ملخص
ومنذ أن بدأت مفاوضات المسؤولين البريطانيين مع نظرائهم الأميركيين قبل أسابيع تكررت الإشارة إلى أن التفاوض هو على قضايا تجارية محددة وليس اتفاق تجارة حرة مثل التي كانت تسعى إليها حكومة حزب "المحافظين" مع واشنطن عقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست" في 2020.
ارتفع سعر صرف العملة البريطانية (الجنيه الاسترليني) أمام الدولار الأميركي في الأسوق بما يقارب نصف نقطة مئوية (0.4 في المئة) بمجرد تداول أنباء تشير إلى إعلان وشيك لإطار اتفاق تجاري جزئي بين بريطانيا والولايات المتحدة.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب كتب اليوم الخميس على موقعه للتواصل "تروث سوشيال" مؤكداً أن "الاتفاق مع المملكة المتحدة هو اتفاق كامل وشامل، سيرسخ العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على مدى أعوام طويلة مقبلة، نظراً إلى تاريخنا المشترك، من الرائع أن تكون المملكة المتحدة إعلاننا الأول، وستليه العديد من الاتفاقات الأخرى التي هي حالياً في مراحل جدية من التفاوض".
إلا أن وسائل الإعلام البريطانية نقلت عن مسؤولين بريطانيين أن الإعلان يتضمن "إطاراً" لاتفاقات جزئية وليس اتفاقاً تجارياً شاملاً.
ومنذ أن بدأت مفاوضات المسؤولين البريطانيين مع نظرائهم الأميركيين قبل أسابيع تكررت الإشارة إلى أن التفاوض هو على قضايا تجارية محددة وليس اتفاق تجارة حرة مثل التي كانت تسعى إليها حكومة حزب "المحافظين" مع واشنطن عقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست" في 2020.
إلى ذلك، لا يتضمن إعلان اليوم الخميس تفاصيل كثيرة، أكثر من "إطار" للاتفاق وبنوده، ويحتاج كل من ترمب ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر للإعلان سريعاً عن مثل هذا الاتفاق لأسباب مختلفة، كذلك ليس هناك توقيع للاتفاقات، إذ إن ستارمر لم يذهب إلى واشنطن ويشارك في احتفالات ذكرى انتصارات الحرب العالمية الثانية في لندن.
تنازلات بريطانية
ويتركز الاتفاق أساساً على خفض التعريفة الجمركية التي أعلنها ترمب على صادرات السيارات والصلب البريطانية إلى الولايات المتحدة بنسبة 25 في المئة. وهي رسوم غير التعريفة الجمركية "المتبادلة التي أعلنها ترمب في 2 أبريل (نيسان) الماضي، قبل أن يعلق تنفيذها لمدة 90 يوماً.
وفي مقابل خفض الولايات المتحدة التعريفة الجمركية على صادرات السيارات والصلب البريطانية تقدم بريطانيا تنازلات في ما يتعلق بخفض الضريبة على المنتجات الرقمية، التي أثارت غضب شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى من قبل، أيضاً تسمح بريطانيا لمصدري المنتجات الزراعية والغذائية الأميركيين بالوصول بصورة أكبر للسوق البريطانية.
لكن، تبقى الأزمة في تفاصيل الاتفاق حول المنتجات الغذائية والزراعية وما إذا كانت بريطانيا قدمت فحسب خفض التعريفة الجمركية على الواردات أم أيضاً خففت قيود السلامة ومعايير المنتجات، إذ إن الأخيرة يمكن أن تعقد مفاوضات بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي في شأن تعديل اتفاق "بريكست".
على سبيل المثال، تفرض بريطانيا رسوماً بنسبة 12 في المئة على واردات لحوم البقر من أميركا، ويمكن لخفض تلك الرسوم أو حتى إلغائها أن يكون هو التنازل الذي قدمته بريطانيا.
إنما تظل بريطانيا مستفيدة أكثر، إذ إن كل صادرات الأغذية والمنتجات الحيوانية الأميركية إلى بريطانيا لم تزد على 1.1 مليار جنيه استرليني (1.3 مليار دولار) العام الماضي 2024، في المقابل صدرت بريطانيا 100 ألف سيارة إلى الولايات المتحدة العام الماضي بقيمة تزيد على 7.5 مليار جنيه استرليني (9 مليارات دولار).
وقبل فرض التعريفة الجمركية الأخيرة بنسبة 25 في المئة كانت بريطانيا تتمتع بميزة تصدير 500 ألف طن من الصلب إلى الولايات المتحدة معفاة من الجمارك بحسب اتفاق وقع مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن السابقة.
أهمية الاتفاق
ويبدو منطقياً، أن تكون بريطانيا أول دولة تعلن الولايات المتحدة عن اتفاق تجاري معها بعد إعلان التعريفة الجمركية الشهر الماضي، ليس فحسب بسبب ما تعتبره بريطانيا "علاقة خاصة" بينها وبين أميركا، ولكن لأن الحكومة البريطانية تقريباً هي الوحيدة التي لم ترد على إعلان ترمب فرض التعريفة الجمركية بتهديد بإجراءات عقابية مماثلة.
ووفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية وشبكة "سكاي نيوز" البريطانية فإن الإعلان، وأن كان عن "إطار" أو "رؤوس أقلام" لاتفاق تجاري جزئي، يعتبر دفعة لكل من واشنطن ولندن.
فبالنسبة لستارمر وحكومته العمالية يأتي إعلان الاتفاق التجاري مع أميركا بعد أيام قليلة من الإعلان عن اتفاق تجاري بين بريطانيا والهند.
وتحتاج الحكومة البريطانية دفعة إيجابية في ظل الانتقادات التي تواجهها داخلياً بسبب سياساتها الاقتصادية والمالية التي لم تحقق النمو الاقتصادي الذي وعدت به، بل وزادت العبء الضريبي على المواطنين الذين يعانون ارتفاع كلفة المعيشة أكثر. وكانت سياسات الحكومة وراء خسارتها في الانتخابات المحلية الجزئية وانتخابات مبكرة في دائرة برلمانية مطلع هذا الشهر، وهي الانتخابات التي حقق فيها حزب "الإصلاح" اليميني المتطرف بزعامة نايغل فاراغ انتصارات كبيرة رافعاً شعار أنه الحزب المدافع عن الطبقة العاملة البريطانية وليس حزب "العمال" الحاكم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن إدارة ترمب تحتاج إلى الإعلان سريعاً عن اتفاقات مع شركاء أميركا التجاريين لإقناع الأسواق والأعمال بجديتها في تفادي تنفيذ فرض التعريفة الجمركية في حال الاتفاق التجاري مع الشركاء.
وكان وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت أبلغ لجنة برلمانية في الكونغرس قبل أيام أن هناك اتفاقات تجارية عدة على وشك أن تتم على أن يعلن عنها في غضون أيام.
وذكرت التقارير أن هناك 17 اتفاقاً تجارياً مع شركاء أميركا التجاريين الكبار مثل اليابان وكندا والمكسيك وفيتنام والهند والاتحاد الأوروبي سيعلن عنها قريباً، كما أن الصين بدأت رسمياً مفاوضات مع الولايات المتحدة في شأن اتفاق تجاري أيضاً.
الاتفاق مع أوروبا
وعلى رغم تعرض بريطانيا لفرض رسوم تعريفة جمركية على صادراتها من الصلب والألومنيوم والسيارات إلى أميركا، في شهري فبراير (شباط) ومارس (آذار) الماضيين، فإنها لم تتعرض لنسبة كبيرة من رسوم "التعريفة الجمركية المتبادلة".
لذا تبدو التجارة بين لندن وواشنطن متوازنة إلى حد كبير، ويظهر الخلاف فحسب في الميزان التجاري حين تنظر إلى الإحصاءات الرسمية البريطانية أو الأميركية، فإما تحقق بريطانيا فائضاً تجارياً بنحو 89 مليار دولار أو تعاني عجزاً تجارياً بنحو 14.5 مليار دولار.
وقد يبدو الفارق كبيراً، لكن ذلك يعتمد على تضمين مناطق "الأوفشور" البريطانية مثل "جيرسي" أو "غيرنسي" في الحسابات والإحصاءات، وهذه خدمات مالية وليست سلعاً وبضائع، وهي التي يهتم بها ترمب.
وعلى رغم تصريح المسؤولين البريطانيين بأنهم لن يقدموا تنازلات في ما يتعلق بالسلامة الغذائية للسماح باستيراد المزيد من المنتجات الزراعية والغذائية الأميركية، فإن الاتفاق الجزئي يتضمن زيادة واردات بريطانيا من المواد الغذائية والزراعية الأميركية مقابل خفض التعريفة الجمركية على صادرات الصلب والسيارات البريطانية لأميركا. وبانتظار رد فعل المزارعين البريطانيين على الصفقة، خصوصاً إذا كانت تهدد إنتاجهم المحلي أمام استيراد المزيد من اللحوم وغيرها من أميركا.
حكومة ستارمر في حاجة للإعلان عن الاتفاق مع واشنطن قبل التوصل إلى اتفاق آخر يجري التفاوض في شأنه لتعديل اتفاق "بريكست" مع الاتحاد الأوروبي، إذ من شأن أي اتفاق بريطاني مع أوروبا أن يلزم المملكة المتحدة بمعايير السلامة الصحية والغذائية الأوروبية التي تعوق استيراد منتجات أميركية تحظرها أوروبا.
كذلك، إذا توصلت بريطانيا إلى اتفاق مع أوروبا فإن ذلك قد يغضب ترمب، وربما يجعله يتراجع عن الاتفاق مع بريطانيا.