Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إخضاع أرباح الأفراد للضرائب في الجزائر لاحتواء الاقتصاد الموازي

يخص المعاملات التي تمارس بطريقة اعتيادية ومتكررة بهدف تحقيق الربح

منعت السلطات الجزائرية "البيع نقداً" لأربع معاملات تجارية بموجب تدابير وردت ضمن قانون الموازنة العامة لعام 2025 (أ ف ب)

ملخص

اللجوء إلى إخضاع أرباح الأفراد للضرائب خطوة تندرج في سياق مواجهة الاقتصاد الموازي من أجل إدماجه في الاقتصاد الرسمي، هو قرار يضاف إلى قرارات أخرى تكشف عن قلق الحكومة الجزائرية من الظاهرة التي تعرقل سرعة تصاعد اقتصاد البلاد.

بات احتواء الاقتصاد الموازي في الجزائر هدفاً رئيساً بعد أن بلغ حجمه أكثر من 75 مليار دولار، بحسب ما قاله الرئيس عبد المجيد تبون في سبتمبر (أيلول) 2021. ومن أجل تحقيق المسعى اتخذت الحكومة قراراً بإخضاع أرباح الأفراد للضرائب، فهل تسهم الخطوة في استعادة الكتلة النقدية المتداولة بعيداً من أعين الرقابة وضخها في الدورة الاقتصادية للبلاد؟

معاملات اعتيادية ومتكررة

وقالت الحكومة إن المعاملات التي يمارسها الأفراد بطريقة اعتيادية ومتكررة بهدف تحقيق الربح، سيجري إخضاعها إلى الضرائب والرسوم، وشددت على أن القرار يخص على وجه التحديد الذين لا يحوزون وثيقة تسمح لهم بممارسة نشاطهم التجاري، وبالتالي يكلف أعوان الإدارة الجبائية بتقدير الطبيعة الاعتيادية والمتكرّرة للمعاملات، بمختلف وسائل المراقبة المنصوص عليها في التشريع الجبائي الساري المفعول.

وأوضح القرار الموقع من طرف وزير المالية، ووزير التجارة الداخلية وضبط السوق الوطنية، أنه في حالة ما إذا تبين تحقيق المعاملات من قبل الأفراد المعنيين، يقوم أعوان الإدارة الجبائية بإرسال إخطارات إلى هؤلاء لغرض تسوية وضعيتهم الضريبية، غير أنه يمكن تحرير محضر المعاينة مباشرة من دون إخطارات مسبقة، إذا ثبت تكرار هذه المعاملات أكثر من ثلاث مرات. وأشار إلى أنه ترسل المحاضر والوثائق المعدة من طرف أعوان مصالح الإدارة الجبائية إلى مصالح وزارة التجارة المعنية إقليمياً، خلال مهلة لا تتجاوز 30 يوماً، ابتداء من تاريخ إعدادها.

الاقتصاد الموازي

ويعرف الاقتصاد الموازي بأنه ذلك الجزء من الاقتصاد الذي يكون خفياً وغير معلن بغرض تجنب الضرائب والقوانين والتنظيمات التي وضعتها الدولة في منظومتها المعيارية التي سطرتها لسير الاقتصاد الوطني، حيث لا يدخل ضمن حسابات الناتج الداخلي الخام للبلد، وهو ﻻ يشمل الأنشطة غير المشروعة فقط، بل أيضاً أشكال الدخل التي لا يبلغ عنها والناتجة عن خدمات مشروعة.

وظاهرة الأنشطة الموازية كانت دائماً تنسب إلى الدول النامية التي يبلغ فيها حجم الاقتصاد الموازي مستويات مرتفعة تصل إلى 40 في المئة من الناتج الداخلي الخام، وحجم عمالة موازية يصل إلى 60 في المئة، إلا أن كل الدول حتى المتقدمة تعاني من الظاهرة بنسب متفاوتة، والجزائر من بين أكثر الدول التي عانت من ظاهرة الاقتصاد الموازي عبر كل المراحل التاريخية لتطور اقتصادها، نظراً لمجموعة من الاضطرابات التي تزايدت بعد تغيير النهج الاقتصادي من الاقتصاد المقيد إلى الاقتصاد الحر.

عدم فعالية المجهودات نسبياً

ويقول أستاذ الاقتصاد عبد الكريم بوفروة، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن الاقتصاد الموازي ظاهرة منتشرة بصورة كبيرة في العالم وتؤثر بقوة في الاقتصاد الكلي للدول، كسعر الصرف والتشغيل والتجارة الداخلية والخارجية وفي الضرائب، موضحاً أنه تنجم عنه العديد من المشكلات الاقتصادية كالبطالة والتهرب الضريبي وانخفاض النمو الاقتصادي. والجزائر كغيرها من الدول النامية تعاني من ظاهرة الاقتصاد الموازي الذي أثر في اقتصادها الكلي، وشدد على ضرورة دعم سياسة إدماج الاقتصاد الموازي في الاقتصاد الرسمي باعتباره يتضمن ثروة يجب استغلالها وتوجيهها بشكل صحيح، وهو ما بات هدف السلطات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويواصل بوفروة أن اللجوء إلى إخضاع أرباح الأفراد للضرائب خطوة تندرج في سياق مواجهة الاقتصاد الموازي من أجل إدماجه في الاقتصاد الرسمي، وهو قرار يضاف إلى قرارات أخرى تكشف عن قلق الحكومة من الظاهرة التي تعرقل سرعة تصاعد اقتصاد البلاد، مضيفاً أنه على رغم الجهود التي تبذلها السلطات في مكافحة الاقتصاد غير الرسمي، إلا أن الواقع أثبت عدم فعالية هذه المجهودات نسبياً في ظل استمرار الأسواق الفوضوية والتجارة الإلكترونية غير القانونية وسوق الصرف غير الشرعي وغير ذلك، داعياً إلى ضرورة سن تشريعات تتماشى وآليات مكافحة الاقتصاد غير الرسمي، وتكثيف عملية الرقابة قصد ردع التجار الفوضويين والأنشطة غير الرسمية المضرة بالاقتصاد الوطني، مع دمج هذه الأنشطة في قنوات الاقتصاد الرسمي.

وأبرز أن الاقتصاد الموازي والفساد الاقتصادي من أسباب تعثر وتأخر الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج القائم على خلق الثروة، مشدداً على أن الوجه غير الشرعي للاقتصاد الموازي يتقاطع مع مختلف أشكال الفساد وبخاصة منه الفساد الاقتصادي، ما يتطلب تفعيل آليات تشريعية ومؤسساتية لمواجهته من أجل تعزيز فرص التنويع الاقتصادي. وختم أن الاقتصاد الموازي بشقه الشرعي يمكن احتواءه والاهتمام به كظاهرة وكمصدر للثروة ومخزن للمبادرات.

75 مليار دولار

وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد كشف عن حجم الاقتصاد الموازي في البلاد وأشار إلى أنه يقدر بنحو 75 مليار دولار وفق التقديرات، وقال: "لا أحد ينكر وجود أموال ضخمة متداولة في السوق الموازية، على رغم أنه لا توجد أرقام رسمية ولا تملك أية هيئة لحد الآن إحصاءات دقيقة"، مضيفاً أن هناك أموالاً كبيرة مخبأة ويجب أن تخرج وتمول الاقتصاد.

وفي السياق ذاته، منعت السلطات الجزائرية "البيع نقداً" لأربع معاملات تجارية بموجب تدابير وردت ضمن قانون الموازنة العامة لعام 2025، واشترطت إتمامها عبر البنوك والمصارف، في إجراء يهدف إلى زيادة التحصيل الضريبي ومحاصرة السوق الموازية، وهي العمليات العقارية التي تشمل أملاكاً مبنية وغير مبنية، ومعاملات البيع التي يجريها وكلاء وموزعو السيارات والآلات والمعدات الصناعية، وشراء اليخوت وقوارب النزهة، واستخراج وثائق التأمين الإجبارية.

إطار تنظيمي قانوني

إلى ذلك، يرى رئيس المجلس الوطني للجباية، بوبكر سلامي، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن إخضاع أرباح الأفراد للضرائب هي طريقة وميكانيزم كانت مصالح الجباية والتجارة بحاجة إليه، إذ يعتبر إطاراً تنظيمياً قانونياً لاحتواء السوق الموازية. وقال إن القرار لا يتحدث عن المعاملات المدنية "المعزولة"، بل التي تتكرر أكثر من ثلاث مرات في العام ما يجعلها تجارية من دون سجل تجاري، وبالتالي تصبح المنافسة غير شريفة أمام التجار الشرعيين، مضيفاً أن الوضع استدعى تدخل الجهات الوصية لتنظيم المعاملات عبر النشاط في إطار تجاري واضح بسجل أو رخصة، أو دفع ضرائب ورسوم على أساس تجاري.

ويتابع سلامي أنه في حال تطبيق القرار بحذافيره، فستكون له أثار اقتصادية هامة جداً، لأن احتواء السوق الموازية خطوة كبيرة، كما من شأنه تحقيق مداخل كبيرة للخزينة العمومية ورفع الناتج المحلي الخام، إضافة إلى الكشف عن حقيقة نسب البطالة، على اعتبار أن هناك عدداً كبيراً من العاطلين من العمل غير مسجلين بسبب نشاطهم في السوق الموازية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير