ملخص
يسعى ترمب لإحياء أمجاد هوليوود عبر فرض ضريبة 100 في المئة على الأفلام الأجنبية، لكنه يتجاهل تحولات الصناعة وخصوصاً التوجه نحو الإنتاج الرقمي والذكاء الاصطناعي، مما يجعل محاولته ارتدادية وغير واقعية في وجه مشهد سينمائي عالمي جديد، لا يمكن عزله أو التحكم فيه بتعرفة جمركية.
كيف يمكن، بحق السماء، فرض تعرفة جمركية على فيلم سينمائي؟ من الذي سيدفع هذه الرسوم؟ هل هو المشاهد؟ ومتى تدفع، عند شراء تذكرة في صالة عرض أميركية أم عند مشاهدة الفيلم عبر منصة للبث التدفقي على جهاز آيباد، في إيطاليا مثلاً أو البرازيل؟
هناك سبب وجيه أن الرسوم الجمركية تفرض عادة على سلع مادية واضحة المعالم -كسيارة، أو طن من القمح، أو عدد من براميل النفط، أو زجاجات من الويسكي- أما على فيلم سينمائي؟
وهذا ليس إلا وجهاً واحداً من أوجه الخطر واللامعقولية في المبادرة الأخيرة لدونالد ترمب، والتي تتمثل هذه المرة بفرض تعرفة بنسبة 100 في المئة على الأفلام "الأجنبية" (أي غير الأميركية)، سعياً منه إلى "جعل هوليوود عظيمة من جديد".
وكما يحدث كثيراً مع ترمب، فإن هذه الفكرة مشبعة بروح الماضي، إلى حد أنها تحاول إحياء "عصر ذهبي" مضى وانقضى، واستعادة عالم يشبه ذاك الذي كان قائماً تقريباً حينما كان ترمب في طور النمو، زمنياً في الأقل، إن لم يكن عاطفياً. ولهذا السبب قال مستشاره التجاري إن ما يطمحون إليه هو إعادة المشهد الذي كان فيه العمال الأميركيون يركبون محركات أميركية في سيارات "كاديلاك" بمدينة ديترويت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والآن، يبدو أن ترمب يريد استنساخ نسخ عصرية من كاري غرانت وأودري هيبورن لصناعة أفلام تنتج أساساً جنوب كاليفورنيا، وإذا تطلب الأمر تصوير مشاهد تدور أحداثها داخل باريس زمن "الحقبة الجميلة" أو في الكونغو، فليبنوا الديكورات بأنفسهم داخل الاستوديوهات. وليس من قبيل المصادفة أن الرئيس اختار جون فويت وميل غيبسون وسيلفستر ستالون ليكونوا "مبعوثيه الخاصين" إلى هوليوود، فجميعهم، تماماً مثل ترمب رجال أكشن ينتمون إلى زمن مضى.
ففي نهاية المطاف، فإن الصلة الأقوى التي تجمع ترمب بهوليوود هي ظهوره في الفيلم الكلاسيكي الصادر عام 1992 "وحيداً في المنزل 2: تائه في نيويورك" Home Alone 2: Lost in New York، إذ لعب دور شخصيته الحقيقية [أي ترمب]، بطبيعة الحال (فمن عساه يؤدي شخصيته سواه؟).
ومع هيمنة غالبية "اجعلوا أميركا عظيمة مجدداً"، قد يجد هذا الفيلم طريقه إلى سجل الأفلام الوطني التابع لمكتبة الكونغرس، على رغم أن مخرج العمل كريس كولومبوس يخشى تعرضه للترحيل إن أقدم على حذف مشهد ترمب، وهو أمر قال إنه يود فعله الآن.
سياسة ترمب تجاه هوليوود نزعة ارتدادية تتستر خلف قناع السياسات الاقتصادية، ومع ذلك قد يكون لفرض تعرفة جمركية بعض الأثر. فلو افترضنا أن شركة أميركية أنجزت فيلماً روائياً متواضع الموازنة، كلف إنتاجه نحو 10 ملايين دولار (ما يعادل 7.4 مليون جنيه استرليني)، وصرف منها مليونين في التصوير وما بعد الإنتاج في المملكة المتحدة، فإن تعرفة ترمب بنسبة 100 في المئة ستفرض رسوماً إضافية بقيمة مليوني دولار. وسينتقل هذا العبء المالي مباشرة إلى المستهلكين، عبر التذاكر في صالات السينما، أو الرسوم الإضافية لخدمات البث التدفقي، أو الأسعار المرتفعة التي ستدفعها القنوات التلفزيونية مقابل حقوق العرض.
إذا كان الفيلم بريطانياً أو فرنسياً أو كورياً فإن المستوردين -أي أولئك الذين يعرضونه داخل صالات السينما أو يبيعونه عبر الإنترنت داخل الولايات المتحدة- سيتحملون ضريبة بنسبة 100 في المئة من كلفة الاستيراد، شريطة ألا يكون جرى ابتكار العمل أو كتابته أو تصويره أو إجراء عمليات المونتاج عليه في أميركا، إذ في هذه الحالات ستخفض الضريبة بصورة متناسبة.
لكن، هل سيؤدي ذلك حقاً إلى "استعادة أمجاد هوليوود"؟ والجواب لا. فجنوب كاليفورنيا وغيره من المواقع الأميركية ستظل مواقع إنتاج مرتفعة الكلفة، حتى صارت تنافس، ولو قليلاً، أماكن مثل بريطانيا أو أستراليا أو الهند أو نيوزيلندا.
الأرجح أن ما سيحدث، وربما بسرعة، هو أنه لن يصور بعض المشاهد بالطريقة التقليدية بممثلين حقيقيين وديكورات فعلية، بل ستنتج عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي الذي من المتوقع أن يحدث ثورة جذرية في نماذج الإنتاج ويخفض الكلف إلى حد كبير.
وفي الواقع، أصبح هذا السيناريو ممكناً بالفعل، على رغم أن التكنولوجيا مثل معظم الأشياء المتعلقة بالذكاء الاصطناعي لا تزال في بداياتها. ومع توافر حقوق استخدام صورة النجم، قد نشهد أفلاماً "جديدة" تقوم ببطولتها أسماء [راحلة] مثل مارلين مونرو أو جون واين، ولكن في أدوار مناقضة تماماً لصورهم التقليدية وفي بيئات معاصرة بالكامل، قد تظهر مونرو كنجمة مؤثرة مضطربة وعديمة الجاذبية على وسائل التواصل الاجتماعي، في حين يتقمص جون واين دور امرأة متحولة جنسياً تدير شبكة لتهريب البشر في المكسيك. أصبحت مشاهد من هذا القبيل قريبة أكثر مما نظن.
قد نتعلم مع الوقت أن نحب هذه التحولات، أما الأجيال القادمة فلا شك في أنها ستتبناها بحماسة. فجودة هذه الأفلام، إذا تمتعت بنص محكم وسرد قصصي مشوق، قد تجعلها ترقى إلى مستوى أي فيلم "تقليدي"، وربما تتفوق وبخاصة في مجالي الخيال العلمي والرعب. ما المانع من مشاهدة عروض جديدة للثنائي الشهير لوريل وهاردي؟ أو إعادة تقديم كلاسيكيات تشارلي تشابلن، ولكن بأبطال جدد يُنشؤون رقمياً؟
في يوم من الأيام، سيولد ضمن هذا النوع الجديد من الإنتاج الفني مخرجون عباقرة في مقام ستيفن سبيلبرغ وجيمس كاميرون، ومنتجون بحجم صمويل غولدون ووارنر براذرز، سيكون بعضهم صينياً أو هندياً أو من أميركا الجنوبية أو كوريا أو أوروبا. وحينها، ربما لن تبقى صناعة السينما تحت الهيمنة الهوليوودية المعتادة.
صحيح أن مثل هذه الأفلام سيخضع أيضاً للضرائب، لكنها لن تدر عائدات ضخمة كما كانت الحال من قبل، لأن كلفة إنتاجها ستكون أقل بكثير، ولأنها ببساطة لن تصنع في استوديوهات التصوير التقليدية التي عرفناها لعقود تحت نظام النجوم الكلاسيكي. أما الفيلم السردي الذي نشأ مع بدايات القرن الـ20 -بلغته السينمائية الخاصة وأعرافه الإنتاجية الراسخة- فقد يتحول تدريجاً إلى شيء أكثر انفلاتاً وغموضاً، وبملامح أقل قابلية للتعرف عليه.
يريد ترمب استعادة العصر الذهبي لهوليوود كما يحفظه في ذاكرته، لكنه في الحقيقة يخوض مهمة مستحيلة.
© The Independent