Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أميركا تتجه صوب زيادة الإنجاب وعودة الأسرة التقليدية

دونالد ترمب يرفض الإجهاض ويلمح لمزيد من الأطفال قبل الانتخابات وبعدها

ترمب يقبل طفلين بعد خطاب ألقاه في جامعة كولورادو عام 2016 (غيتي)

ملخص

إذا كان الخلاف حول قضايا مثل الإجهاض والمثلية سيبقى حاضراً بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، فإن جديد أميركا هو الدعوة الواضحة والصريحة إلى إنجاب مزيد من الأطفال والتلويح بورقة الحافز المادي، وإقرار إجراءات تتعلق بإتاحة التلقيح الاصطناعي لمن يرغب في الإنجاب ويواجه مشكلات.

يكتب التاريخ الكثير بأسماء الرؤساء والزعماء والقادة، فالسجلات تحفل بإنجازات وقرارات وسياسات وتصريحات، يتذكرها بعضهم بالحسنى ويعتبرها بعضهم الآخر سبة، ولولا اختلاف الآراء والمواقف لما كتب التاريخ ولما تذكر العالم، والرئيس الأميركي دونالد ترمب ليس استثناء بل أنه من أكثر الزعماء الذين ضمنوا لأنفسهم قائمة طويلة ومساحة كبيرة ومكانة مميزة في صفحات القرارات والسياسات والإجراءات التي سيتذكرها التاريخ.

ضخ مزيد من الـ "بيبيز"

ضرائب وجمارك، هجرة وحدود وترحيل، ورفع "كفاءة" الحكومة، وترحيل أعضاء عصابات عنيفة، ودفاع عن "تيسلا" ومالكها، علاقة معقدة مع الإعلام التقليدي، وحديث واضح وصريح عن دور الدين في الدولة، وغيرها العشرات من الخطوات والإجراءات والتصريحات التي لا يفتقد أي منها لكل عناصر السخونة والإثارة للجدل والاتفاق التام، جنباً إلى جنب مع الاختلاف التام أيضاً، سياسات وقرارات وتصريحات امتلأت بها الأشهر الأربعة الأولى من حكم الرئيس ترمب، لكن ما صرح به الرئيس قبل أيام عن "البيبيز" أو المواليد، وضرورة ضخ مزيد منهم بسرعة وكفاءة وثقة، يبقى الأكثر إثارة. 

الغالبية المطلقة من الزعماء، وتحديداً رؤساء أميركا منذ تأسيسها، تحدثوا مراراً وتكراراً في خطبهم إلى الأمة عن الأطفال والأسرة والتعليم وصحة الصغار ورعايتهم، فهم يتطرقون إلى الرعاية الصحية للأمهات والصغار ويعتبرون المساعدات التي تقدمها الحكومة أداة معتبرة في الحروب الانتخابية، ويعرفون أن أصوات النساء، ولا سيما الأمهات، مؤثرة في ضبط الدفة أو تعديل اتجاهها، لكن أن يتحدث الرئيس عن ضرورة ضخ مزيد من العيال، ويقول إنه يريد أن يكون "رئيس الإخصاب"، وأن يتخذ البيت الأبيض خطوات لتوسيع نطاق الوصول إلى التلقيح الاصطناعي للأميركيين، فهذا جديد القائمة وأحد أبرز جوانب تفردها.

وحين سأل أحد الصحافيين الرئيس قبل أيام إن كان الحافز المادي أمراً جيداً للنساء، مسمياً إياه "حافز طفل" أو Baby bonus فكر الرئيس لحظة قبل أن يقول بثقة ، ويبدو أن الفكرة أعجبته، "تبدو فكرة جيدة لي". 

ليست فكرة طارئة

هي ليست مجرد فكرة طارئة أو عابرة حتى لو لم تخرج إلى النور أو يثبت عدم فعاليتها أو جدواها، فالفكرة جزء من منظومة أكبر، وهي منظومة فريدة من نوعها في تاريخ أميركا الحديث وغير الحديث، فالدعوة إلى ضخ مزيد من المواليد وعودة العائلات كبيرة العدد، استعادة لشكل العائلة التقليدية المكونة من أب ذكر وأم أنثى وأبناء وبنات، وحبذا كثير منهم، جميعها باتت تشكل هدفاً وخطة وخطوات وإجراءات يجري اتخاذها في البيت الأبيض.


 
خلال حملته الانتخابية أعاد ترمب الحديث غير مرة عن أهمية الأسرة والأبناء للمضي قدماً في استعادة "أميركا العظيمة"، وفي خضم الحملة الانتخابية العام الماضي تواترت التقارير التي تقارن بين المرشحين، ترمب وأبناؤه الخمسة من ثلاث زيجات، ونائبه المرشح جي. دي فانس وأبناؤه الثلاثة، في مقابل المرشحة عن الحزب الديمقراطي كامالا هاريس ودورها في المساعدة في تنشئة ابني زوجها، إذ لم تنجب أطفالاً. 

وذهب فانس حينها إلى الحديث عن "العائلة التقليدية" بكل معاني الكلمة، من دعوة إلى الاعتماد على الأجداد لرعاية الأطفال، إلى ما سماه "الأزمة الحضارية" المتمثلة في انخفاض معدلات المواليد مقارنة بـ "سيدات القطط اللواتي لا ينجبن"، في إشارة حادة وقاسية إلى هاريس التي لم تنجب أطفالاً وتربي قططاً، وهي صورة نمطية للنساء اللاتي لم ينجبن ويربين كثيراً من القطط، مع الإشارة المتكررة إلى الأسرة، حيث الأب الذكر والأم الأنثى، لا تلك الأسر الأخرى التي يؤيدها الحزب الديمقراطي، مشيراً إلى الأسر من المثليين والمثليات وعابري الجنس وغيرهم. 

خلاف ديمقراطي - جمهوري

وإذا كان الخلاف حول قضايا مثل الإجهاض والمثلية سيبقى حاضراً بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، فإن جديد أميركا هو الدعوة الواضحة والصريحة إلى إنجاب مزيد من الأطفال والتلويح بورقة الحافز المادي، وإقرار إجراءات تتعلق بإتاحة التلقيح الاصطناعي لمن يرغب في الإنجاب ويواجه مشكلات.

وفي فبراير (شباط) الماضي وقّع الرئيس ترمب أمراً تنفيذياً يقضي بخفض كلفة التلقيح الاصطناعي وتذليل العقبات التي تحول دون وصول الراغبين إليه، مع خفض كلفته المباشرة وكذلك كلفة الرعاية الصحية المتصلة بهذا النوع من العلاج الإنجابي، مع تذليل العقبات التشريعية التي قد تحول دون الوصول إليه. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قرار البيت الأبيض

وأشار القرار الصادر عن البيت الأبيض إلى "أهمية تكوين الأسرة، وأن السياسة العامة للأمة يجب أن تجعل وصول الآباء والأمهات المحبين والمشتاقين لإنجاب الأطفال أمراً أكثر سهولة"، مضيفاً أن زوجين من كل سبعة أزواج ممن يحاولون الإنجاب يعجزون عن ذلك، ويواجه كثير منهم عقبات مالية كبيرة تمنعهم من الحصول على علاجات التلقيح الاصطناعي التي يجب أن تتاح بكلفة معقولة، وأن التأمين الصحي غالباً لا يغطي الكلفة بأكملها.   

وتضمن القرار أرقاماً تتعلق بعدد المواليد نتيجة التلقيح الاصطناعي والذي بلغ عددهم 85 ألف مولود عام 2021، وأن معدل الخصوبة في أميركاً يشهد "انخفاضاً تاريخياً آخر"، وأن معدل الانخفاض عام 2023 بلغ ثلاثة في المئة مقارنة بعام 2022، وأنه بين عامي 2014 و2020 ظل معدل المواليد ينخفض بصورة مستمرة بنسبة اثنين في المئة سنوياً. 

ذكر التقرير الصادر عن "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" عام 2024 أن احتمالات الإنجاب بين النساء في أميركا انخفضت أكثر من أي وقت مضى، وأن 3.6 مليون طفل ولدوا في أميركا عام 2024، وعلى رغم ارتفاع معدل الخصوبة العام الماضي بنسبة أقل من واحد في المئة تقريباً عن أدنى مستوى قياسي له عام 2023، إلا أنه لا يزال أقل بكثير من معدلات الأعوام السابقة. 

 

"التراشق بالعيال"

واللافت إن التراشق بـ"العيال" ظل سلاحاً سياسياً وصراعاً اقتصادياً وحرباً اجتماعية بين أنصار الحزبين المتنافسين، الديمقراطي والجمهوري، ل عقود، بحسب كتاب "العائلات الحمراء في مقابل العائلات الزرقاء: الاستقطاب القانوني وتكوين الثقافة"، فقد أشار المؤلفان نعومي كاهن وجون كاربوني إلى أن الولايات الزرقاء تتمتع بالقيم والسياسات الليبرالية التي من شأنها أن تؤدي إلى تأسيس أسر قوية ومستقرة، وذلك "بفضل السياسات التقدمية والإجازة مدفوعة الأجر للوالدين والاهتمام بالتعليم الجامعي، والدعوة إلى تأجيل تكوين الأسرة وعدم التعجل. 

وفي المقابل يرى الجمهوريون مثل هذا التفسير قاصراً، معتبرين إياه تفسيراً يفقد مفعوله خارج الدوائر الأكاديمية، وأن قوة الأسرة تكمن في زيادة عدد الأطفال، وأن هناك اتجاه لهجرة العائلات من الولايات الزرقاء (الديمقراطية) صوب الحمراء (الجمهورية)، وهو ما يعني، بحسب الجمهوريين، أن عدداً أكبر من الرجال والنساء يشعر بالثقة في تأسيس وتربية الأسر في الولايات الحمراء مقارنة بالولايات الزرقاء، ودليلهم في ذلك ارتفاع معدلات الخصوبة في الولايات الحمراء مقارنة بالزرقاء. 

"أبو التلقيح الاصطناعي"

الرئيس ترمب أطلق على نفسه إبان حملته الانتخابية عام 2024 لقب "أبو التلقيح الاصطناعي"، وفي مارس (آذار) الماضي قال إنه قريباً سيكتسب لقب "رئيس التلقيح"، وهذه الألقاب والمسميات الصريحة والمباشرة هي امتداد لما يؤمن به الرئيس وفريقه والملايين من قاعدته الانتخابية والداعمون، من ضرورة إنجاب مزيد من الأطفال وتوسيق نطاق الأسر الأميركية، وقد تحدث أكثر من مرة عن خطوات تتخذ لتشجيع الآباء والأمهات الجدد على الإنجاب عبر خصم نفقات المواليد من ضرائبهم، إضافة إلى تيسير التلقيح الاصطناعي، مضيفاً إلى ذلك فكرة حافز الـ 5 آلاف دولار الذي قد تدفعه الدولة نظير إنجاب طفل. 

وقبل أيام سئلت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت عن "حافز الإنجاب" فقالت إن "الرئيس ترمب ينفذ بكل فخر سياسات تهدف إلى النهوض بالأسر الأميركية"، مضيفة أن "الرئيس يريد أن تكون أميركا بلداً ينشأ فيه الأطفال بأمن، ويحققون الحلم الأميركي"، وقالت عن نفسها "بصفتي أماً أفخر بالعمل مع رئيس يتخذ الإجراءات المهمة اللازمة لجعل البلد أفضل للجيل المقبل". 

وليفيت نفسها يعتبرها بعضهم نموذجاً لقيمة تكوين أسرة والإنجاب في سن باكرة، فهي أصغر متحدثة باسم البيت الأبيض وتبلغ من العمر 27 سنة، وهي ومتزوجة ولديها طفل أتم عامه الأول.

عودة الأسرة التقليدية

ويبدو أن فريق الرئيس والمحيطين به يشاركونه الرأي في أهمية زيادة معدلات الإنجاب والعودة للأسرة كبيرة العدد وتأصيل قيمة الأسرة التقليدية، بعيداً من رؤى الحزب الديمقراطي التقدمية والتحررية الموصوفة أحياناً بالمنفلتة وكذلك الهدامة. 

وقال نائب الرئيس خلال "مسيرة من أجل الحياة"، وهي فعالية مناهضة لممارسة وتقنين الإجهاض، إنه يريد مزيداً من الأطفال السعداء وشباباً وشابات رائعين يتوقون لاستقبال هؤلاء الصغار في العالم وتربيتهم، وأن من واجب الحكومة أن تسهل حصول الأمهات والآباء الشباب على كُلف إنجاب الأطفال وجلبهم إلى العالم والترحيب بهم باعتبارهم نعماً"، مضيفاً "أريد مزيداً من الأطفال في الولايات المتحدة الأميركية". 

أما الملياردير المثير للجدل وحليف الرئيس ترمب في رئاسته الثانية بعد عداء ومواجهات خلال فترته الأولى، والمسؤول أو الذي كان مسؤولاً، عن "هيئة الكفاءة الحكومية" الوليدة إيلون ماسك، فحذر في منشور عبر منصته "إكس" من أن معدل المواليد الآخذ في الانخفاض في أميركا يمثل خطراً أكبر على الحضارة من تغير المناخ أو الحرب، مضيفاً "إذا لم يكن لدينا أطفال فلن تكون لدينا حضارة"، مذيلاً ذلك بـ "البشرية تموت"، وعلى رغم أنهم من زوجات مختلفات إلا أن ماسك له من الأبناء والبنات 14. 

لنجعل العائلات عظيمة مجدداً

بعنوان "أميركا، لنجعل العائلات عظيمة مجدداً"، كتب القس طوني لاودن مقالة رأي على موقع "فوكس نيوز" في فبراير (شباط) الماضي  ليؤكد أهمية "الفرصة المتاحة أمام إدارة ترمب لمساعدة الأسرة العاملة والعمل على تقويتها ودعمها من خلال تعزيز الإعفاءات الضريبية لكلفة الأطفال، مضيفاً أن "مستقبل أي مجتمع يمر عبر أسرة، وأنه إذا أرادت أميركا أحياء قوية ومجتمعات صديقة وتعليماً فعالاً ووظائف عالية الجودة، فهذا يعني أننا في حاجة إلى عائلات عاملة قوية تعمل على حسن تربية وتنشئة الجيل المقبل من الجيران والمعلمين وأصحاب الأعمال والقساوسة"، ويلمح بعض الخبثاء إلى توجه خافت ولافت يتبنى منهج إنجاب مزيد من الأطفال كوسيلة للهيمنة أو فرض سطوة فئة بعينها من الأميركيين، وهو تلميح يشير إلى هيمنة مسيحية بيضاء. 

همسات خافتة

وبينما تبقى هذه الهمسات خافتة، وبينما يتركز الجدل في الداخل الأميركي حالياً على جدوى "حافز الإنجاب"، وهل ما تحتاجه الأسر لإنجاب الأطفال هو حفنة من الدولارات، أم نظام دعم ورعاية صحية وتعليمية واجتماعية للأسر، إضافة إلى منصة الشد الديمقراطي المشكك والجذب الجمهوري الداعم لضخ مزيد من الأطفال وتقوية أوصال الأسرة التقليدية، تبقى هناك زوايا أخرى في توجه أميركا الجديد نحو الأسرة والأطفال، فشكل الأسرة وقوامها وعمادها محل بحث من قبل بعضهم، وقد طرحت الكاتبة فايث هيل في "ذا أتلانتيك" عبر مقالة عنوانها "السياسة الداعمة للأسرة التي تحتاجها هذه الأمة بالفعل"، تساؤلات منطقية عدة بدأتها بـ "إذا كانت إدارة ترمب تريد مزيداً من الأطفال، فإنها تحتاج إلى احتضان نوع مختلف من الأهل"، مضيفة "لم تعد الأسر الأميركية كما كانت في السابق، فقد تغيرت على مدى عقود ويرجع ذلك جزئياً لانخفاض عدد الأشخاص الذين ينجبون أطفالاً، ولكن أيضاً إلى اختلاف نوعية الأشخاص الذين ينجبون أطفالاً، فقد زاد عدد الشركاء غير المتزوجين الذين يؤسسون أسراً، وأصبح عدد أكبر من العزاب يربون أطفالهم بمفردهم، بل إن بعضهم يربي أطفاله مع أصدقائه". 

حركة دعم الإنجاب

ومن التفكير في نوعية الأسر وعمادها إلى البحث في التوجهات النسوية التي تعتبر التوجه الجديد اعتداء على ما حققته الحركات النسوية والتحررية على مدى عقود، ومنها إلى أولئك الذين يعانون كلفة المعيشة ويعانون المصاعب الاقتصادية، على رغم وجود طفلين أو طفل أو عدم وجود أطفال، ومنها إلى التخوف من أن تتحول الدعوة إلى إنجاب مزيد من الأطفال إلى قرار أو إجبار، ثم عودة لنقطة البداية حيث أميركا والأميركيين بين حركتين، الأولى تشجع وتروج لزيادة الإنجاب وتمثلها حركة مغمورة اسمها "مع الإنجاب" أو Pronatalist Movement ثم أصبحت أشهر من نار على علم في ضوء توجه الإدارة الأميركية الحالية نحو زيادة الإنجاب، والثانية تتراوح بين المؤمنين بتنظيم أو تحديد الإنجاب وغير الراغبين فيه، ومعهم غير المهتمين، إضافة إلى من يعتبرون الإنجاب من عدمه أمراً شخصياً لا يصح ولا يسمح لأحد أو جهة بالتدخل فيه سلباً أو إيجاباً، حضاً أو منعاً. 

ويشار أن "بروناتاليزم" حركة تؤمن بإنجاب مزيد من الأطفال لمواجهة ما تصفه بـ "خطر انخفاض معدل المواليد"، وتشجعها تيارات يمينية ومحافظة ودينية في دول عدة، وبعضهم يؤمن بها لأهداف أخرى تتعلق بضبط أو تعديل أو تغيير التوازن الديموغرافي لمصلحة مكونات بعينها. 

وينتقد معارضون أفكار هذه الحركة لأنهم يصفونها بالعنصرية والتي تشجع البيض على الإنجاب للحفاظ على الغلبة العددية، لكن واقع الحال يشير إلى أن الإيمان بزيادة معدلات الإنجاب يجمع بين كثر بيضاً وغير بيض.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات