ملخص
قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إيفي ديفرين "استخدمت ’حماس‘ هذه الآليات والجرافات في هجومها على البلدات الإسرائيلية في السابع من أكتوبر 2023، كما استخدمت المعدات التي دخلت غزة حديثاً لأغراض عسكرية"، مضيفاً "رصدنا أن الجرافات تستخدم لانتشال صواريخ من أسفل المباني المدمرة وبواسطتها تحفر الحركة للبحث عن قنابل وتعمل على فتح فوهات الأنفاق".
انتهى يعقوب لتوه من جولته في السوق، عاد خالي الوفاض لا شيء يحمله في يديه، حائراً يكلم نفسه "ماذا سأقول لأطفالي الجائعين"، وعندما دخل شارع بيته سمع صوت قنبلة تخترق الهواء، انقبض صدره كثيراً ودقق النظر في منزله، كأنه شعر أن مسكنه المستهدف.
في لمح البصر تحول بيت يعقوب لأنقاض وركام متناثر، صرخ "أطفالي بالداخل"، لم يمض وقت طويل حتى وصل رجال الدفاع المدني للمنطقة، كانوا يستقلون سيارة إطفاء فقط ولا شيء آخر معهم، عندما شاهدهم الرجل انصدم أكثر.
سؤال عن الجرافات
أين الجرافات؟ بهذه العبارة بدأ يعقوب يخاطب عناصر الدفاع المدني، ويكمل "رأيت الصاروخ يخترق منزلي ويحوله إلى ركام، أطفالي بالداخل، أشعر وكأنهم أحياء، ساعدوني لإنقاذهم، لكن كيف ستفعلون ذلك؟".
هتف رجل الدفاع المدني محمود بصل مخاطباً زملاءه "هيا اجلبوا المعدات"، وأخذ ينادي على أطفال يعقوب تحت الأنقاض "هل هناك أحد على قيد الحياة"، مرت دقيقة فقط حتى أحضر رجال الإنقاذ مطرقة ثقيلة وبعض المعدات البدائية.
كان يعقوب ينظر باستغراب ويخاطب نفسه "ماذا يفعل هؤلاء؟!، بهذه الطريقة الخطر يزداد على عائلتي تحت الأنقاض"، مندهشاً الرجل وربما مصدوماً مما يفعله عناصر الدفاع المدني.
بسرعة تدارك رجل الدفاع المدني محمود بصل الموقف وأخذ يشرح للأب المكلوم "قصفت إسرائيل الجرافات والحفارات والآليات المستخدمة لإنقاذ الأرواح من تحت الركام، لم يتبق أمامنا سوى الطرق البدائية لإنقاذ الأرواح".
تدمير 40 مركبة هندسية
قبل أيام اشتعلت السماء فوق غزة بموجات متلاحقة من القصف استهدفت الجرافات والكباشات والحفارات في مرأب مقر بلدية غزة، ودمرت الغارة الجوية الإسرائيلية المعدات والآليات الثقيلة التي دخلت إلى غزة قبل شهرين ضمن اتفاق وقف إطلاق النار.
ودمرت الغارة الإسرائيلية نحو 40 مركبة هندسية، جزء منها أدخلتها مصر من خلال اللجنة القطرية- المصرية لإعادة إعمار غزة والبقية تخضع لإشراف بلديات القطاع، وشملت معدات متنوعة من جرافات وصهريج نقل مياه محلاة وكاسحة مجاري وصهريج نقل وقود وآليات جمع نفايات وباقر.
كانت لأثر هذه الغارة انعكاسات أليمة على سكان غزة، لم تقتصر على إنقاذ حياة الضحايا تحت ركام القصف، وإنما شملت مختلف جوانب الحياة، ولعل أطفال يعقوب أول ضحايا استهداف تلك المعدات.
الركام متناثر مجدداً
بعد نحو ساعة من تنقيب رجال الدفاع المدني بين الركام على أطفال يعقوب انتشلوا صغيراً مبتور القدم يحاول التقاط أنفاسه الأخيرة ولا يزال ينزف دماً، حضنه الأب وركض به إلى المستشفى لمحاولة إنقاذه.
يقول بصل والذي يشغل منصب المتحدث باسم الدفاع المدني "أصبحنا عاجزين عن توفير الخدمات الأساسية للمواطنين، نتيجة تدمير هذه الآليات العمل في الميدان بات يواجه تحديات غير مسبوقة، كانت تلك الوسائل الحيوية تسهم في إنقاذ الأرواح وتسهيل حركة طواقم الإسعاف والدفاع المدني، وتعمل على صيانة خطوط المياه والصرف الصحي ونقل النفايات وفتح الشوارع".
بعد قصف مكثف استهدف مطعماً شعبياً في غزة كان يقدم وجبات الفلافل، أغلق الركام الشارع بالكامل ولم تتمكن وسائل النقل والعربات التي تجرها الحيوانات من مواصلة الطريق، اتصلت وسام على بلدية غزة لتطلب جرافة تفتح الشارع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"هذا شارع مهم إنه الطريق الوحيد للمستشفى، ونحن في حالة حرب، بقاء الممر مغلقاً يعني أزمة كبيرة" تشرح وسام عبر الهاتف سبب طلبها جرافة تفتح الطريق، لكن موظف البلدية قاطعها "عذراً قصفت الآليات والجرافات الثقيلة المخصصة لهذا الغرض".
ولا جرافة
تقول مهندسة الطوارئ في بلدية غزة منى سكيك "في كل مرة نعيد ترتيب ركامنا، تأتي إسرائيل لتبعثره من جديد، بشكل متعمد قصف الجيش الآليات والمعدات الخاصة بعمليات الإنقاذ وإزالة الركام، هذه الغارة ضمن عملية ممنهجة لمنع عودة الحياة لطبيعتها في غزة".
تضيف سكيك "منذ بداية الحرب عملت إسرائيل بشكل ممنهج على استهداف معدات البلديات، والآن تستكمل تدمير ما تبقى من هذه الآليات وهو ما يعني إضعاف وعرقلة القدرة على الإنقاذ، وكذلك يحول دون فتح الشوارع التي تتعرض للإغلاق نتيجة تدمير المنازل والمباني".
تؤكد سكيك أن إسرائيل تعمل من خلال ذلك على قتل كل أشكال الحياة في القطاع، إذ إن تدمير الآليات سيكون سبباً في عدم قدرة الجهات المختصة على تقديم المساعدة للسكان، وسيؤدي إلى زيادة أعداد الضحايا، وسيكون سبباً في جعل القطاع منطقة غير صالحة للحياة.
تقلب سكيك في هاتفها المحمول بين مقاطع فيديو التقطتها للحظة استقبال الجرافات التي كانت تحمل الأعلام المصرية والقطرية، وتقول "دمرت إسرائيل 164 آلية من مجمل آليات بلدية غزة البالغة 210"، مضيفة "لم يبق لدى البلدية أي جرافة، ومن الآليات المتبقية سيارات رفع القمامة وبعض الشاحنات، وآليات شفط مياه الصرف الصحي".
ليس عشوائياً
من جانبه، يقول مدير الإمداد في الدفاع المدني محمد المغير "هذه المعدات المستهدفة كان يعمل عليها سائقون مصريون، وعندما استأنفت إسرائيل حربها توقفت عن العمل كلياً، إذ عاد السائقون لدولتهم، وقتها جرى التوافق مع اللجنة المصرية على مكان مبيت المعدات داخل مرأب البلدية وتم تزويد تل أبيب بإحداثيات المكان ومنذ ذلك الوقت والمعدات متوقفة ولم تتحرك من مكانها".
ويضيف "ما يحدث ليس عشوائياً، بل هو تنفيذ لسياسة إسرائيلية قديمة تهدف إلى تدمير أي مقومات للحياة المدنية، كل المعدات التي نملكها إما قصفت أو باتت غير صالحة للاستخدام، منذ أيام نقوم بانتشال الضحايا من تحت الأنقاض باستخدام أدوات يدوية".
من جهته، يقول المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إيفي ديفرين "استخدمت ’حماس‘ هذه الآليات والجرافات في هجومها على البلدات الإسرائيلية في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، كما استخدمت المعدات التي دخلت غزة حديثاً لأغراض عسكرية".
ويضيف ديفرين "رصدنا أن الجرافات تستخدم لانتشال صواريخ من أسفل المباني المدمرة وبواسطتها تحفر ’حماس‘ للبحث عن قنابل وتعمل على فتح فوهات الأنفاق".
لكن متحدث "حماس" سامي أبو زهري يقول "كل ما تسوقه إسرائيل من تبريرات ومزاعم هي أكاذيب وروايات مضللة ليس لها أساس من الصحة الهدف منها تبرير جرائمها، واتهامنا باستخدام هذه الآليات كذب، فقد قام الجيش بقصف الآليات التي وصلت أخيراً من مصر، فكيف تكون تلك الآليات مشاركة في عملية السابع من أكتوبر 2023".