما تفعل الجدة مع حفيدها المدلل.
وبالفعل، أشاد ستارمر بالقيادة الفريدة للرئيس ترمب الذي أبرم اتفاقاً يزيل الرسوم عن الفولاذ البريطاني، مع الإبقاء على رسم جمركي عام بنسبة 10 في المئة على معظم السلع الأخرى، وإن كان المحللون قد سارعوا في التحذير من أن الاتفاق المذكور قد يضع بريطانيا في وضع أسوأ نسبياً مما كان عليه قبل انطلاق ترمب في مغامرته الجمركية.
وخاطب ستارمر الرئيس الأميركي قائلاً: "سيعزز هذا الاتفاق التبادل التجاري بين بلدينا"، قبل أن بضيف: "دونالد، شكراً جزيلاً".
أما وزير التجارة هوارد لوتنيك، الذي لا يحب أن يسبقه أحد في التملق – حتى لو كان رئيس وزراء بريطانيا – فقد حرص هو الآخر على أن ينسب الفضل في الاتفاق إلى ترمب.
وقال عن الرئيس: "إنه صاحب اللمسة الأخيرة. يبرم صفقات لا نستطيع نحن حتى الاقتراب منها، لأنه يفهم عالم الأعمال، ويفهم الصفقات".
في هذه الأثناء، تبنى ترمب أسلوب بائع السيارات المستعملة وهو يحاول الترويج للاتفاق لدى المواطنين على جانبي المحيط الأطلسي. بلغة الاقتصاد، كان يحاول "تجميل الخنزير بأحمر الشفاه". [تجميل ما لا يمكن تجميله]
وكان ترمب محاطاً بمستشارين تجاريين ومبعوثين بريطانيين، وقد طرح عليه مراسل سؤالاً، حول ما إذا كان هناك احتمال بأن يقوم الطرفان بتضخيم أهمية الاتفاق.
وأجاب ترمب في هذا الصدد: "أعتقد أنها صفقة عظيمة لكلا الطرفين. لم أكن أعلم أن السوق كان مغلقاً بهذه الصورة - مغلق جداً، كما تعلمون، في المملكة المتحدة - والآن يفتح لنا سوقاً هائلاً. إنها صفقة ناجحة جداً، جداً. وهناك كثير من الأصول، انظروا إلى الرسم البياني، هذه أصول ضخمة، كنا نحاول الوصول إليها"، بيد أن ترمب وفريقه أبقيا تفاصيل الاتفاق مبهمة، وظل خطابهم يراوح ما بين وصف بريطانيا بالحليف التجاري الاستراتيجي والقوي، وبين تصويرها كمملكة منغلقة نسبياً [ومنعزلة على العالم الخارجي].
وبالكلام عن الشريك التجاري الـ11 من حيث الحجم للولايات المتحدة (علماً أن الولايات المتحدة هي الشريك التجاري الأكبر لبريطانيا)، أفاد الرئيس الأميركي قائلاً: "يسمح الاتفاق بالانفتاح على بلاد لم يكن لدينا أي منفذ إليها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بالنسبة إلى المستهلكين البريطانيين، حملت الأخبار جوانب إيجابية وسلبية. فمن جهة، قد يحصلون على إمكان أكبر للوصول إلى لحوم الأبقار الأميركية والسيارات الأميركية والإيثانول الأميركي. ومن جهة أخرى هدد ترمب بإرسال روبرت كينيدي الابن، المعروف بمواقفه المثيرة للجدل [في موضوع المعايير الغذائية].
أجاب ترمب عن سؤال حول معايير السلامة الغذائية قائلاً: "كما تعلمون، بوبي كينيدي يقوم بعمل رائع، وأعتقد أنه ربما في طريقه إلى نظامكم الغذائي، بلا مواد كيماوية، بلا هذا أو ذاك. أعتقد أننا نتجه إلى هذا المسار".
ومع اقتراب الركود وتباطؤ الواردات وتفاقم التضخم يحتاج ترمب إلى أكثر من صفقة واحدة لتدارك الأضرار التي تسببت فيها "يوم التحرير"، لكنه وعد بمزيد من الصفقات، وربما الأهم بينها مع الصين.
وقال ترمب بنبرة تغير مقنعة: "لدينا عدد كبير من الاتفاقات". وختم قائلاً: "يمكن للجميع أن يتظاهروا أو يناوروا، من بادر بالاتصال أولاً، ومن لم يفعل، لكن هذا لا يهم. ما يهم هو ما يحدث داخل القاعة أثناء التفاوض، لكنني أؤكد لكم أن الصين تتوق لإبرام اتفاق. بالتالي، سنرى كيف تتبلور الأمور"، في إشارة واضحة إلى أنه هو من بادر بالاتصال.
© The Independent