Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المسيرات تبدل مسار الحرب السودانية وتدخلها منعطفا خطرا

ما يحدث يطرح تساؤلات عن كيفية حصول "الدعم السريع" على هذا النوع من الطيران عالي التقنية

مكن الجيش السوداني من إعادة تنظيم صفوفه واستعادة زمام المبادرة (أ ف ب)

ملخص

إذا لم يجر تبني حلول عسكرية عاجلة تشمل الاستعانة بتقنيات تشويش واعتراض متطورة، فإن المسيرات ستتحول من وسيلة قتال إلى أداة لتغيير صورة الدولة السودانية بالكامل، ليس فقط في الخرائط ولكن في وظائفها ومكانتها.

باتت الطائرات المسيرة تمثل الذراع الطويلة لقوات "الدعم السريع" بعد أن كان استخدامها يقتصر على الجيش، وأصبحت تستخدم لتعويض الضعف البري وتوسيع نطاق الاستهداف إلى عمق المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.

دخلت حرب السودان المندلعة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" لأكثر من عامين، طوراً جديداً من أشكال القتال بالانتقال من الفضاء التقليدي المتمثل في الصدام المباشر على الأرض إلى التركيز على الطائرات المسيرة، لتصبح اللاعب الأكثر تأثيراً في مسرح العمليات.

في ضوء هذا التطور الجديد في الحرب، تعرضت مدينة بورتسودان العاصمة الإدارية الموقتة للحكومة السودانية، على مدى أربعة أيام متتالية، لهجمات بطائرات مسيرة تتبع لقوات "الدعم السريع" استهدفت مطار المدينة وقاعدة عثمان دقنة الجوية وقاعدة فلمينغو البحرية ومستودعات عامة وبخاصة للنفط في محيط الميناء الجنوبي وجنوب المدينة، فضلاً عن أحد الفنادق.

فكيف ينظر المراقبون لهذا التحول في مسار الحرب؟ وما أهدافه وانعكاساته على اتجاهات وتطورات هذا الصراع؟

تعطيل الحياة

يقول الباحث في الشؤون العسكرية اللواء عمران يونس "بالفعل انتقلت الحرب من حرب تقليدية إلى حرب مسيرات، خصوصاً من جانب (الدعم السريع)، لأنها فشلت في الفترة الأخيرة في التصدي لهجوم الجيش الواسع وإيقاف انتصاراته المتلاحقة بدءاً من استرداد مناطق جبل موية وسنجة بولاية سنار، ثم ودمدني عاصمة ولاية الجزيرة وما حولها من مدن وقرى تتبع لهذه الولاية، فتحرير الخرطوم وإعلان خلوها من هذه الميليشيات".

وتابع يونس "اتجاه هذه المجموعة لضرب واستهداف المواقع الحيوية والاستراتيجية والبنية التحتية في عدد من المدن بالمسيرات له أهداف عدة، منها التأثير في المواطن السوداني بأن يبدي قلقه وذعره من هول هذه الأفعال، وبالتالي يثور ضد الحكومة، فضلاً عن الضغط على الحكومة لتذهب للتفاوض وتحقيق مكاسب سياسية للقوات المتمردة وداعميها من الجانب المدني، ليكون لهم الدور خلال المرحلة القادمة عقب توقف الحرب. كما يؤكد أن القوات المتمردة تسعى إلى تعطيل الحياة وعرقلة جهود إعادة الإعمار والاستقرار، بعد تدفق النازحين لمناطقهم التي استردها الجيش أخيراً".


وواصل "في تقديري أن تحول الحرب إلى هذا المنحى الخطر (حرب المسيرات) هو مسعى إلى إطالة أمد المعاناة ووضع المدنيين في مرمى الحرب، لكن ما يحدث يطرح تساؤلات عن كيفية حصول تلك الميليشيات على هذا النوع من الطيران المسير عالي التقنية".

وبين الباحث في الشؤون العسكرية أن "الجيش السوداني الآن في أفضل حالاته بعد أن تمكن من إعادة تنظيم صفوفه واستعادة زمام المبادرة في هذا القتال، وبكل تأكيد أن ما يملكه من إمكانات وقدرات وعقيدة قتالية وروح معنوية عالية تجعله يتصدى لأية مؤامرة أو مخطط أياً كان نوعه، فالسودان مستهدف من ناحية موقعه وموارده".

انفجار تكتيكي

من جانبه قال المحلل السياسي السوداني عروة الصادق إن "تحول الحرب في السودان إلى طور المسيرات والصواريخ الموجهة يشكل نقلة نوعية تعكس انفجاراً في تكتيكات القتال غير المتكافئ، إذ باتت الطائرات المسيرة تمثل الذراع الطويلة لقوات ’الدعم السريع‘ بعد أن كان استخدامها يقتصر على الجيش، وأصبحت تستخدم لتعويض الضعف البري وتوسيع نطاق الاستهداف إلى عمق المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، وهذا التحول لم يكن مفاجئاً، بل جاء نتيجة منطقية لتراكم عوامل عدة، أبرزها سهولة الحصول على هذا النوع من السلاح من داعمين إقليميين وفشل الجيش في بناء منظومة دفاع جوي مرنة وغياب تقنيات الإنذار المبكر التي تعوق قدرة هذه المسيرات على تنفيذ عمليات دقيقة في وضح النهار، كما حدث في بورتسودان وكسلا ومناطق أخرى".

وأضاف الصادق "الدافع الأساس وراء هذا التحول المدمر هو تفتيت بنية حكومة الأمر الواقع من الداخل من دون الدخول في مواجهات مكلفة، فاستهداف المطارات ومستودعات الوقود ومحطات الكهرباء، ليس مجرد تصعيد عسكري، بل سلاح نفسي وسياسي يهدف إلى إفقاد الحكومة سيطرتها على مواردها الحيوية وخلق بيئة من الرعب والفوضى المدنية تدفع نحو الانهيار البطيء في الخدمات والثقة. لذلك نجد أن المسيرات هنا تتحول إلى وسيلة ضغط استراتيجي ترغم الطرف المقابل على إعادة النظر في خطابه العسكري والسياسي، وتضرب في العمق المدني والسيادي من دون الحاجة إلى السيطرة البرية المباشرة، وهو ما كلف أثماناً باهظة وتكاليف كبيرة".


وأردف "هذا النوع من القتال لن يؤدي بالضرورة إلى حسم سريع للحرب، بل يكرس منطق الاستنزاف طويل الأمد، فكلما تمكن ’الدعم السريع‘ من استهداف منشأة حيوية، يحتاج الجيش إلى أشهر لاستعادتها أو تعويضها، في حين تبقى الكلفة المالية والبشرية والمعنوية على عاتق الدولة ومقتطعة من قوت الشعب السوداني. والحرب بهذا الشكل تتحول إلى معركة عض أصابع، يتفوق فيها الطرف الذي يملك القدرة الأكبر على تحمل الضغط، وتوظيف الضربات إعلامياً وسياسياً، وهذا ما يفعله ’الدعم السريع‘ بنجاح عبر حرب المسيرات".

وزاد الصادق "من جانب الجيش اتضح أن الدفاعات الحالية تعاني فجوات ضخمة، إذ لا يمتلك السودان نظام دفاع جوياً فعالاً قصير المدى، كما أن المنظومات التقليدية من مدافع ومضادات أرضية لا تصلح لاعتراض المسيرات المنخفضة الطيران ذات البصمة الرادارية الضعيفة، وثبت ذلك في العجز عن إسقاط المسيرات التي ظلت تحلق لساعات فوق بورتسودان وكسلا ودنقلا وعطبرة وحتى قاعدة وادي سيدنا بأم درمان، في حين وصلت أهدافها بدقة من دون رصد فعال أو اعتراض مبكر. ومع استمرار هذا القصور، تصبح المنشآت الاستراتيجية كلها أهدافاً سهلة، من بينها محطات الطاقة وخزانات الغاز، بل حتى المقار الحكومية والمناطق الآهلة بالسكان، مما يعمق الكارثة الإنسانية ويزيد حالة النزوح واللجوء، ويضعف من قدرة الجيش على حفظ هيبته الميدانية والسياسية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولفت إلى أن "الخطر الأكبر لا يكمن فقط في الدمار الفوري، بل في ما يستتبعه من فقدان السيطرة على الإيقاع السياسي العام، فالقيادة العسكرية التي لا تستطيع حماية مخازن الوقود أو منع شل حركة الطيران، تصبح عاجزة أمام المجتمع الدولي والمحلي عن الادعاء بقدرتها على استعادة الأمن. وهذا يفتح الباب أمام سيناريوهات أكثر خطورة، من بينها تدخلات خارجية ربما بموجب الفصل السابع، أو تدخل تحت مسمى تحالف بحجة حماية الممرات البحرية أو حماية المدنيين أو محاربة الجماعات المتطرفة، أو تنامي المطالب بحلول دولية تتجاوز السيادة الوطنية".

وختم المحلل السياسي بالقول "ما يحدث اليوم هو أكثر من مجرد حرب طائرات صغيرة، هو اختبار مفتوح لسيادة الدولة وقدرتها على التجدد تحت الضغط. فإذا لم يجر تبني حلول عسكرية عاجلة تشمل الاستعانة بتقنيات تشويش واعتراض متطورة، وإصلاح مسارات التنسيق الاستخباري بين القوات، فإن المسيرات ستتحول من وسيلة قتال إلى أداة لتغيير صورة الدولة السودانية بالكامل، ليس فقط في الخرائط ولكن في وظائفها ومكانتها".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير