ملخص
تعيش مدينة بورتسودان منذ أعوام عدة موجة عطش بسبب الشح الحاد في مياه الشرب، لكنها تفاقمت بصورة غير مسبوقة بعد استهداف محطات توليد الكهرباء، فيما تعرضت مستودعات الوقود التابعة للمؤسسة السودانية للنفط للقصف، مما أدى إلى اشتعال الحريق في المنطقة المكتظة بخزانات الوقود.
أقلق هجوم الطائرات المسيرة حياة السكان في مدينة بورتسودان الواقعة في شرق السودان بخاصة بعد تزايد الغارات الجوية التي شنتها قوات "الدعم السريع"، مما فاقم الأوضاع الصحية للمواطنين القاطنين بالقرب من مواقع الحرائق، إذ أصيب 17 شخصاً، بينهم تسع حالات اختناق بحسب شبكة "أطباء السودان"، فضلاً عن تدهور الظروف المعيشية نتيجة توقف الأعمال اليومية لأصحاب المهن الهامشية والمقاهي بقرار من لجنة أمن ولاية البحر الأحمر. وتعاني العاصمة الإدارية الموقتة للحكومة السودانية أزمات عدة، منها انقطاع التيار الكهربائي، إلى جانب الشح الحاد في مياه الشرب وأزمة الوقود التي أجبرت سائقي السيارات والمركبات العامة على قضاء ساعات طويلة أمام محطات الخدمة، إضافة إلى حركة النزوح من الأحياء المحيطة بمستودعات الوقود الاستراتيجية.
تعطيل الخدمات
إلى ذلك، أسهم الاستهداف المتكرر لمحطات توليد الكهرباء بانقطاع شبه دائم للتيار عن غالبية أحياء مدينة بورتسودان، وأفرز أزمة خانقة في مياه الشرب.
حمد عيسى، أحد الموجودين بحي ترانزيت ببورتسودان، قال إن "الوضع تجاوز كل حدود الاحتمال في ظل الطقس الحار والتعرض لأشعة الشمس المباشرة التي أسهمت في ظهور حالات الالتهاب السحائي، فضلاً عن ارتفاع نسبة الرطوبة التي تضاعف الإحساس بالسخونة"، وأضاف أن "انقطاع الكهرباء أسهم في تعطيل تقديم الخدمات للمواطنين، فضلاً عن تجدد الأزمات في المستشفيات والقطاعات الخدماتية الأخرى".
وأوضح عيسى أن "المعاناة تتفاقم خلال ساعات الليل خصوصاً لجهة صعوبة البقاء داخل المنازل، إذ يضطر المئات إلى الجلوس في الساحات والميادين وقرب البحر، على رغم أخطار قصف المسيرات".
أزمة مياه
وتعيش مدينة بورتسودان منذ أعوام عدة موجة عطش بسبب الشح الحاد في مياه الشرب، لكنها تفاقمت بصورة غير مسبوقة بعد استهداف محطات توليد الكهرباء، فيما تعرضت مستودعات الوقود التابعة للمؤسسة السودانية للنفط للقصف، مما أدى إلى اشتعال الحريق في المنطقة المكتظة بخزانات الوقود.
ويشكو المواطن السوداني عمر مهدي، من منطقة ديم بمدينة بورتسودان، من انقطاع المياه عن منطقتهم أكثر من أسبوع، تكبدوا خلالها إلى جانب العطش مبالغ مالية كبيرة لشراء المياه يومياً من أصحاب عربات الكارو، ووصل سعر البرميل في بعض الأحيان إلى 35 ألف جنيه سوداني (20 دولاراً أميركياً)، ولا تغطي شبكات المياه العمومية معظم الأحياء".
ونوه مهدي بأن "غالبية السكان تعتمد بصورة رئيسة على نوعين من المياه، الأولى مالحة لأغراض الاستخدام العام، ومياه مكررة للشرب والأكل، وأدت الأزمة إلى لجوء كثير من المواطنين لحفر آبار أمام منازلهم، لكنها تجلب ماء مالحة".
من جهته أشار المواطن عاصم عبادي، وهو صاحب سيارة أجرة، إلى أنه "بعد عامين من الاستقرار عادت إلى الواجهة مجدداً أزمة وقود طاحنة في مدينة بورتسودان، إذ يمضي السائقون ساعات طويلة أمام محطات الخدمة، ويضطر آخرون إلى المبيت هناك، وهي ظاهرة لم تكن مألوفة في العاصمة الإدارية منذ اندلاع الحرب".
وأضاف أن "الأزمة تسببت في تعطل جزئي بحركة نقل البضائع وزيادة كلفة المواصلات"، لافتاً إلى أنه لم يتوقع عودة مشكلات اصطفاف وتكدس السيارات للحصول على حصص البنزين.
ولفت عبادي إلى أن "مدينة بورتسودان تعرضت لضغط كبير نتيجة استضافة مئات آلاف النازحين الفارين من الصراع المسلح بغرض الإقامة والعمل أو مواصلة الدراسة، وكذلك تخليص إجراءات السفر إلى دول أخرى، الأمر الذي ضاعف الحاجة إلى الخدمات".
جهود حكومية
إلى ذلك، قالت شركة الكهرباء الوطنية السودانية إن "فرقها الفنية تجري تقييماً للأضرار، والعمل جارٍ حالياً على الصيانة والتأهيل ومن ثم استقرار الإمداد الكهربائي للمواطنين وممارسة أنشطتهم بصورة طبيعية".
في حين وضعت السلطات الصحية مؤسسات ولاية البحر الأحمر العلاجية في حال طوارئ لمواجهة الأوضاع الراهنة الناتجة من الهجمات بالمسيرات التي قد تسفر عن إصابات.
في المقابل، طمأنت وزارة الطاقة والنفط المواطنين إلى انسياب الوقود بصورة طبيعية، مشددة على أنه "لا يوجد ما يدعو إلى القلق"، وأن "الوزارة تحتفظ بخطة وبدائل مناسبة لتجنب حدوث أزمة وقود في البلاد".
قرار مجحف
في الأثناء، وبينما يسود العاصمة الإدارية للحكومة السودانية الهدوء بعد استعادة الحياة الطبيعية، أصدرت لجنة أمن ولاية البحر الأحمر قراراً بإغلاق المقاهي ومحال أصحاب المهن الهامشية في منطقة السوق الرئيس والمواقع الاستراتيجية في المدينة من أجل تعزيز الأمن وتوفير بيئة مستقرة في ظل الظروف الحالية.
ناصر حسين الذي يمتلك دكانة صغيرة في واحدة من شوارع المدينة، يبيع عليها البسكويت وعلب السجائر والأدوات المكتبية لمساعدة أسرته، قال إن "قرار إغلاق محال أصحاب المهن الهامشية مجحف وغير عادل ويمثل صدمة قاسية للمئات، لا سيما في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة لغالبية الأسر"، وأردف "نحن أصحاب المهن الصغيرة نعتمد في تسيير حياتنا على المكسب اليومي، ورزق اليوم باليوم لا يتيح لنا ادخار أي مبالغ كبيرة تعين على تلبية الاحتياجات اليومية في مثل هذه الظروف".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تأثيرات بالغة
على صعيد متصل، أوضح الناشط المجتمعي سالم ضرار أن "تداعيات هجوم الطائرات المسيرة أثرت بشكل كبير في المواطنين بخاصة الأوضاع الصحية لسكان المناطق التي تقع بالقرب من مواقع الحرائق، إذ حدثت إصابات وحالات اختناق".
وأشار إلى "حركة نزوح من الأحياء المحيطة بمستودعات الوقود الاستراتيجية باتجاه الأحياء الطرفية، وكذلك توجه مواطنين إلى مغادرة البلاد نحو مصر".
ولفت ضرار إلى أن "أسعار تذاكر السفر من بورتسودان إلى مصر عن طريق التهريب ارتفعت من 250 ألف جنيه سوداني (100 دولار أميركي تقريباً) إلى 500 ألف جنيه سوداني، (نحو 200 دولار أميركي)".
تصعيد مستمر
ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في أبريل (نيسان) 2023، باتت مدينة بورتسودان مقصداً لآلاف الأسر الهاربة من جحيم القتال. وتعرضت مواقع عدة في بورتسودان، على مدى خمسة أيام متتالية، لهجمات بطائرات مسيرة، منها قاعدة عثمان دقنة الجوية، وقاعدة فلامينغو البحرية، وكذلك مطار المدينة ومستودعات الوقود الاستراتيجية والميناء البحري، وغيرها.
وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر أصوات المضادات الأرضية المتواصلة وتصاعد ألسنة النيران في سماء المدينة.